📘 قراءة كتاب الحلول المستوردة وكيف جنت على أمتنا أونلاين
فليس أبغض إلى نفسى من استعمال الكلمات التي تلوكها ألسنة الماركسين وتبتذلها أقلامهم، وتروج في صحفهم وكتبهم ونشراتهم، ومن ذلك كلمة «الحتمية» التي تكاد تكون عنوانًا لمذهبهم، وعلمًا على اتجاههم الذي قد يسمى «الحتمية التاريخية».
ولكنى استعملت هذه الكلمة «حتمية الحل الإسلامي» من باب «المشاكلة» كما يقول علماء «البديع» في البلاغة العربية، على نحو ما جاء في القرآن من مثل قوله تعالى: {وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُ} [الأنفال: 30] ... {إِنَّ ٱلۡمُنَٰفِقِينَ يُخَٰدِعُونَ ٱللَّهَ وَهُوَ خَٰدِعُهُمۡ} [النساء: 142]. {قَالُوٓاْ إِنَّا مَعَكُمۡ إِنَّمَا نَحۡنُ مُسۡتَهۡزِءُونَ 14 ٱللَّهُ يَسۡتَهۡزِئُ بِهِمۡ} [البقرة: 14، 15] ، فوصف الله سبحانه بالمكر والخداع والاستهزاء لم يكن إلا مشاكلة ومقابلة لوصف المنافقين بهذه الأوصاف.
وكذلك استعملت هنا لفظ «الحتمية» مشاكلة ومقابلة للذين ينادون في عالمنا العربي بما سموه «حتمية الحل الاشتراكي» ، ولا أعني بحتمية شيء ما أنه سيقع لا محالة، فإن هذا تهجم سخيف على المجهول، لا على الإيمان فحسب، بل على العلم أيضًا، فعلم القرن العشرين يعرف «الاحتمالات» أكثر مما يعرف «الحتميات»، حتى نتائج العلوم الطبيعية نفسها غدت في نظر العلم اليوم تقريبية لا يقينية، وهذا ما اعترف به أقطاب العلم أنفسهم.
إن قولنا بحتمية أمر ما، لا يعني الإخبار بما سيقع حتمًا، بل يجب أن يقع... أو بما تدل الظواهر وطبيعة الأشياء والأحداث أنه ضروري الوقوع، وهذا هو الذي نملكه باعتبارنا بشر نحترم أنفسنا وعقولنا، والذين يعتنقون مبدأ «الحتمية التاريخية» وينادون بحتمية «التطور» لا ينتظرون حتى يأتى التطور، بل يعملون ويكافحون، ويتخذون كل الوسائل والأساليب - مشروعة وغير مشروعة - للوصول إلى مآربهم، فلماذا لا يربحون أنفسهم من مشقة العمل حتى يوافيهم التطور المحتوم إن كانوا صادقين؟
فأنا - وإن استعملت لفظ «الحتمية» - لا أريد منه ما يريده الماركسيون من الحتمية التاريخية، فالحتمية بهذا التفسيرخطأ يخالف الصواب من ناحية، ووهم يخالف الواقع من ناحية أخرى، وقد بينت الأحداث التي وقعت بعد ماركس؛ أن «ماركس» قد أخطأ الحساب، وأن حتمياته لم تتحقق كما ظن، بل وقع ما يخالفها. كما بين ذلك الدارسون للماركسية.
إنما أردت من الحتمية أن كل الظروف والملابسات والوقائع - في بلادنا العربية خاصة، وفي عالمنا الإسلامي عامة، لمن درسها علمية موضوعية - تحتم السير إلى الحل الإسلامي، بعد أن فشلت كل الحلول المستوردة وتخبطت كل الأنظمة المصطنعة، وباءت بالعجز والخيبة كل المذاهب والاتجاهات، ليبرالية واشتراكية، وأصبح تغييرها أمرًا لا مفر منه.
وهذا ما أحست به جماهيرنا العربية المؤمنة، ونادت به، بعد نكبة يونية حزيران (1967): أن لا حل ولا علاج إلا بالعودة إلى الإسلام. إن أهدافنا السياسية الكبرى -في العالم العربي كمثال- لم تتحقق، ولم تقترب منها بل زدنا عنها بعدًا، فالآمل في الوحدة العربية قد ضعف نتيجة للخلاف العقائدي بين المحافظين من دعاة اليمين، والثوريين من دعاة اليسار، وهو خلاف لا يرجى زواله إلا بزوال هذه الأفكار الدخيلة نفسها، من يمين ويسار، ومعذرة للقارئ من استعمال هذه التسميات الدخيلة التي لم تنبت في تربتنا، بل إن اليساريين الثوريين من العرب الذين ينتمون إلى حزب عقائدي سياسي واحد، لم يستطيعوا أن يتحدوا فيما بينهم، بعد وثوبهم على الحكم في بلدين متجاورين، رغم وحدة الشعارات واللافتات، التي ثبت عجزها أمام اختلاف الولاءات والارتباطات، واختلاف المطامع والشهوات.
وقضية فلسطين لم تحل ولم تقترب من الحل، بل زادت تعقيدًا، نتيجة للحرب التى قادها الثوريون العرب في 5 يونية حزيران (1967)، وكانت عاقبتها ما نعلم: نكبة أدهى وأمر من النكبة الأولى (1948)، وبعد تسعة عشر عامًا منها، مضت في التأهب والاستعداد ليوم الثأر ويوم التحرير، فلما جاء اليوم الموعود، لم نجد وراء الأكمة شيئًا، ولم نجد تحت القبة «شيخًا» كما يقولون، وصدق على العرب المثل القائل: «أطال الغيبة وأتانا بالخيبة»! وهكذا فشلت الثورية اليسارية العربية في سنة 1967، كما فشلت من قبلها الليبرالية اليمينية العربية في سنة (1948).
وقضية الحرية السياسة في العالم العربي في أزمة آخذة بالخناق، سواء في تلك البلاد التي تتخذ شكل النظام الديمقراطي الدستوري، والبلاد التي تتخذ النظام الاشتراكي الثوري، وإن كانت الثانية أشد ضغطًا على الحريات وأكثر فتكًا بها ووأدًا لها، بناء على فلسفة الاشتراكية وتراثها العالمي في سلب الحرية السياسية باسم الحرية الاجتماعية، ويغير ذلك من المبررات والأسماء التي لا تعجز عن اصطناعها!
وكذلك قضية الرخاء والازدهار الاقتصادي، لم تتم على النحو الذي كان مرجوًا منها، فلا تزال الطبقات الفقيرة في مجتمعنا، تشكو العوز والفاقة وضيق العيش وغلاء الأسعار، وعدم تكافؤ الفرص، وكل الذي حدث في بعض البلاد، أن زالت طبقة مترفة قديمة وورثتها طبقة جديدة مثلها أو أسوأ منها، وهكذا لم تشيع الجماهير من جوع، ولم تأمن من خوف، أما أمراضنا الأخرى من بلبلة الفكر، وسوء الأخلاق، وفساد الذمم، وضعف الوازع، واضطراب الأسرة، وتفكك المجتمع، وما شابه ذلك، فحدث عنه ولا حرج.
كل هذه النتائج تحتم علينا أن نسير إلى الإسلام لنحل به عقد حياتنا، ونعالج به مشكلاتنا، ونحقق في ظله أهدافنا الكبرى، وكفى ما ضاع من عمر أمتنا في التجارب والتخبطات، فإذا كنا «عربًا» فهذا الحل هو أليق الحلول بكرامتنا القومية، لأنه الحل النابع من عقائدنا وتراثنا وأرضنا، وإذا كنا «مسلمين» فهذا الحل هو مقتضى إسلامنا، وموجب إيماننا، ولا يتحقق لنا إسلام ولا إيمان بغير العودة إليه، والإصرار عليه؛ فوراءه فلاح الأخرة والأولى.
سنة النشر : 1971م / 1391هـ .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'