❞ كتاب المركزية الغربية وتناقضاتها مع حقوق الإنسان ❝  ⏤ عبداللطيف بن عبدالله بن محمد الغامدي

❞ كتاب المركزية الغربية وتناقضاتها مع حقوق الإنسان ❝ ⏤ عبداللطيف بن عبدالله بن محمد الغامدي

في البداية يقول الكاتب بأن جزء من أزمتنا الحضارية تكمن في أننا فقدنا جانب كبير من نبضنا الطبيعي، بسبب أننا أصبحنا نتلقف كل ما يُقذف إلينا من الأخر على أنها مسلمات وحقائق لا تقبل الجدل، ونخضع لقذائف قصفه الإعلامي حتى قُتلت لدينا تلك العقلانية الفطرية التي تجعلنا نتلمس على الأحاسيس ومعلولات الإدراك. وبما أن الحضارة الغربية وما تشكله من هيمنة على المشهد الحضاري العالمي بكل جوانبه الفكرية والاقتصادية والسياسية والحقوقية، وتبعاً لذلك أصبحت قيمه ومفاهيمه وقوانينه ومصالحه وجغرافيته هي مركز العالم، وما عداه من دول العالم أطراف، ليس لها من خيار سوى الدوران حول المركز والسير في فلكه، والأخذ عنه، وإتباع تعليماته وأوامره.

هذا وقد هدف الكاتب من خلال دراسته إلى محاولة إحياء روح الدفاع الحضاري والحفاظ على تنوع وتعدد الثقافات، كما هدف إلى محاولة بناء روح نقدية للنظريات الفكرية والفلسفية والتي يتم تصديرها إلينا من الغرب وبالأخص ما يتعلق منها بالجانب الحقوقي. وحاول من خلال اعتماده على الأدلة والبراهين والحجج التأكيد على إستغلال الغرب لحقوق الإنسان، وتوظيفها لمصلحته.

تناول الكاتب دراسته من خلال تقسيمها إلى فصل تمهيدي، وخطة بحثية، وأربعة فصول رئيسية، وخاتمة .

الفصل التمهيدي

يقول بأن المركزية الغربية هيمنت على العالم بسبب قوة محدداتها الثقافية، والأيديولوجية، وممارستها إختزالاً للثقافات غير الغربية، على اعتبار أن الثقافة الغربية هي الثقافة الكونية الشاملة. إضافة إلى الإستجابة السلبية لمعطيات تلك المركزية من قبل الثقافات الأخرى، والتي رهنت نفسها بعلاقة إمتثالية للثقافة الغربية.

الفكرية المحورية للدراسة:

الكاتب يري أن المركزية الغربية مرت بمراحل وأطوار عدة، حتى وصلت إلى مرحلة الهيمنة الكاملة، والسيطرة التامة التي أصبحت معها تشرع للناس ما تراه حقاً، وتضع الاّليات لفرض تلك الحقوق التي تشرعها، فكان لزاماً دراسة تلك المركزية وتفكيك بناها، وقراءة مفاهيمها المكونة لحقوق الإنسان، ومعرفة اّلياتها التي تنفذ من خلالها تلك القوانين الأممية، ومعرفة أين نحن من ذلك كله؟؟ وأثره علينا وتطبيقاته على أرض الواقع.

فالنظرة الغربية ترى عدم أهلية الشعوب غير الغربية لأن تكون سيدة على أراضيها ومواردها ولذلك تعمل على نقل الكوكب إلى يد الغرب. حفظاً لحقوق المستعمرين الجدد “الغرب”.

طرح الكاتب سؤالاً لدراسته محاولاً الإجابة عليه، والسؤال هو: ما هي تناقضات المركزية الغربية مع حقوق الإنسان؟

وجاوب عليه من خلال تفكيكه إلى عدة أسئلة فرعية تتعلق بمعرفة مفهوم المركزية الغربية وسماتها وألياتها. وما هو أثر نظرة دول المركز على المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان، وعلى الأليات التنفيذية لحقوق الإنسان في العالم بعامة وفي العالم الإسلامي بخاصة، وما هي الحيل التي تستخدمها دول المركز للإلتفاف على حقوق الإنسان، وما هي سبل مواجهة ذلك الاستبداد والتوظيف للحقوق الذي تمارسه دول المركز بشأن حقوق الإنسان؟.

كما هدف من دراسته إلى تفكيك المركزية الغربية، والتي تدرجت في تغولها، حتى أصبحت أكبر مهدد لحقوق الإنسان.

الفصل الأول: ” في مفهوم المركزية الغربية “

حيث قام بشرح مفهوم المركزية الغربية من خلال ثلاثة مباحث تناول في الأول مفهوم المركزية الغربية، ومراحل تشكلها، وتناول في الثاني سمات المركزية الغربية، ثم ناقش أليات تلك المركزية في المبحث الثالث.

أوضح أن المركزية الغربية هي الممارسة الواعية أو غير الواعية التي تركز على فرض الحضارة والمصالح الغربية عموماً في جميع مجالات الحياة على حساب باقي الثقافات والحضارات والشعوب، وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

كما يري أن الغرب تغلب على العالم ليس من خلال تفوقه في الأفكار أو القيم أو الديانة، ولكن من خلال اتباعه للفلسفة الإقصائية والرؤية الصراعية وإنتاجه للعنف المنظم للهيمنة على العالم. والدليل على ذلك أن الغربيون ارتكبوا في أمريكا أثر إكتشافهم لها أبشع أنواع الإبادة الجماعية، وعملوا على إعادة صياغة ذهنية لسكانها الأصليين حسبما دعى الرئيس مونرو إلى مساعدة الهنود في “التغلب على أفكارهم المسبقة بخصوص تراب بلادهم”.

فالغربيون يعلون من قيمة “الأنا” ويصفون أنفسهم بالتحضر، وينظرون إلى الأخر على أنه همجي ومتخلف ولابد من إستغلاله بذريعة تمدينه، وأن هذا التمدين هو الواجب الحضاري الذي يقع عبئه على الرجل الأبيض. كما وصف العصر الذي نعيشه، بأنه عصر تعميم وتوسيع دائرة النموذج الغربي وسعيه للقيام بعملية التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بحيث تشمل العالم بأسره.

وفي تناوله لمفهوم المركزية الغربية عرض الكاتب لبزوغ فجر الحضارة الغربية وكيف أنها أستمدت جذورها وأصولها من الحضارية الإغريقية والرومانية، كما تحدث عن مرحلة استبداد الكنيسة والإقطاع وما يطلق عليها مرحلة ما قبل الحداثة، وكيف أن الحضارة الغربية كانت حضارة دموية ومتطرفة في نشأتها وفي نشرها لمعتقداتها ومفاهيمها على بقية شعوب وحضارات العالم الأخري.

تحدث بعد ذلك عن مرحلة الحداثة وتناول أهم سماتها والمصطلحات التي تفرعت عنها كالصيرورة والمادية والعلمانية والثورة الصناعية والعلمية والتقنية والرأسمالية، ثم تحدث عن أهم أسباب إخفاقاتها ويري أن السبب هو أن الحداثة قامت على فكرة تغييب الروح وسحقها، والقضاء عليها، من خلال غياب الإيمان، وإنكار الله تعالي، وهو ما ولد غياب الاستقرار النفسي والفكري وما أنتجه ذلك الغياب من تخبط في نظريات أرضية، وأفكار بشرية، لا زالت تهوي بالبشرية في واد سحيق من الظلمات.

وقد تشكل مفهوم ما بعد الحداثة كردة فعل على مركزية الإنسان التي رسختها، وتمركزت حولها الحداثة، وجعلت منه مركزاً للكون، ولذا كان لابد من تفتيت تلك المركزية. لذا فإن نقاد الحداثة الأوائل، والثائرين عليها هم الاّباء الروحيون لمفكري ما بعد الحداثة.

ومن أهم سمات هذه المرحلة هي التخلص من المرجعيات حيث تري –فلسفة ما بعد الحداثية- أن القيم الأبدية التي لا تفني -ومن بينها الأديان- هي المهدد لها، ولذا فإنها ترى أن تدمير المرجعيات والتخلص منها إحدى أولويات ما بعد الحداثة.

أيضاً المركزية الغربية من سماتها أنها انتشرت بالقوة كحضارة وثقافة، أراد أتباعها نشرها على الحضارات الأخري باعتبارها حضارة الإنسانية، والتقدم، والرقي، في مقابل إقصاء تام للحضارت الأخري، وهو ما حقق لها درجة من التسويق، لم تتح لغيرها من الحضارات، فأكتسبت درجة من الهيمنة، يرجعها الكاتب إلى أمرين هما:

هيمنة المركزية الغربية ومحدداتها الثقافية، والأيديولوجية، وممارستها إختزالاً للثقافات غير الغربية، على إعتبار أن الثقافة الغربية هي الثقافة الكونية الشاملة.

الاستجابة السلبية لمعطيات تلك المركزية من قبل الثقافات الأخري، ومن ضمنها الثقافة العربية والإسلامية، والتي رهنت نفسها بعلاقة إمتثالية للثقافة الغربية.

كما تحدث عن العدوانية والدموية الغربية مستشهداً بمقولة أدم سميث بقوله “كان نجاح أوروبا ناتجاً عن تمكنها من ثقافة العنف وإنغماسها فيها”، كما ذكر أن من السمات الأوروبية “الاستخدام العقلاني المنظم للعنف المتوحش” وهو ما أكده نعوم تشومسكي بقوله “كان الأوروبيين يحاربون بهدف القتل، وكان لديهم من الوسائل ما مكنهم من إرضاء شهوة الدم عندهم”. إضافة لأسلوب المكر والخداع باعتباره إحدى السمات المتجذرة في الحضارة الغربية.

قال الكاتب أيضاً بأن العداء للإسلام يعتبر لدي الغرب قديم جداً، وأصبح هذا العداء جزءاً أساسياً في تشكيل الهوية الغربية. وحسبما يرى لورانس براون[1] ” أن الإسلام هو الخطر الحقيقي، وخطره كامن في نظامه، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الصلب الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي ولذا كان الحرص على شيطنته، لأنه الأخر الممانع، وأصبحت تلك الممانعة سبباً في الخشية من تنامي قوته، وهو ما لا يسمح به الغرب”.

(ومن أبرز الأمثلة على العداء الغربي للإسلام ما يقوله الملاكم المعروف “محمد على كلاي” فيقول “رغم حرية الأديان والمعتقدات في أمريكا، فقد حوربت بقوة في البداية .. فقد فوجئت في أولى المباريات بعد إشهار إسلامي، بأنه لا يمكن أن أصعد إلى الحلبة باسم محمد على، وإنما باسم كاسيوس، وقد فكر منظموا المباراة بإلغاءها، ولكن خوفهم من الخسارة المادية جعلهم يعدلون عن هذا، فسمحوا لي بالاشتراك شريطة عدم لفظ كلمة “إسلام” على الحلبة، فرفضت هذا، وصعدت وهتفت “الله أكبر” وقرأت سورة الكرسي، وبعض قصار السور، وهذا ما أرعب المسئولين في الولايات المتحدة، حيث لم يكونوا يظنون أني سأذهب أبعد من هذا، وعندما رأوا أن الأمر جدي، عادوا وطرحوا قضية الخدمة العسكرية الإجبارية في فيتنام بعد أن كانوا قد أعفوني منها، ولكنني رفضت وقلت: إن ديني لا يسمح لي بقتل الأبرياء، فهذا محرم في الدين الإسلامي، فقالوا: نضعك في مشفي للإشراف على المرضى والجرحى، فقلت: كيف أعالج أو أشرف على جرحى قتلوا أبرياء؟ وعلى إثر ذلك، تم عزلي من البطولة، وسجنت، وقد خضت معركة قوية في المحاكم الأمريكية إلى أن حصلت على حريتي، وعدت مرة أخري واستعدت البطولة ثلاث مرات).

كما حذر رئيس مركز الفرص المتكافئة ومقاومة العنصرية في بلجيكا –جوزيف دي فيت- من إرتفاع نسبة العداء للإسلام في أوروبا، وقال “إن التقرير السنوي للمركز لعام 2008 يؤكد ازدياد العداء تجاه الأجانب عموماً، والإسلام خصوصاً”.

ثم يوضح الكاتب أن من آليات المركزية الغربية أن دول المركز أرادت السيطرة على دول الأطراف من خلال وصم الثقافات الخاصة بدول الأطراف بكل ما هو مذهل وغريب ومشين والتي جعلت من الأخر مهرطق ومتوحش وهمجي وقرصان وغريب الأطوار وفظ وشهواني ومغيب وأخيراً إرهابي. كما أوضح أن المركز يتحكم بالأطراف عبر أربعة أضلع هي:

احتكار ثقافة السلاح.

احتكار النفط .

احتكار الشرعية الدولية (عبر منظمة الأمم المتحدة – مجلس الأمن….إلخ).

احتكار التجارة العالمية، والثقافة والإعلام.

كما قام بتصنيف الغزو الغربي للحضارت الأخرى وفقاً لثمانية أنواع هم )الغزو العسكري – الغزو المعرفي”الاستشراق” – الغزو العقدي “التنصير” – الغزو الاقتصادي “الرأسمالية” – الغزو السياسي – الغزو القانوني – الغزو الشامل “العولمة”).

كما بين أن الهيمنة الغربية تقنن باسم الشرعية الدولية وباسم النظام العالمي وهذا أخطر ما فيها، فالغرب يعمد إلى استخدام كافة الوسائل لنشر ثقافته وقيمه للعالم عن طريق الإعلام والفكر والجواسيس والاختراق على كل الدول والحضارات. والغرب يقنن هذا الاختراق وهذه الهيمنة بوثائق وبرامج باسم النظام العالمي الجديد.

الفصل الثاني: ” المركزية الغربية وحقوق الإنسان “

تطرق الكاتب في هذا الفصل إلى الصيرورة التاريخية لتشكل حقوق الإنسان في الفكر الغربي، والمفاهيم التي تشكلت خلال تلك الصيرورة، وآثارها والأجهزة التي قام الغرب ببنائها لتوظيف الحق الإنساني لمصالحه –وخصوصاً مصالحه الرأسمالية- أو التي يقوم من خلالها بسحق الحق الإنساني في سبيل مصالحه.

ثم سرد لمراحل تطور الحق الإنساني، فتحدث عن مرحلة الأنوار المتقدمة ثم مرحلة الاستعباد الكامل وأخيراً مرحلة الأنوار والتي يقول فيها بأن أمريكا ابتدعت حماية الأقليات في الدول ورفعت راية المطالبة بحقوق الإنسان، ولم يكن ذلك سوى ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للدول، ومنفذاً لحياكة المؤامرات وإسقاط الأنظمة التي لا ترضى عنها أمريكا.

ثم جاءت المرحلة الحديثة والمعاصرة وكانت أوروبا في ذلك الوقت تمارس أشد أنواع المعاملة القاسية واللإنسانية بحق العمال في المصانع والمناجم وذلك في القرن التاسع عشر، وهو ما أنتج جيل يدافع عن حقوق الإنسان، بحيث تتولي الحكومة مسئولية ضمان مستويات حياة ملائمة من خلال توفير فرص للتوظيف ودخل، ومسكن، ورعاية طبية، وأمن، وتعليم، فقد حظيت حقوق العمال باهتمام كبير في نهاية الحرب العالمية الأولى، وأدى ذلك إلى إنشاء منظمة العمل الدولية عام 1919م.

بعد ذلك تطرق لما حدث في أوروبا والعالم من قيام الحرب العالمية الأولى والثانية، وما تلاهما من إنشاء عصبة الأمم، ثم منظمة الأمم المتحدة وذكر أن المادة (55 فقرة ج) نصت على “أن الأمم المتحدة سوف تشجع الاحترام العالمي لحقوق الإنسان وتراقبه، وكذلك الحريات الأساسية للجميع بلا تفرقة أو تمييز بالنسبة للنوع أو الجنس أو اللغة أو الدين”.

ويقول الكاتب بأن الحضارة الإسلامية بكل ثقلها كانت مغيبة عن صياغة ذلك الميثاق الخاص بحقوق الإنسان، حيث تم تجاهلها عن عمد، إذ أن العربي الوحيد الذي كان مشاركاً في مناقشة صياغة الميثاق هو الحقوقي اللبناني “شارل مالك” والذي كان حظه ضئيل من الثقافة الإسلامية، إضافة لكونه لم يكن ممثلاً لقوة يمكن أن يُسمع صوتها من خضم النقاش الذي كان أطرافه منتصري الحرب العالمية.
عبداللطيف بن عبدالله بن محمد الغامدي - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ المركزية الغربية وتناقضاتها مع حقوق الإنسان ❝ الناشرين : ❞ مركز التأصيل للدراسات والبحوث ❝ ❱
من فكر وثقافة - مكتبة الكتب والموسوعات العامة.

نبذة عن الكتاب:
المركزية الغربية وتناقضاتها مع حقوق الإنسان

2014م - 1445هـ
في البداية يقول الكاتب بأن جزء من أزمتنا الحضارية تكمن في أننا فقدنا جانب كبير من نبضنا الطبيعي، بسبب أننا أصبحنا نتلقف كل ما يُقذف إلينا من الأخر على أنها مسلمات وحقائق لا تقبل الجدل، ونخضع لقذائف قصفه الإعلامي حتى قُتلت لدينا تلك العقلانية الفطرية التي تجعلنا نتلمس على الأحاسيس ومعلولات الإدراك. وبما أن الحضارة الغربية وما تشكله من هيمنة على المشهد الحضاري العالمي بكل جوانبه الفكرية والاقتصادية والسياسية والحقوقية، وتبعاً لذلك أصبحت قيمه ومفاهيمه وقوانينه ومصالحه وجغرافيته هي مركز العالم، وما عداه من دول العالم أطراف، ليس لها من خيار سوى الدوران حول المركز والسير في فلكه، والأخذ عنه، وإتباع تعليماته وأوامره.

هذا وقد هدف الكاتب من خلال دراسته إلى محاولة إحياء روح الدفاع الحضاري والحفاظ على تنوع وتعدد الثقافات، كما هدف إلى محاولة بناء روح نقدية للنظريات الفكرية والفلسفية والتي يتم تصديرها إلينا من الغرب وبالأخص ما يتعلق منها بالجانب الحقوقي. وحاول من خلال اعتماده على الأدلة والبراهين والحجج التأكيد على إستغلال الغرب لحقوق الإنسان، وتوظيفها لمصلحته.

تناول الكاتب دراسته من خلال تقسيمها إلى فصل تمهيدي، وخطة بحثية، وأربعة فصول رئيسية، وخاتمة .

الفصل التمهيدي

يقول بأن المركزية الغربية هيمنت على العالم بسبب قوة محدداتها الثقافية، والأيديولوجية، وممارستها إختزالاً للثقافات غير الغربية، على اعتبار أن الثقافة الغربية هي الثقافة الكونية الشاملة. إضافة إلى الإستجابة السلبية لمعطيات تلك المركزية من قبل الثقافات الأخرى، والتي رهنت نفسها بعلاقة إمتثالية للثقافة الغربية.

الفكرية المحورية للدراسة:

الكاتب يري أن المركزية الغربية مرت بمراحل وأطوار عدة، حتى وصلت إلى مرحلة الهيمنة الكاملة، والسيطرة التامة التي أصبحت معها تشرع للناس ما تراه حقاً، وتضع الاّليات لفرض تلك الحقوق التي تشرعها، فكان لزاماً دراسة تلك المركزية وتفكيك بناها، وقراءة مفاهيمها المكونة لحقوق الإنسان، ومعرفة اّلياتها التي تنفذ من خلالها تلك القوانين الأممية، ومعرفة أين نحن من ذلك كله؟؟ وأثره علينا وتطبيقاته على أرض الواقع.

فالنظرة الغربية ترى عدم أهلية الشعوب غير الغربية لأن تكون سيدة على أراضيها ومواردها ولذلك تعمل على نقل الكوكب إلى يد الغرب. حفظاً لحقوق المستعمرين الجدد “الغرب”.

طرح الكاتب سؤالاً لدراسته محاولاً الإجابة عليه، والسؤال هو: ما هي تناقضات المركزية الغربية مع حقوق الإنسان؟

وجاوب عليه من خلال تفكيكه إلى عدة أسئلة فرعية تتعلق بمعرفة مفهوم المركزية الغربية وسماتها وألياتها. وما هو أثر نظرة دول المركز على المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان، وعلى الأليات التنفيذية لحقوق الإنسان في العالم بعامة وفي العالم الإسلامي بخاصة، وما هي الحيل التي تستخدمها دول المركز للإلتفاف على حقوق الإنسان، وما هي سبل مواجهة ذلك الاستبداد والتوظيف للحقوق الذي تمارسه دول المركز بشأن حقوق الإنسان؟.

كما هدف من دراسته إلى تفكيك المركزية الغربية، والتي تدرجت في تغولها، حتى أصبحت أكبر مهدد لحقوق الإنسان.

الفصل الأول: ” في مفهوم المركزية الغربية “

حيث قام بشرح مفهوم المركزية الغربية من خلال ثلاثة مباحث تناول في الأول مفهوم المركزية الغربية، ومراحل تشكلها، وتناول في الثاني سمات المركزية الغربية، ثم ناقش أليات تلك المركزية في المبحث الثالث.

أوضح أن المركزية الغربية هي الممارسة الواعية أو غير الواعية التي تركز على فرض الحضارة والمصالح الغربية عموماً في جميع مجالات الحياة على حساب باقي الثقافات والحضارات والشعوب، وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

كما يري أن الغرب تغلب على العالم ليس من خلال تفوقه في الأفكار أو القيم أو الديانة، ولكن من خلال اتباعه للفلسفة الإقصائية والرؤية الصراعية وإنتاجه للعنف المنظم للهيمنة على العالم. والدليل على ذلك أن الغربيون ارتكبوا في أمريكا أثر إكتشافهم لها أبشع أنواع الإبادة الجماعية، وعملوا على إعادة صياغة ذهنية لسكانها الأصليين حسبما دعى الرئيس مونرو إلى مساعدة الهنود في “التغلب على أفكارهم المسبقة بخصوص تراب بلادهم”.

فالغربيون يعلون من قيمة “الأنا” ويصفون أنفسهم بالتحضر، وينظرون إلى الأخر على أنه همجي ومتخلف ولابد من إستغلاله بذريعة تمدينه، وأن هذا التمدين هو الواجب الحضاري الذي يقع عبئه على الرجل الأبيض. كما وصف العصر الذي نعيشه، بأنه عصر تعميم وتوسيع دائرة النموذج الغربي وسعيه للقيام بعملية التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بحيث تشمل العالم بأسره.

وفي تناوله لمفهوم المركزية الغربية عرض الكاتب لبزوغ فجر الحضارة الغربية وكيف أنها أستمدت جذورها وأصولها من الحضارية الإغريقية والرومانية، كما تحدث عن مرحلة استبداد الكنيسة والإقطاع وما يطلق عليها مرحلة ما قبل الحداثة، وكيف أن الحضارة الغربية كانت حضارة دموية ومتطرفة في نشأتها وفي نشرها لمعتقداتها ومفاهيمها على بقية شعوب وحضارات العالم الأخري.

تحدث بعد ذلك عن مرحلة الحداثة وتناول أهم سماتها والمصطلحات التي تفرعت عنها كالصيرورة والمادية والعلمانية والثورة الصناعية والعلمية والتقنية والرأسمالية، ثم تحدث عن أهم أسباب إخفاقاتها ويري أن السبب هو أن الحداثة قامت على فكرة تغييب الروح وسحقها، والقضاء عليها، من خلال غياب الإيمان، وإنكار الله تعالي، وهو ما ولد غياب الاستقرار النفسي والفكري وما أنتجه ذلك الغياب من تخبط في نظريات أرضية، وأفكار بشرية، لا زالت تهوي بالبشرية في واد سحيق من الظلمات.

وقد تشكل مفهوم ما بعد الحداثة كردة فعل على مركزية الإنسان التي رسختها، وتمركزت حولها الحداثة، وجعلت منه مركزاً للكون، ولذا كان لابد من تفتيت تلك المركزية. لذا فإن نقاد الحداثة الأوائل، والثائرين عليها هم الاّباء الروحيون لمفكري ما بعد الحداثة.

ومن أهم سمات هذه المرحلة هي التخلص من المرجعيات حيث تري –فلسفة ما بعد الحداثية- أن القيم الأبدية التي لا تفني -ومن بينها الأديان- هي المهدد لها، ولذا فإنها ترى أن تدمير المرجعيات والتخلص منها إحدى أولويات ما بعد الحداثة.

أيضاً المركزية الغربية من سماتها أنها انتشرت بالقوة كحضارة وثقافة، أراد أتباعها نشرها على الحضارات الأخري باعتبارها حضارة الإنسانية، والتقدم، والرقي، في مقابل إقصاء تام للحضارت الأخري، وهو ما حقق لها درجة من التسويق، لم تتح لغيرها من الحضارات، فأكتسبت درجة من الهيمنة، يرجعها الكاتب إلى أمرين هما:

هيمنة المركزية الغربية ومحدداتها الثقافية، والأيديولوجية، وممارستها إختزالاً للثقافات غير الغربية، على إعتبار أن الثقافة الغربية هي الثقافة الكونية الشاملة.

الاستجابة السلبية لمعطيات تلك المركزية من قبل الثقافات الأخري، ومن ضمنها الثقافة العربية والإسلامية، والتي رهنت نفسها بعلاقة إمتثالية للثقافة الغربية.

كما تحدث عن العدوانية والدموية الغربية مستشهداً بمقولة أدم سميث بقوله “كان نجاح أوروبا ناتجاً عن تمكنها من ثقافة العنف وإنغماسها فيها”، كما ذكر أن من السمات الأوروبية “الاستخدام العقلاني المنظم للعنف المتوحش” وهو ما أكده نعوم تشومسكي بقوله “كان الأوروبيين يحاربون بهدف القتل، وكان لديهم من الوسائل ما مكنهم من إرضاء شهوة الدم عندهم”. إضافة لأسلوب المكر والخداع باعتباره إحدى السمات المتجذرة في الحضارة الغربية.

قال الكاتب أيضاً بأن العداء للإسلام يعتبر لدي الغرب قديم جداً، وأصبح هذا العداء جزءاً أساسياً في تشكيل الهوية الغربية. وحسبما يرى لورانس براون[1] ” أن الإسلام هو الخطر الحقيقي، وخطره كامن في نظامه، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الصلب الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي ولذا كان الحرص على شيطنته، لأنه الأخر الممانع، وأصبحت تلك الممانعة سبباً في الخشية من تنامي قوته، وهو ما لا يسمح به الغرب”.

(ومن أبرز الأمثلة على العداء الغربي للإسلام ما يقوله الملاكم المعروف “محمد على كلاي” فيقول “رغم حرية الأديان والمعتقدات في أمريكا، فقد حوربت بقوة في البداية .. فقد فوجئت في أولى المباريات بعد إشهار إسلامي، بأنه لا يمكن أن أصعد إلى الحلبة باسم محمد على، وإنما باسم كاسيوس، وقد فكر منظموا المباراة بإلغاءها، ولكن خوفهم من الخسارة المادية جعلهم يعدلون عن هذا، فسمحوا لي بالاشتراك شريطة عدم لفظ كلمة “إسلام” على الحلبة، فرفضت هذا، وصعدت وهتفت “الله أكبر” وقرأت سورة الكرسي، وبعض قصار السور، وهذا ما أرعب المسئولين في الولايات المتحدة، حيث لم يكونوا يظنون أني سأذهب أبعد من هذا، وعندما رأوا أن الأمر جدي، عادوا وطرحوا قضية الخدمة العسكرية الإجبارية في فيتنام بعد أن كانوا قد أعفوني منها، ولكنني رفضت وقلت: إن ديني لا يسمح لي بقتل الأبرياء، فهذا محرم في الدين الإسلامي، فقالوا: نضعك في مشفي للإشراف على المرضى والجرحى، فقلت: كيف أعالج أو أشرف على جرحى قتلوا أبرياء؟ وعلى إثر ذلك، تم عزلي من البطولة، وسجنت، وقد خضت معركة قوية في المحاكم الأمريكية إلى أن حصلت على حريتي، وعدت مرة أخري واستعدت البطولة ثلاث مرات).

كما حذر رئيس مركز الفرص المتكافئة ومقاومة العنصرية في بلجيكا –جوزيف دي فيت- من إرتفاع نسبة العداء للإسلام في أوروبا، وقال “إن التقرير السنوي للمركز لعام 2008 يؤكد ازدياد العداء تجاه الأجانب عموماً، والإسلام خصوصاً”.

ثم يوضح الكاتب أن من آليات المركزية الغربية أن دول المركز أرادت السيطرة على دول الأطراف من خلال وصم الثقافات الخاصة بدول الأطراف بكل ما هو مذهل وغريب ومشين والتي جعلت من الأخر مهرطق ومتوحش وهمجي وقرصان وغريب الأطوار وفظ وشهواني ومغيب وأخيراً إرهابي. كما أوضح أن المركز يتحكم بالأطراف عبر أربعة أضلع هي:

احتكار ثقافة السلاح.

احتكار النفط .

احتكار الشرعية الدولية (عبر منظمة الأمم المتحدة – مجلس الأمن….إلخ).

احتكار التجارة العالمية، والثقافة والإعلام.

كما قام بتصنيف الغزو الغربي للحضارت الأخرى وفقاً لثمانية أنواع هم )الغزو العسكري – الغزو المعرفي”الاستشراق” – الغزو العقدي “التنصير” – الغزو الاقتصادي “الرأسمالية” – الغزو السياسي – الغزو القانوني – الغزو الشامل “العولمة”).

كما بين أن الهيمنة الغربية تقنن باسم الشرعية الدولية وباسم النظام العالمي وهذا أخطر ما فيها، فالغرب يعمد إلى استخدام كافة الوسائل لنشر ثقافته وقيمه للعالم عن طريق الإعلام والفكر والجواسيس والاختراق على كل الدول والحضارات. والغرب يقنن هذا الاختراق وهذه الهيمنة بوثائق وبرامج باسم النظام العالمي الجديد.

الفصل الثاني: ” المركزية الغربية وحقوق الإنسان “

تطرق الكاتب في هذا الفصل إلى الصيرورة التاريخية لتشكل حقوق الإنسان في الفكر الغربي، والمفاهيم التي تشكلت خلال تلك الصيرورة، وآثارها والأجهزة التي قام الغرب ببنائها لتوظيف الحق الإنساني لمصالحه –وخصوصاً مصالحه الرأسمالية- أو التي يقوم من خلالها بسحق الحق الإنساني في سبيل مصالحه.

ثم سرد لمراحل تطور الحق الإنساني، فتحدث عن مرحلة الأنوار المتقدمة ثم مرحلة الاستعباد الكامل وأخيراً مرحلة الأنوار والتي يقول فيها بأن أمريكا ابتدعت حماية الأقليات في الدول ورفعت راية المطالبة بحقوق الإنسان، ولم يكن ذلك سوى ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للدول، ومنفذاً لحياكة المؤامرات وإسقاط الأنظمة التي لا ترضى عنها أمريكا.

ثم جاءت المرحلة الحديثة والمعاصرة وكانت أوروبا في ذلك الوقت تمارس أشد أنواع المعاملة القاسية واللإنسانية بحق العمال في المصانع والمناجم وذلك في القرن التاسع عشر، وهو ما أنتج جيل يدافع عن حقوق الإنسان، بحيث تتولي الحكومة مسئولية ضمان مستويات حياة ملائمة من خلال توفير فرص للتوظيف ودخل، ومسكن، ورعاية طبية، وأمن، وتعليم، فقد حظيت حقوق العمال باهتمام كبير في نهاية الحرب العالمية الأولى، وأدى ذلك إلى إنشاء منظمة العمل الدولية عام 1919م.

بعد ذلك تطرق لما حدث في أوروبا والعالم من قيام الحرب العالمية الأولى والثانية، وما تلاهما من إنشاء عصبة الأمم، ثم منظمة الأمم المتحدة وذكر أن المادة (55 فقرة ج) نصت على “أن الأمم المتحدة سوف تشجع الاحترام العالمي لحقوق الإنسان وتراقبه، وكذلك الحريات الأساسية للجميع بلا تفرقة أو تمييز بالنسبة للنوع أو الجنس أو اللغة أو الدين”.

ويقول الكاتب بأن الحضارة الإسلامية بكل ثقلها كانت مغيبة عن صياغة ذلك الميثاق الخاص بحقوق الإنسان، حيث تم تجاهلها عن عمد، إذ أن العربي الوحيد الذي كان مشاركاً في مناقشة صياغة الميثاق هو الحقوقي اللبناني “شارل مالك” والذي كان حظه ضئيل من الثقافة الإسلامية، إضافة لكونه لم يكن ممثلاً لقوة يمكن أن يُسمع صوتها من خضم النقاش الذي كان أطرافه منتصري الحرب العالمية. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

في البداية يقول الكاتب بأن جزء من أزمتنا الحضارية تكمن في أننا فقدنا جانب كبير من نبضنا الطبيعي، بسبب أننا أصبحنا نتلقف كل ما يُقذف إلينا من الأخر على أنها مسلمات وحقائق لا تقبل الجدل، ونخضع لقذائف قصفه الإعلامي حتى قُتلت لدينا تلك العقلانية الفطرية التي تجعلنا نتلمس على الأحاسيس ومعلولات الإدراك. وبما أن الحضارة الغربية وما تشكله من هيمنة على المشهد الحضاري العالمي بكل جوانبه الفكرية والاقتصادية والسياسية والحقوقية، وتبعاً لذلك أصبحت قيمه ومفاهيمه وقوانينه ومصالحه وجغرافيته هي مركز العالم، وما عداه من دول العالم أطراف، ليس لها من خيار سوى الدوران حول المركز والسير في فلكه، والأخذ عنه، وإتباع تعليماته وأوامره.

هذا وقد هدف الكاتب من خلال دراسته إلى محاولة إحياء روح الدفاع الحضاري والحفاظ على تنوع وتعدد الثقافات، كما هدف إلى محاولة بناء روح نقدية للنظريات الفكرية والفلسفية والتي يتم تصديرها إلينا من الغرب وبالأخص ما يتعلق منها بالجانب الحقوقي. وحاول من خلال اعتماده على الأدلة والبراهين والحجج التأكيد على إستغلال الغرب لحقوق الإنسان، وتوظيفها لمصلحته.

تناول الكاتب دراسته من خلال تقسيمها إلى فصل تمهيدي، وخطة بحثية، وأربعة فصول رئيسية، وخاتمة .

الفصل التمهيدي

يقول بأن المركزية الغربية هيمنت على العالم بسبب قوة محدداتها الثقافية، والأيديولوجية، وممارستها إختزالاً للثقافات غير الغربية، على اعتبار أن الثقافة الغربية هي الثقافة الكونية الشاملة. إضافة إلى الإستجابة السلبية لمعطيات تلك المركزية من قبل الثقافات الأخرى، والتي رهنت نفسها بعلاقة إمتثالية للثقافة الغربية.

الفكرية المحورية للدراسة:

الكاتب يري أن المركزية الغربية مرت بمراحل وأطوار عدة، حتى وصلت إلى مرحلة الهيمنة الكاملة، والسيطرة التامة التي أصبحت معها تشرع للناس ما تراه حقاً، وتضع الاّليات لفرض تلك الحقوق التي تشرعها، فكان لزاماً دراسة تلك المركزية وتفكيك بناها، وقراءة مفاهيمها المكونة لحقوق الإنسان، ومعرفة اّلياتها التي تنفذ من خلالها تلك القوانين الأممية، ومعرفة أين نحن من ذلك كله؟؟ وأثره علينا وتطبيقاته على أرض الواقع.

فالنظرة الغربية ترى عدم أهلية الشعوب غير الغربية لأن تكون سيدة على أراضيها ومواردها ولذلك تعمل على نقل الكوكب إلى يد الغرب. حفظاً لحقوق المستعمرين الجدد “الغرب”.

طرح الكاتب سؤالاً لدراسته محاولاً الإجابة عليه، والسؤال هو: ما هي تناقضات المركزية الغربية مع حقوق الإنسان؟

وجاوب عليه من خلال تفكيكه إلى عدة أسئلة فرعية تتعلق بمعرفة مفهوم المركزية الغربية وسماتها وألياتها. وما هو أثر نظرة دول المركز على المفاهيم الأساسية لحقوق الإنسان، وعلى الأليات التنفيذية لحقوق الإنسان في العالم بعامة وفي العالم الإسلامي بخاصة، وما هي الحيل التي تستخدمها دول المركز للإلتفاف على حقوق الإنسان، وما هي سبل مواجهة ذلك الاستبداد والتوظيف للحقوق الذي تمارسه دول المركز بشأن حقوق الإنسان؟.

كما هدف من دراسته إلى تفكيك المركزية الغربية، والتي تدرجت في تغولها، حتى أصبحت أكبر مهدد لحقوق الإنسان.

الفصل الأول: ” في مفهوم المركزية الغربية “

حيث قام بشرح مفهوم المركزية الغربية من خلال ثلاثة مباحث تناول في الأول مفهوم المركزية الغربية، ومراحل تشكلها، وتناول في الثاني سمات المركزية الغربية، ثم ناقش أليات تلك المركزية في المبحث الثالث.

أوضح أن المركزية الغربية هي الممارسة الواعية أو غير الواعية التي تركز على فرض الحضارة والمصالح الغربية عموماً في جميع مجالات الحياة على حساب باقي الثقافات والحضارات والشعوب، وبكل الوسائل المشروعة وغير المشروعة.

كما يري أن الغرب تغلب على العالم ليس من خلال تفوقه في الأفكار أو القيم أو الديانة، ولكن من خلال اتباعه للفلسفة الإقصائية والرؤية الصراعية وإنتاجه للعنف المنظم للهيمنة على العالم. والدليل على ذلك أن الغربيون ارتكبوا في أمريكا أثر إكتشافهم لها أبشع أنواع الإبادة الجماعية، وعملوا على إعادة صياغة ذهنية لسكانها الأصليين حسبما دعى الرئيس مونرو إلى مساعدة الهنود في “التغلب على أفكارهم المسبقة بخصوص تراب بلادهم”.

فالغربيون يعلون من قيمة “الأنا” ويصفون أنفسهم بالتحضر، وينظرون إلى الأخر على أنه همجي ومتخلف ولابد من إستغلاله بذريعة تمدينه، وأن هذا التمدين هو الواجب الحضاري الذي يقع عبئه على الرجل الأبيض. كما وصف العصر الذي نعيشه، بأنه عصر تعميم وتوسيع دائرة النموذج الغربي وسعيه للقيام بعملية التحديث السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بحيث تشمل العالم بأسره.

وفي تناوله لمفهوم المركزية الغربية عرض الكاتب لبزوغ فجر الحضارة الغربية وكيف أنها أستمدت جذورها وأصولها من الحضارية الإغريقية والرومانية، كما تحدث عن مرحلة استبداد الكنيسة والإقطاع وما يطلق عليها مرحلة ما قبل الحداثة، وكيف أن الحضارة الغربية كانت حضارة دموية ومتطرفة في نشأتها وفي نشرها لمعتقداتها ومفاهيمها على بقية شعوب وحضارات العالم الأخري.

تحدث بعد ذلك عن مرحلة الحداثة وتناول أهم سماتها والمصطلحات التي تفرعت عنها كالصيرورة والمادية والعلمانية والثورة الصناعية والعلمية والتقنية والرأسمالية، ثم تحدث عن أهم أسباب إخفاقاتها ويري أن السبب هو أن الحداثة قامت على فكرة تغييب الروح وسحقها، والقضاء عليها، من خلال غياب الإيمان، وإنكار الله تعالي، وهو ما ولد غياب الاستقرار النفسي والفكري وما أنتجه ذلك الغياب من تخبط في نظريات أرضية، وأفكار بشرية، لا زالت تهوي بالبشرية في واد سحيق من الظلمات.

وقد تشكل مفهوم ما بعد الحداثة كردة فعل على مركزية الإنسان التي رسختها، وتمركزت حولها الحداثة، وجعلت منه مركزاً للكون، ولذا كان لابد من تفتيت تلك المركزية. لذا فإن نقاد الحداثة الأوائل، والثائرين عليها هم الاّباء الروحيون لمفكري ما بعد الحداثة.

ومن أهم سمات هذه المرحلة هي التخلص من المرجعيات حيث تري –فلسفة ما بعد الحداثية- أن القيم الأبدية التي لا تفني -ومن بينها الأديان- هي المهدد لها، ولذا فإنها ترى أن تدمير المرجعيات والتخلص منها إحدى أولويات ما بعد الحداثة.

أيضاً المركزية الغربية من سماتها أنها انتشرت بالقوة كحضارة وثقافة، أراد أتباعها نشرها على الحضارات الأخري باعتبارها حضارة الإنسانية، والتقدم، والرقي، في مقابل إقصاء تام للحضارت الأخري، وهو ما حقق لها درجة من التسويق، لم تتح لغيرها من الحضارات، فأكتسبت درجة من الهيمنة، يرجعها الكاتب إلى أمرين هما:

هيمنة المركزية الغربية ومحدداتها الثقافية، والأيديولوجية، وممارستها إختزالاً للثقافات غير الغربية، على إعتبار أن الثقافة الغربية هي الثقافة الكونية الشاملة.

الاستجابة السلبية لمعطيات تلك المركزية من قبل الثقافات الأخري، ومن ضمنها الثقافة العربية والإسلامية، والتي رهنت نفسها بعلاقة إمتثالية للثقافة الغربية.

كما تحدث عن العدوانية والدموية الغربية مستشهداً بمقولة أدم سميث بقوله “كان نجاح أوروبا ناتجاً عن تمكنها من ثقافة العنف وإنغماسها فيها”، كما ذكر أن من السمات الأوروبية “الاستخدام العقلاني المنظم للعنف المتوحش” وهو ما أكده نعوم تشومسكي بقوله “كان الأوروبيين يحاربون بهدف القتل، وكان لديهم من الوسائل ما مكنهم من إرضاء شهوة الدم عندهم”. إضافة لأسلوب المكر والخداع باعتباره إحدى السمات المتجذرة في الحضارة الغربية.

قال الكاتب أيضاً بأن العداء للإسلام يعتبر لدي الغرب قديم جداً، وأصبح هذا العداء جزءاً أساسياً في تشكيل الهوية الغربية. وحسبما يرى لورانس براون[1] ” أن الإسلام هو الخطر الحقيقي، وخطره كامن في نظامه، وفي قدرته على التوسع والإخضاع، وفي حيويته، إنه الجدار الصلب الوحيد في وجه الاستعمار الأوروبي ولذا كان الحرص على شيطنته، لأنه الأخر الممانع، وأصبحت تلك الممانعة سبباً في الخشية من تنامي قوته، وهو ما لا يسمح به الغرب”.

(ومن أبرز الأمثلة على العداء الغربي للإسلام ما يقوله الملاكم المعروف “محمد على كلاي” فيقول “رغم حرية الأديان والمعتقدات في أمريكا، فقد حوربت بقوة في البداية .. فقد فوجئت في أولى المباريات بعد إشهار إسلامي، بأنه لا يمكن أن أصعد إلى الحلبة باسم محمد على، وإنما باسم كاسيوس، وقد فكر منظموا المباراة بإلغاءها، ولكن خوفهم من الخسارة المادية جعلهم يعدلون عن هذا، فسمحوا لي بالاشتراك شريطة عدم لفظ كلمة “إسلام” على الحلبة، فرفضت هذا، وصعدت وهتفت “الله أكبر” وقرأت سورة الكرسي، وبعض قصار السور، وهذا ما أرعب المسئولين في الولايات المتحدة، حيث لم يكونوا يظنون أني سأذهب أبعد من هذا، وعندما رأوا أن الأمر جدي، عادوا وطرحوا قضية الخدمة العسكرية الإجبارية في فيتنام بعد أن كانوا قد أعفوني منها، ولكنني رفضت وقلت: إن ديني لا يسمح لي بقتل الأبرياء، فهذا محرم في الدين الإسلامي، فقالوا: نضعك في مشفي للإشراف على المرضى والجرحى، فقلت: كيف أعالج أو أشرف على جرحى قتلوا أبرياء؟ وعلى إثر ذلك، تم عزلي من البطولة، وسجنت، وقد خضت معركة قوية في المحاكم الأمريكية إلى أن حصلت على حريتي، وعدت مرة أخري واستعدت البطولة ثلاث مرات).

كما حذر رئيس مركز الفرص المتكافئة ومقاومة العنصرية في بلجيكا –جوزيف دي فيت- من إرتفاع نسبة العداء للإسلام في أوروبا، وقال “إن التقرير السنوي للمركز لعام 2008 يؤكد ازدياد العداء تجاه الأجانب عموماً، والإسلام خصوصاً”.

ثم يوضح الكاتب أن من آليات المركزية الغربية أن دول المركز أرادت السيطرة على دول الأطراف من خلال وصم الثقافات الخاصة بدول الأطراف بكل ما هو مذهل وغريب ومشين والتي جعلت من الأخر مهرطق ومتوحش وهمجي وقرصان وغريب الأطوار وفظ وشهواني ومغيب وأخيراً إرهابي. كما أوضح أن المركز يتحكم بالأطراف عبر أربعة أضلع هي:

احتكار ثقافة السلاح.

احتكار النفط .

احتكار الشرعية الدولية (عبر منظمة الأمم المتحدة – مجلس الأمن….إلخ).

احتكار التجارة العالمية، والثقافة والإعلام.

كما قام بتصنيف الغزو الغربي للحضارت الأخرى وفقاً لثمانية أنواع هم )الغزو العسكري – الغزو المعرفي”الاستشراق” – الغزو العقدي “التنصير” – الغزو الاقتصادي “الرأسمالية” – الغزو السياسي – الغزو القانوني – الغزو الشامل “العولمة”).

كما بين أن الهيمنة الغربية تقنن باسم الشرعية الدولية وباسم النظام العالمي وهذا أخطر ما فيها، فالغرب يعمد إلى استخدام كافة الوسائل لنشر ثقافته وقيمه للعالم عن طريق الإعلام والفكر والجواسيس والاختراق على كل الدول والحضارات. والغرب يقنن هذا الاختراق وهذه الهيمنة بوثائق وبرامج باسم النظام العالمي الجديد.

الفصل الثاني: ” المركزية الغربية وحقوق الإنسان “

تطرق الكاتب في هذا الفصل إلى الصيرورة التاريخية لتشكل حقوق الإنسان في الفكر الغربي، والمفاهيم التي تشكلت خلال تلك الصيرورة، وآثارها والأجهزة التي قام الغرب ببنائها لتوظيف الحق الإنساني لمصالحه –وخصوصاً مصالحه الرأسمالية- أو التي يقوم من خلالها بسحق الحق الإنساني في سبيل مصالحه.

ثم سرد لمراحل تطور الحق الإنساني، فتحدث عن مرحلة الأنوار المتقدمة ثم مرحلة الاستعباد الكامل وأخيراً مرحلة الأنوار والتي يقول فيها بأن أمريكا ابتدعت حماية الأقليات في الدول ورفعت راية المطالبة بحقوق الإنسان، ولم يكن ذلك سوى ذريعة للتدخل في الشئون الداخلية للدول، ومنفذاً لحياكة المؤامرات وإسقاط الأنظمة التي لا ترضى عنها أمريكا.

ثم جاءت المرحلة الحديثة والمعاصرة وكانت أوروبا في ذلك الوقت تمارس أشد أنواع المعاملة القاسية واللإنسانية بحق العمال في المصانع والمناجم وذلك في القرن التاسع عشر، وهو ما أنتج جيل يدافع عن حقوق الإنسان، بحيث تتولي الحكومة مسئولية ضمان مستويات حياة ملائمة من خلال توفير فرص للتوظيف ودخل، ومسكن، ورعاية طبية، وأمن، وتعليم، فقد حظيت حقوق العمال باهتمام كبير في نهاية الحرب العالمية الأولى، وأدى ذلك إلى إنشاء منظمة العمل الدولية عام 1919م.

بعد ذلك تطرق لما حدث في أوروبا والعالم من قيام الحرب العالمية الأولى والثانية، وما تلاهما من إنشاء عصبة الأمم، ثم منظمة الأمم المتحدة وذكر أن المادة (55 فقرة ج) نصت على “أن الأمم المتحدة سوف تشجع الاحترام العالمي لحقوق الإنسان وتراقبه، وكذلك الحريات الأساسية للجميع بلا تفرقة أو تمييز بالنسبة للنوع أو الجنس أو اللغة أو الدين”.

ويقول الكاتب بأن الحضارة الإسلامية بكل ثقلها كانت مغيبة عن صياغة ذلك الميثاق الخاص بحقوق الإنسان، حيث تم تجاهلها عن عمد، إذ أن العربي الوحيد الذي كان مشاركاً في مناقشة صياغة الميثاق هو الحقوقي اللبناني “شارل مالك” والذي كان حظه ضئيل من الثقافة الإسلامية، إضافة لكونه لم يكن ممثلاً لقوة يمكن أن يُسمع صوتها من خضم النقاش الذي كان أطرافه منتصري الحرب العالمية.



سنة النشر : 2014م / 1435هـ .
عداد القراءة: عدد قراءة المركزية الغربية وتناقضاتها مع حقوق الإنسان

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:


شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

المؤلف:
عبداللطيف بن عبدالله بن محمد الغامدي - Abdul Latif bin Abdullah bin Muhammad Al Ghamdi

كتب عبداللطيف بن عبدالله بن محمد الغامدي ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ المركزية الغربية وتناقضاتها مع حقوق الإنسان ❝ الناشرين : ❞ مركز التأصيل للدراسات والبحوث ❝ ❱. المزيد..

كتب عبداللطيف بن عبدالله بن محمد الغامدي
الناشر:
مركز التأصيل للدراسات والبحوث
كتب مركز التأصيل للدراسات والبحوث ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ أهل البيت عند شيخ الإسلام ابن تيمية ❝ ❞ مفهوم تجديد الدين ❝ ❞ الموطأ ❝ ❞ المهن والحرف والصناعات الشعبية في قطر محمد المالكي ❝ ❞ حركة العصر الجديد مفهومها ونشأتها وتطبيقاتها Pdf ❝ ❞ صحيح البخاري ط التأصيل المجلد الأول: 1كيف كان بدء الوحي - 11بدء الأذان * 1 - 885 ❝ ❞ الحدود الدولية للمملكة العربية السعودية التسويات العادلة ❝ ❞ الاعتراف الواقعي بالدولة غير المسلمة وآثاره في أحكام السير ❝ ❞ الخمس عند الشيعة الإمامية وجذوره العقدية ❝ ❞ ظاهرة الصراع في الفكر الغربي بين الفردية والجماعية ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ محمد بن إسماعيل البخاري ❝ ❞ إدوارد سعيد ❝ ❞ محمد بن عمرو بن موسى بن حماد العقيلي أبو جعفر ❝ ❞ د.ناصر بن عبد الله القفاري ❝ ❞ الإمام مالك ❝ ❞ أبو زيد بن محمد مكي ❝ ❞ خليفة السيد ❝ ❞ هيفاء بنت ناصر الرشيد ❝ ❞ بسطامي محمد سعيد ❝ ❞ د. أمين الساعاتى ❝ ❞ عمر بن صالح القرموشي ❝ ❞ علي بن حمد الصالحي ❝ ❞ محمد بن بسيس بن مقبول السفياني ❝ ❞ عبد الرحيم بن صمايل السلمي ❝ ❞ عبداللطيف بن عبدالله بن محمد الغامدي ❝ ❱.المزيد.. كتب مركز التأصيل للدراسات والبحوث