❞ كتاب التوريث الدعوي ❝  ⏤ محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف

❞ كتاب التوريث الدعوي ❝ ⏤ محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف

التوريث الدعوي من الدعوة والدفاع عن
قضية التوريث في العمل الإسلامي والدعوة إلى الله تعالى تعني أن يقدِّم السابق للاَّحق خلاصة تجاربه، وعصارة حياته الدعوية، ليبدأ اللاحق من نقطة انتهاء السابق، فهذه القضية إذاً من أهم القضايا الدعوية على الإطلاق؛ لأنها توفر الجهود، وتسدد المسيرة، ويؤمن معها وبها الزلل والخلل، بهذه الكلمات عبر الكاتب "محمد موسى الشريف" عن محتوى مضمون كتابه "التوريث الدعوي"(*).

المقصود بالوريث الدعوي:
ويشرح المؤلف المقصود بمصطلح الوريث الدعوي قائلا: التوريث المقصود في هذا البحث هو ما يتركه السابق للاحق من خبرة أو تجربة أو لوائح أو طرائق في مجال الدعوة خاصة. وقد ذكر الله تعالى في كتابه الوراثة والتوريث مراراً، وذلك علامة على أهمية هذه القضية، وقد كان الأنبياء مهتمين بها أيضاً، فمن ذلك قوله تعالى قاصّاً قول زكريا عليه السلام: (وإني خِفْتُ المَوَلىَ مِن وراءى وكَانَتِ امرَأتي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيِّاً * يَرثُنيِ وَيَرِثُ مِنْءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلهُ رَبِّ رَضِيّاُ) (سورة مريم:5،6) فزكريا عليه السلام يخاف انقطاع النبوة من نسله، ويريد من يرثه: يرث العلم ويرث النبوة، قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى: صوّر حاله، وقدم رجاءه، ذكر ما يخشاه وعرض ما يطلبه: إنه يخشى مَن بعده، يخشاهم ألا يقوموا على تراثه بما يرضاه، وتراثه هو دعوته التي يقوم عليها - وهو أحد أنبياء بني إسرائيل البارزين- وأهله الذين يرعاهم، ومنهم مريم التي كان قيِّماً عليها وهي تخدم المحراب الذي يتولاه... وهو يخشى الموالي من ورائه على هذا التراث كله، ويخشى ألا يسيروا فيه سيرته... ذلك ما يخشاه، فأما ما يطلبه فهو الولي الصالح الذي يحسن الوراثة، ويحسن القيام على تراثه، وتراثه النبوة من آبائه وأجداده. فالرجل الصالح يحرص على أن يُوَرَّث ميراثاً حسناً كما قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (سورة فاطر: آية 32) فيرث الصلاح والخير و القرآن الكريم والدعوة إلى الله تعالى، وهو كذلك يحرص على أن يُوَرِّث العمل الصالح.

قد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة أحاديث يمكن أن يستنبط منها قواعد مهمة للتوريث، ويستنبط منها- أيضاً- عنايته الكبيرة - صلى الله عليه وسلم - بهذه القضية الخطيرة، فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليبلغ الشاهدُ الغائب؛ فإن الشاهد عسى أن يُبَلِّغ من هو أوعى له منه"(أخرجه الإمام البخاري)، فهذا التناقل المشار إليه هو نوع من التوريث.
وقد كان الصدر الأول من المسلمين يشيع فيهم التوريث في كثير من أمورهم، فهذا كتاب الله تعالى وقد ورثوا عمله خلفاً عن سلف وكابراً عن كابر، وورثوا طريقة قراءته كذلك، وهذه أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورثوها بأسانيد متصلة، وقُل الشيء نفسه في الشعر الذي كان ديوانهم، ويتوارثونه جيلاً بعد جيل، وكل ذلك قبل عصر التدوين وانتشار الكتابة والكتب.

أنواع من التوريث:
بعد ذلك يوضح المؤلف أنواع من التوريث ينبغي الاعتناء بها ، فيقول: هناك أنواع من التوريث يحسن إظهارها والاعتناء بها حتى تتم الاستفادة منها، ولأجل أن تتناقلها الأجيال تناقلاً حسناً، وجيل اليوم - بل المسلمون منذ أجيال- مقصِّرون في الاعتناء بها وتوريثها لمن بعدهم توريثاً حسناً، وهذه مشكلة من المشكلات الكبيرة في مجتمعاتنا الإسلامية عامة، وفي البيئات الدعوية الشرعية خاصة وهذه الأنواع هي .
لقاء الدعاة والعلماء والصالحين
إن من أعظم طرق التوريث المخالطةَ المباشرة مع الدعاة والعلماء العاملين والصالحين، فإن أكثر هؤلاء لم يترك مذكرات، ولم يورث كتباً ولا رسائل ولا تجارب مكتوبة، فإن ماتوا ماتت معهم تجاربهم وعلومهم إلا من شاء الله تعالى أن يبقي له ميراثاً تتناقله الأجيال.
وسبيل تعويض ذلك هو الاستفادة من أولئك العظماء في حياتهم، والمكوث معهم والأخذ منهم، فهذه وراثتهم، ولقد حرص السلف على ذلك حرصاً عظيماً، فضربوا بذلك أحسن الأمثلة في اعتنائهم بعلمائهم الأحياء وأخذ ما عندهم من العلم؛ فهذا الإمام مالك بن أنس - إمام دار الهجرة- يقول: "كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه".
كتب الذكريات أو المذكرات
من المصادر الثرية بالتجارب التي تستحق الاعتناء بالتوريث وتوقيف الأجيال عليها كتب الذكريات أو المذكرات، وذلك لأن أصحابها سطَّروا فيها عصارة تجربتهم وخلاصة حياتهم، بعد أن خبروا الحياة وخبرتهم، وعاركوها وعركتهم، وواجهوا مواقف كثيرة خرجوا منها بنجاح أو فشل، وبلوا الناس وعرفوهم، فجاءت تلك الكتب على ما يشتهي القارئ ويحب غالباً. والمذكرات في كل المجتمعات والبيئات ثروة طائلة يعتنى بها وتبرز وتدرس، بل إنها تكون محطَّ أنظار الباحثين الاجتماعيين والناظرين المتدبرين في أحوال وسنن الحياة، والمؤرخين الذين يربطون بتأريخهم الماضي بالحاضر.
وفي ديارنا العربية قصور كبير في التعامل مع المذكرات كتابة وقراءة، أما القراءة فلانصراف أكثر الناس عن قراءة كل نافع مفيد في المجالات الأدبية والاجتماعية والتاريخية والدعوية وغيرها، وأما كتابة الذكريات والمذكرات فإن أكثر العظماء عندنا - وما أكثرهم مقارنة بغيرنا من الأمم والشعوب- منصرفون عن هذه الكتابة لسبب أو لآخر، فيموت الواحد منهم عندما يموت وقد خلَّف حسرة في النفوس من ضياع تجارب كثيرة تناقلتها الألسن والأذهان، ثم أصبحت في طيِّ النسيان كلها أو أكثرها.
اللوائح
اللوائح تضبط قضية التوريث أيما ضبط، وتنقل للأجيال الخبرة على وجه ليس فيه إفراط ولا تفريط، وقضية اللوائح والاعتناء بها قضية مهملة في المؤسسات الدعوية إلا قليلاً منها، وذلك في المؤسسات الحكومية والشعبية وإن كانت الحكومية أحسن حالاً من أختها قليلاً، فتجد تلك المؤسسات والهيئات إذا تغير موظَّفوها أو مسؤولوها فإن مَن يأتي بعدهم يبدأ من المكان الذي ابتدأ منه سلفه، ويقع في الأخطاء نفسها التي وقع فيها مَن قبله، وذلك في مجالات التوظيف، وإدارة الأعمال، والتعامل مع الآخرين، ووضع الخطط.
الاعتناء بمؤلفات الدعاة الأوائل
الدعاة عندما يكتبون إنما يضعون عصارة تجاربهم في مؤلفاتهم، ويقصُّون على الأجيال قصة كفاحهم، وعملهم في دعوتهم، أو يبينون لهم كيف يخطون الخطى الواثقة لاستعادة المجد لأمتهم، والملاحظ أن كثيراً من شباب الدعاة قد انصرف كلياً أو جزئياً عن مؤلفات أولئك الأئمة، وأن عدداً كبيراً من هؤلاء يجهل حتى أسماء تلك الكتب، أو أنه قد اطلع عليها منذ سنوات طويلة خلت فلم يعد يتذكر ما سطَّروه فيها.

