❞ كتاب الأسرة كما يريدها الإسلام ❝  ⏤ يوسف القرضاوي

❞ كتاب الأسرة كما يريدها الإسلام ❝ ⏤ يوسف القرضاوي

مقدمة

هذه صحائف كتبتها حول الأسرة كما يريدها الإسلام، بمناسبة انعقاد مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة، الذي نظمه المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بدولة قطر.

وقد انعقد هذا المؤتمر بالدوحة في يومي 29، 30 نوفمبر 2004م، وبمشاركة من الأمم المتحدة، والجامعة العربية، وممثلي الأديان السماوية، والاتجاهات الحضارية، وبحضور عدد من الشخصيات المهمة من أنحاء العالم.

ومما سرني في هذا المؤتمر: أنه تبنى اتجاهًا غير اتجاه المؤتمرات الدولية السابقة حول المرأة والأسرة، مثل «مؤتمر السكان» في القاهرة في صيف سنة 1994م، ومؤتمر بكين سنة 1995م، ومؤتمرات أخرى في بكين ونيويورك وغيرها.

والتي اتخذت خطًّا يخالف ما قررته رسالات السماء، وما يؤمن به المتدينون في شتى أقطار الأرض، مثل: تأييد الإباحية الجنسية، وإجازة الزواج المثلي: «اكتفاء الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة»، وإباحة الإجهاض بإطلاق، بدعوى أن المرأة حرة في جسدها، تفعل به ما تشاء، ولو كان في ذلك قتل جنينها.

ومثل: ترك الحرية الجنسية المطلقة للأولاد، وعدم تدخل الآباء أو الأمهات في ذلك، بل نزع يد الوالدين عن تربية أولادهما بصفة مطلقة، فلا يجوز أن يفرض الأبوان على أولادهما لونًا معينًا من التربية، ولا أن يلقناهما عقيدتهما الدينية، وبالجملة: نزع سلطة الأبوين عن أولادهما الصغار، فلا يعود ثمت مجال لقول الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه!

كان هذا هو الاتجاه الغالب على تلك المؤتمرات، ولهذا وقف ممثلو الديانات السماوية في وجه ما فيها من انحرافات عن الصراط القويم: صراط الفطرة والدين، حتى وجدنا في مؤتمر السكان في القاهرة: الأزهر الشريف، ورجال الكنيسة الكاثوليكية «مندوب الفاتيكان»، والكنيسة الأرثوذكسية، ورابطة العالم الإسلامي، وممثل جمهورية إيران الإسلامية، وغيرهم يقفون جنبًا إلى جنب لمواجهة هذه التحديات الخطيرة، التي تحاول أن تقتلع الأسرة الطبيعية والأسرة الشرعية من جذورها.

أما هذا المؤتمر فقد أخذ وجهةً أخرى، هدفها المحافظة على الأسرة التي دعت إليها كل الأديان الكتابية، وباركتها التوراة والإنجيل والقرآن، ونادت بها اليهودية والمسيحية والإسلام، وأساس هذه الأسرة هو الزواج، هذا الرباط المقدس، أو «الميثاق الغليظ» كما سماه القرآن، الذي يربط بين الرجل والمرأة تحت مظلة الشريعة السماوية، وعلى أساس عقد شرعي معلن تترتب عليه حقوق وواجبات، ومن ثمرات هذا الزواج: وجود الأولاد الذين يعتبرون هبة من الله تعالى، سواء كانوا بنين أو بنات: {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} [الشورى:49].

ومن فضائل هذا المؤتمر: أن المشاركين فيه كانوا جميعًا جبهة واحدة ضد الإباحية والتحلل، وكانوا جميعًا في صف القيم الدينية والأخلاقية، ولم يحدث خلاف بين المشاركين كما حدث في المؤتمرات الأخرى؛ لأن المؤتمر اهتدى بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، كما اهتدى بتعاليم الدين الذي هو جوهر الوجود، وكذلك بقيم الفضائل التي توارثتها الإنسانية على توالي العصور.

وكانت الكلمات والبحوث والمناقشات كلها تدور في هذا الفلك، وتسير في هذا الاتجاه الطيب، الذي لا يثمر إلا طيبا، {وَٱلۡبَلَدُٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗا} [الأعراف:58].

ولقد شاركت في هذا المؤتمر ببحثين: أحدهما: حول الزواج المستقر، والثاني: حول تكاملية الأمومة والأبوة في بناء الأسرة، وهما اللذان أنشرهما اليوم في هذه الرسالة.

