📘 قراءة كتاب مرويات الإمام شعبة بن الحجاج أونلاين
مرويات الإمام شعبة بن الحجاج
منهج شعبة في طلب ورواية الحديث
اعتمد شعبة منهجًا رصينًا في طلبه وروايته للحديث، وأهم أسس ذلك المنهج:
تتبعه لأعلام المحدثين: فقد كانت أكثر رحلاته للكوفة لطلب العلم من شيوخها. وقال في ذلك الإمام أحمد بن حنبل: (روى عن ثلاثين رجلًا من أهل الكوفة لم يرو عنهم سفيان). وقال عنه سفيان بن عيينة: (لقيت شعبة في طريق مكة فقلت: أين تريد؟ فقال: أريد الأسود بن قيس، أستفيد منه حديثًا).
كان شعبة لا يروي في الغالب إلا عن ثقة: فمن شروطه عمن يحدث سأله عبد الرحمن بن مهدي: (متى يترك حديث الرجل؟ فقال: إذا حدث عن المعروفين ما لا يعرفه المعروفون، وإذا أكثر من الغلط، وإذا اتهم بالكذب، وإذا روى حديثًا غلطًا مجتمعًا عليه فلم يتهم نفسه فيتركه طُرح حديثه، وما كان غير ذلك فارووا عنه).
وقد كان يرد حديث من يلعب بالشطرنج ويلهو بآلات الطرب، وغير ذلك. فجاء في سير أعلام النبلاء: قال شعبة: (رأيت ناجية الذي يروي عنه أبو إسحاق، يلعب بالشطرنج، فتركته، فلم أكتب عنه).
لا يحمل عن شيوخه إلا ما صرحوا فيه بالتحديث: فقد كان يعتمد على السماع المباشر من الشيخ، وفي ذلك قال: (كل حديث ليس فيه أنا وثنا فهو خل وبقل). وقال: (كنت انظر إلى فم قتادة، فإذا قال سمعت أو حدثنا، كتبت، وإذا قال حدَّثَ، لم أكتب).
شدة تحريه في الحديث: وقال شعبة في ذلك: (ما أعلم أحدًا فتش الحديث كتفتيشي، وقفت على أن ثلاثة أرباعه كذب). فقد كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة، بل يعاود صاحبه مرارًا، فيتأكد ألا خطأ فيه. وقال في ذلك أبو حاتم عن حماد بن زيد: (ما أبالي من خالفني إذا وافقني شعبة، لأن شعبة كان لا يرضى أن يسمع الحديث مرة، يعاود صاحبه مرارًا ونحن كُنا إذا سمعناه مرة اجتزينا به). وقال في ذلك شعبة أيضًا: (اختلفت إلى عمرو بن دينار خمسمئة مرة، وما سمعت منه إلا مئة حديث).
كان يشترط وجه المحدث أثناء التحديث: وقال في ذلك شعبة: (إذا سمعت من المحدث ولم ترَ وجهه فلا ترو عنه). ولعله لهذا السبب لم يرو عن امرأة أجنبية سوى شميسة العتكية، وهذا أيضًا في بداية أمره.
الرد عن شعبة
كان هنالك من حاول اتهام شعبة بن الحجاج بالتدليس (رغم ثناء أئمة الأمة عليه وعلمائهم) ليحطوا من شأنه، إلا أن ما قدموه يرد عليهم عن طريق كل ذي علمٍ بالحديث، فنقلوا ما يلي:
مقولة للمعافى بن زكريا الجريري في كتابه «الجليس الصالح»، انتقد فيها شعبة وقال إنه يروي عن المدلسين. ويرد على ذلك أنَّ القاضي المعافى بن زكريا من علماء السنة، لكنه برع في الفقه والقضاء، وليس بمحدث، وكتابه نفسه شاهد عليه، فقد جمع فيه غرائب وتناقضات، وقال فيه الذهبي: (وله كتاب الجليس والأنيس، فيه عجائب). كما أنه لم يذكر تلك المرويات التي قال أنَّ شعبة رواها وفيها تدليس، فلا يعتبر قوله، لعدم كونه محدثًا، ولعدم ذكره لتلك المرويات التي اتهمه بها.
حديث «ليس بين العبيد قصاص» الذي رواه غندر عن شعبة عن حماد عن إبراهيم. فجاء في كتاب العلل أن شعبة لم يسمع هكذا حديث عن حماد، فاتهموا شعبة بالتدليس. إلا أنه وجدت نسخة عن غندر عن شعبة عن عبد الخالق أو الهيثم (وليس شعبة عن حماد)، وأيضًا في الأولى يحمل التدليس على غندر، وليس على شعبة. فاتهام شعبة دون غيره هنا ليس بوجه حق.
حديث «من لبس الحرير في الدنيا لم يلبسه في الآخرة» والذي رواه شعبة عن قتادة السراج عن أبي سعيد الخدري عن النبي ﷺ، فقيل إنه أغفل هشام الذي رواها عن قتادة. لكن في الأمر روايتان، إحداها موقوفة من شعبة عن طريقة قتادة، والأخرى من شعبة عن طريق هشام عن طريق قتادة، وتلك مرفوعة، وفي ذلك قال شعبة: (وأخبرني هشام وكان أصحب له مني إنه كان يرفعه إلى النبي ﷺ).
انتقادات على شعبة بن الحجاج
لكثرة ما روى من أحاديث على مر سنوات طويلة، فكان لا بد من طبيعته البشرية ورود بعض الأخطاء البسيطة أمام الكم الهائل مما رواه، ولذلك يوجد علوم ورجالات كثير للحديث، فوردت بعض الانتقادات على بعض أفعاله، ومنها:
خلط وأوهام في أحاديث معينة: وذلك مثل قلبه للراوي إسماعيل بن محمد في حديث لبس سعد وطلحة خواتيم الذهب. وتسميته لإياد بن لقيط السدوسي بـ «سدوس» في حديث مس الذكر، وكذلك تسميته «خالد بن علقمة» «مالك بن عرفطة» في حديث الوضوء، وغيرها من الأمثلة. علمًا أن هنالك أوهامًا أخرى تُنسب إلى شعبة وهي ليست منه، إنما من نقل عنه (مثل ما ذكره غندر)، أو يحصل وجود عدم يقين في كنية أو لقب شخصٍ بعينه، فيظن أن شعبة توهم (مثل الحديث الذي رواه عن حجر، فقد لقبه شعيب بـ «حجر بن عنبس» لكن لقبه الثوري بـ «حجر أبو السكن» وتبين أن لحجر هذان اللقبان). وأما أوهامه فقد شملت إلى جانب الخلط في عددٍ من أسماء الرجال أوهامًا في الأسانيد والمتون، بعضها نقصان وبعضها زيادة.
تركه الرواية عن عبد الملك بن أبي سليمان، وأخذه عن محمد بن عبيد الله العرزمي. وقال الخطيب: (أساء شعبة في اختياره لمحمد، وتركه عبد الملك، لأن محمد بن عبيد الله لم يختلف أئمة الأثر في ذهاب حديث، وسقوط روايته، وثناؤهم على عبد الملك مستفيض). وكذلك روايته عن جابر الجعفي، والذي كذبه غير واحد. وفي ذلك قال أبو حاتم محمد بن إدريس: (إذا رأيت شعبة يحدث عن رجل فاعلم أنه ثقة، إلا نفرًا بأعيانهم).
سنة النشر : 2022م / 1443هـ .
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف: