📘 قراءة كتاب خواطر الصباح أونلاين
اقتباسات من كتاب خواطر الصباح
ثقله المعهود نزل المفكر عبد الله العروي في كتابه "المغرب المستحبّ أو مغرب الأماني"، الذي يكمل العدد الرابع من سلسلته المتميزة "خواطر الصباح"، فهو بحسّه النقدي الموصول بالفلسفة والتاريخ والأدب والسياسة، يعرف كيف يستقبل الموضوعات التي ترد على الشأن العام في الداخل والخارج، دون أن يذوب في ثناياها بل يغرف منها مؤشرات جديدة في استعلام ما يستجد في الراهن العربي والغربي، بالارتباط مع الماضي والتطلّع نحو المستقبل.
والكتاب الذي نحن بصدد التقديم له ليس كرونولوجيا أحداث مضت أو كنّاشًا للتدوين التاريخي، بقدر ما هو نوع من الاسترجاع النقدي لمجمل أحداث المغرب في المدة الفاصلة بين 1999 و2007، وهو يمزج بين فن المذكّرات إلى جانب الكتابة السياسية والفكرية النقدية، التي تأتي في نسق خواطريّ أدبيّ خاصّ، وضمن تكاثف معرفيّ ينجذب إلى حقل مفاهيمي سبق أن أصّل له العروي في خماسية: الأيديولوجيا والتاريخ والحرية والدولة والعقل.
هذه الخواطر هي مزيج من التفكير للمستقبل وبعض من الهواجس الفكرية، إضافة إلى جملة من التحسّرات والأسف على ما يقع من موقع "الملاحظ العاجز" (ص 109)، الذي اختار المسافة النقدية "للانكباب على العمل الفكري، إن لم ينفع اليوم وهو الأرجح فقد ينفع غدًا" (ص 111)، وما دام يكتب بما يعبّر عن "حقيقة التاريخ" (ص 118)، فلن يندم على شيء كتبه إذ غالبًا ما يكتبه مخالفًا به النفس، ففي النهاية "الغرض من الكتابة القيام بنقد ذاتي جماعي" (ص 119).
وفي هذا الكتاب استهل الكاتب خواطره بلحظة البيعة التي فصلت بين زمنين وحكمين، متوقفًا على طقوسها الخاصة التي استشكلها في إطار موقعها من الإعلان عن التغيير أو نواياه، وهذ الأمر سينعكس على تركة التقاليد التي عليها نقاش (قضية تقبيل يد الملك مثلاً التي راجت في هذا النصّ، وموقف المؤلّف منها الرفضُ القاطعُ)، لكنها وبحسب منطق العهد الجديد ستبقى تكريسًا لمبدأ "الوفاء والإخلاص" (ص 7)، وعلى الرغم من إضفاء طابع التاريخ عليها بالاستعانة بخدمات مؤرّخ المملكة، فإنّها في نظر الكاتب تبقى تقاليد زاوية أقرب إلى الفلكلور (ص 74).
ووجّه العروي نقدًا لاذعًا للنخب السياسية التي تناضل من أجل تنحية الاستبداد وهي تقف على أرضه وتقوّيه، بدعوى هشاشة المؤسّسات وعدم نضج مناخ التغيير، بل تفشّى هذا السلوك في النشاط اليومي للمواطن العادي، ونما لدى الجمعيّات الحقوقية التي تقفز على المؤسّسات وتلجأ إلى رأس هرم السلطة مباشرة، وبالتالي يطرح الكاتب سؤالاً حادًّا مستفهمًا "كيف يتجذّر الفكر الديمقراطي إذا كان هذا هو سلوك أنصاره المعلنين؟" (ص 16)، فالخلاصة إذن ودائمًا حسب الكاتب "الاستبداد جميل ومريح ومفيد للكثيرين" (ص 37).
وتحدّث الكاتب عن الانتقال الديمقراطي في المغرب لحظة تقلّد اليوسفي رئاسة الحكومة، مقارناً تجربته بتجربة عبد الله إبراهيم من حيث تشابه المقدّمات وتشارك النتائج، إلى حدّ سماه بإعادة تمثيل مسرحيّة 1960 (ص 8)، وشدّد على أنّ ما لم تفلح حكومة التناوب في تحقيقه هو سياسي، والسياسة هي تعامل مع الحاضر وليست انشدادًا إلى الماضي (ص 72).
وأومأ إلى مسألة عزل رجل الدولة المهاب إدريس البصري وتداعياتها، على الرغم من أنّه بحسب الكاتب يبقى في منطق السلطة يدًا للتنفيذ لا غير (ص 18)، ثم عرّج على خلاصات رسالة الفقيه البصري وخفاياها السياسية ملحًّا على أنّها خارج الصدف التاريخية، وطريقة التعامل معها تؤكد "أنّنا نعود القهقرى بانتظام والمسؤولية مشتركة" (ص 36).
حلول الانتخابات ليس إلاّ لحظة لتقسيم الغنائم، لا مشاريع حزبية توزّع للناخبين، ولا ديمقراطية في التنظيمات، تشرذم وتنافس وبحث عن المناصب هو سيد الموقف، حتى الكتلة الوطنية تشتّتت، "وبعد كل هذا يتعجّب البعض من تحرّكات المخزن" (ص 85)، وهو يجد في الأحزاب خزّانًا للكفاءات يختار منها كيف يشاء.
