❞ كتاب كلام محمد - رؤى محمد ❝  ⏤ عبد الكريم سروش

❞ كتاب كلام محمد - رؤى محمد ❝ ⏤ عبد الكريم سروش

مقدمة المترجم:

يأتي كتاب "كلام محمد.. رؤيا محمد" ضمن تسلسل منطقي لما ابتدأه سروش في بسط التجربة النبوية ومن قبلها في القبض والبسط في الشريعة ، فالمنهج الذي رسم معالمه في القبض والبسط وارسى دعائمه في مجال التفرقة بين الدين والمعرفة الدينية، أوصلهّ الى البحث في الكلام الإلهي الذي هو نتاج التجربة الروحية الرائدة للنبي، والتي انعكست في الكتاب الإلهي بكل ما تحويه تلك التجربة البشرية المحددة بحدود جغرافيا وثقافة الجزيرة العربية، وللنبي الدور الأكبر في صياغة الوحي واشراك الناس في خلاصة تجربته الاشراقية، ولم يكن مجرد ميكرفون يعكس صدى كلمات الملاك يقرّها في اذنه ويدعوه الى القاءها على مستمعيه بذات الالفاظ والصيغ الكلامية العربية.

ابتدأت التجربة سهلة يسيرة ثم أصبحت تجربة ثرية بمرور الأيام، واصبح النبي اكثر نبوة من ذي قبل، وهذه المقدمات تكفّل ببيانها كتابه "بسط التجربة النبوية"

لكن بعض تلك المقدمات التي بسط سروش الكلام فيها ضمن التجربة النبوية لم تعد كافية لإيضاح طريقة وصول الوحي الى الناس، تلك المقدمات التي أوصلته الى القول بأن كلام الله هو ذات كلام محمد؛ اذ لازالت هناك إشكالية كلامية عويصة تحوم حول المبدأ والمعاد بل الكلام الالهي برمته، وهناك علامات استفهام كبيرة ذهب الكلاميون والمفسرون فيها مذاهب شتى دون جدوى، فهل ان الله يتكلم لتقع المعركة الكبرى حول كلامه و انه قديم او حادث ، وهل ان النبي في رحلته الى ما وراء التأريخ كانت بجسم طار في الآفاق او بروح عرجت الى الملكوت ، و الخلط ما بين الطبيعة وما وراء الطبيعة هو السبب الذي جعل الشهب المادية تحرق الشياطين غير المادية ، و تجعل من عرش الرب على الماء ، و يحمل العرش يومئذ ثمانية من الملائكة ، وما الى ذلك ...

اذن لابد من طريقة للفصل بين الطبيعة وما وراء الطبيعة ، ولابد من لغة دينية تجعل من الميتافيزيقيا العالية اقل وطأة على الاذهان في بيان الآيات من تلك الطريقة التي اعتادها المفسرون .

نزول الآيات الأولى اقرأ باسم ربك في غار حراء على النبي وهو مستغرق ما بين اليقظة والنوم، وعروجه الطويل الى الملكوت متنقلاً بين السماوات السبع وهو لم يبرح فراشه بشهادة زوجه عائشة، وشهادة الصحابة له وهو في حالة من اللاوعي ليقرأ عليهم بعض ما اوحي اليه بعد اليقظة ، و رؤيته للاعداء في المنام وهم قلّة قليلة ليتحقق النصر عليهم على ارض الواقع وهم الكثرة المتكثرة … تلك مؤيدات و شواهد على ان لغة القرآن لغة رؤيا وليست لغة يقظة .

وبها ستحلّ إشكالية الكلام الإلهي من أساسها ، وحالة التشويش في النظم القرآني الذي يفتقر الى وحدة الموضوع في السورة بل في الآية، وسورة المائدة خير دليل على ذلك ، و إشكاليات أُخر ترتبط بعموم النص القرآني الذي يواجه نوعين من القراءة ، قراءة يشوبها الغيب واُخرى تعلوها الشهادة ، فالكلام عن غير المرئيات كالملائكة والقيامة والعرش يصبح البيان القرآني تصوير فني ، اما الكلام عن المرئيات والأوامر والنواهي فيلاحظ في البيان عالم من الواقعية واليقظة ، وكأن العين التي غشيَها النوم قد صحت و حلّت اليقظة محلها ، بل ان اللغة الحاكمة على النص في العموم هي لغة رؤى .

وهنا ينتقل سروش الى مرحلة جديدة في رحلته مع الوحي والتي دامت اكثر من خمسة وعشرين عاماً ...

ابتدأ في بيان نظرية الرؤيا من خلال مجموعة مقالات أسماها " محمد راوي الرؤى النبوية " حاول من خلالها اثبات ان النص القرآني هو اقرب الى لغة الرؤى والاحلام منه الى لغة اليقظة ، والنبي راوٍ لمشاهد ومناظر كان قد رآها حقيقة في الرؤيا ، ومشاهد القيامة مثلاً كان قد رآها بالفعل ونقلها الينا ليشاركنا تجربته القدسية الفريدة ، وهي من سنخ التجارب التي يمرّ بها العرفاء والمتصوفة لكنها اكثر عمقاً ، اذ النبي لشدة قربه من الله صار الهياً فيما يقوله ويفعله .

تلك المقالات لم يصدرها سروش في كتاب مستقل وانما هي خمس مقالات مكثفة استوعبت الفكرة كاملة ، ثم عززها بسادس للرد على النقاط العشر المثارة على النظرية من قبل منتقديه .

كنت متابعاً للمقالات كعادتي ملاحقاً لسروش في كل ما يقوله ويكتبه ، ،منذ نشره للحلقة الأولى من تلك المقالات في الموقع الالكتروني " جرس " ، والتي لم تثر السخط الذي كنت اتوقعه في البدء في الأوساط الإيرانية لغرابة التقاط المثارة في تلك المقالات سوى من الدكتور عبد العلي بازرگان وهو ابن المهندس مهدي بازرگان رئيس الحكومة المؤقتة التي شكّلها السيد الخميني عقب الإطاحة بنظام الشاه والتي حُلّت فيما بعد اثر استقالة بازرگان ثناء احداث احتلال السفارة الامريكية من قبل ما اسموهم بالطلبة السائرين على نهج الامام .

عبد العلي بزرگان المتخصص في علوم القرآن جمعته جلسة حوارية متلفزة مع عبد الكريم سروش بثتها قناة ال " بي بي سي " القسم الفارسي، تحدّث فيها عن اعتراضاته على نظرية الرؤيا ، ثم نشرَها فيما بعد بطريقة مسيئة نوعاً ما لأجوبة سروش على اعتراضاته ، و يظهرها كإجابات ضعيفة وغير مقنعة ، الامر الذي دعاه لكتابة رد متين على اعتراضات بازركان ونشرها في كتاب " كتاب محمد … رؤيا محمد "، وهو الكتاب الذي بين ايديكم بترجمته العربية .

وبعد مناقشات طويلة مع بعض الأصدقاء من ذوي الخبرة في مجال المعرفة الدينية بما جاء في تلك المقالات ، اقترحوا علي ترجمته الى العربية ليكون في متناول ايدي القراء العرب بفكرة جديدة لم يسبق لاحد ان تفوّه بها، لكني تريثت لحين صدورها في كتاب مستقل من قبل سروش، والظاهر ان المؤلف اكثر تريثاً في انتظار رود الأفعال لتنضج الفكرة اكثر فأكثر ، ولم يصدرها بكتاب مستقل وبقيت كما هي ستة مقالات لا اكثر .

من خلال مراجعاتي لبقية المفكرين الإيرانيين كمصطفى ملكيان ومجتهد شبستري ممن كتب في مجال اللغة الدينية والوحي على الخصوص ، وجدت الشبستري قد كتب في مجال الهرمونيطيقا والعلاقة بين المتلقي والنص ، وتوصل الى نتيجة مفادها استحالة ان يكون الكلام المنسوب الى الله هو نفسه الذي يسمى كلاماً في عالم الانسان و بذات الصيغ والدلالات، والكلام بهذا المعنى يُعد ظاهرة بشرية لا يتحقق لها وجود الا في عالم الذهن ، وطريقة حياة الناس، ولايعقل حصوله خارج عالم الانسان ..

وعليه فأفتراض ان نبي الإسلام قد حصل على نص القرآن بجميع ألفاظه وعباراته ومعانيه ، هذا الافتراض غير معقول عند مجتهد شبستري .

واستدل على كلامه بمجموعة من القرائن والشواهد اثبتها بشئ من التفصيل في كتابه " قراءة بشرية للدين " .

بهذه النتيجة يكون سروش والشبستري يسيران في اتجاه واحد مع اختلاف في المنهج والمقدمات لكل منهما .

الشبستري اتخذ منهج الهرمونيطيقا وطبقه بذكاء مفرط على النص الديني ، وادعى ان مقدماته اكثر سلاسة من مقدمات سروش في نظريته للرؤيا التي وصفها بأنها " ليست ابداعاً وفيها طنين اسبينوزي " نسبة الى سبينوزا الذي كانت آراءه في مجال الوحي النبوي محطاً لنظر سروش على مستوى الاستيناس بأفكاره وليس تابعاً لها .

هذا الامر شجعني على ترجمة المقالات الستة ، بالإضافة الى آراء الشبستري في الموضوع ذاته والتي ضمّنها في كتابه " قراءة بشرية للدين " الذي ترجمه السيد احمد القبانجي ، و قراءتين مختلفتين اُخريين للنص القرآني لعابد الجابري و محمد اركون ، فخرج الكتاب يحمل ذات العنوان " الاحلام النبوية " سنة ٢٠١٨ بالتعاون مع الاخوة في دار أمل الجديدة بدمشق .

الى ان اُعلن عن صدور الكتاب من قبل " مدرسة مولانا " المهتمين بنشر آثار الدكتور سروش، وقد شاركوني مشكورين نسختى من كتاب " كلام محمد ... رؤى محمد " فوجدت بين دفتى الكتاب المقالات الستة مع الرسائل المتبادلة بين سروش والشيخ جعفر سبحاني ، بالإضافة الى الاعتراضات الواردة على النظرية و ردود سروش عليها، وكانت بالاضافة الى اعتراضات عبد العلي بازرگان هناك اعتراضات لحسين واله و محسن كديور وحسن الانصاري، والتي اضفت على النظرية شيئاً زادها وضوحاً، وجعلت سروش يتعمق اكثر في بيان منهجيته التي اختطها في كتابه، ويرفع الغموض عن بعض المبهمات التي تكتنف النظرية ، لكن لُب النظرية هي تلك المقالات الستة التي نشرها سروش في موقع جرس وقد ترجمتها والحقتها في كتابي " الاحلام النبوية " و ما عدا ذلك هو توضيح للنظرية والرد على الاعتراضات الواردة وهي مهمة أيضا بطبيعة الحال .

وكان إصرار الأستاذ الصديق محمد رسول المشرف على دار آبكالوعلى ترجمة الكتاب امر لا يمكن التمنّع عنه سيما ان قسطاً وافراً من الكتاب قد تمت ترجمته بالفعل ، ولم يبق سوى إعادة النظر في ترجمة المقالات الستة و ترجمة الاعتراضات وهي كثيرة وقد اخذت ثلاثة ارباع الكتاب .

لكن واجهتني مشكلة الاستشهادات الكثيرة لأبيات مولانا جلال الدين الرومي العميقة المغزى والتي ينبغي اظهار معانيها المتعالية بلغة بلاغية تقترب من لغتها الاصلية وهذا العمل بحق صعب عسير .

لكن عليّ إتمام المهمة وإخراج الكتاب بأسلوب هو الأقرب الى لغة سروش وافكاره .

استطيع ان ادعي الاقتراب الفكري الكبير من الدكتور سروش والادراك التام لأفكاره مذ بدأ يكتب حول الذاتي والعرضي في الأديان ، وسلسلة مقالاته التي اججت معركة فكرية حامية الوطيس بينه وبين اقطاب الحوزة العلمية في قم المتمثلة بناصر مكارم الشيرازي وجعفر سبحاني في تصعيد خطير و رسائل متبادلة ولغة ابتعدت كثيراً عن الأجواء الثقافية حينما وصف مكارم الشيرازي سروش بالمادي المتكبّر ليرد عليه سروش ان المتكبّر من يسمى اسمه بأية الله في الارضين ويتخذه لقباً يضعه على كتبه .

عبد الكريم سروش - عبد الكريم سروش هو الاسم المستعار لحسين حاجي فرج الدباغ، من كبار المثقفين الإيرانيين الدينيين المعاصرين، من مواليد طهران سنة 1945، درس في المدرسة الثانوية (الرفاه) وهي من المدارس التي كانت تحرص على الجمع في مناهجها بين الدروس الدينية وبين المواد العلمية المعاصرة، التحق في جامعة لندن في فرع الكيمياء وحصل على الدكتوراه، وكان إضافة لتخصصه في الكيمياء والصيدلة متبحراً في فلسفة العلم ومطلعاً على معطيات أحدث تياراتها النقدية الحديثة وتراث المدرسة الوضعية.كان سروش قريباً من علي شريعتي ومرتضى مطهري، وهما وجهان محوريان في فترة ما قبل الثورة في إيران، وبعد الثورة عاد إلى بلده وشغل مناصب عليا في الدولة وأخرى بحثية أهمها الأبحاث والدراسات الثقافية .

التأليف
ظهر سروش منذ أوائل الثمانينيات كواحد من الكتاب غزيري الإنتاج في إيران، وعالجت كتاباته الأولى النظريات الماركسية وموضوعات فلسفة العلم، ومن أهم أعماله البارزة في تلك الفترة كتاب "المعرفة والقيمة" وكتاب "ما هو العلم؟ ماهي الفلسفة؟" إضافة إلى دراسة نقدية لكتاب محمد باقر الصدر "الأسس المنطقية للاستقراء" نقلت على العربية ضمن كتاب السيد عمار أبو رغيف بعنوان "الأسس المنطقية للاستقراء في ضوء دراسة الدكتور سروش" سنة 1989، وهي السنة التي بدأ فيها سروش بنشر مقالات "القبض والبسط للشريعة" وقد أثارت جدلاً واسعاً ونقاشاً حادا بين المؤيدين والمعارضين، فجمعت بعد ذلك في كتاب حمل العنوان نفسه "القبض والبسط في الشريعة" ونقل إلى العربية.

فليس من قبيل الصدفة أن يؤلف في إيران وحدها ثلاثون كتاباً لمناقشة آراء سروش، عشرون منها تتفق معه وتؤازره والعشرة الأخرى تقف بالضد من تلك الآراء والطروحات.

وميزة سروش أنه مفكر تكونت ثقافته ومنهجيته في البحث من أبعاد علمية متعددة فهو صاحب اختصاص في الصيدلة والكيمياء وهو متابع لأحدث الدراسات الغربية في التاريخ وفلسفة العلوم وعلم المعرفة (الإبستمولوجيا)، وهو إضافة إلى ذلك ناشط ثقافي وسياسي ومتبحر في علم الكلام والتفسير وأصول الفقه ومتذوق لأدبيات العرفان. ولعل ذلك ما دفعه إلى استمداد مفهومي "القبض" و"البسط" من الحقل الصوفي كعنوان لنظريته، ساعياً في ذلك إلى إبراز خاصية التحول والتغير التي تميز المعرفة البشرية ومن ضمنها المعرفة الدينية.

أفكاره
يرى سروش أن الأجزاء المختلفة للمعرفة البشرية هي في تعاط مستمر في ما بينها، وإذا ما شهد العلم إبداعاً فإنه يترك تأثيره على علم الفلسفة، وأن تحوّل الفهم الفلسفي يغير فهم الشخص حول الإنسان والكون، وعندما يأخذ الإنسان والكون وجهاً آخر فإن المعرفة الدينية تأخذ معنى جديداً أيضاً. وهو يعتبر أن نظريته تعتمد من جهة على الفكر الديني التقليدي، وتأخذ بنظر الاعتبار من جهة أخرى مكتسبات الفكر والمعرفة البشرية، وبالتالي فهي منهج لطرح جديد وعصري للدين، وأن التحوّل والتطوّر في المعرفة الدينية ليسا ناجمين عن المؤامرة والخيانة ووسوسة الشيطان، بل من لزوم التغييرات القهرية في الكون، وحركة الذهن، وسعة استيعاب الفهم، وطموحات الفكر وتطلّعات الروح البشرية المعادية للجهل.

وخلافا لمطهري وشريعتي لا يعد سروش المجتهدين من رجال إحياء وإعادة بناء الفكر الديني، لأن الاجتهاد لديهم هو تغيير في الفروع وليس تحوّلاً في المبادئ والأصول، ولذلك فهو يرى أن المستنير الحقيقي في إعادة بناء الفكر الديني هو الشخص الذي يجيز الاجتهاد في الأصول أيضاَ. إن الأمر المهم في هذه الدراسة هو المقارنة بين هذه النظرات من مختلف الجهات كالرؤى، والسبل، والمناهج التي تطرح لإحياء الدين، والمنهج المعرفي، وعلم الإنسان، وعلاقة الدين والدنيا، وعلاقة العلم والدين، ودوافع دراسة الفكر الديني، وسر خلود الدين ورسالته والمصلحين الدينيين. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ كلام محمد - رؤى محمد ❝ ❞ التراث والعلمانية: البنى والمرتكزات، الخلفية والمعطيات ❝ ❞ الغزاليّ والمولويّ ❝ ❞ القبض والبسط في الشريعة ❝ الناشرين : ❞ منشورات الجمل ❝ ❞ دار الجديد ❝ ❞ دار أبكالو للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❱
من فكر إسلامي الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.



اقتباسات من كتاب كلام محمد - رؤى محمد

نبذة عن الكتاب:
كلام محمد - رؤى محمد

2018م - 1445هـ
مقدمة المترجم:

يأتي كتاب "كلام محمد.. رؤيا محمد" ضمن تسلسل منطقي لما ابتدأه سروش في بسط التجربة النبوية ومن قبلها في القبض والبسط في الشريعة ، فالمنهج الذي رسم معالمه في القبض والبسط وارسى دعائمه في مجال التفرقة بين الدين والمعرفة الدينية، أوصلهّ الى البحث في الكلام الإلهي الذي هو نتاج التجربة الروحية الرائدة للنبي، والتي انعكست في الكتاب الإلهي بكل ما تحويه تلك التجربة البشرية المحددة بحدود جغرافيا وثقافة الجزيرة العربية، وللنبي الدور الأكبر في صياغة الوحي واشراك الناس في خلاصة تجربته الاشراقية، ولم يكن مجرد ميكرفون يعكس صدى كلمات الملاك يقرّها في اذنه ويدعوه الى القاءها على مستمعيه بذات الالفاظ والصيغ الكلامية العربية.

ابتدأت التجربة سهلة يسيرة ثم أصبحت تجربة ثرية بمرور الأيام، واصبح النبي اكثر نبوة من ذي قبل، وهذه المقدمات تكفّل ببيانها كتابه "بسط التجربة النبوية"

لكن بعض تلك المقدمات التي بسط سروش الكلام فيها ضمن التجربة النبوية لم تعد كافية لإيضاح طريقة وصول الوحي الى الناس، تلك المقدمات التي أوصلته الى القول بأن كلام الله هو ذات كلام محمد؛ اذ لازالت هناك إشكالية كلامية عويصة تحوم حول المبدأ والمعاد بل الكلام الالهي برمته، وهناك علامات استفهام كبيرة ذهب الكلاميون والمفسرون فيها مذاهب شتى دون جدوى، فهل ان الله يتكلم لتقع المعركة الكبرى حول كلامه و انه قديم او حادث ، وهل ان النبي في رحلته الى ما وراء التأريخ كانت بجسم طار في الآفاق او بروح عرجت الى الملكوت ، و الخلط ما بين الطبيعة وما وراء الطبيعة هو السبب الذي جعل الشهب المادية تحرق الشياطين غير المادية ، و تجعل من عرش الرب على الماء ، و يحمل العرش يومئذ ثمانية من الملائكة ، وما الى ذلك ...

اذن لابد من طريقة للفصل بين الطبيعة وما وراء الطبيعة ، ولابد من لغة دينية تجعل من الميتافيزيقيا العالية اقل وطأة على الاذهان في بيان الآيات من تلك الطريقة التي اعتادها المفسرون .

نزول الآيات الأولى اقرأ باسم ربك في غار حراء على النبي وهو مستغرق ما بين اليقظة والنوم، وعروجه الطويل الى الملكوت متنقلاً بين السماوات السبع وهو لم يبرح فراشه بشهادة زوجه عائشة، وشهادة الصحابة له وهو في حالة من اللاوعي ليقرأ عليهم بعض ما اوحي اليه بعد اليقظة ، و رؤيته للاعداء في المنام وهم قلّة قليلة ليتحقق النصر عليهم على ارض الواقع وهم الكثرة المتكثرة … تلك مؤيدات و شواهد على ان لغة القرآن لغة رؤيا وليست لغة يقظة .

وبها ستحلّ إشكالية الكلام الإلهي من أساسها ، وحالة التشويش في النظم القرآني الذي يفتقر الى وحدة الموضوع في السورة بل في الآية، وسورة المائدة خير دليل على ذلك ، و إشكاليات أُخر ترتبط بعموم النص القرآني الذي يواجه نوعين من القراءة ، قراءة يشوبها الغيب واُخرى تعلوها الشهادة ، فالكلام عن غير المرئيات كالملائكة والقيامة والعرش يصبح البيان القرآني تصوير فني ، اما الكلام عن المرئيات والأوامر والنواهي فيلاحظ في البيان عالم من الواقعية واليقظة ، وكأن العين التي غشيَها النوم قد صحت و حلّت اليقظة محلها ، بل ان اللغة الحاكمة على النص في العموم هي لغة رؤى .

وهنا ينتقل سروش الى مرحلة جديدة في رحلته مع الوحي والتي دامت اكثر من خمسة وعشرين عاماً ...

ابتدأ في بيان نظرية الرؤيا من خلال مجموعة مقالات أسماها " محمد راوي الرؤى النبوية " حاول من خلالها اثبات ان النص القرآني هو اقرب الى لغة الرؤى والاحلام منه الى لغة اليقظة ، والنبي راوٍ لمشاهد ومناظر كان قد رآها حقيقة في الرؤيا ، ومشاهد القيامة مثلاً كان قد رآها بالفعل ونقلها الينا ليشاركنا تجربته القدسية الفريدة ، وهي من سنخ التجارب التي يمرّ بها العرفاء والمتصوفة لكنها اكثر عمقاً ، اذ النبي لشدة قربه من الله صار الهياً فيما يقوله ويفعله .

تلك المقالات لم يصدرها سروش في كتاب مستقل وانما هي خمس مقالات مكثفة استوعبت الفكرة كاملة ، ثم عززها بسادس للرد على النقاط العشر المثارة على النظرية من قبل منتقديه .

كنت متابعاً للمقالات كعادتي ملاحقاً لسروش في كل ما يقوله ويكتبه ، ،منذ نشره للحلقة الأولى من تلك المقالات في الموقع الالكتروني " جرس " ، والتي لم تثر السخط الذي كنت اتوقعه في البدء في الأوساط الإيرانية لغرابة التقاط المثارة في تلك المقالات سوى من الدكتور عبد العلي بازرگان وهو ابن المهندس مهدي بازرگان رئيس الحكومة المؤقتة التي شكّلها السيد الخميني عقب الإطاحة بنظام الشاه والتي حُلّت فيما بعد اثر استقالة بازرگان ثناء احداث احتلال السفارة الامريكية من قبل ما اسموهم بالطلبة السائرين على نهج الامام .

عبد العلي بزرگان المتخصص في علوم القرآن جمعته جلسة حوارية متلفزة مع عبد الكريم سروش بثتها قناة ال " بي بي سي " القسم الفارسي، تحدّث فيها عن اعتراضاته على نظرية الرؤيا ، ثم نشرَها فيما بعد بطريقة مسيئة نوعاً ما لأجوبة سروش على اعتراضاته ، و يظهرها كإجابات ضعيفة وغير مقنعة ، الامر الذي دعاه لكتابة رد متين على اعتراضات بازركان ونشرها في كتاب " كتاب محمد … رؤيا محمد "، وهو الكتاب الذي بين ايديكم بترجمته العربية .

وبعد مناقشات طويلة مع بعض الأصدقاء من ذوي الخبرة في مجال المعرفة الدينية بما جاء في تلك المقالات ، اقترحوا علي ترجمته الى العربية ليكون في متناول ايدي القراء العرب بفكرة جديدة لم يسبق لاحد ان تفوّه بها، لكني تريثت لحين صدورها في كتاب مستقل من قبل سروش، والظاهر ان المؤلف اكثر تريثاً في انتظار رود الأفعال لتنضج الفكرة اكثر فأكثر ، ولم يصدرها بكتاب مستقل وبقيت كما هي ستة مقالات لا اكثر .

من خلال مراجعاتي لبقية المفكرين الإيرانيين كمصطفى ملكيان ومجتهد شبستري ممن كتب في مجال اللغة الدينية والوحي على الخصوص ، وجدت الشبستري قد كتب في مجال الهرمونيطيقا والعلاقة بين المتلقي والنص ، وتوصل الى نتيجة مفادها استحالة ان يكون الكلام المنسوب الى الله هو نفسه الذي يسمى كلاماً في عالم الانسان و بذات الصيغ والدلالات، والكلام بهذا المعنى يُعد ظاهرة بشرية لا يتحقق لها وجود الا في عالم الذهن ، وطريقة حياة الناس، ولايعقل حصوله خارج عالم الانسان ..

وعليه فأفتراض ان نبي الإسلام قد حصل على نص القرآن بجميع ألفاظه وعباراته ومعانيه ، هذا الافتراض غير معقول عند مجتهد شبستري .

واستدل على كلامه بمجموعة من القرائن والشواهد اثبتها بشئ من التفصيل في كتابه " قراءة بشرية للدين " .

بهذه النتيجة يكون سروش والشبستري يسيران في اتجاه واحد مع اختلاف في المنهج والمقدمات لكل منهما .

الشبستري اتخذ منهج الهرمونيطيقا وطبقه بذكاء مفرط على النص الديني ، وادعى ان مقدماته اكثر سلاسة من مقدمات سروش في نظريته للرؤيا التي وصفها بأنها " ليست ابداعاً وفيها طنين اسبينوزي " نسبة الى سبينوزا الذي كانت آراءه في مجال الوحي النبوي محطاً لنظر سروش على مستوى الاستيناس بأفكاره وليس تابعاً لها .

هذا الامر شجعني على ترجمة المقالات الستة ، بالإضافة الى آراء الشبستري في الموضوع ذاته والتي ضمّنها في كتابه " قراءة بشرية للدين " الذي ترجمه السيد احمد القبانجي ، و قراءتين مختلفتين اُخريين للنص القرآني لعابد الجابري و محمد اركون ، فخرج الكتاب يحمل ذات العنوان " الاحلام النبوية " سنة ٢٠١٨ بالتعاون مع الاخوة في دار أمل الجديدة بدمشق .

الى ان اُعلن عن صدور الكتاب من قبل " مدرسة مولانا " المهتمين بنشر آثار الدكتور سروش، وقد شاركوني مشكورين نسختى من كتاب " كلام محمد ... رؤى محمد " فوجدت بين دفتى الكتاب المقالات الستة مع الرسائل المتبادلة بين سروش والشيخ جعفر سبحاني ، بالإضافة الى الاعتراضات الواردة على النظرية و ردود سروش عليها، وكانت بالاضافة الى اعتراضات عبد العلي بازرگان هناك اعتراضات لحسين واله و محسن كديور وحسن الانصاري، والتي اضفت على النظرية شيئاً زادها وضوحاً، وجعلت سروش يتعمق اكثر في بيان منهجيته التي اختطها في كتابه، ويرفع الغموض عن بعض المبهمات التي تكتنف النظرية ، لكن لُب النظرية هي تلك المقالات الستة التي نشرها سروش في موقع جرس وقد ترجمتها والحقتها في كتابي " الاحلام النبوية " و ما عدا ذلك هو توضيح للنظرية والرد على الاعتراضات الواردة وهي مهمة أيضا بطبيعة الحال .

وكان إصرار الأستاذ الصديق محمد رسول المشرف على دار آبكالوعلى ترجمة الكتاب امر لا يمكن التمنّع عنه سيما ان قسطاً وافراً من الكتاب قد تمت ترجمته بالفعل ، ولم يبق سوى إعادة النظر في ترجمة المقالات الستة و ترجمة الاعتراضات وهي كثيرة وقد اخذت ثلاثة ارباع الكتاب .

لكن واجهتني مشكلة الاستشهادات الكثيرة لأبيات مولانا جلال الدين الرومي العميقة المغزى والتي ينبغي اظهار معانيها المتعالية بلغة بلاغية تقترب من لغتها الاصلية وهذا العمل بحق صعب عسير .

لكن عليّ إتمام المهمة وإخراج الكتاب بأسلوب هو الأقرب الى لغة سروش وافكاره .

استطيع ان ادعي الاقتراب الفكري الكبير من الدكتور سروش والادراك التام لأفكاره مذ بدأ يكتب حول الذاتي والعرضي في الأديان ، وسلسلة مقالاته التي اججت معركة فكرية حامية الوطيس بينه وبين اقطاب الحوزة العلمية في قم المتمثلة بناصر مكارم الشيرازي وجعفر سبحاني في تصعيد خطير و رسائل متبادلة ولغة ابتعدت كثيراً عن الأجواء الثقافية حينما وصف مكارم الشيرازي سروش بالمادي المتكبّر ليرد عليه سروش ان المتكبّر من يسمى اسمه بأية الله في الارضين ويتخذه لقباً يضعه على كتبه .


.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

مقدمة المترجم:

يأتي كتاب "كلام محمد.. رؤيا محمد" ضمن تسلسل منطقي لما ابتدأه سروش في بسط التجربة النبوية ومن قبلها في القبض والبسط في الشريعة ، فالمنهج الذي رسم معالمه في القبض والبسط وارسى دعائمه في مجال التفرقة بين الدين والمعرفة الدينية، أوصلهّ الى البحث في الكلام الإلهي الذي هو نتاج التجربة الروحية الرائدة للنبي، والتي انعكست في الكتاب الإلهي بكل ما تحويه تلك التجربة البشرية المحددة بحدود جغرافيا وثقافة الجزيرة العربية، وللنبي الدور الأكبر في صياغة الوحي واشراك الناس في خلاصة تجربته الاشراقية، ولم يكن مجرد ميكرفون يعكس صدى كلمات الملاك يقرّها في اذنه ويدعوه الى القاءها على مستمعيه بذات الالفاظ والصيغ الكلامية العربية.

ابتدأت التجربة سهلة يسيرة ثم أصبحت تجربة ثرية بمرور الأيام، واصبح النبي اكثر نبوة من ذي قبل، وهذه المقدمات تكفّل ببيانها كتابه "بسط التجربة النبوية"

لكن بعض تلك المقدمات التي بسط سروش الكلام فيها ضمن التجربة النبوية لم تعد كافية لإيضاح طريقة وصول الوحي الى الناس، تلك المقدمات التي أوصلته الى القول بأن كلام الله هو ذات كلام محمد؛ اذ لازالت هناك إشكالية كلامية عويصة تحوم حول المبدأ والمعاد بل الكلام الالهي برمته، وهناك علامات استفهام كبيرة ذهب الكلاميون والمفسرون فيها مذاهب شتى دون جدوى، فهل ان الله يتكلم لتقع المعركة الكبرى حول كلامه و انه قديم او حادث ، وهل ان النبي في رحلته الى ما وراء التأريخ كانت بجسم طار في الآفاق او بروح عرجت الى الملكوت ، و الخلط ما بين الطبيعة وما وراء الطبيعة هو السبب الذي جعل الشهب المادية تحرق الشياطين غير المادية ، و تجعل من عرش الرب على الماء ، و يحمل العرش يومئذ ثمانية من الملائكة ، وما الى ذلك ...

اذن لابد من طريقة للفصل بين الطبيعة وما وراء الطبيعة ، ولابد من لغة دينية تجعل من الميتافيزيقيا العالية اقل وطأة على الاذهان في بيان الآيات من تلك الطريقة التي اعتادها المفسرون .

نزول الآيات الأولى اقرأ باسم ربك في غار حراء على النبي وهو مستغرق ما بين اليقظة والنوم، وعروجه الطويل الى الملكوت متنقلاً بين السماوات السبع وهو لم يبرح فراشه بشهادة زوجه عائشة، وشهادة الصحابة له وهو في حالة من اللاوعي ليقرأ عليهم بعض ما اوحي اليه بعد اليقظة ، و رؤيته للاعداء في المنام وهم قلّة قليلة ليتحقق النصر عليهم على ارض الواقع وهم الكثرة المتكثرة … تلك مؤيدات و شواهد على ان لغة القرآن لغة رؤيا وليست لغة يقظة .

وبها ستحلّ إشكالية الكلام الإلهي من أساسها ، وحالة التشويش في النظم القرآني الذي يفتقر الى وحدة الموضوع في السورة بل في الآية، وسورة المائدة خير دليل على ذلك ، و إشكاليات أُخر ترتبط بعموم النص القرآني الذي يواجه نوعين من القراءة ، قراءة يشوبها الغيب واُخرى تعلوها الشهادة ، فالكلام عن غير المرئيات كالملائكة والقيامة والعرش يصبح البيان القرآني تصوير فني ، اما الكلام عن المرئيات والأوامر والنواهي فيلاحظ في البيان عالم من الواقعية واليقظة ، وكأن العين التي غشيَها النوم قد صحت و حلّت اليقظة محلها ، بل ان اللغة الحاكمة على النص في العموم هي لغة رؤى .

وهنا ينتقل سروش الى مرحلة جديدة في رحلته مع الوحي والتي دامت اكثر من خمسة وعشرين عاماً ...

ابتدأ في بيان نظرية الرؤيا من خلال مجموعة مقالات أسماها " محمد راوي الرؤى النبوية " حاول من خلالها اثبات ان النص القرآني هو اقرب الى لغة الرؤى والاحلام منه الى لغة اليقظة ، والنبي راوٍ لمشاهد ومناظر كان قد رآها حقيقة في الرؤيا ، ومشاهد القيامة مثلاً كان قد رآها بالفعل ونقلها الينا ليشاركنا تجربته القدسية الفريدة ، وهي من سنخ التجارب التي يمرّ بها العرفاء والمتصوفة لكنها اكثر عمقاً ، اذ النبي لشدة قربه من الله صار الهياً فيما يقوله ويفعله .

