❞ كتاب  Political Islam: More than Islamism ❝  ⏤ جوسلين سيزاري

❞ كتاب Political Islam: More than Islamism ❝ ⏤ جوسلين سيزاري

صدر حديثًا للباحثة البارزة المتخصصة في الإسلام والسياسية في الشرق الأوسط جوسلين سيزاري دراسة جديدة تحت عنوان Political Islam: More than Islamism»» (الإسلام السياسي: أكثر من مجرد إسلاموية)[[1]]. سيزاري هي أستاذ الدين والسياسة في جامعة برمنغهام في بريطانيا، وهي زميل في مركز بيركلي للأديان والسلام والعلاقات الدولية، ومدير الأبحاث في مركز إدوارد كادبوري للفهم العام للدين بالمملكة المتحدة.

تتناول دراسة سيزاري الإسلام السياسي من منظور جديد كليًا، يختلف عن الاتجاهات السائدة في الدراسات الغربية المعاصرة. فبعد أن توضح سيزاري أن الإسلام السياسي والإسلاموية مصطلحان يستخدمان بالتبادل لوصف الأحزاب الإسلامية، تؤكد أنه من الأفضل النظر إلى الإسلام السياسي اليوم لا كمجرد اتجاه أيديولوجي حزبي، بل كلون من ألوان أنظمة الحكم.

تعزي سيزاري تبنيها هذا المنظور الجديد إلى مفاهيم الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو عن الحكومة وممارسة السلطة « gouvernementalité» التي طورها هذا الأخير خلال محاضراته في (كوليج دو فرانس) بين عامي 1977 و 1984، وهي مفاهيم ترى أن السلطة تتغلغل في كل شيء. ومن ثم تتحول أي مناقشة عن علاقة الدين بوجه عام والإسلام بوجه خاص بالتعبئة السياسية والإنتاج الثقافي والهيئات المعرفية والممارسات الخطابية، إلى نقاش حول السلطة وطبيعة الحكم.

تستعير سيزاري في هذا السياق كذلك أفكار عالم الاجتماع الأمريكي Roger Friedland روجر فرايدلاند عن «القومية» وتطبقها على الإسلام، كون الأخير يعتقد بدوره أن القومية ليست مجرد أيديولوجية بل أيضا مجموعة من الممارسات الخطابية حول الهوية السياسية والثقافية. وتقول سيزاري إن توسيع مفهوم الإسلام السياسي من مجرد أيدلوجية إلى أسلوب حكم، يسمح بدراسة أكثر تعقيدًا للبعد الديني لبناء الدولة الأمة في غالبية الدول الإسلامية.

تقول سيزاري إن الإمبريالية الغربية أدت إلى اعتماد الدولة القومية كشكل وحيد للاجتماع السياسي في العالم الإسلامي، وأن هذا الوضع المستحدث تداخل مع الهويات الجماعية التاريخية للناس الذين هم ليسوا مجرد مواطنين فحسب في تلك الدول، بل هم أيضًا جزء من مجموعات ثقافية وعرقية ودينية سابقة الوجود.

تشير سيزاري إلى أن انهيار الإمبراطورية العثمانية وتشكل الدول القومية حديثة التكوين في الأراضي الإسلامية أدى إلى توتر غير مسبوق بين الانتماء الإسلامي والانتماء الوطني. وأنه جرت إعادة تشكيل حاسمة لمفهوم المجتمع الديني في معظم البلدان الإسلامية، بعد أن صاغ زعماء الدول هويات وطنية مستحدثة بين عشية وضحاها، لتستقر في أقل من جيلين تعريفات جديدة للهوية ومفهوم الأمة، غيرت بشكل لا يمكن إصلاحه علاقة الأتراك والمصريين.. الخ بالإسلام.

حجر الأرض إمتاع عابر للحقول

بطل الجبل

تعيد سيزاري في هذا السياق النظر في الدول العربية والإسلامية لا باعتبارها دولا «علمانية» كما هو الاتجاه السائد، بل بالأحرى كدول قامت بتأميم الدين (بعضها ينظر إلى نفسه أحيانًا كوكيل رسمي عن الإسلام كما تشير) رغم تقلص مساحة تطبيق الشريعة في القوانين وحصرها غالبًا في قوانين الأحوال الشخصية في قضايا الزواج، الطلاق، حضانة الأطفال، والميراث. وتقول إن الحركات الإسلامية ظهرت في المقابل لتعزيز السمات الإسلامية للدولة، وكرد فعل كذلك على هيمنة الدولة على الدين.

تتطرق سيزاري إلى تجارب عدد من الدول العربية والإسلامية في هذا الإطار، ومنها الأردن الذي تتناول فيه مثال الإسلام الرسمي، وتصفه بأنه غير كفء لأنه غير متناسق وموجه من الخارج على حد تعبيرها، فالدولة الأردنية لم تبدأ كما تشير في التأكيد على خطاب التسامح الديني إلا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأنه تم توجيه الخطاب في هذا السياق إلى الجمهور المسلم على المستوى الدولي وليس إلى الأردنيين أنفسهم. وكانت النتيجة بحسبها هي أن بعض الدعاة باتوا يروجون للتسامح في أسبوع، وفي الأسبوع التالي مباشرة يهاجمون الشيعة على المنابر؛ لذلك لم يعد يوجد تعريف شامل للإسلام الأردني المعتدل، وبات كثير من الأردنيين يلجؤون إلى مصادر خارجية بديلة مثل المملكة العربية السعودية للإرشاد الديني، ومن ثم أصبح هناك عدم تطابق بين الهوية الوطنية والدينية على حد قولها.

تذهب سيزاري إلى أن الإسلام السياسي هو أسلوب حديث للحكم مرتبط ببنية الدولة القومية رغم الحضور المستمر لفكرة العودة إلى الخلافة التاريخية العابرة للقوميات، وتشير في هذا السياق إلى أن أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين في مصر واستراتيجيتهم نموذج على هذا التناقض الواضح بعد تكيف الجماعة مع الإطار الوطني.

في المقابل تشير سيزاري إلى أن المفكر الإسلامي المصري سيد قطب أراد تدمير الدولة وأعاد تعريف الجهاد بأنه القتال ضد الحاكم الظالم، وتقول إن هذا التعريف «الجهادي» المقترن بالعقيدة الوهابية للمملكة العربية السعودية أنتج ظاهرة «السلفية الجهادية» التي تجسدت في تنظيم القاعدة الذي قام بنقل الأشكال الوطنية “للجهاد” أو المعارضة المسلحة إلى السياق العالمي. وأنه من هذا المنظور الإيديولوجي تحول العمل المسلح إلى واجب فردي- جماعي عند معتنقي هذا الفكر، وذهبت إعادة تعريف مفهوم الجهاد إلى أبعد مما سبق من خلال تبني مختلف أشكال العنف العشوائي العابر للحدود القومية.

رغم ذلك، تؤكد سيزاري على أن الإسلام السياسي تجربة متعددة البؤر، وأنه يمكن أن يكون بوابة لإضفاء المزيد من الديمقراطية والتعددية في عالمنا بقدر ما يمكن أن يكون بوابة للراديكالية، وأن العلاقة بين الإسلام السياسي والعنف تنتج إلى حد كبير عن الظروف الهيكلية التي يتم تجاهلها في كثير من الأحيان.