ذهبت حكومة التناوب وجاء دور التيكنوقراط وغابت المنهجية الديمقراطية، لكن السؤال الأهمّ إذا كان التصويت حرًّا هذه المرة، "لماذا لم يحصل أيّ تغيير؟" (ص 83)، والحصيلة أنّه تتغير الوجوه وتتجدد المفاهيم، وتتداول الحكومات ويبقى وجه السلطة ذو الجلال والإخضاع، فلا حكومة فوق العادة والنظام هو هو، والاستقرار مضمون داخليًّا على الرغم من بعض القلاقل الخارجية (قارن بما ورد في ص 57).
وبالتالي تكون الوصفة حسب العروي، مغرب "سياسته الداخلية في غاية الإتقان لا يفرز معاقدها إلا النبيه المحنّك، وسياسته الخارجية غبيّة إلى أقصى حد" (ص 138).
تبقى شروط تحقيق مغرب الأماني عصيّة على الظفر، وهي دومًا تبقى ضمن حلم المثقّف الذي له سوابق مخيّبة مع السلطة وأحيانًا مع المجتمع، الذي يتقدّم خطوات في اتجاه غير ذاك الذي يرسمه هذا المثقف.
فالواقع لا يرتفع ويمضي الأمر إلى غير أهله يدبّرونه كيفما شاؤوا، بعيدًا عن فاعلية المثقف إلا من حيث هو يشير على أولياء هذا الأمر من موقع الناصح الأمين، (قارن بموقف الكاتب من الرسالة الموجّهة له من القصر بمناسبة اجتماع المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان ص 36، وقارن بإشاعة كونه ما يزال مستشارًا ص 97)، أو يظلّون قابعين في حصونهم الفكرية (سيما أنّ للكاتب سوابق في العمل النضالي أوشكت على زجّه في السجن كما في محاكمة خريف 1963، قارن بما ورد في ص 43)، أو تائهين بين السطور التي لا تشقّ طريقًا إلى نقطة الفعل السياسي، ولذلك يفضّل صاحبنا القطيعة النقدية معلنًا صراحة "لن أشارك أبدًا في أي نشاط يدخل في هذا الإطار" (ص 38)، واقتنع أنّه لا يُستخدم "لا من هذا الطرف ولا من ذاك" (ص 120).
يبقى إذن المغرب المستحبّ كما يريده العروي بعيد المنال أمام زحف السلطة السياسية على المشهد العام، وأمام تقدم كل المؤشرات في اتجاه تغليب منطق الإخضاع السياسي، وتدجين النخب الثقافية والسياسية لغاية موحّدة تصبّ في صالح الدولة العميقة، وثمة توجد أقلية يسارية مصمّمة على التغيير، ولكنها تخشى من انقلاب القواعد وسطوة اليمين، وما أشبه المغرب في هذه الحالة بفرنسا (ص 67).
ولهذا ينزع العروي إلى تعرية السلطة وخدّامها، مقتنعًا بأنّ "الإرادة الإصلاحية القوية والمستمرة لم تكن موجودة، المسؤولون يبغضون كل تغيير، وألحوا بدون شك ومنذ البداية على أنّ الحكمة هي في السير على خطّة مَن سَلَف" (ص 36).
فمركزية الحكم خلقت وعيًا ممزّقًا عند المواطن وعند الدولة معًا، فمن جهة "نطالب الحكومة بنتائج فورية، ومع ذلك لا نريدها منسجمة ولا مطلقة التصرّف" (ص 46)، وتبقى وزارة الداخلية فوق كل اعتبار حكومي، فهي الناطق الرسمي باسم القصر (قارن ب ص 6 وص 54).
في خلاصة نقدية للموضوعات السياسية وأحداثها، يضع الكاتب النقطة المفصلية أمام النظر الفلسفي في نقد شؤون السياسة في المغرب وفي غيره، ليوضّح أنّ "السياسة بمعناها العصري طارئة على المجتمع المغربي، المفهوم التقليدي الخلدوني هو المسيطر على الأذهان" (ص 39)، وهذا ما جعله يتهكم من ملخّصات كان قد أعدها في موضوع "جذور الوطنية المغربية"، ثم يطرح سؤالًا مفاده: "بم أثّرت ثقافتنا الوطنية"؟ (ص 70) تعبيرًا عن هذا القلق، ليمضي به هذا الإحساس إلى حد يجعله يفكّر في وقف متابعة هذه الخواطر، فلا جديد يضاف (ص 76).
وربّما يأمل الكاتب أن تهبّ رياح الفكر السياسي الغربي على العقل السياسي العربي لكي يعانق الكونية، بداية من تأملات مونتسكيو ومرورًا بأفكار روسو، اللذيْن تعلّق بهما الكاتب كثيرًا.
لم يختف "الآخر" في الخواطر، سيما أنّ الكاتب لم يحدّد نفسه بإحداثيات الجغرافيا بل آمن "بوحدة التاريخ" (ص 32)، لكنه يبدو أنّ هذا الآخر في بعض تمظهراته أو تشكلاته لا يتفاعل مع من هو من جنس الكاتب، وهو الأمر الذي جعله يستنتج أنّ "الآخر لا يستمع لمن ينتمي إلى مجتمع متجاوَز، إلا في إطار المتجاوَز" (ص 32)، وهذه العلاقة تصل إلى حد وصف العرب بالبرابرة أكاديميًّا وسياسيا
الادب- الادباء- ادبية متنوعة-دراسات ادبية-خواطر ادبية- يوميات وخواطر
سنة النشر : 2007م / 1428هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 4.7 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'