تلك المقالات لم يصدرها سروش في كتاب مستقل وانما هي خمس مقالات مكثفة استوعبت الفكرة كاملة ، ثم عززها بسادس للرد على النقاط العشر المثارة على النظرية من قبل منتقديه .

كنت متابعاً للمقالات كعادتي ملاحقاً لسروش في كل ما يقوله ويكتبه ، ،منذ نشره للحلقة الأولى من تلك المقالات في الموقع الالكتروني " جرس " ، والتي لم تثر السخط الذي كنت اتوقعه في البدء في الأوساط الإيرانية لغرابة التقاط المثارة في تلك المقالات سوى من الدكتور عبد العلي بازرگان وهو ابن المهندس مهدي بازرگان رئيس الحكومة المؤقتة التي شكّلها السيد الخميني عقب الإطاحة بنظام الشاه والتي حُلّت فيما بعد اثر استقالة بازرگان ثناء احداث احتلال السفارة الامريكية من قبل ما اسموهم بالطلبة السائرين على نهج الامام .

عبد العلي بزرگان المتخصص في علوم القرآن جمعته جلسة حوارية متلفزة مع عبد الكريم سروش بثتها قناة ال " بي بي سي " القسم الفارسي، تحدّث فيها عن اعتراضاته على نظرية الرؤيا ، ثم نشرَها فيما بعد بطريقة مسيئة نوعاً ما لأجوبة سروش على اعتراضاته ، و يظهرها كإجابات ضعيفة وغير مقنعة ، الامر الذي دعاه لكتابة رد متين على اعتراضات بازركان ونشرها في كتاب " كتاب محمد … رؤيا محمد "، وهو الكتاب الذي بين ايديكم بترجمته العربية .

وبعد مناقشات طويلة مع بعض الأصدقاء من ذوي الخبرة في مجال المعرفة الدينية بما جاء في تلك المقالات ، اقترحوا علي ترجمته الى العربية ليكون في متناول ايدي القراء العرب بفكرة جديدة لم يسبق لاحد ان تفوّه بها، لكني تريثت لحين صدورها في كتاب مستقل من قبل سروش، والظاهر ان المؤلف اكثر تريثاً في انتظار رود الأفعال لتنضج الفكرة اكثر فأكثر ، ولم يصدرها بكتاب مستقل وبقيت كما هي ستة مقالات لا اكثر .

من خلال مراجعاتي لبقية المفكرين الإيرانيين كمصطفى ملكيان ومجتهد شبستري ممن كتب في مجال اللغة الدينية والوحي على الخصوص ، وجدت الشبستري قد كتب في مجال الهرمونيطيقا والعلاقة بين المتلقي والنص ، وتوصل الى نتيجة مفادها استحالة ان يكون الكلام المنسوب الى الله هو نفسه الذي يسمى كلاماً في عالم الانسان و بذات الصيغ والدلالات، والكلام بهذا المعنى يُعد ظاهرة بشرية لا يتحقق لها وجود الا في عالم الذهن ، وطريقة حياة الناس، ولايعقل حصوله خارج عالم الانسان ..

وعليه فأفتراض ان نبي الإسلام قد حصل على نص القرآن بجميع ألفاظه وعباراته ومعانيه ، هذا الافتراض غير معقول عند مجتهد شبستري .

واستدل على كلامه بمجموعة من القرائن والشواهد اثبتها بشئ من التفصيل في كتابه " قراءة بشرية للدين " .

بهذه النتيجة يكون سروش والشبستري يسيران في اتجاه واحد مع اختلاف في المنهج والمقدمات لكل منهما .

الشبستري اتخذ منهج الهرمونيطيقا وطبقه بذكاء مفرط على النص الديني ، وادعى ان مقدماته اكثر سلاسة من مقدمات سروش في نظريته للرؤيا التي وصفها بأنها " ليست ابداعاً وفيها طنين اسبينوزي " نسبة الى سبينوزا الذي كانت آراءه في مجال الوحي النبوي محطاً لنظر سروش على مستوى الاستيناس بأفكاره وليس تابعاً لها .

هذا الامر شجعني على ترجمة المقالات الستة ، بالإضافة الى آراء الشبستري في الموضوع ذاته والتي ضمّنها في كتابه " قراءة بشرية للدين " الذي ترجمه السيد احمد القبانجي ، و قراءتين مختلفتين اُخريين للنص القرآني لعابد الجابري و محمد اركون ، فخرج الكتاب يحمل ذات العنوان " الاحلام النبوية " سنة ٢٠١٨ بالتعاون مع الاخوة في دار أمل الجديدة بدمشق .

الى ان اُعلن عن صدور الكتاب من قبل " مدرسة مولانا " المهتمين بنشر آثار الدكتور سروش، وقد شاركوني مشكورين نسختى من كتاب " كلام محمد ... رؤى محمد " فوجدت بين دفتى الكتاب المقالات الستة مع الرسائل المتبادلة بين سروش والشيخ جعفر سبحاني ، بالإضافة الى الاعتراضات الواردة على النظرية و ردود سروش عليها، وكانت بالاضافة الى اعتراضات عبد العلي بازرگان هناك اعتراضات لحسين واله و محسن كديور وحسن الانصاري، والتي اضفت على النظرية شيئاً زادها وضوحاً، وجعلت سروش يتعمق اكثر في بيان منهجيته التي اختطها في كتابه، ويرفع الغموض عن بعض المبهمات التي تكتنف النظرية ، لكن لُب النظرية هي تلك المقالات الستة التي نشرها سروش في موقع جرس وقد ترجمتها والحقتها في كتابي " الاحلام النبوية " و ما عدا ذلك هو توضيح للنظرية والرد على الاعتراضات الواردة وهي مهمة أيضا بطبيعة الحال .

وكان إصرار الأستاذ الصديق محمد رسول المشرف على دار آبكالوعلى ترجمة الكتاب امر لا يمكن التمنّع عنه سيما ان قسطاً وافراً من الكتاب قد تمت ترجمته بالفعل ، ولم يبق سوى إعادة النظر في ترجمة المقالات الستة و ترجمة الاعتراضات وهي كثيرة وقد اخذت ثلاثة ارباع الكتاب .

لكن واجهتني مشكلة الاستشهادات الكثيرة لأبيات مولانا جلال الدين الرومي العميقة المغزى والتي ينبغي اظهار معانيها المتعالية بلغة بلاغية تقترب من لغتها الاصلية وهذا العمل بحق صعب عسير .

لكن عليّ إتمام المهمة وإخراج الكتاب بأسلوب هو الأقرب الى لغة سروش وافكاره .

استطيع ان ادعي الاقتراب الفكري الكبير من الدكتور سروش والادراك التام لأفكاره مذ بدأ يكتب حول الذاتي والعرضي في الأديان ، وسلسلة مقالاته التي اججت معركة فكرية حامية الوطيس بينه وبين اقطاب الحوزة العلمية في قم المتمثلة بناصر مكارم الشيرازي وجعفر سبحاني في تصعيد خطير و رسائل متبادلة ولغة ابتعدت كثيراً عن الأجواء الثقافية حينما وصف مكارم الشيرازي سروش بالمادي المتكبّر ليرد عليه سروش ان المتكبّر من يسمى اسمه بأية الله في الارضين ويتخذه لقباً يضعه على كتبه .

ومن جهة أخرى اكثر هدوءاً وعلمية مع الشيخ حسين علي منتظري وامثاله من الزعامات الدينية المعتدلة .
وكنت يومها طالباً في الحوزة العلمية في قم اتابع الاحداث من مدرسة الامام الخوئي محل سكني ودراستي وتديسي .
سروش الذي كنت اشاهده من خلال شاشة التلفزيون مناظراً عنيداً لاحسان طبري ورموز الماركسية في ايران ، اشاهده اليوم يدخل معركة غير متكافئة مع رجال الدين وهيمنتهم على مفاصل الدين والدنيا ،و كأنهم ادركوا الخطر الذي سيجلبه سروش لهم بأنهم ليسوا اهلاً لقيمومة الدين فضلاً عن قيميتهم لدنيا الناس ، ولو قُدر لافكار سروش ان تشق طريقها في المجتمع الإيراني لشهدنا حالة من العلمانية الناضجة تثبت اوتادها في النظام الإيراني ، كما تنبه لذلك الدكتور فالح عبد الجبار في سياق حديثه عن كتاب القبض والبسط في الشريعة اثناء مراسم تكريم سروش في المانيا و فوز كتابه القبض بكتاب العام .
لابد من الوقوف هنا بين مرحلتين مفصليتين في حياة عبد الكريم سروش العلمية والعملية منذ قدومه من لندن الى ايران بعد انتصار الثورة الإسلامية حيث كان من الطلاب الإيرانيين المبتعثين الى اوربا والمناصرين لتوجهات السيد الخميني والقريب ايضاً من الحس الثوري للدكتور علي شريعتي ، وصادف رجوعه الى طهران قيام السيد الخميني بما اسماه بالثورة الثقافية واسلمة الجامعات والتي طالت العديد من الكوادر التدريسية بحجة موالاتهم للنظام الملكي السابق وشخص الشاه ، ولا يخفى دور سروش في هذه الثورة الثقافية حيث كان عضواً بارزاً فيها ، وظهر من على شاشات التلفزيون بمعية محمد تقي مصباح زادة في مناظرة مع قادة الأحزاب اليسارية المشاركة في السلطة وكان ابرزهم احسان طبري عن حزب تودة .
هذا الامر جعل بعض الموالين للماركسية واتباع الخط اليبرالي والمتضررين من تلك الثورة الثقافية من كوادر تديسية وحتى من الطلاب الذين أغلقت أبواب الجامعات في وجوههم اثر هذه الثورة الثقافية سيئة الصيت ، ان يتخذوا موقفا معادياً او معاتباً لسروش ومازال ... وقد تبرز بين الفينة والاّخر على شكل اعتراضات نشاهدها خلال جلسات سروش الثقافية التي يعقدها في هولندا و برلين رغم مرور السنين ، تظهر مرارة تلك الأيام وانعكاساتها على مستقبل تلك الفئات .
وللإنصاف لابد من التفرقة بين الثورة الثقافية و اسلمة الجامعات التي قام بها رجال السيد الخميني من الراديكاليين، وبين المقر العام لتلك الثورة والتي تضم مجموعة من الاكاديميين احدهم سروش، الذين اخذوا على عاتقهم فتح الجامعات التي اُغلقت بأوامر من متشددي الثورة الثقافية .
استمر سروش يمارس دوره كعضو في الهيئة التدريسية لجامعة طهران وقزوين لاحقاً ، ويلقي محاضراته في شرح خطب نهج البلاغة ضمن المناخ الحاكم آنذاك دون الخروج عنه ، فهو خريج ثانوية العلوي التي كان يدرّس فيها الشيخ مرتضى المطهري ، وهو المقرّب اليوم من صانعي القرار .
ثم بدأ سروش يظهر على التلفزيون يشرح المثنوي لمولانا جلال الدين الرومي ، لكن سرعان ما أوقفوا بث تلك الحلقات دون بيان المبررات ، الا المتسالم عليه ان الأسباب لم تكن سياسية وانما هي طائفية تخص المولوي نفسه باعتباره سنى اشعري ، وهذا الشيء لا يعجب رجال الدين فتدخلوا عند السيد الخميني وضغطوا عليه لإيقاف البرنامج .
لكن يبدو ان سروش متأثراً جدا بالمولوي وتجربته الروحية وافكاره العرفانية التي بدأت تظهر من خلال ما يطرحه من أفكار تخص الامامة والخلافة والنبوة ، وهنا بدأت الهوة تتسع بين سروش و رجال الدين الذين وقفوا بالضد من توجهات سروش الفكرية ...
لكن الاتجاه الفكري لسروش اخذ شكلاً تصاعدياً تكلل في مجموعة مقالاته في القبض والبسط في الشريعة التي جعلت من سروش طرفاً في قبال الحوزة العلمية في قم برموزها البارزين منتظري ومكارم شيرازي وسبحاني .
كنت في جامعة طهران في تلك الأيام وشاهدت الطلاب في باحة الجامعة والأستاذ يلقي درسه في الهواء الطلق ، تبيّن لاحقاً ان الدكتور سروش مُنع من الدخول إلى قاعة الدرس من قبل الطلاب " الحزب اللاهية " وهو لفظ يطلق على الطلبة الراديكاليين المتشددين، وأصّر على ألقاء محاضرته خارج القاعة .
وتكرر هذا المنظر في قم وكنت شاهدا عليه ايضا حينما تجمع الحزب اللاهيين والبسيج و انصار حزب الله لمنع سروش من القاء محاضرة عامة دُعيٍّ اليها ، ولم يكتفوا بالمنع وانما توجهوا الى البيت الذي يقيم فيه للاعتداء عليه ، وحصلت مشادة داخل البيت تمكن سروس من النجاة بروحه .
وهؤلاء الناس انفسهم استباحوا فيما بعد حسينية الشهداء القريبة من بيت المنتظري التي كان الشيخ يلقي دروسه فيها .
رأيتهم ذات مرة ... بعد الرسالة المتشنجة التي بعثها السيد الخميني للشيخ المنتظري والتي يطالبه بها تطهير بيته من أعداء الثورة والتي فُهم منها تنحيته من منصبه كنائب للولي الفقيه ، واثر بت التلفزيون للرسالة خرجت الجموع قرب بيت المنتظري في قم
يرددون هتافات حماسية " الموت لأعداء ولاية الفقيه " .
شاهدتُ احدهم يقف امام الجموع الحاشدة قرب بيت المنتظري ليلقي بياناً ذكرني في البيان رقم واحد الذي يبث من خلال الإذاعة اعلاناً للثورة ، وبلغة حماسية الهب الجماهير الذين بدأوا يرددون معه شعارات ثورية معادية للمنتظري ، وكأنهم يقوموا بمهام القوات النظامية لكن بزي مدني وكونهم طلبة يدرسون في الحوزة العلمية . فدخلوا حسينية الشهداء وهشموا كل ما فيها في منظر رهيب و مروّع .
بالعودة الى نشاط سروش الثقافي وبتعاقب الأصوليين على رئاسة الحكومة والبرلمان والتي كانت تلقي بظلالها على نشاط سروش الفكري ، بدأ الخناق يضيق على سروش لدرجة انه بدأ بإرسال الرسائل للمسؤولين يدعوهم الى توفير الامن له وإنقاذ حياته التي باتت مهددة بالخطر ، الا انهم نصحوه بترك ايران ان استمر على ذاك النهج .
وبدعوة من جامعة پريستون وهاوارد في الولايات المتحدة وجد سروش ضالته للخروج من ايران وممارسة ما قد حُرمَ منه في بلده الام، وكان له ما أراد …



سنة النشر : 2018م / 1439هـ .
عداد القراءة: عدد قراءة كلام محمد - رؤى محمد

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

المؤلف:
عبد الكريم سروش - Abdul Karim Soroush

كتب عبد الكريم سروش عبد الكريم سروش هو الاسم المستعار لحسين حاجي فرج الدباغ، من كبار المثقفين الإيرانيين الدينيين المعاصرين، من مواليد طهران سنة 1945، درس في المدرسة الثانوية (الرفاه) وهي من المدارس التي كانت تحرص على الجمع في مناهجها بين الدروس الدينية وبين المواد العلمية المعاصرة، التحق في جامعة لندن في فرع الكيمياء وحصل على الدكتوراه، وكان إضافة لتخصصه في الكيمياء والصيدلة متبحراً في فلسفة العلم ومطلعاً على معطيات أحدث تياراتها النقدية الحديثة وتراث المدرسة الوضعية.كان سروش قريباً من علي شريعتي ومرتضى مطهري، وهما وجهان محوريان في فترة ما قبل الثورة في إيران، وبعد الثورة عاد إلى بلده وشغل مناصب عليا في الدولة وأخرى بحثية أهمها الأبحاث والدراسات الثقافية . التأليف ظهر سروش منذ أوائل الثمانينيات كواحد من الكتاب غزيري الإنتاج في إيران، وعالجت كتاباته الأولى النظريات الماركسية وموضوعات فلسفة العلم، ومن أهم أعماله البارزة في تلك الفترة كتاب "المعرفة والقيمة" وكتاب "ما هو العلم؟ ماهي الفلسفة؟" إضافة إلى دراسة نقدية لكتاب محمد باقر الصدر "الأسس المنطقية للاستقراء" نقلت على العربية ضمن كتاب السيد عمار أبو رغيف بعنوان "الأسس المنطقية للاستقراء في ضوء دراسة الدكتور سروش" سنة 1989، وهي السنة التي بدأ فيها سروش بنشر مقالات "القبض والبسط للشريعة" وقد أثارت جدلاً واسعاً ونقاشاً حادا بين المؤيدين والمعارضين، فجمعت بعد ذلك في كتاب حمل العنوان نفسه "القبض والبسط في الشريعة" ونقل إلى العربية. فليس من قبيل الصدفة أن يؤلف في إيران وحدها ثلاثون كتاباً لمناقشة آراء سروش، عشرون منها تتفق معه وتؤازره والعشرة الأخرى تقف بالضد من تلك الآراء والطروحات. وميزة سروش أنه مفكر تكونت ثقافته ومنهجيته في البحث من أبعاد علمية متعددة فهو صاحب اختصاص في الصيدلة والكيمياء وهو متابع لأحدث الدراسات الغربية في التاريخ وفلسفة العلوم وعلم المعرفة (الإبستمولوجيا)، وهو إضافة إلى ذلك ناشط ثقافي وسياسي ومتبحر في علم الكلام والتفسير وأصول الفقه ومتذوق لأدبيات العرفان. ولعل ذلك ما دفعه إلى استمداد مفهومي "القبض" و"البسط" من الحقل الصوفي كعنوان لنظريته، ساعياً في ذلك إلى إبراز خاصية التحول والتغير التي تميز المعرفة البشرية ومن ضمنها المعرفة الدينية. أفكاره يرى سروش أن الأجزاء المختلفة للمعرفة البشرية هي في تعاط مستمر في ما بينها، وإذا ما شهد العلم إبداعاً فإنه يترك تأثيره على علم الفلسفة، وأن تحوّل الفهم الفلسفي يغير فهم الشخص حول الإنسان والكون، وعندما يأخذ الإنسان والكون وجهاً آخر فإن المعرفة الدينية تأخذ معنى جديداً أيضاً. وهو يعتبر أن نظريته تعتمد من جهة على الفكر الديني التقليدي، وتأخذ بنظر الاعتبار من جهة أخرى مكتسبات الفكر والمعرفة البشرية، وبالتالي فهي منهج لطرح جديد وعصري للدين، وأن التحوّل والتطوّر في المعرفة الدينية ليسا ناجمين عن المؤامرة والخيانة ووسوسة الشيطان، بل من لزوم التغييرات القهرية في الكون، وحركة الذهن، وسعة استيعاب الفهم، وطموحات الفكر وتطلّعات الروح البشرية المعادية للجهل. وخلافا لمطهري وشريعتي لا يعد سروش المجتهدين من رجال إحياء وإعادة بناء الفكر الديني، لأن الاجتهاد لديهم هو تغيير في الفروع وليس تحوّلاً في المبادئ والأصول، ولذلك فهو يرى أن المستنير الحقيقي في إعادة بناء الفكر الديني هو الشخص الذي يجيز الاجتهاد في الأصول أيضاَ. إن الأمر المهم في هذه الدراسة هو المقارنة بين هذه النظرات من مختلف الجهات كالرؤى، والسبل، والمناهج التي تطرح لإحياء الدين، والمنهج المعرفي، وعلم الإنسان، وعلاقة الدين والدنيا، وعلاقة العلم والدين، ودوافع دراسة الفكر الديني، وسر خلود الدين ورسالته والمصلحين الدينيين.❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ كلام محمد - رؤى محمد ❝ ❞ التراث والعلمانية: البنى والمرتكزات، الخلفية والمعطيات ❝ ❞ الغزاليّ والمولويّ ❝ ❞ القبض والبسط في الشريعة ❝ الناشرين : ❞ منشورات الجمل ❝ ❞ دار الجديد ❝ ❞ دار أبكالو للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❱. المزيد..

كتب عبد الكريم سروش
الناشر:
دار أبكالو للطباعة والنشر والتوزيع
كتب دار أبكالو للطباعة والنشر والتوزيع ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ كلام محمد - رؤى محمد ❝ ❞ نيتشه والدين ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ مجموعة من المؤلفين ❝ ❞ عبد الكريم سروش ❝ ❱.المزيد.. كتب دار أبكالو للطباعة والنشر والتوزيع