📘 قراءة كتاب تفسير المعوذتين من بدائع الفوائد لابن القيم أونلاين
اقتباسات من كتاب تفسير المعوذتين من بدائع الفوائد لابن القيم
فنقول- والله المستعان: قد اشتملت السورتان على ثلاثة أصول: وهي أصول الاستعاذة0 أحدها: نفس الاستعاذة0 والثانية: المستعاذ به0 والثالثة: المستعاذ منه0 فبمعرفة ذلك تعرف شدة الحاجة والضرورة إلى هاتين السورتين0 فلنعقد لهما ثلاثة فصول: الفصل الأول- في الاستعاذة0 والثاني- في المستعاذ به0 والثالث- في المستعاذ منه0
الفصل الأول- الاستعاذة وبيان معناها:
اعلم أن لفظ عاذ، وما تصرف منه يدل على التحرز والتحصن والنجاة0 وحقيقة معناه: الهروب من شيء تخافه إلى من يعصمك منه0 ولهذا يسمى المستعاذ به: معاذا، كما يسمى: ملجأ ووزرا0 وفي الحديث:" أن ابنة الجون، لما أدخلت على النبي، فوضع يده عليها قالت: أعوذ بالله منك0 فقال لها: قد عذت بمعاذ! الحقي بأهلك "0 رواه البخاري0
فمعنى أعوذ: ألتجيء، وأعتصم، وأتحرز0 وفي أصله قولان: أحدهما: أنه مأخوذ من الستر0 والثاني: أنه مأخوذ من لزوم المجاورة0 فأما من قال إنه من الستر، قال: العرب تقول للبيت الذي في أصل الشجرة التي قد استتر بها: عوذ بضم العين وتشديد الواو وفتحها0 فكأنه لما عاذ بالشجرة واستتر بأصلها وظلها، سموه: عوذا0 فكذلك العائذ قد استتر من عدوه بمن استعاذ به منه واستجن به منه0 ومن قال هو لزوم المجاورة، قال: العرب تقول للحم إذا لصق بالعظم فلم يتخلص منه: عوذ؛ لأنه اعتصم به واستمسك به0 فكذلك العائذ قد استمسك بالمستعاذ به واعتصم به ولزمه0
والقولان حق، والاستعاذة تنتظمهما معا، فإن المستعيذ مستتر بمعاذه متمسك به معتصم به قد استمسك قلبه به ولزمه كما يلزم الولد أباه إذا أشهر عليه عدوه سيفا وقصده به فهرب منه فعرض له أبوه في طريق هربه فإنه يلقي نفسه عليه ويستمسك به أعظم استمساك0 فكذلك العائذ قد هرب من عدوه الذي يبغي هلاكه إلى ربه ومالكه وفر إليه وألقى نفسه بين يديه واعتصم به واستجار به والتجأ إليه0
وأصل هذا الفعل: أعوذ بتسكين العين وضم الواو، ثم أعل بنقل حركة الواو إلى العين وتسكين الواو: فقالوا: أعوذ ، على أصل هذا الباب0 ثم طردوا إعلاله فقالوا في اسم الفاعل: عائذ0 وأصله: عاوذ 0 فوقعت الواو بعد ألف فاعل فقلبوها همزة، كما قالوا: قائم وخائف0 وقالوا في المصدر: عياذا بالله0 وأصله: عواذا، كلواذ، فقلبوا الواو ياء لكسرة ما قبلها ولم تحصنها حركتها؛ لأنها قد ضعفت بإعلالها في الفعل0 وقالوا: مستعيذ0 وأصله: مستعوذ، كمستخرج0 فنقلوا كسرة الواو إلى العين قبلها ثم قلبت الواو قبلها كسرة فقلبت ياء على أصل الباب0
فإن قلت: فلم دخلت السين والتاء في الأمر من هذا الفعل، كقوله: فاستعذ بالله، ولم تدخل في الماضي والمضارع، بل الأكثر أن يقال: أعوذ بالله، وعذت بالله، دون أستعيذ واستعذت؟
قلت السين والتاء دالة على الطلب0 فقوله: أستعيذ بالله0 أي: أطلب العياذ به، كما إذا قلت: أستخير الله0 أي: أطلب خيرته0 وأستغفره0 أي: أطلب مغفرته0 وأستقيله0 أي: أطلب إقالته0 فدخلت في الفعل إيذانا لطلب هذا المعنى من المعاذ0 فإذا قال المأمور: أعوذ بالله، فقد امتثل ما طلب منه؛ لأنه طلب منه الالتجاء والاعتصام0 وفرق بين نفس الالتجاء والاعتصام، وبين طلب ذلك0 فلما كان المستعيذ هاربا ملتجئا معتصما بالله، أتى بالفعل الدال على ذلك دون الفعل الدال على طلب ذلك فتأمله!
