

❞ قصة "أنفاس الحنين" ❝ ⏤ حنين قباري
‵حين يسكن الصمت الشوارع، تبوح الذكريات بأسرارها التي أخفاها الزمن.‵ كان الليل قد حلّ، والشوارع شبه خالية من المارة، سَمِعَ آدم صوت خطواته تتردد في أرجاء الشارع الضيق، كما لو كانت تتناغم مع نبضات قلبه المضطرب، كانت أفكاره مشتتة، وكأن كل خطوة يخطوها تقوده نحو مجهول، لم يكن يعرف إذا كان سيعود إلى المنزل أم سيواصل السير في هذه الطرقات المظلمة. لكن شيئًا ما كان يشده، كما لو كانت الجدران نفسها تحاول أن تخبره بشيء، لكن دون كلمات. لحظات من الصمت، ثم فجأة، توقف عند زاوية الشارع، وألقى نظرة أخيرة على ما خلفه. رأى قطة صغيرة جالسة على صندوق خشبي مهترئ عند جانب الطريق، رفعت عينيها نحوه للحظة، قبل أن تعود لتنظف نفسها في هدوء، ظل ينظر إليها وكأن شيئًا فيها أثار ذكريات قديمة، ذكرى لليالٍ شتوية كان يجلس فيها بجانب نافذة غرفته يتأمل الشارع مع والدته، وهي تحكي له قصصًا عن أيام طفولتها، شعر بوخزة خفيفة في قلبه، وخطر بباله سؤال: \'متى كانت آخر مرة جلست فيها مع أحد لأسمع قصة؟\' تنهد بعمق، وعاد لتثبيت نظره أمامه، دفعه إحساس غريب بالحنين، لكنه لم يعرف وجهته، في النهاية، خطا خطوة إلى الأمام، وكأنما قرر أن يستمر في السير، تاركًا وراءه صندوق القطة والذكريات التي أيقظتها، لكنه لم يستطع التخلص من الشعور بأن الليل كان يخفي عنه شيئًا لم يكتشفه بعد. عاد إلى منزله وهو ينظر في انحاءه بحزن ويفكر منزل مَن هذا؟ أهذا هو المنزل الذي كان يمتلىء بالضحكات؟ لماذا هو مُظلم هكذا؟ ربما لأن والدته قد رحلت فرحل النور من حياته، جلس على الأريكة وهو ينظر حوله بحنين ويتذكر اجمل لحظاته معها. ‵ كُف عن اللعب بالطعام يا آدم.‵ ابتسم آدم بمشاغبة وهو ينظر لها بحزن مصطنع: -لكني جائع يا أمي. ابتسمت والدته بحنان وهو تقول له بلطف: -يالك من مخادع، لكن لا بأس كُل الطعام وسأفعل غيره، فكم آدم املك أنا؟ اتسعت إبتسامة آدم وهو يعانقها قائلًا بغرور: -آدم واحد بالطبع، الذي هو أنا. مسح آدم دمعة فرت من عينيه وهو يتذكر كيف كانت والدته تدلله وتحبه كأنه جزء من روحها، لكنها الآن رحلت ولم يبقى في حياته سوىٰ ذكريات يتذكرها فيحزن، فسحقًا للذكريات. حنين قباري ‵لؤلؤ‵حنين قباري -
من - مكتبة .