وأود أن أذكر هنا كلمة قلتها للمشاركين في مؤتمر الدوحة، وهي أننا -نحن أصحاب الأديان السماوية -متفقون في الأصول الكلية، والأسس الكبرى، التي يقوم عليها بناء الأسرة الطبيعية، بما فيها من زوجين وأولاد.

وهذه هي الأسرة النووية، أو الأسرة الصغيرة، أو الضيقة، ولكننا نؤمن بالأسرة الممتدة أو الموسعة، التي تشمل الآباء والأمهات، والأخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأولادهم، وهم الذين يُسميهم القرآن: «أولي القربى»، أو «ذوي الأرحام»، ورتب لهم من الحقوق، وجعل عليهم من الواجبات، ما يجعلهم في دائرة واحدة، تربطها شبكة من الأحكام، مثل: أحكام «نظام المواريث»، و«نظام النفقات»، و«نظام العاقلة» في دفع ديات القتل الخطأ وشبه العمد... إلخ. وقد قال تعالى: {وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ} [الأحزاب:6].

كما أن للإسلام في شأن الأسرة أحكامًا يتميز بها، مثل: قوامية الرجل على المرأة، واختلاف ميراث الرجل عن المرأة، وشرعية تعدد الزوجات بقيده وشرطه، وشرعية الطلاق عند تعذر الوفاق، وغيرها، فلا يجوز أن يفرض على المسلمين أحكام تُناقض ما شرعه لهم دينهم، بل يجب احترام خصائص كل دين، وأحكام كل شريعة سماوية، متعاملين وفق القاعدة الذهبية: نتعاون فيما اتَّفقنا عليه، ونتسامح فيما اختلفنا فيه.

{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} [آل عمران:8].
يوسف القرضاوي - يوسف عبد الله القرضاوي (9 سبتمبر 1926): عالم مصري مسلم يحمل الجنسية القطرية، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا. ولد في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر.


❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ❞ الإسلام والعلمانية وجها لوجه ❝ ❞ المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ❝ ❞ الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ❝ ❞ دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها ❝ ❞ ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق ❝ ❞ عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ مكتبة وهبة ❝ ❞ دار الصحوة للنشر ❝ ❞ مركز بحوث السنة والسيره -قطر ❝ ❞ مكتبة البنين ❝ ❱
من تربية الأسرة والمجتمع - مكتبة .

نبذة عن الكتاب:
الأسرة كما يريدها الإسلام

2004م - 1446هـ
مقدمة

هذه صحائف كتبتها حول الأسرة كما يريدها الإسلام، بمناسبة انعقاد مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة، الذي نظمه المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بدولة قطر.

وقد انعقد هذا المؤتمر بالدوحة في يومي 29، 30 نوفمبر 2004م، وبمشاركة من الأمم المتحدة، والجامعة العربية، وممثلي الأديان السماوية، والاتجاهات الحضارية، وبحضور عدد من الشخصيات المهمة من أنحاء العالم.

ومما سرني في هذا المؤتمر: أنه تبنى اتجاهًا غير اتجاه المؤتمرات الدولية السابقة حول المرأة والأسرة، مثل «مؤتمر السكان» في القاهرة في صيف سنة 1994م، ومؤتمر بكين سنة 1995م، ومؤتمرات أخرى في بكين ونيويورك وغيرها.

والتي اتخذت خطًّا يخالف ما قررته رسالات السماء، وما يؤمن به المتدينون في شتى أقطار الأرض، مثل: تأييد الإباحية الجنسية، وإجازة الزواج المثلي: «اكتفاء الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة»، وإباحة الإجهاض بإطلاق، بدعوى أن المرأة حرة في جسدها، تفعل به ما تشاء، ولو كان في ذلك قتل جنينها.

ومثل: ترك الحرية الجنسية المطلقة للأولاد، وعدم تدخل الآباء أو الأمهات في ذلك، بل نزع يد الوالدين عن تربية أولادهما بصفة مطلقة، فلا يجوز أن يفرض الأبوان على أولادهما لونًا معينًا من التربية، ولا أن يلقناهما عقيدتهما الدينية، وبالجملة: نزع سلطة الأبوين عن أولادهما الصغار، فلا يعود ثمت مجال لقول الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان منا على ما كان عوده أبوه!

كان هذا هو الاتجاه الغالب على تلك المؤتمرات، ولهذا وقف ممثلو الديانات السماوية في وجه ما فيها من انحرافات عن الصراط القويم: صراط الفطرة والدين، حتى وجدنا في مؤتمر السكان في القاهرة: الأزهر الشريف، ورجال الكنيسة الكاثوليكية «مندوب الفاتيكان»، والكنيسة الأرثوذكسية، ورابطة العالم الإسلامي، وممثل جمهورية إيران الإسلامية، وغيرهم يقفون جنبًا إلى جنب لمواجهة هذه التحديات الخطيرة، التي تحاول أن تقتلع الأسرة الطبيعية والأسرة الشرعية من جذورها.

أما هذا المؤتمر فقد أخذ وجهةً أخرى، هدفها المحافظة على الأسرة التي دعت إليها كل الأديان الكتابية، وباركتها التوراة والإنجيل والقرآن، ونادت بها اليهودية والمسيحية والإسلام، وأساس هذه الأسرة هو الزواج، هذا الرباط المقدس، أو «الميثاق الغليظ» كما سماه القرآن، الذي يربط بين الرجل والمرأة تحت مظلة الشريعة السماوية، وعلى أساس عقد شرعي معلن تترتب عليه حقوق وواجبات، ومن ثمرات هذا الزواج: وجود الأولاد الذين يعتبرون هبة من الله تعالى، سواء كانوا بنين أو بنات: {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} [الشورى:49].

ومن فضائل هذا المؤتمر: أن المشاركين فيه كانوا جميعًا جبهة واحدة ضد الإباحية والتحلل، وكانوا جميعًا في صف القيم الدينية والأخلاقية، ولم يحدث خلاف بين المشاركين كما حدث في المؤتمرات الأخرى؛ لأن المؤتمر اهتدى بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، كما اهتدى بتعاليم الدين الذي هو جوهر الوجود، وكذلك بقيم الفضائل التي توارثتها الإنسانية على توالي العصور.

وكانت الكلمات والبحوث والمناقشات كلها تدور في هذا الفلك، وتسير في هذا الاتجاه الطيب، الذي لا يثمر إلا طيبا، {وَٱلۡبَلَدُٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗا} [الأعراف:58].

ولقد شاركت في هذا المؤتمر ببحثين: أحدهما: حول الزواج المستقر، والثاني: حول تكاملية الأمومة والأبوة في بناء الأسرة، وهما اللذان أنشرهما اليوم في هذه الرسالة.

وأود أن أذكر هنا كلمة قلتها للمشاركين في مؤتمر الدوحة، وهي أننا -نحن أصحاب الأديان السماوية -متفقون في الأصول الكلية، والأسس الكبرى، التي يقوم عليها بناء الأسرة الطبيعية، بما فيها من زوجين وأولاد.

وهذه هي الأسرة النووية، أو الأسرة الصغيرة، أو الضيقة، ولكننا نؤمن بالأسرة الممتدة أو الموسعة، التي تشمل الآباء والأمهات، والأخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأولادهم، وهم الذين يُسميهم القرآن: «أولي القربى»، أو «ذوي الأرحام»، ورتب لهم من الحقوق، وجعل عليهم من الواجبات، ما يجعلهم في دائرة واحدة، تربطها شبكة من الأحكام، مثل: أحكام «نظام المواريث»، و«نظام النفقات»، و«نظام العاقلة» في دفع ديات القتل الخطأ وشبه العمد... إلخ. وقد قال تعالى: {وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ} [الأحزاب:6].

كما أن للإسلام في شأن الأسرة أحكامًا يتميز بها، مثل: قوامية الرجل على المرأة، واختلاف ميراث الرجل عن المرأة، وشرعية تعدد الزوجات بقيده وشرطه، وشرعية الطلاق عند تعذر الوفاق، وغيرها، فلا يجوز أن يفرض على المسلمين أحكام تُناقض ما شرعه لهم دينهم، بل يجب احترام خصائص كل دين، وأحكام كل شريعة سماوية، متعاملين وفق القاعدة الذهبية: نتعاون فيما اتَّفقنا عليه، ونتسامح فيما اختلفنا فيه.

{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} [آل عمران:8]. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

مقدمة

الحمد لله والصلاة والسلام على رحمة الله للعالمين، سيدنا محمد وعلى سائر إخوانه من الأنبياء والمرسلين، وعلى آلهم وأصحابهم ومن اتبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

فهذه صحائف كتبتها حول الأسرة كما يريدها الإسلام، بمناسبة انعقاد مؤتمر الدوحة العالمي للأسرة، الذي نظمه المجلس الأعلى لشؤون الأسرة بدولة قطر.

وقد انعقد هذا المؤتمر بالدوحة في يومي 29، 30 نوفمبر 2004م، وبمشاركة من الأمم المتحدة، والجامعة العربية، وممثلي الأديان السماوية، والاتجاهات الحضارية، وبحضور عدد من الشخصيات المهمة من أنحاء العالم.

ومما سرني في هذا المؤتمر: أنه تبنى اتجاهًا غير اتجاه المؤتمرات الدولية السابقة حول المرأة والأسرة، مثل «مؤتمر السكان» في القاهرة في صيف سنة 1994م، ومؤتمر بكين سنة 1995م، ومؤتمرات أخرى في بكين ونيويورك وغيرها.

والتي اتخذت خطًّا يخالف ما قررته رسالات السماء، وما يؤمن به المتدينون في شتى أقطار الأرض، مثل: تأييد الإباحية الجنسية، وإجازة الزواج المثلي: «اكتفاء الرجل بالرجل، والمرأة بالمرأة»، وإباحة الإجهاض بإطلاق، بدعوى أن المرأة حرة في جسدها، تفعل به ما تشاء، ولو كان في ذلك قتل جنينها.

ومثل: ترك الحرية الجنسية المطلقة للأولاد، وعدم تدخل الآباء أو الأمهات في ذلك، بل نزع يد الوالدين عن تربية أولادهما بصفة مطلقة، فلا يجوز أن يفرض الأبوان على أولادهما لونًا معينًا من التربية، ولا أن يلقناهما عقيدتهما الدينية، وبالجملة: نزع سلطة الأبوين عن أولادهما الصغار، فلا يعود ثمت مجال لقول الشاعر:

وينشأ ناشئ الفتيان منا     على ما كان عوده أبوه!

كان هذا هو الاتجاه الغالب على تلك المؤتمرات، ولهذا وقف ممثلو الديانات السماوية في وجه ما فيها من انحرافات عن الصراط القويم: صراط الفطرة والدين، حتى وجدنا في مؤتمر السكان في القاهرة: الأزهر الشريف، ورجال الكنيسة الكاثوليكية «مندوب الفاتيكان»، والكنيسة الأرثوذكسية، ورابطة العالم الإسلامي، وممثل جمهورية إيران الإسلامية، وغيرهم يقفون جنبًا إلى جنب لمواجهة هذه التحديات الخطيرة، التي تحاول أن تقتلع الأسرة الطبيعية والأسرة الشرعية من جذورها.

أما هذا المؤتمر فقد أخذ وجهةً أخرى، هدفها المحافظة على الأسرة التي دعت إليها كل الأديان الكتابية، وباركتها التوراة والإنجيل والقرآن، ونادت بها اليهودية والمسيحية والإسلام، وأساس هذه الأسرة هو الزواج، هذا الرباط المقدس، أو «الميثاق الغليظ» كما سماه القرآن، الذي يربط بين الرجل والمرأة تحت مظلة الشريعة السماوية، وعلى أساس عقد شرعي معلن تترتب عليه حقوق وواجبات، ومن ثمرات هذا الزواج: وجود الأولاد الذين يعتبرون هبة من الله تعالى، سواء كانوا بنين أو بنات: {يَهَبُ لِمَن يَشَآءُ إِنَٰثٗا وَيَهَبُ لِمَن يَشَآءُ ٱلذُّكُورَ} [الشورى:49].

ومن فضائل هذا المؤتمر: أن المشاركين فيه كانوا جميعًا جبهة واحدة ضد الإباحية والتحلل، وكانوا جميعًا في صف القيم الدينية والأخلاقية، ولم يحدث خلاف بين المشاركين كما حدث في المؤتمرات الأخرى؛ لأن المؤتمر اهتدى بالفطرة التي فطر الله الناس عليها، كما اهتدى بتعاليم الدين الذي هو جوهر الوجود، وكذلك بقيم الفضائل التي توارثتها الإنسانية على توالي العصور.

وكانت الكلمات والبحوث والمناقشات كلها تدور في هذا الفلك، وتسير في هذا الاتجاه الطيب، الذي لا يثمر إلا طيبا، {وَٱلۡبَلَدُٱلطَّيِّبُ يَخۡرُجُ نَبَاتُهُۥ بِإِذۡنِ رَبِّهِۦۖ وَٱلَّذِي خَبُثَ لَا يَخۡرُجُ إِلَّا نَكِدٗا} [الأعراف:58].

ولقد شاركت في هذا المؤتمر ببحثين: أحدهما: حول الزواج المستقر، والثاني: حول تكاملية الأمومة والأبوة في بناء الأسرة، وهما اللذان أنشرهما اليوم في هذه الرسالة.

وأود أن أذكر هنا كلمة قلتها للمشاركين في مؤتمر الدوحة، وهي أننا -نحن أصحاب الأديان السماوية -متفقون في الأصول الكلية، والأسس الكبرى، التي يقوم عليها بناء الأسرة الطبيعية، بما فيها من زوجين وأولاد.

وهذه هي الأسرة النووية، أو الأسرة الصغيرة، أو الضيقة، ولكننا نؤمن بالأسرة الممتدة أو الموسعة، التي تشمل الآباء والأمهات، والأخوة والأخوات، والأعمام والعمات، والأخوال والخالات، وأولادهم، وهم الذين يُسميهم القرآن: «أولي القربى»، أو «ذوي الأرحام»، ورتب لهم من الحقوق، وجعل عليهم من الواجبات، ما يجعلهم في دائرة واحدة، تربطها شبكة من الأحكام، مثل: أحكام «نظام المواريث»، و«نظام النفقات»، و«نظام العاقلة» في دفع ديات القتل الخطأ وشبه العمد... إلخ. وقد قال تعالى: {وَأُوْلُواْ ٱلۡأَرۡحَامِ بَعۡضُهُمۡ أَوۡلَىٰ بِبَعۡضٖ فِي كِتَٰبِ ٱللَّهِ} [الأحزاب:6].

كما أن للإسلام في شأن الأسرة أحكامًا يتميز بها، مثل: قوامية الرجل على المرأة، واختلاف ميراث الرجل عن المرأة، وشرعية تعدد الزوجات بقيده وشرطه، وشرعية الطلاق عند تعذر الوفاق، وغيرها، فلا يجوز أن يفرض على المسلمين أحكام تُناقض ما شرعه لهم دينهم، بل يجب احترام خصائص كل دين، وأحكام كل شريعة سماوية، متعاملين وفق القاعدة الذهبية: نتعاون فيما اتَّفقنا عليه، ونتسامح فيما اختلفنا فيه.

{رَبَّنَا لَا تُزِغۡ قُلُوبَنَا بَعۡدَ إِذۡ هَدَيۡتَنَا وَهَبۡ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحۡمَةًۚ إِنَّكَ أَنتَ ٱلۡوَهَّابُ} [آل عمران:8].



سنة النشر : 2004م / 1425هـ .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة الأسرة كما يريدها الإسلام

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الأسرة كما يريدها الإسلام
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
يوسف القرضاوي - Yousef Al Qaradawi

كتب يوسف القرضاوي يوسف عبد الله القرضاوي (9 سبتمبر 1926): عالم مصري مسلم يحمل الجنسية القطرية، ورئيس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين سابقا. ولد في قرية صفط تراب مركز المحلة الكبرى بمحافظة الغربية في مصر. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ❞ الإسلام والعلمانية وجها لوجه ❝ ❞ المنتقى من كتاب الترغيب والترهيب للمنذري ❝ ❞ الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد ❝ ❞ دور الزكاة في علاج المشكلات الاقتصادية وشروط نجاحها ❝ ❞ ثقافتنا بين الانفتاح والانغلاق ❝ ❞ عوامل السعة والمرونة في الشريعة الإسلامية ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار القلم للنشر والتوزيع ❝ ❞ مؤسسة الرسالة ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ مكتبة وهبة ❝ ❞ دار الصحوة للنشر ❝ ❞ مركز بحوث السنة والسيره -قطر ❝ ❞ مكتبة البنين ❝ ❱. المزيد..

كتب يوسف القرضاوي
الناشر:
مكتبة وهبة
كتب  مكتبة وهبة في سنة 1946م أنشأ الحاج وهبة حسن وهبةـ مكتبة وهبة للطبع والنشر والتوزيع، وكانت عبارة عن محل صغير بشارع محمد علي (القلعة حاليًا) من جهة العتبة. ولما اعتقل لمدة أسبوع عام 1948م، وفي عام 1950م انتقل من المحل الصغير بشارع محمد علي إلى شارع الجمهورية بنفس الاسم ونفس المنهج... وتعرف في ذلك الوقت على الشيخ أبو الحسن الندوي ، الذي طبع له (ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين)، وكتاب (مذكرات سائح في الشرق) وغيرها من الكتب، وتعرف أيضا على فضيلة الشيخ السيد سابق الذي طبع له كتاب (فقه السنة) بأجزائه الصغيرة. وخرج من السجن آخر عام 1960م ليجد المكتبة خاوية على عروشها، ليعيد نشاطه مرة أخرى من جديد، حيث كانت المكتبة طوال فترة سجنه كلأً مباحًا، ولم يتم نشر أي شيء خلال تلك الفترة. ثم زاول عمله مرة أخرى فترة ثم توالت المحن على المكتبة مع اعتقاله سنة 1965 حتى وفاة عبد الناصر. وبعد خروجه من السجن بعد وفاة عبد الناصر سنة 1971، بدأ الصراع مع السلطات لرفع الحراسة عنه وعن عائلته لمزاولة نشاطه مرة أخرى. ومن أقدار الله أن المبنى الذي كانت به المكتبة هدم أثناء فترة غيابه والاعتقال، وكان يشيد مبنى آخر مكانه، وكأنه كان على موعد حتى يظل اسم مكتبة وهبة كما هو، في نفس الموقع والمكان. ووافق صاحب العقار الجديد على استئجاره للمحل. ثم عاود النشاط مرة أخرى للطبع والنشر والتوزيع، بنفس الاسم، يؤدي رسالته التي بذل من أجلها الغالي والثمين. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ زوجات النبي محمد صلى الله عليه وسلم وأسرار الحكمة في تعددهن ❝ ❞ الصبر في القرآن ❝ ❞ الإسرائيليات في التفسير والحديث ❝ ❞ دراسات عن ابن حزم وكتابه طوق الحمامة ❝ ❞ التفسير والمفسرون / ج1 (ط. وهبة) ❝ ❞ أبو هريرة راوية الإسلام ❝ ❞ تاريخ التشريع الإسلامي (ط. وهبة) ❝ ❞ موسوعة الأسرة تحت رعاية الإسلام ❝ ❞ الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالإستعمار الغربي ❝ ❞ جيل النصر المنشود ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ يوسف القرضاوي ❝ ❞ عبد الرحمن حسن حبنكة الميداني ❝ ❞ مناع القطان ❝ ❞ الطاهر أحمد مكي ❝ ❞ جمال الدين الشرقاوي ❝ ❞ محمد حسين الذهبي ❝ ❞ إبراهيم محمد حسن الجمل ❝ ❞ عطية صقر ❝ ❞ أحمد عمر هاشم ❝ ❞ أحمد عبدالوهاب ❝ ❞ زينب عبد العزيز ❝ ❞ بهاء الامير ❝ ❞ محمود حمدى زقزوق ❝ ❞ عبد العظيم المطعني ❝ ❞ محمد عجاج الخطيب ❝ ❞ د.محمد محمد أبو موسى ❝ ❞ سامح القلينى ❝ ❞ أحمد عبد الوهاب بكير ❝ ❞ اللواء أحمد عبد الوهاب ❝ ❞ علاء أبو بكر ❝ ❞ محمد الأمين الخضري ❝ ❞ توفيق محمد شاهين ❝ ❞ أبوزيد شلبي ❝ ❞ د. سامح القلينى ❝ ❞ سعيد عبد الحكيم زيد ❝ ❞ صبري الأشوح ❝ ❞ محمد شامة ❝ ❞ د. عبد المتعال محمد الجبري ❝ ❞ محمد ثابت الشاذلي ❝ ❞ د.سعد الدين مسعد هلالي ❝ ❞ د. عبد العظيم المطعني ❝ ❞ مؤمن الهباء ❝ ❞ الدكتور عبدالعظيم إبراهيم المطعني ❝ ❞ د. أمينة سليم ❝ ❞ د.عبد العظيم إبراهيم محمد المطعني ❝ ❞ أحمد عبد الرحمن ❝ ❞ عبد العظيم إبراهيم محمد المطعنى ❝ ❞ بكير بن سعيد أعوشت ❝ ❞ د. محمد الحسيني إسماعيل ❝ ❞ عبدالعظيم إبراهيم المطعني ❝ ❞ د.محمد عجاج خطيب ❝ ❞ د. أحمد عبد الرحمن ❝ ❞ فولفجانج ليونهارد ❝ ❞ محمد البهي ❝ ❞ مصطفي أبو يوسف بدران أحمد عبدالوهاب ❝ ❱.المزيد.. كتب مكتبة وهبة