وهذا بخلاف ما إذا قيل: أستغفر الله0 فإنه طلب منه أن يطلب المغفرة من الله0 فإذا قال أستغفر الله: كان ممتثلا؛ لأن المعنى: أطلب من الله تعالى أن يغفر لي0 وحيث أراد هذا المعنى في الاستعاذة، فلا ضير أن يأتي بالسين فيقول: أستعيذ بالله تعالى0 أي: أطلب منه أن يعيذني0 ولكن هذا معنى غير نفس الاعتصام والالتجاء والهرب إليه0 فالأول: يخبر عن حاله وعياذه بربه، وخبره يتضمن سؤاله وطلبه أن يعيذه0 والثاني: طالب سائل من ربه أن يعيذه0 كأنه يقول: أطلب منك أن تعيذني0 فحال الأول أكمل مجيء امتثال هذا الأمر بلفظ الأمر0 ولهذا جاء عن النبي في امتثال هذا الأمر: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم0 وأعوذ بكلمات الله التامات0 وأعوذ بعزة الله وقدرته، دون أستعيذ0 بل الذي علمه الله إياه أن يقول: أعوذ برب الفلق0 أعوذ برب الناس، دون أستعيذ0 فتأمل هذه الحكمة البديعة!
فإن قلت فكيف جاء امتثال هذا الأمر بلفظ الأمر والمأمور به: فقال:( قل أعوذ برب الفلق- 1) و ( قل أعوذ برب الناس-1)، ومعلوم أنه إذا قيل: قل الحمد لله، وقل سبحان الله، فإن امتثاله أن يقول: الحمد لله، وسبحان الله0 ولا يقول: قل: سبحان الله؟
قلت: هذا هو السؤال الذي أورده أبي بن كعب على النبي بعينه، وأجابه عنه رسول الله فقال البخاري في صحيحه: حدثنا قتيبة، ثنا سفيان عن عاصم وعبده عن زر قال: سألت أبي بن كعب عن المعوذتين، فقال: سألت رسول الله، فقال: قيل لي، فقلت0 فنحن نقول كما قال رسول الله 0 رواه البخاري0 ثم قال: حدثنا علي بن عبد الله، ثنا سفيان، ثنا عبدة بن أبي لبابة عن زر بن حبيش، وحدثنا عاصم عن زر قال: سألت أبي بن كعب قلت: أبا المنذر إن أخاك ابن مسعود، يقول: كذا وكذا، فقال: إني سألت رسول الله، فقال: قيل لي: فقلت: قل، فنحن نقول كما قال رسول الله0
قلت: مفعول القول محذوف وتقديره: قيل لي: قل0 أو قيل لي: هذا اللفظ، فقلت كما قيل لي0 وتحت هذا السر أن النبي ليس له في القرآن إلا بلاغه، لا أنه هو أنشأه من قبل نفسه0 بل هو المبلغ له عن الله0 وقد قال الله له: قل أعوذ برب الفلق، فكان يقتضي البلاغ التام أن يقول: قل أعوذ برب الفلق، كما قال الله0 وهذا هو المعنى الذي أشار النبي إليه بقوله: قيل لي، فقلت0 أي: إني لست مبتدئا0 بل أنا مبلغ أقول، كما يقال لي، وأبلغ كلام ربي، كما أنزله إلي0 فصلوات الله وسلامه عليه، لقد بلغ الرسالة وأدى الأمانة وقال كما قيل له، فكفانا وشفانا من المعتزلة والجهمية وإخوانهم ممن يقول هذا القرآن العربي، وهذا النظم كلامه، ابتدأ هو به0 ففي هذا الحديث أبْيَن الردِّ لهذا القول، وأنه بلغ القول الذي أمر بتبليغه على وجهه ولفظه، حتى أنه لما قيل له: قل؛ لأنه مبلغ محض0 وما على الرسول إلا البلاغ0
الفصل الثاني المستعاذ به هو الله:
المستعاذ به وهو الله وحده رب الفلق، ورب الناس، ملك الناس، إله الناس الذي لا ينبغي الاستعاذة إلا به، ولا يستعاذ بأحد من خلقه0 بل هو الذي يعيذ المستعيذين، ويعصمهم، ويمنعهم من شر ما استعاذوا من شره0 وقد أخبر الله تعالى في كتابه عمن استعاذ بخلقه أن استعاذته زادته طغيانا، ورهقا، فقال حكاية عن مؤمني الجن:( وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا ) الجن 6 0 جاء في التفسير أنه كان الرجل من العرب في الجاهلية إذا سافر فأمسى في أرض قفر قال: أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه، فيبيت في أمن وجوار منهم حتى يصبح0 أي: فزاد الإنس الجن باستعاذتهم بسادتهم رهقا0 أي: طغيانا وإثما وشرا0 يقولون: سدنا الإنس والجن0 والرهق في كلام العرب: الإثم وغشيان المحارم0 فزادوهم بهذه الاستعاذة غشيانا، لما كان محظورا من الكبر والتعاظم، فظنوا أنهم سادوا الإنس والجن0
رسالة (تفسير المعوذتين) للعلامة ابن القيم - رحمه الله تعالى -، وهي مأخوذة من كتابه (بدائع الفوائد)، وفيها بيان معاني المعوذتين، وما ورد فيهما من الأحاديث، والكلام على الحسد, والعين, والسحر, والفرق بين كل منها، وذكر الأسباب العشرة لدفع شر الحاسد، وأجناس شر الشيطان المحيط بابن آدم، كما ذكر قاعدة نافعة: فيما يعتصم به العبد من الشيطان..
حجم الكتاب عند التحميل : 6.3 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'