❞ رواية الوحل و النجوم ❝ ⏤ أحمد لطفي
الوحل والنجوم. أسفل الأرض وأعلى السماء. القوسان اللذان يقع بينهما الإنسان بحياته فيدور خلالهما. تُرى من أصدق من التاريخ إن نظرنا لحياة الإنسان ككل؟ كيف يأخذه الحُب، كيف تعميه السُلطة، كيف تطمسه الغفلة، فيظن نفسه بأعلى عليين، ويهوى به قانون الزمان للوحل. من أصدق من التاريخ؟
..
بهذي الحكايات، ما كتبت سوى عن الإنسان. ضعفه. وقد حفظت العرب أخبارها، وتسامرتها. وتذاكرتها بأوساط الأشراف والسوقة. ومن أصدق من العربي ليستخلص المعنى الرقيق، وإن كان من بعر الآرام من؟!
..
أخذت من أخبار العرب، ما رسمت لهذي الحكايات من خطّ، ضعف الإنسان بين نجمه ووحله. فُتنت بأجأ وسلمى، قصة الحب التي نمت كجذوة نارٍ وسط قشّ، وخبت تحت أقدام الوحل. ما أضعف الحُب وأقسى الجبل. كيف يموت الحُب ولا يُخلد ذكراه سوى جبلين أصمين؟
..
أخذت من أخبار العرب، حكاية تيههم الأعظم، حكاية ملك مكة التائة. ساح في أرض الله مئتي عام، وعاد بموضع الدم الذي نحره ظلما. انحنى الجزع وجفّ الدم. وأخذ الزمان المُلك والقوة. وصار الجسدُ كالعرجون القديم أو أضعف. ما أوهن الإنسان أمام الزمان. ما أوهن الإنسان في وحله.
..
أخذت أيضًا من الأخبار قصة فُسّاق الكعبة، أصحاب التوبة المُعلّقة بين السماء والأرض. وسألت نفسي، كيف يصنع الإنسان الأسطورة؟ كيف يصنع الإنسان آلهته الدُنيا؟ رجعتُ إلى أصل الحكاية، إلى أساف ونائلة قبل أن يصيرا صنمين يُعبدان. وبحثت عن ذي الخُلصة، الصنم الآخر، الذي سيعبد مرّة أخرى لا محالة. لماذا يُحافظ الإنسان على النسيان. لماذا يصنع الإنسان آلهته بيديه؟
..
رحتُ أبحث في الأخبار عن رفقاء، رأيتُ النابغة ومشيت معه بشوارع الحيرة، وقفت معه على باب الملك النعمان. وحكت لي الأحجار قصة الحيرة. وما ناسب اسم مدينةٍ مدينة، مثلما تناسب الحيرة الحيرة. حكت لي الأحجار ملوكها، سيوفها، دروعها الحجرية ونجمها. وحكت لي بعد كل ذلك وحلها. لماذا تطوي الأرض المُدن القديمة كأنها تُخفيها من القادمين. أيخاف الزمان أن يرى الإنسان وحله؟ أفرض على الإنسان تكرار مأساته؟
..
رافقت في الجزيرة من الأحباء كُثر، الشنفرى وامرأ القيس، أبا ذئيبٍ وعدى بن حاتم. رافقت أكيدر في وحله الذي أصرّ عليه. ورافقت السليك في وحله الذي فُرض عليه. قالت أعرب "أعدى من السليك" وقُلت له حين مات "ما أشقى قلبًا منك يا سليك"
..
ورأيت بعيني نهاية الوحل وظهور النور. رأيت نور النبي الذي نما كنجوم الليالي المُحاقية. ورأيت كيف يكون يتحرر الإنسان من دنسه. ورأيت أيضًا أن الوحل مكتوبٌ على الإنسان بين عينيه.
هذا كُل شيء. هُنا نجومٌ ووحل. هنا قصتك أنت، التي ستُحكى بعد ألفي سنة
أحمد لطفي - كاتب وقاص، من مواليد أغسطس ١٩٩٦، خريج كلية الطب جامعة المنصورة ٢٠٢٠.
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الوحل و النجوم ❝ الناشرين : ❞ عصير الكتب للنشر والتوزيع ❝ ❱
من كتب الروايات والقصص - مكتبة القصص والروايات والمجلّات.