❞ كتاب الكلمات الإيطالية المشتقة من العربية: دراسة لغوية مقارنة ❝ ⏤ لويجي رينالدي
ترجع العلاقات بين العرب وإيطاليا إلى ما يزيد على ألف سنة، وتحديدا إلى القرن التاسع الميلادي، عندما استولى المسلمون على شبه الجزيرة بجيوش الأغالبة، الذين دام حضورهم السياسي الفعلي حتى النصف الأول من القرن الحادي عشر، بيد أن تواصل حضور المسلمين شاملا الناحية الأدبية والثقافية والحضارية استمر لفترة تقارب القرنين بعد ذلك، ثم كوّنوا إمارة في صقلية من أجل مقاومة الملوك النورمانديين وفريدريك الثاني، قبل أن ينتهي بهم المطاف إلى الخروج الكامل عن الأراضي الإيطالية. بهذه الكلمات وددنا التأكيد على أمرين: أولهما أن العلاقات بين الطرفين ضاربة بجذورها في أعماق التاريخ، وذات أنامل قوية يصعب خلخلتها، ولازالت هذه الروابط قائمة وفاعلة إلى يومنا هذا، مع اختلاف طبيعتها وتطوراتها مع ما يتماشى مع المرحلة الحالية. ثانيا، الجزم بأن التأثير الأكبر للعرب المسلمين كان على الجزء الجنوبي الإيطالي، الذي سرعان ما امتد ليشمل بقية الأرجاء، حتى من الناحية اللغوية التي يناقشها الكتاب الذي بين أيدينا.
ومن باب الإنصاف وجلاء الحقيقة، لم يقدم دخول العرب إلى صقلية – التي كانت بمثابة المحضن لثقافة عربية مزدهرة لم تختف بزوال الحكم العربي عنها وسيطرة الرومان عليها عام 1072 – الدين الإسلامي فحسب، بل حمل معه العربية باعتبارها لغة الثقافة والنخبة المرموقة في ذلك الزمان، وحتى بعد سقوط الحكم العربي استمر التفاعل الثقافي بين عرب شمال أفريقيا وسكان جنوب أوروبا عبر صقلية، وإلى جانب الأندلس وفرت بيئة الجزيرة المتعددة اللغات وسيلة انتقال لكم ضخم من المفردات العربية إلى مختلف اللغات الأوروبية. اليوم – ونحن على أعتاب التعرف على كتاب جديد مترجم عن الإيطالية – نهدف إلى تغطية جانب جديد من جوانب العلاقات والتشابك بين العالم العربي وإيطاليا، ونستكمل مجموعة الترجمات التي تبرز النواحي المتنوعة للتلاقي بين الجانبين. ففي آخر كتاب لنا مترجم عن الإيطالية وهو جسر على البحر المتوسط ... العلاقات بين إيطاليا والدول العربية المطلة على البحر المتوسط (1989-2009) تناولنا العلاقات السياسية والدبلوماسية والعسكرية والاستخباراتية بين بعض الدول العربية وإيطاليا، ومن قبله صدر أرض كليوباترا الذي تناول رؤية رحالة إيطالية شهيرة لمصر في النصف الأول من القرن العشرين – أما هنا فنحن سنتحدث – على لسان الكاتب الأصلي الذي أثرى المكتبة الإنسانية بموروث ثقافي وعلمي جدير بالتقدير والاحترام – عن التأثير اللغوي المباشر للعربية على الإيطالية من خلال جمع جُلً الكلمات الإيطالية المأخوذة عن اللغة العربية بشرح معانيها وضرب بعض الأمثلة التوضيحية، فضلا عن قيام المؤلف في غير موضع بتوضيح الكلمات الإسبانية والفرنسية والبرتغالية واللاتينية المأخوذة عن الكلمات العربية المستخدمة في إيطاليا والوارد ذكرها في ثنايا هذا العمل.
ترك المسلمون العرب عددًا هائلا من الألفاظ في اللهجة الصِّقِليَّة خاصة والإيطالية عامة. وعلى عكس ما يتردد في وسائل الإعلام الغربية فإن الجزء الأعظم من الكلمات العربية الباقية في الإيطالية التي يصعب حصرها بدقة لكثرتها دخلت اللغة بطريق المدنية لا بطريق الغزو والحروب، وهذا إنما يوحي ويشهد بوضوح بما كان للمدنية العربية من نفوذ عظيم في القارة الأوروبية وعلى العالم أجمع. كان العرب في فترة العصور الوسطى بمثابة الشعلة الثقافية والحضارية المنيرة، التي كان يستضيء بها كل من تراود نفسه الريادة الحقيقية، لذلك حلق العرب المسلمون عاليا في سماء العلم والعلوم والتقدم والرقي على كافة الأصعدة. الكلمات الإيطالية المشتقة من اللغة العربية ليست إلا رافد قديم-جديد يدلل بما لا يدع مجالا للشك على تأثيرنا على الأمم قاطبة، حتى من الناحية اللغوية. وهنا نستشهد بمؤلف كتابنا نفسه حينما يقول مثلا لا حصرا: "إن الكلمات الإيطالية ذات الأصل العربي تشهد، في مجملها تقريبا، على تطور الصناعة والثقافة العلمية للعرب، والتي أثرت كثيرا في العصور الوسطى على العالم المسيحي، ولكن قبل كل شيء أثرت على العلاقات التجارية الواسعة للغرب مع الدول الإسلامية في شرق وشمال إفريقيا".
لويجي رينالدي - لويجي إيناودي (بالإيطالية: Luigi Einaudi) ـ (24 مارس 1874 ـ 30 أكتوبر 1961) هو سياسي واقتصادي إيطالي شغل منصب ثاني رئيس للجمهورية الإيطالية بين عامي 1948 و1955 خلفًا للرئيس إنريكو دي نيكولا.
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الكلمات الإيطالية المشتقة من العربية: دراسة لغوية مقارنة ❝ الناشرين : ❞ الهيئة المصرية العامة للكتاب ❝ ❱
من كتب تعليم اللغات - مكتبة .