تقول سيزاري إن الإسلام السياسي هو العنصر المركزي للهويات السياسية الحديثة تحت غطاء المجتمعات الوطنية الراهنة، لذلك، ليس من المستغرب بحسبها أن يكون الاعتقاد بأن الإسلام والدولة مرتبطان، وأن السياسات العامة يجب أن تلتزم ببعض القواعد المستمدة من الإسلام، وتستشهد في هذا السياق بدراسة أجريت عام 2013 من مركز بيو للأبحاث تفيد بأن 74 % من المصريين يعتقدون أن الشريعة يجب أن تصبح القانون الرسمي، ويجب أن تطبق على المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. كما وجدت الدراسة نفسها أن 72 % من الإندونيسيين يعتقدون كذلك أن الشريعة يجب أن تصبح القانون الرسمي في بلادهم.

تقول سيزاري إن الأحزاب الإسلامية سوف تتلاشى بنهاية المطاف، لكن الأهمية السياسية للإسلام لن تتلاشى لأنه المصدر الأساسي للهوية الاجتماعية والمدنية للناس داخل الدول القومية في العالم الإسلامي، وأن هذا الوعي السياسي الجماعي الموروث هو المرتكز الذي تستند عليه أفعال الدول في تلك المنطقة من العالم، وهذا سبب آخر مقنع بحسبها للتوقف عن النظر إلى الإسلاموية من خلال المنظور الضيق للأحزاب الإسلامية، وإعادة اكتشاف الإسلام السياسي من جديد كشكل من أشكال أنظمة الحكم.
جوسلين سيزاري - ❰ لها مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ Political Islam: More than Islamism ❝ ❱
من الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.

نبذة عن الكتاب:
Political Islam: More than Islamism

صدر حديثًا للباحثة البارزة المتخصصة في الإسلام والسياسية في الشرق الأوسط جوسلين سيزاري دراسة جديدة تحت عنوان Political Islam: More than Islamism»» (الإسلام السياسي: أكثر من مجرد إسلاموية)[[1]]. سيزاري هي أستاذ الدين والسياسة في جامعة برمنغهام في بريطانيا، وهي زميل في مركز بيركلي للأديان والسلام والعلاقات الدولية، ومدير الأبحاث في مركز إدوارد كادبوري للفهم العام للدين بالمملكة المتحدة.

تتناول دراسة سيزاري الإسلام السياسي من منظور جديد كليًا، يختلف عن الاتجاهات السائدة في الدراسات الغربية المعاصرة. فبعد أن توضح سيزاري أن الإسلام السياسي والإسلاموية مصطلحان يستخدمان بالتبادل لوصف الأحزاب الإسلامية، تؤكد أنه من الأفضل النظر إلى الإسلام السياسي اليوم لا كمجرد اتجاه أيديولوجي حزبي، بل كلون من ألوان أنظمة الحكم.

تعزي سيزاري تبنيها هذا المنظور الجديد إلى مفاهيم الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو عن الحكومة وممارسة السلطة « gouvernementalité» التي طورها هذا الأخير خلال محاضراته في (كوليج دو فرانس) بين عامي 1977 و 1984، وهي مفاهيم ترى أن السلطة تتغلغل في كل شيء. ومن ثم تتحول أي مناقشة عن علاقة الدين بوجه عام والإسلام بوجه خاص بالتعبئة السياسية والإنتاج الثقافي والهيئات المعرفية والممارسات الخطابية، إلى نقاش حول السلطة وطبيعة الحكم.

تستعير سيزاري في هذا السياق كذلك أفكار عالم الاجتماع الأمريكي Roger Friedland روجر فرايدلاند عن «القومية» وتطبقها على الإسلام، كون الأخير يعتقد بدوره أن القومية ليست مجرد أيديولوجية بل أيضا مجموعة من الممارسات الخطابية حول الهوية السياسية والثقافية. وتقول سيزاري إن توسيع مفهوم الإسلام السياسي من مجرد أيدلوجية إلى أسلوب حكم، يسمح بدراسة أكثر تعقيدًا للبعد الديني لبناء الدولة الأمة في غالبية الدول الإسلامية.

تقول سيزاري إن الإمبريالية الغربية أدت إلى اعتماد الدولة القومية كشكل وحيد للاجتماع السياسي في العالم الإسلامي، وأن هذا الوضع المستحدث تداخل مع الهويات الجماعية التاريخية للناس الذين هم ليسوا مجرد مواطنين فحسب في تلك الدول، بل هم أيضًا جزء من مجموعات ثقافية وعرقية ودينية سابقة الوجود.

تشير سيزاري إلى أن انهيار الإمبراطورية العثمانية وتشكل الدول القومية حديثة التكوين في الأراضي الإسلامية أدى إلى توتر غير مسبوق بين الانتماء الإسلامي والانتماء الوطني. وأنه جرت إعادة تشكيل حاسمة لمفهوم المجتمع الديني في معظم البلدان الإسلامية، بعد أن صاغ زعماء الدول هويات وطنية مستحدثة بين عشية وضحاها، لتستقر في أقل من جيلين تعريفات جديدة للهوية ومفهوم الأمة، غيرت بشكل لا يمكن إصلاحه علاقة الأتراك والمصريين.. الخ بالإسلام.

حجر الأرض إمتاع عابر للحقول

بطل الجبل

تعيد سيزاري في هذا السياق النظر في الدول العربية والإسلامية لا باعتبارها دولا «علمانية» كما هو الاتجاه السائد، بل بالأحرى كدول قامت بتأميم الدين (بعضها ينظر إلى نفسه أحيانًا كوكيل رسمي عن الإسلام كما تشير) رغم تقلص مساحة تطبيق الشريعة في القوانين وحصرها غالبًا في قوانين الأحوال الشخصية في قضايا الزواج، الطلاق، حضانة الأطفال، والميراث. وتقول إن الحركات الإسلامية ظهرت في المقابل لتعزيز السمات الإسلامية للدولة، وكرد فعل كذلك على هيمنة الدولة على الدين.

تتطرق سيزاري إلى تجارب عدد من الدول العربية والإسلامية في هذا الإطار، ومنها الأردن الذي تتناول فيه مثال الإسلام الرسمي، وتصفه بأنه غير كفء لأنه غير متناسق وموجه من الخارج على حد تعبيرها، فالدولة الأردنية لم تبدأ كما تشير في التأكيد على خطاب التسامح الديني إلا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأنه تم توجيه الخطاب في هذا السياق إلى الجمهور المسلم على المستوى الدولي وليس إلى الأردنيين أنفسهم. وكانت النتيجة بحسبها هي أن بعض الدعاة باتوا يروجون للتسامح في أسبوع، وفي الأسبوع التالي مباشرة يهاجمون الشيعة على المنابر؛ لذلك لم يعد يوجد تعريف شامل للإسلام الأردني المعتدل، وبات كثير من الأردنيين يلجؤون إلى مصادر خارجية بديلة مثل المملكة العربية السعودية للإرشاد الديني، ومن ثم أصبح هناك عدم تطابق بين الهوية الوطنية والدينية على حد قولها.

تذهب سيزاري إلى أن الإسلام السياسي هو أسلوب حديث للحكم مرتبط ببنية الدولة القومية رغم الحضور المستمر لفكرة العودة إلى الخلافة التاريخية العابرة للقوميات، وتشير في هذا السياق إلى أن أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين في مصر واستراتيجيتهم نموذج على هذا التناقض الواضح بعد تكيف الجماعة مع الإطار الوطني.

في المقابل تشير سيزاري إلى أن المفكر الإسلامي المصري سيد قطب أراد تدمير الدولة وأعاد تعريف الجهاد بأنه القتال ضد الحاكم الظالم، وتقول إن هذا التعريف «الجهادي» المقترن بالعقيدة الوهابية للمملكة العربية السعودية أنتج ظاهرة «السلفية الجهادية» التي تجسدت في تنظيم القاعدة الذي قام بنقل الأشكال الوطنية “للجهاد” أو المعارضة المسلحة إلى السياق العالمي. وأنه من هذا المنظور الإيديولوجي تحول العمل المسلح إلى واجب فردي- جماعي عند معتنقي هذا الفكر، وذهبت إعادة تعريف مفهوم الجهاد إلى أبعد مما سبق من خلال تبني مختلف أشكال العنف العشوائي العابر للحدود القومية.

رغم ذلك، تؤكد سيزاري على أن الإسلام السياسي تجربة متعددة البؤر، وأنه يمكن أن يكون بوابة لإضفاء المزيد من الديمقراطية والتعددية في عالمنا بقدر ما يمكن أن يكون بوابة للراديكالية، وأن العلاقة بين الإسلام السياسي والعنف تنتج إلى حد كبير عن الظروف الهيكلية التي يتم تجاهلها في كثير من الأحيان.

تقول سيزاري إن الإسلام السياسي هو العنصر المركزي للهويات السياسية الحديثة تحت غطاء المجتمعات الوطنية الراهنة، لذلك، ليس من المستغرب بحسبها أن يكون الاعتقاد بأن الإسلام والدولة مرتبطان، وأن السياسات العامة يجب أن تلتزم ببعض القواعد المستمدة من الإسلام، وتستشهد في هذا السياق بدراسة أجريت عام 2013 من مركز بيو للأبحاث تفيد بأن 74 % من المصريين يعتقدون أن الشريعة يجب أن تصبح القانون الرسمي، ويجب أن تطبق على المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. كما وجدت الدراسة نفسها أن 72 % من الإندونيسيين يعتقدون كذلك أن الشريعة يجب أن تصبح القانون الرسمي في بلادهم.

تقول سيزاري إن الأحزاب الإسلامية سوف تتلاشى بنهاية المطاف، لكن الأهمية السياسية للإسلام لن تتلاشى لأنه المصدر الأساسي للهوية الاجتماعية والمدنية للناس داخل الدول القومية في العالم الإسلامي، وأن هذا الوعي السياسي الجماعي الموروث هو المرتكز الذي تستند عليه أفعال الدول في تلك المنطقة من العالم، وهذا سبب آخر مقنع بحسبها للتوقف عن النظر إلى الإسلاموية من خلال المنظور الضيق للأحزاب الإسلامية، وإعادة اكتشاف الإسلام السياسي من جديد كشكل من أشكال أنظمة الحكم. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

صدر حديثًا للباحثة البارزة المتخصصة في الإسلام والسياسية في الشرق الأوسط جوسلين سيزاري دراسة جديدة تحت عنوان Political Islam: More than Islamism»» (الإسلام السياسي: أكثر من مجرد إسلاموية)[[1]]. سيزاري هي أستاذ الدين والسياسة في جامعة برمنغهام في بريطانيا، وهي زميل في مركز بيركلي للأديان والسلام والعلاقات الدولية، ومدير الأبحاث في مركز إدوارد كادبوري للفهم العام للدين بالمملكة المتحدة.

تتناول دراسة سيزاري الإسلام السياسي من منظور جديد كليًا، يختلف عن الاتجاهات السائدة في الدراسات الغربية المعاصرة. فبعد أن توضح سيزاري أن الإسلام السياسي والإسلاموية مصطلحان يستخدمان بالتبادل لوصف الأحزاب الإسلامية، تؤكد أنه من الأفضل النظر إلى الإسلام السياسي اليوم لا كمجرد اتجاه أيديولوجي حزبي، بل كلون من ألوان أنظمة الحكم.

تعزي سيزاري تبنيها هذا المنظور الجديد إلى مفاهيم الفيلسوف الفرنسي ميشيل فوكو عن الحكومة وممارسة السلطة « gouvernementalité» التي طورها هذا الأخير خلال محاضراته في (كوليج دو فرانس) بين عامي 1977 و 1984، وهي مفاهيم ترى أن السلطة تتغلغل في كل شيء. ومن ثم تتحول أي مناقشة عن علاقة الدين بوجه عام والإسلام بوجه خاص بالتعبئة السياسية والإنتاج الثقافي والهيئات المعرفية والممارسات الخطابية، إلى نقاش حول السلطة وطبيعة الحكم.

تستعير سيزاري في هذا السياق كذلك أفكار عالم الاجتماع الأمريكي Roger Friedland روجر فرايدلاند عن «القومية» وتطبقها على الإسلام، كون الأخير يعتقد بدوره أن القومية ليست مجرد أيديولوجية بل أيضا مجموعة من الممارسات الخطابية حول الهوية السياسية والثقافية. وتقول سيزاري إن توسيع مفهوم الإسلام السياسي من مجرد أيدلوجية إلى أسلوب حكم، يسمح بدراسة أكثر تعقيدًا للبعد الديني لبناء الدولة الأمة في غالبية الدول الإسلامية.

تقول سيزاري إن الإمبريالية الغربية أدت إلى اعتماد الدولة القومية كشكل وحيد للاجتماع السياسي في العالم الإسلامي، وأن هذا الوضع المستحدث تداخل مع الهويات الجماعية التاريخية للناس الذين هم ليسوا مجرد مواطنين فحسب في تلك الدول، بل هم أيضًا جزء من مجموعات ثقافية وعرقية ودينية سابقة الوجود.

تشير سيزاري إلى أن انهيار الإمبراطورية العثمانية وتشكل الدول القومية حديثة التكوين في الأراضي الإسلامية أدى إلى توتر غير مسبوق بين الانتماء الإسلامي والانتماء الوطني. وأنه جرت إعادة تشكيل حاسمة لمفهوم المجتمع الديني في معظم البلدان الإسلامية، بعد أن صاغ زعماء الدول هويات وطنية مستحدثة بين عشية وضحاها، لتستقر في أقل من جيلين تعريفات جديدة للهوية ومفهوم الأمة، غيرت بشكل لا يمكن إصلاحه علاقة الأتراك والمصريين.. الخ بالإسلام.

حجر الأرض إمتاع عابر للحقول

بطل الجبل

تعيد سيزاري في هذا السياق النظر في الدول العربية والإسلامية لا باعتبارها دولا «علمانية» كما هو الاتجاه السائد، بل بالأحرى كدول قامت بتأميم الدين (بعضها ينظر إلى نفسه أحيانًا كوكيل رسمي عن الإسلام كما تشير) رغم تقلص مساحة تطبيق الشريعة في القوانين وحصرها غالبًا في قوانين الأحوال الشخصية في قضايا الزواج، الطلاق، حضانة الأطفال، والميراث. وتقول إن الحركات الإسلامية ظهرت في المقابل لتعزيز السمات الإسلامية للدولة، وكرد فعل كذلك على هيمنة الدولة على الدين.

تتطرق سيزاري إلى تجارب عدد من الدول العربية والإسلامية في هذا الإطار، ومنها الأردن الذي تتناول فيه مثال الإسلام الرسمي، وتصفه بأنه غير كفء لأنه غير متناسق وموجه من الخارج على حد تعبيرها، فالدولة الأردنية لم تبدأ كما تشير في التأكيد على خطاب التسامح الديني إلا بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر، وأنه تم توجيه الخطاب في هذا السياق إلى الجمهور المسلم على المستوى الدولي وليس إلى الأردنيين أنفسهم. وكانت النتيجة بحسبها هي أن بعض الدعاة باتوا يروجون للتسامح في أسبوع، وفي الأسبوع التالي مباشرة يهاجمون الشيعة على المنابر؛ لذلك لم يعد يوجد تعريف شامل للإسلام الأردني المعتدل، وبات كثير من الأردنيين يلجؤون إلى مصادر خارجية بديلة مثل المملكة العربية السعودية للإرشاد الديني، ومن ثم أصبح هناك عدم تطابق بين الهوية الوطنية والدينية على حد قولها.

تذهب سيزاري إلى أن الإسلام السياسي هو أسلوب حديث للحكم مرتبط ببنية الدولة القومية رغم الحضور المستمر لفكرة العودة إلى الخلافة التاريخية العابرة للقوميات، وتشير في هذا السياق إلى أن أيديولوجية جماعة الإخوان المسلمين في مصر واستراتيجيتهم نموذج على هذا التناقض الواضح بعد تكيف الجماعة مع الإطار الوطني.

في المقابل تشير سيزاري إلى أن المفكر الإسلامي المصري سيد قطب أراد تدمير الدولة وأعاد تعريف الجهاد بأنه القتال ضد الحاكم الظالم، وتقول إن هذا التعريف «الجهادي» المقترن بالعقيدة الوهابية للمملكة العربية السعودية أنتج ظاهرة «السلفية الجهادية» التي تجسدت في تنظيم القاعدة الذي قام بنقل الأشكال الوطنية “للجهاد” أو المعارضة المسلحة إلى السياق العالمي. وأنه من هذا المنظور الإيديولوجي تحول العمل المسلح إلى واجب فردي- جماعي عند معتنقي هذا الفكر، وذهبت إعادة تعريف مفهوم الجهاد إلى أبعد مما سبق من خلال تبني مختلف أشكال العنف العشوائي العابر للحدود القومية.

رغم ذلك، تؤكد سيزاري على أن الإسلام السياسي تجربة متعددة البؤر، وأنه يمكن أن يكون بوابة لإضفاء المزيد من الديمقراطية والتعددية في عالمنا بقدر ما يمكن أن يكون بوابة للراديكالية، وأن العلاقة بين الإسلام السياسي والعنف تنتج إلى حد كبير عن الظروف الهيكلية التي يتم تجاهلها في كثير من الأحيان.

تقول سيزاري إن الإسلام السياسي هو العنصر المركزي للهويات السياسية الحديثة تحت غطاء المجتمعات الوطنية الراهنة، لذلك، ليس من المستغرب بحسبها أن يكون الاعتقاد بأن الإسلام والدولة مرتبطان، وأن السياسات العامة يجب أن تلتزم ببعض القواعد المستمدة من الإسلام، وتستشهد في هذا السياق بدراسة أجريت عام 2013 من مركز بيو للأبحاث تفيد بأن 74 % من المصريين يعتقدون أن الشريعة يجب أن تصبح القانون الرسمي، ويجب أن تطبق على المسلمين وغير المسلمين على حد سواء. كما وجدت الدراسة نفسها أن 72 % من الإندونيسيين يعتقدون كذلك أن الشريعة يجب أن تصبح القانون الرسمي في بلادهم.

تقول سيزاري إن الأحزاب الإسلامية سوف تتلاشى بنهاية المطاف، لكن الأهمية السياسية للإسلام لن تتلاشى لأنه المصدر الأساسي للهوية الاجتماعية والمدنية للناس داخل الدول القومية في العالم الإسلامي، وأن هذا الوعي السياسي الجماعي الموروث هو المرتكز الذي تستند عليه أفعال الدول في تلك المنطقة من العالم، وهذا سبب آخر مقنع بحسبها للتوقف عن النظر إلى الإسلاموية من خلال المنظور الضيق للأحزاب الإسلامية، وإعادة اكتشاف الإسلام السياسي من جديد كشكل من أشكال أنظمة الحكم.



عداد القراءة: عدد قراءة  Political Islam: More than Islamism

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

المؤلف:
جوسلين سيزاري - Jocelyn Cesari

كتب جوسلين سيزاري ❰ لها مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ Political Islam: More than Islamism ❝ ❱. المزيد..

كتب جوسلين سيزاري