عقبات التوريث الدعوي:
لكن قضية التوريث الدعوي تواجهها عدد من العقبات ، من أبرزها:
سوء التخطيط والعشوائية:
وهي آفة كثير من الدعاة، بل إن بعضهم اتخذ العشوائية سبيلاً ومنهجاً لحياته، فلا يسير على هدى مرسوم ويخبط خبط عشواء في كثير من أموره، وفي جملتها قضية التوريث هذه، ومثل أولئك لا علاج لهم على الحقيقة إلا إعادة التفكير بعمق وجدية ليغيِّروا من طريقتهم، ويستقيموا على جادّة تخالف ما هم عليه اليوم، هذا إن أرادوا لدعوتهم أن تنجح يوماً ما، أو أن تحقق شيئاً ملموساً في حياة الناس.
الجهل بأهميته التوريث:
وهذه عقبة كأداء؛ إذ المرء عدوُّ ما يجهل، والإنسان مفطور على حب القديم والخوف من التغيير، وهذا الجهل لا يليق بالأخ الداعية؛ إذ إنه يدعو الناس دوماً إلى الاستفادة من المعطيات والمواهب والطاقات، وإلى القراءة العميقة المستفيدة من كل جديد جيد، فكيف يليق به البقاء على جهله في أمر مهم كهذا؟.
الانشغال بقضايا الساحة الملحَّة:
إن جمهرة كبيرة من العاملين في الساحة الدعوية يشكون من قلة الوقت وكثرة الأعباء، وهذا يعوقهم أحياناً عن كثير من الأعمال المهمة، وقد يعوقهم عن التفكير الصحيح أحياناً أو تغيير المسار إذا ثبت فشله أو ضعفه. لكن ينبغي معرفة أن قضية التوريث من الضخامة إلى الحد الذي لا ينبغي إغفالها أو تجاوزها أو جعلها من القضايا التي تنجز إن اتسع لها الوقت، إذ هي أكبر من هذا وأهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) كتاب : "التوريث الدعوي"، محمد بن موسى الشريف، دار الأندلس الخضراء للنشر والتوزيع، الطبعة
محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ تسبيح و مناجاة وثناء على ملك الأرض والسماء ❝ ❞ الأمن النفسي ❝ ❞ الطرق الجامعة للقراءة النافعة ❝ ❞ الهمة طريق إلى القمة ❝ ❞ معجم المصطلحات والتراكيب والأمثال المتداولة ❝ ❞ العبادات القلبية وأثرها في حياة المؤمنين ❝ ❞ شرح المختار من الرحلات الحجازية إلى مكة والمدينة النبوية ❝ ❞ عجز الثقات ❝ ❞ التنازع والتوازن في حياة المسلم ❝ الناشرين : ❞ دار الأندلس الخضراء ❝ ❞ الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار المجتمع للنشر والتوزيع - جدة ❝ ❞ مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر - جدة ❝ ❱
من كتب الدعوة الدعوة والدفاع عن الإسلام - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
التوريث الدعوي

2002م - 1446هـ
التوريث الدعوي من الدعوة والدفاع عن
قضية التوريث في العمل الإسلامي والدعوة إلى الله تعالى تعني أن يقدِّم السابق للاَّحق خلاصة تجاربه، وعصارة حياته الدعوية، ليبدأ اللاحق من نقطة انتهاء السابق، فهذه القضية إذاً من أهم القضايا الدعوية على الإطلاق؛ لأنها توفر الجهود، وتسدد المسيرة، ويؤمن معها وبها الزلل والخلل، بهذه الكلمات عبر الكاتب "محمد موسى الشريف" عن محتوى مضمون كتابه "التوريث الدعوي"(*).

المقصود بالوريث الدعوي:
ويشرح المؤلف المقصود بمصطلح الوريث الدعوي قائلا: التوريث المقصود في هذا البحث هو ما يتركه السابق للاحق من خبرة أو تجربة أو لوائح أو طرائق في مجال الدعوة خاصة. وقد ذكر الله تعالى في كتابه الوراثة والتوريث مراراً، وذلك علامة على أهمية هذه القضية، وقد كان الأنبياء مهتمين بها أيضاً، فمن ذلك قوله تعالى قاصّاً قول زكريا عليه السلام: (وإني خِفْتُ المَوَلىَ مِن وراءى وكَانَتِ امرَأتي عَاقِراً فَهَبْ لِي مِن لَّدُنكَ وَلِيِّاً * يَرثُنيِ وَيَرِثُ مِنْءَالِ يَعْقُوبَ وَاجْعَلهُ رَبِّ رَضِيّاُ) (سورة مريم:5،6) فزكريا عليه السلام يخاف انقطاع النبوة من نسله، ويريد من يرثه: يرث العلم ويرث النبوة، قال الأستاذ سيد قطب رحمه الله تعالى: صوّر حاله، وقدم رجاءه، ذكر ما يخشاه وعرض ما يطلبه: إنه يخشى مَن بعده، يخشاهم ألا يقوموا على تراثه بما يرضاه، وتراثه هو دعوته التي يقوم عليها - وهو أحد أنبياء بني إسرائيل البارزين- وأهله الذين يرعاهم، ومنهم مريم التي كان قيِّماً عليها وهي تخدم المحراب الذي يتولاه... وهو يخشى الموالي من ورائه على هذا التراث كله، ويخشى ألا يسيروا فيه سيرته... ذلك ما يخشاه، فأما ما يطلبه فهو الولي الصالح الذي يحسن الوراثة، ويحسن القيام على تراثه، وتراثه النبوة من آبائه وأجداده. فالرجل الصالح يحرص على أن يُوَرَّث ميراثاً حسناً كما قال تعالى: (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) (سورة فاطر: آية 32) فيرث الصلاح والخير و القرآن الكريم والدعوة إلى الله تعالى، وهو كذلك يحرص على أن يُوَرِّث العمل الصالح.

قد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - جملة أحاديث يمكن أن يستنبط منها قواعد مهمة للتوريث، ويستنبط منها- أيضاً- عنايته الكبيرة - صلى الله عليه وسلم - بهذه القضية الخطيرة، فمن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ليبلغ الشاهدُ الغائب؛ فإن الشاهد عسى أن يُبَلِّغ من هو أوعى له منه"(أخرجه الإمام البخاري)، فهذا التناقل المشار إليه هو نوع من التوريث.
وقد كان الصدر الأول من المسلمين يشيع فيهم التوريث في كثير من أمورهم، فهذا كتاب الله تعالى وقد ورثوا عمله خلفاً عن سلف وكابراً عن كابر، وورثوا طريقة قراءته كذلك، وهذه أحاديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورثوها بأسانيد متصلة، وقُل الشيء نفسه في الشعر الذي كان ديوانهم، ويتوارثونه جيلاً بعد جيل، وكل ذلك قبل عصر التدوين وانتشار الكتابة والكتب.

أنواع من التوريث:
بعد ذلك يوضح المؤلف أنواع من التوريث ينبغي الاعتناء بها ، فيقول: هناك أنواع من التوريث يحسن إظهارها والاعتناء بها حتى تتم الاستفادة منها، ولأجل أن تتناقلها الأجيال تناقلاً حسناً، وجيل اليوم - بل المسلمون منذ أجيال- مقصِّرون في الاعتناء بها وتوريثها لمن بعدهم توريثاً حسناً، وهذه مشكلة من المشكلات الكبيرة في مجتمعاتنا الإسلامية عامة، وفي البيئات الدعوية الشرعية خاصة وهذه الأنواع هي .
لقاء الدعاة والعلماء والصالحين
إن من أعظم طرق التوريث المخالطةَ المباشرة مع الدعاة والعلماء العاملين والصالحين، فإن أكثر هؤلاء لم يترك مذكرات، ولم يورث كتباً ولا رسائل ولا تجارب مكتوبة، فإن ماتوا ماتت معهم تجاربهم وعلومهم إلا من شاء الله تعالى أن يبقي له ميراثاً تتناقله الأجيال.
وسبيل تعويض ذلك هو الاستفادة من أولئك العظماء في حياتهم، والمكوث معهم والأخذ منهم، فهذه وراثتهم، ولقد حرص السلف على ذلك حرصاً عظيماً، فضربوا بذلك أحسن الأمثلة في اعتنائهم بعلمائهم الأحياء وأخذ ما عندهم من العلم؛ فهذا الإمام مالك بن أنس - إمام دار الهجرة- يقول: "كان الرجل يختلف إلى الرجل ثلاثين سنة يتعلم منه".
كتب الذكريات أو المذكرات
من المصادر الثرية بالتجارب التي تستحق الاعتناء بالتوريث وتوقيف الأجيال عليها كتب الذكريات أو المذكرات، وذلك لأن أصحابها سطَّروا فيها عصارة تجربتهم وخلاصة حياتهم، بعد أن خبروا الحياة وخبرتهم، وعاركوها وعركتهم، وواجهوا مواقف كثيرة خرجوا منها بنجاح أو فشل، وبلوا الناس وعرفوهم، فجاءت تلك الكتب على ما يشتهي القارئ ويحب غالباً. والمذكرات في كل المجتمعات والبيئات ثروة طائلة يعتنى بها وتبرز وتدرس، بل إنها تكون محطَّ أنظار الباحثين الاجتماعيين والناظرين المتدبرين في أحوال وسنن الحياة، والمؤرخين الذين يربطون بتأريخهم الماضي بالحاضر.
وفي ديارنا العربية قصور كبير في التعامل مع المذكرات كتابة وقراءة، أما القراءة فلانصراف أكثر الناس عن قراءة كل نافع مفيد في المجالات الأدبية والاجتماعية والتاريخية والدعوية وغيرها، وأما كتابة الذكريات والمذكرات فإن أكثر العظماء عندنا - وما أكثرهم مقارنة بغيرنا من الأمم والشعوب- منصرفون عن هذه الكتابة لسبب أو لآخر، فيموت الواحد منهم عندما يموت وقد خلَّف حسرة في النفوس من ضياع تجارب كثيرة تناقلتها الألسن والأذهان، ثم أصبحت في طيِّ النسيان كلها أو أكثرها.
اللوائح
اللوائح تضبط قضية التوريث أيما ضبط، وتنقل للأجيال الخبرة على وجه ليس فيه إفراط ولا تفريط، وقضية اللوائح والاعتناء بها قضية مهملة في المؤسسات الدعوية إلا قليلاً منها، وذلك في المؤسسات الحكومية والشعبية وإن كانت الحكومية أحسن حالاً من أختها قليلاً، فتجد تلك المؤسسات والهيئات إذا تغير موظَّفوها أو مسؤولوها فإن مَن يأتي بعدهم يبدأ من المكان الذي ابتدأ منه سلفه، ويقع في الأخطاء نفسها التي وقع فيها مَن قبله، وذلك في مجالات التوظيف، وإدارة الأعمال، والتعامل مع الآخرين، ووضع الخطط.
الاعتناء بمؤلفات الدعاة الأوائل
الدعاة عندما يكتبون إنما يضعون عصارة تجاربهم في مؤلفاتهم، ويقصُّون على الأجيال قصة كفاحهم، وعملهم في دعوتهم، أو يبينون لهم كيف يخطون الخطى الواثقة لاستعادة المجد لأمتهم، والملاحظ أن كثيراً من شباب الدعاة قد انصرف كلياً أو جزئياً عن مؤلفات أولئك الأئمة، وأن عدداً كبيراً من هؤلاء يجهل حتى أسماء تلك الكتب، أو أنه قد اطلع عليها منذ سنوات طويلة خلت فلم يعد يتذكر ما سطَّروه فيها.

عقبات التوريث الدعوي:
لكن قضية التوريث الدعوي تواجهها عدد من العقبات ، من أبرزها:
سوء التخطيط والعشوائية:
وهي آفة كثير من الدعاة، بل إن بعضهم اتخذ العشوائية سبيلاً ومنهجاً لحياته، فلا يسير على هدى مرسوم ويخبط خبط عشواء في كثير من أموره، وفي جملتها قضية التوريث هذه، ومثل أولئك لا علاج لهم على الحقيقة إلا إعادة التفكير بعمق وجدية ليغيِّروا من طريقتهم، ويستقيموا على جادّة تخالف ما هم عليه اليوم، هذا إن أرادوا لدعوتهم أن تنجح يوماً ما، أو أن تحقق شيئاً ملموساً في حياة الناس.
الجهل بأهميته التوريث:
وهذه عقبة كأداء؛ إذ المرء عدوُّ ما يجهل، والإنسان مفطور على حب القديم والخوف من التغيير، وهذا الجهل لا يليق بالأخ الداعية؛ إذ إنه يدعو الناس دوماً إلى الاستفادة من المعطيات والمواهب والطاقات، وإلى القراءة العميقة المستفيدة من كل جديد جيد، فكيف يليق به البقاء على جهله في أمر مهم كهذا؟.
الانشغال بقضايا الساحة الملحَّة:
إن جمهرة كبيرة من العاملين في الساحة الدعوية يشكون من قلة الوقت وكثرة الأعباء، وهذا يعوقهم أحياناً عن كثير من الأعمال المهمة، وقد يعوقهم عن التفكير الصحيح أحياناً أو تغيير المسار إذا ثبت فشله أو ضعفه. لكن ينبغي معرفة أن قضية التوريث من الضخامة إلى الحد الذي لا ينبغي إغفالها أو تجاوزها أو جعلها من القضايا التي تنجز إن اتسع لها الوقت، إذ هي أكبر من هذا وأهم.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(*) كتاب : "التوريث الدعوي"، محمد بن موسى الشريف، دار الأندلس الخضراء للنشر والتوزيع، الطبعة .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

التوريث الدعوي من الدعوة والدفاع عن



سنة النشر : 2002م / 1423هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 817.6 كيلوبايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة التوريث الدعوي

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف - Mohammed bin Hassan bin Aqeel Musa Al Sharif

كتب محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ تسبيح و مناجاة وثناء على ملك الأرض والسماء ❝ ❞ الأمن النفسي ❝ ❞ الطرق الجامعة للقراءة النافعة ❝ ❞ الهمة طريق إلى القمة ❝ ❞ معجم المصطلحات والتراكيب والأمثال المتداولة ❝ ❞ العبادات القلبية وأثرها في حياة المؤمنين ❝ ❞ شرح المختار من الرحلات الحجازية إلى مكة والمدينة النبوية ❝ ❞ عجز الثقات ❝ ❞ التنازع والتوازن في حياة المسلم ❝ الناشرين : ❞ دار الأندلس الخضراء ❝ ❞ الأندلس الجديدة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار المجتمع للنشر والتوزيع - جدة ❝ ❞ مؤسسة الطباعة والصحافة والنشر - جدة ❝ ❱. المزيد..

كتب محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف
الناشر:
دار الأندلس الخضراء
كتب دار الأندلس الخضراء ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ صناعة القائد ❝ ❞ تسبيح و مناجاة وثناء على ملك الأرض والسماء ❝ ❞ صناعة النجاح ❝ ❞ الأمن النفسي ❝ ❞ الطرق الجامعة للقراءة النافعة ❝ ❞ الهمة طريق إلى القمة ❝ ❞ معجم المصطلحات والتراكيب والأمثال المتداولة ❝ ❞ صناعة النجاح رحلة نجاح القرن الحادي والعشرين (ملون) ❝ ❞ حتى لا تكون كلا: طريقك إلى التفوق والنجاح ❝ ❞ شرح المختار من الرحلات الحجازية إلى مكة والمدينة النبوية ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ شمس الدين الذهبي ❝ ❞ طارق السويدان ❝ ❞ محمود شيت خطاب ❝ ❞ د. عبدالعزيز بن عبدالله الحميدي ❝ ❞ محمد بن حسن بن عقيل موسى الشريف ❝ ❞ محمد الشريف ❝ ❞ محمد بن موسى الشريف ❝ ❞ أبو القاسم ابن بشكوال ❝ ❞ د. عوض بن محمد القرني ❝ ❞ محمد الحسن ولد الددو ❝ ❞ سعيد بن ناصر الغامدي ❝ ❞ أبي مريم مجدي فتحي السيد ❝ ❞ عثمان بن جمعة ضميرية ❝ ❞ علي بن عمر بادحدح ❝ ❞ عبد الله بن ضيف الله الرحيلي ❝ ❞ حسن بن على بن حسن الحجاجى ❝ ❞ د.خالد بن محمد الغيث ❝ ❞ جمال بن فضل الحوشبي ❝ ❞ دار الأندلس الخضراء ❝ ❞ صفوان الداودي ❝ ❞ عبد اللطيف بن عبد القادر الحفظي ❝ ❞ ممدوح نور الدين محمد ❝ ❱.المزيد.. كتب دار الأندلس الخضراء