📘 قراءة كتاب تداول الأسهم المختلطة أونلاين
إن المصلحة في تنمية مثل هذه الشركات ومآل ذلك على اقتصاد المسلمين مصلحة معتبرة، حيث إن الشارع الحكيم تسامح في بعض العقود الفاسدة اليسيرة لأجل مصلحة شرعية أعظم،
حيث نصت فتوى اللجنة الدائمة على أن (المساهمة في البنوك أو الشركات التي تتعامل بالربا لا تجوز وإن أراد المكتتب أن يتخلص من مساهمته الربوية فيبيع أسهمه بما تساوي في السوق ويأخذ رأس ماله الأصلي فقط والباقي ينفقه في وجوه البر)(1).
أما الاتجاه الثاني: فذهب إلى مشروعية المشاركة بالأسهم حيث إنه جاز عموم المعاملة من حيث الأصل في الشركات المختلطة فكذلك يجوز المشاركة في أسهم الشركات بشرط أن يكون المخالط المحرم يسيراً ليس بكثير وتبعاً ليس بمستقل وذلك بالنسبة إلى الأصل العام في نشاط الشركة المباح، لكن أصحاب هذا الاتجاه اختلفوا في الحد الفاصل لليسير المغتفر من المعاملات المحرمة وتحديد الأساس النسبي لاحتساب اليسير دفترياً أم سوقياً وطريقة التطهير وقد مال إلى هذا الاتجاه الشيخ محمد بن عثيمين _رحمه الله_ والشيخ عبدالله بن منيع ومعظم اللجان الشرعية المشرفة على أعمال المصارف كالهيئة الشرعية لشركة الراجحي(2).
يقول ابن عثيمين _رحمه الله_: "إذا كان الإنسان قد ساهم أو كان يريد المساهمة دون أن يسلك طريق الورع فإننا نقول: الحل في هذه الحالة أنه إذا قدمت الأرباح وكان فيها قائمة تبين مصادر هذه الأرباح فما كان مصدره حلالاً فهو حلال وما كان مصدره حراماً فهو حرام مثل أن يصرحوا بأن هذه من الفوائد البنكية فإنه يجب على الإنسان أن يتخلص منها بالصدقة بها لا تقرباً إلى الله ولكن تخلصاً من إثمها"(3).
والإشكالية عند من يرى تحريم المشاركة في الشركات المساهمة المختلطة تكمن في المشاركة بالتصرف أي أن الشريك وهم مجالس الإدارة في الشركات يملكون سلطة التصرف بأموال الشركة ولهم سيادة على تعاملاتها وقد اختلف الفقهاء في حكم دفع المال لمن يتصرف فيه ويكون بعض تعاملاته غير شرعية على مذاهب فقيل بالجواز مع الكراهة، وهو مذهب الجمهور من الحنفية والشافعية والحنابلة وغيرهم قال الكاساني: تصح المضاربة بين أهل الذمة وبين المسلم والذمي والحربي المستأمن..."(4).
وقال العلامة زكريا الأنصاري الشافعي: "وتكره مشاركة ذمي ومن لا يحترز من الربا ونحوه وإن كان المتصرف مشاركهما..."(5).
قال ابن قدامة _رحمه الله_: "فأما المجوسي فإن أحمد كره مشاركته ومعاملته... وهذا والله أعلم على سبيل الاستحباب لترك معاملته والكراهة لمشاركته وإن فعل صح لأنه تصرف صحيح". ا.ه(6). وقيل بإباحة هذه المشاركة مطلقاً دون كراهة وهي رواية عن أحمد وقال حرب الكرماني: "قلت لأحمد: رجل يدفع ماله مضاربة إلى الذمة تكرهه؟ قلت: لا"(7).
وقيل: "يمنع دفع المال ابتداء ويكره بعد وقوعه وهو مذهب المالكية قال العلامة الحطاب الرعيني المالكي: "وأما مشاركة الذمي فالظاهر من كلامه في المدونة أنها صحيحة وإن كانت لا تصح ابتداء"(8).
وبعد هذا يظهر أن الفقهاء فرقوا بين الشركة التي أصل نشاطها محرم وبين الشركة التي أصل نشاطها مباح لكن الشريك قد لا يتحرز عن المعاملات المحرمة فالأولى محرمة قطعاً والثانية فيها خلاف فقهي يدور بين الإباحة والكراهة والمنع الابتدائي.
ولذلك نقول إن الشركات المساهمة التي أصل نشاطها مباح لكن يوجد فيها بعض المعاملات المحرمة اختلف الفقهاء فيها وإن كان الأغلب على إباحتها وقيل مع الكراهة والأصل في المعاملات الحل فيها، ومن قال بالتفريق بين عموم المعاملة مع الشركة كالبيع والشراء والعمل فيها وبين المشاركة فيها بالأسهم بناءً على أن المشاركة بالأسهم فيه إعانة على الإثم وعموم المعاملة لا يدخل في الإعانة فقد بنى هذا القول على اجتهاد غير دقيق حيث فرق بينهما بدون دليل وذلك أن مطلق المعاملة يتضمن معنى المعاونة أيضاً فموظف الأمن الساهر على سلامتها والموظف في إدارة أعمال الشركة الحريص على نجاحها أشد معاونة من المشارك في أسهم الشركة لأيام أو ساعات ولم يستلم أي مبلغ من إيرادات الشركة فالمساهم في الشركة والمعامل للشركة كلهم مشتركون في مناط الإعانة ولكن نقول إن الشركات التي أصل نشاطها وأموالها الإباحة فيجوز العمل فيها ومشاركتها مثل الموظفين في شركة سابك والاتصالات والكهرباء وكذلك المساهمين فيها.
وأما القول بأن المشاركة في الشركات المختلطة حرام لوجود نسبة من المعاملات المحرمة كالربا ونحوه والمساهم في هذه الشركات يعتبر مساهم في الربا سواء قلت نسبة الربا أو كثرت، فنقول إنه من المستقر في نصوص الشريعة أن اليهود أكثر الناس استحلالاً لأموال الناس بالباطل كالربا والغش والاحتيال وغير ذلك ولذلك يقول الله عنهم في سورة المائدة: "أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ"(9)، ومع أن أموال اليهود بهذه الصفة من مخالطتها للكسب المحرم، فإن النبي _صلى الله عليه وسلم_ وأصحابه لم يقتصروا على معاملة اليهود ومعاوضتهم وقبول هداياهم بل تشارك النبي مع اليهود في إنشاء شركة زراعية في منطقة خيبر فقدم النبي _صلى الله عليه وسلم_ الأراضي والآبار كأصول عينية وقدّم اليهود أموالهم وخبرتهم لإدارة الأرض واتفق رسول الله معهم على اقتسام الربح بنسبة 50% لكل طرف كما ثبت ذلك في الصحيحين من حديث ابن عمر أن رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ "دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر وأرضها على أن يعتملوها من أموالهم، ولرسول الله صلى الله عليه وسلم شطر ثمارها"(10). وكان لهذه الشركة أثر في حياة الصحابة حتى قال ابن عمر: "ما شبعنا حتى فتحنا خيبر"(11).
وأعظم ما يستفاد من الحديث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم شارك اليهود في أموالهم وتحت إدارتهم فكانت لهم سلطة الإشراف على التصرفات والعقود التي يبرمونها في زراعة الأرض وغرسها وحرثها مع أنهم لا يتحرزون عن المال الحرام كما ثبت ذلك في النصوص الشرعية ودلت عليه القرائن الواقعية في التعامل معهم.
وحصيلة ذلك أنه لو كانت معاملة ومشاركة أصحاب الأموال والتصرفات المختلطة محرمة أو غير مشروعة لكان أول من يتنزه عنها رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ ولو كان تركها أفضل لكان أول من تركها رسول الله وأصحابه بل بقيت هذه الشركة إلى آخر خلافة عمر _رضي الله عنه_ حتى أجلاهم.
ثم إن المصلحة في تنمية مثل هذه الشركات ومآل ذلك على اقتصاد المسلمين مصلحة معتبرة، حيث إن الشارع الحكيم تسامح في بعض العقود الفاسدة اليسيرة لأجل مصلحة شرعية أعظم، تكون راجحة في علاقتها بمصلحة المسلمين العامة على ما يخشى منه في آحاد هذه العقود الفاسدة ومن ذلك يقول ابن تيمية رحمه الله: وأيضاً فإن الناس محتاجون إلى هذه البيوع، والشارع لا يحرم ما يحتاج الناس إليه من البيع لأجل نوع من الغرر، بل يبيح ما يحتاج إليه في ذلك كما أباح بيع الثمار قبل بدو صلاحها مبقاة إلى الجذاذ وإن كان بعض المبيع لم يخلق وكما أباح أن يشترط المشتري ثمرة النخل المؤبر، وذلك اشتراء قبل بدو صلاحها لكنه تابع للشجرة وأباح بيع العرايا بخرصها، فأقام التقدير بالخرص مقام التقدير بالكيل عند الحاجة مع أن ذلك يدخل في الربا الذي هو أعظم من بيع الغرر وهذه قاعدة الشريعة وهو تحصيل أعظم المصلحتين بتفويت أدناهما ودفع أعظم الضررين بالتزام أدناهما(12).
سنة النشر : 2006م / 1427هـ .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'