📘 قراءة كتاب Slums: the history of a global injustice أونلاين
عرض لكتاب آلن ماين المعنون “العشوائيات: تاريخ من الظلم العالمي”.
Slums: the history of a global injustice. By: Alan Mayne
ترجمة: محمد عز*، و نرمين نزار وتحرير: عمرو خيري.
تستدعي الكلمة “مكان عشوائي” “Slum”[1] إلى الذهن معانٍ قوية عديدة. فعند ذكرها قد يتوارد إلى الذهن مساكن القرن التاسع عشر الرثّة، أو الفقر الديكنزي [تشارلز ديكنز]. أو ربما تستدعي للذهن صور فقراء اليوم الذين يعيشون في مدن الصفيح والعشش. ويقترح كتاب آلان ماين الجديد أن نفكر في الأحياء العشوائية كظلم عالمي؛ ليس لوجود ظروف معيشية مزرية، ولكن بسبب كلمة “مكان عشوائي” “Slum” في حد ذاتها. ويعتقد ماين أن هذا المصطلح قد تم استخدامه كسلاح مُشهر في وجه الفقراء، ويجب ألا يتم استخدامه.
وقد نظم ماين أوراقه على الطاولة واختار عنوانًا فرعيا هو “تاريخ من الظلم العالمي”. وقد كان واضحًا أنه لا يعتبر العشوائيات حالة طبيعية، أو أمر حتمي بأي حال، أو أنه حدث كنتيجة للتحضر [تعمير المُدن] والتحول السريع نحو المجتمع الصناعي. وبالطبع، فإن ما يعتبر حيا عشوائيا بالنسبة لشخص ما، يعد مجتمعًا محليا بالنسبة لشخص آخر، وكذلك فإن التعريفات التي استخدمها المخططون الحضريون والمصلحون العمرانيون قد مالت إلى أن تكون محملة بافتراضات طبقية وعرقية. ولكن هذا لا يعني أن المصطلح، والمفهوم، ليس لهما مدلول تاريخي وثقافي.
لقد انتقلت الكلمة “Slum” من الإنجليزية إلى لغات أخرى، وهي مفهومة على المستوى العالمي. وعلى الرغم من ذلك، فإن تعريفها محدد ثقافيا وزمانيا. فما يشكل حيا عشوائيًا في أستراليا في القرن الحادي والعشرين، ليس هو، أو ما كان يقصد به، الحي العشوائي في أماكن أو اوقات أخرى. فكيف لنا أن نُعرِّف منطقة سكنية بأنها حيا عشوائيا؟ هل هو افتقار الوصول إلى الماء أو المرافق والخدمات الأخرى؟ الاكتظاظ العام؟ فشل محدد في تلبية قواعد معينة للبناء؟ يستعصي السؤال على الإجابة، لأن الحي العشوائي هو مفهوم نسبي دائما.
يعني ارتفاع مستويات المعيشة في الغرب الصناعي أنه وعلى الرغم من وجود الحرمان في أشكال عدة فإنه لا توجد لدينا عشوائيات؛ ليس بالمعني التقليدي على الأقل. في مدننا لا توجد أحياء بدون مياة جارية أو كهرباء (المشردون، سكان الشوارع، أو homelessness، قضية أخرى). إن كلمة “مكان عشوائي” “Slum” كثيرًا ما تُستخدم اليوم للإشارة إلى المدن في العالم النامي، مع التحول إلى التصنيع ونمو المدن/الحضر إلى هذه الأماكن. لقد ظهرت مدن الصفيح وغيرها من المستوطنات الفقيرة الأخرى على أطراف المدن الكبرى. وهذا جزء أساسي من مفهوم “الحي العشوائي” “Slum”. فالعشوائيات هي ظاهرة حديثة و حضرية/مدينية على وجه التحديد. قد يكون سكان الريف فقراء، ولكن الحي العشوائي “slum” يستلزم الازدحام المديني، ويستلزم وجود أثرياء الحضر الذين يرونه عشوائياً. العشوائيات هي دائمًا شيئًا مبهمًا: حيث يكتب ماين عن العديد من سكان الأحياء العشوائية في الهند الذين يفخرون بمنطقتهم – حتى وإن كانوا يحكمون على أشخاص آخرين بالقرب منهم (يعيشون في ظروف مماثلة) بصفتهم سكان عشوائيات. العشوائيات دائما هي حيثما يعيش الغير.
slums
ولقد كان ماين على صواب، فالمصطلح “عشوائي” “Slum” يحمل نوعًا من الإدانة الأخلاقية لأولئك الذين يعيشون “هناك”، أو للمجتمع الذي يسمح بوجود مثل هذه الظروف المعيشية. لكن قصة العشوائيات مرتبطة أيضًا بقصة تغير الظروف الاقتصادية. لقد ظهرت الأحياء العشوائية فقط عندما وصلت المدن إلى نقطة من الترف، مع صعود الطبقة المتوسطة، كما حدث في إنجلترا بعد الثورة الصناعية. فهناك دائما فقراء يعيشون في ظروف معيشية قاسية في المدن والبلدات. ولكن حتى توجه الطبقة المتوسطة نظرتها الازدرائية إلى مساكن الفقراء وتبدأ في تصنيف منازل ومناطق بعينها كأحياء عشوائية؛ فقد احتاجت الطبقة المتوسطة للرحيل إلى أماكن أفضل. تزامنت هذه التغيرات الاقتصادية عادة مع صعود إرادة الدولة للقيام بعمل ما حيال الفقر الحضري. وبالفعل فإن الأحياء العشوائية قد بدأت بالظهور فقط مع المدن الحديثة. كانت فكرة إزالة الأحياء العشوائية مرتبطة تمام الارتباط بصعود المجتمعات الصناعية، وجلبت الدولة البيروقراطية معها خطط للمدينة. وظهر سكان العشش في لندن على ما يبدو عندما كانت هناك كتلة حرجة من الفيلات البرجوازية في باقي أنحاء المدينة. لقد أدت الرغبة في التحديث إلى ضرورة رحيل سكان العشش.
***
لقد كانت أولى الإزالات للمناطق العشوائية جزءًا من مشروعات البنية التحتية. ففي لندن تم اقتلاع منازل الفقراء لإفساح الطريق أمام خطوط السكك الحديدية، كما هو الحال في شوارع هوسمان العريضة في باريس. وفيما بعد تم تمزيق بعض الأحياء في العديد من المدن لإنشاء الطرق السريعة والجسور. ومن ثم يقدم ماين سردًا مفصلًا لتاريخ إزالة العشوائيات، وبصورة خاصة في أستراليا والمملكة المتحدة، وعلاقتها بالإحلال الطبقي العمراني Gentrification*. لكن من غير الموضوعي اقتراح – كما اقترح ماين – أن تحسن العشوائيات لا يرتبط إلا بحالة العقارات.
كانت الأحياء العشوائية تُزال عندما تقع في طريق الأقوياء، لكن إزالة هذه الأحياء من أجل المصلحة الخاصة لقاطني هذه المناطق، ومن أجل السعي لتحقيق النماء الاجتماعي، فإن ذلك ظهر تدريجيًا وتسارعت وتيرته في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. وفي الولايات المتحدة، فإن حركة إزالة العشوائيات في نيويورك، وشيكاغو، وغيرها من المدن الكبرى، احتفظت بالأهداف الإنسانية من بين دوافعها الأساسية. وقد كان نفس المصلحين الذين قاموا بحملة لإنهاء العشوائيات – ومن بينهم روزفلت – يطمحون إلى وضع حد لعمالة الأطفال وتحسين اللوائح والقوانين الصحية في نفس الوقت.
وكان هذا الاهتمام مدفوعا بما تم كشفه من فضائح عن الحرمان الحضري كتصوير جاك رايز Jacob Riss* في كتابه “كيف يعيش النصف الآخر” الصادر عام 1890، وهي الكتابات التي أظهرت بدقة طبيعة الازدحام والمشقة في تلك الأحياء، والتي كانت غالبا على بعد مسافة قصيرة من مكاتب ومنازل أثرياء نيويورك. في الثمانينات من القرن التاسع عشر، كانت منطقة الجانب الشرقي الأدني “Lower East Side” من مانهاتن موطنًا لما يُقدر بنحو 700 شخص/فدان، أي بمعدل ازدحام يندر أن يوجد مثله في العالم. وهو ما أظهرته صور جاكوب رايس، حيث أظهرت ثمانية أشخاص أو أكثر ينامون في حجرة بدون نوافذ، وأطفالًا يرتدون الخرق البالية، وأناسا تكشف أجسادهم عن سوء الصحة الناجم عن الفقر.
alan-mayne
مؤلف الكتاب آلان ماين
لقد جعلت الصور معاناة أولئك الأفراد مجسدة أمام السلطات وفاعلي الخير من المواطنين، وقد ترتب على ذلك حدوث تغيرات حسنت من أوضاع حياتهم. وتم إدخال قوانين البناء التي تتطلب أن يكون للمباني السكنية الحد الأدني من فرص الوصول إلى الماء والإنارة. وتم معاقبة مالكي العقارات في العشوائيات. وبطبيعة الحال، جاءت مثل هذه التحسينات بنتائج سلبية للناس الأكثر فقرًا – فقد احتج بعض سكان الجانب الشرقي على هذه التحسينات؛ لأنهم أرادوا أن يظلوا يدفعون أقل قدر ممكن من الإيجار، وأن يستطيعوا إرسال بعض الأموال لأقاربهم في الخارج. وكما تحسنت المباني، فإنها أصبحت أعلى كُلفة للإيجار، وبالنسبة لبعض المالكين، لم يُصبح من المجدي اقتصاديًا على الإطلاق توفير غرف للإيجار.
***
الذين يعيشون في العشوائيات هم جزء آخر من المعادلة التي يناقشها ماين بتعاطف شديد. وكما يصف ماين، فقد ظهر مفهوم “عقلية العشوائيات “slum-mindedness” في إنجلترا في القرن التاسع عشر. وكانت الفكرة أن أولئك الذين يقطنون العشوائيات ليسوا أفقر من أي شخص آخر فقط، ولكنهم أيضًا يتصفون بنوعية معينة من العقليات. كان ذلك هو عصر الأعمال الخيرية التي تركز على الفقراء المستحقين Deserving poor، ولم يكن قاطني العشوائيات – طبقًا لاعتباراتهم – من المستحقين. لقد كانوا عقيمين للغاية أو غير مؤهلين لتسلق السلم الاجتماعي، أو ليعيشوا حياة مرتبة، أو أن يحتفظوا بوظائف لائقة. لقد كان هناك فصلًا تعسفيًا (قاسيًا) لكثير من أولئك الذين يصارعون الفقر – ومبرر لعدم مساعدتهم – ويعترف ماين أنه ربما كان هناك قدر من الحقيقة المحرجة لهذا الافتراض عن سكان العشوائيات. وقد يطلق علماء النفس على هذه الحالة في الوقت الحالي “المأسسة” “institutionalisation” وهي ميل البشر إلى البقاء في حالات الاختلال الوظيفي التي خبروها جيداً. حتى أن هناك دراسات حديثة أشارت إلى أن الفقر في حد ذاته يمكن أن يتسبب في ضعف الإدراك، مما يسبب نوعًا من صناعة القرار يمكن إرجاعة في نفس الوقت إلى “عقلية العشوائيات”.
وفي أوقات مختلفة وأماكن مختلفة، تم استخدام كلمة “عشوائي” للإساءة إلى جماعات عرقية واجتماعية معينة؛ تلك الجماعات التي لم تشكل أنماطها السكنية والعائلية وفقاً للنموذج المثالي السائد. ربما لأن أماكن نشر الغسيل الخاص بهم كانت في النوافذ أو الشوارع. ربما لم يكونوا يحترمون الأفكار والمفاهيم البرجوازية اللائقة. ربما كان لطعامهم رائحة غريبة. كانت الأجيال المتعددة والأسر الممتدة تعيش في منزل تحت سقف واحد – كما عاش البشر على مر التاريخ – يشبه العشوائيات، يصلح بالكاد لأن يكون منزلًا لأسرة واحدة من أفراد الطبقة المتوسطة. وأصبحت المساكن متعددة الأسر مرتبطة بالفقراء والمهاجرين. حتى الأحياء النظيفة والمنظمة يمكن اعتبارها أحياء عشوائية استنادًا إلى من يعيشون فيها.
وقد شهدت فترة ما بعد الحرب موجة كبيرة من إزالة العشوائيات والمساكن العامة في المملكة المتحدة. وقد أتاح الدمار الذي سببته الحرب الفرصة المثلى تقديم سكن حداثي للطبقات العاملة. بالإضافة إلى ذلك، تم إجلاء ما يقرب من 1.3 مليون شخص آخرين ما بين أوائل الخمسينات ومنتصف السبعينات لإفساح الطريق أمام المساكن الجديدة. حيث ظهرت بلوكات من الأبراج شاهقة الارتفاع لتحل محل التجمعات السكنية المكونة من العشش والبيوت المتواضعة.
وقد قامت أستراليا بتجربة نموذج يعتمد على التوسع الأفقي – وليس التوسع الرأسي كما فعلت بريطانيا – مفضلة دفع فقراء الحضر إلى ضواحي المدينة. أحد الاستثناءات الرئيسة في هذا هو مبني سيريوس Sirius في سيدني، ذلك المبني المحبوب الآن من قبل المهندسين المعماريين كمثال على فترة الشراسة والوحشية العمرانية في السبعينيات. كما هو مهدد بالهدم من أجل إعادة تنمية المنطقة. وتجدر الإشارة إلى أن وجود هذا المبنى يرجع إلى إقامته فوق الأحياء الفقيرة التي تم إزالتها.
وقد كانت معظم هذه المساكن العامة الحديثة أقل قبولًا لدى قاطنيها والجيران المحيطين. وكانت الرؤية الأصلية لمخططي هذه المدن والمهندسين المعماريين، هي أن تلك النوعية المعدلة من المساكن يجب أن تكون للجميع. وقد كان واضحًا أن هذه النمط هو النمط السوفيتي والذي كان أقل انتشارًا في الدول الاسكندنافية الديمقراطية، حيث مازال العديد من أفراد الطبقة المتوسطة يعيشون في المساكن العامة. لكن في العالم الناطق باللغة الإنجليزية، انتهى المطاف إلى أن يكون الإسكان العام المخطط مكانًا للفقراء فقط. أما الأشخاص الذين صمموا وخططوا لمثل هذه المساكن لن يعيشوا فيها أبدًا. لقد تطلب بناء هذه العنابر (المستودعات) العمودية الجديدة تدمير المجتمعات القائمة ليؤدي في النهاية إلى تحسن لا يُذكر في حياة الناس.
سنة النشر : 2018م / 1439هـ .
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
عفواً..
هذا الكتاب
غير متاح للتحميل، حفاظًا على حقوق دار النشر. ،، يمكنكم شراؤه من مصادر أخرى
🛒 شراء " Slums: the history of a global injustice " من متاجر إلكترونيّة
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف: