❞ كتاب الشهاب في الشيب والشباب ❝  ⏤ السيد الشريف المرتضى ابى القاسم على ابن الشريف

❞ كتاب الشهاب في الشيب والشباب ❝ ⏤ السيد الشريف المرتضى ابى القاسم على ابن الشريف

كان الدفاع عن الشيب بالرغم من كل عيوبه من الموضوعات التي أحوجت الشاعر إلى أن يتجاوز المقدمات المخيلة لينفتح على الخطابة والجدل، وذلك في نطاق الحدود التي لا تخرج بالشعر عن قيمته المهيمنة أو التخييل.
وبرجوعنا إلى المدونة الشعرية التي خصها الشعراء القدامى للشيب، نجدها تشتمل ضمن منظومة حجاجية متكاملة ومنسجمة، حيث وفر لها الشعراء مختلف شروط وعناصر الخطاب الحجاجي من: ادعاء )أطروحة(، واعتراض )نقيص الأطروحة(، ورفع أوجه الاعتراض بتقديم الحجج المناسبة. وذلك ما سنوضحه في المحاور التالية:
1– الأطروحة والأطروحة النقيض (مدح/وذم المشيب): أسس الأطروحة التي واجهها الشاعر وهو يعبر عن معاناته مع الشيب في اعتبار هذا الأخير منذراً بزوال الشباب، وسبباً لذم النساء وكرههن، وتعذر نيل ودهن. هذه الأطروحة لا تصدر بالضرورة عن طرف آخر (النساء)، فقد يتبناها الشاعر نفسه في لحظة ضعفه ويأسه، لكنه بالمقابل يسعى إلى تكذيبها وتفنيدها في لحظات قوته واندفاعه، مما يعني أن الشاعر نفسه يشكل طرفين متناقضين. وللوقوف عند مضمون الأطروحة كما يصوغها الشاعر نقف عند هذين البيتين للبحتري:
أبعد المشيب المنتضى في الذوائب أحاول لطف الود عند الكواعب
وكان بياض الشيب شخصاً مذمما إلى كل بيضاء الحشا والترائب

ومن هنا كان الشيب زاجراً للفتى عن التصابي، والكف عن العشق، ما دام العشق مع الشيب ذنباً لا يغتفر:
في الشيب زجر له، لو كان ينزجر وبـالغ مـنه، لولا أنـه حجـر
أبيض ما أسود من فوديه، وارتجعت جلية الصبح ما قد أغفل السحـر
وللفتى مهلة، في الحب، واسـعـة ما لم يمت في نواحي رأسه الشعر
قالت مشيب وعشق أنت بينهمـا وذاك في ذاك ذنب ليس يغتفر

ويرى ابن المعتز أن الشيب موت للهوى، وانتهاء لذات الشباب بحيث يكون من غطى رأسه الشيب أضحوكة، وعرضة للسخرية في المجالس إذا ما هو أقدم على التصابي:
مات الهوى مني، وضاع شبابي وقـضيت من لذاته آرابــي
وإذا أردت تصابياً في مجلس فالشيب يضحك لي مع الأصحاب

ويؤكد أبو تمام عيوب الشيب، فيقرنه بالموت. وكيف لا، وهو يصير ما كان من حسنات عند النساء إلى سيئات. ليؤكد أن الشيب حقه أن يعاب ويستنكر:
كل داء يرجى الدواء له إلا الفظيعين: ميتة ومشيبا
يا نسيب الثغام ذنبك أبقى حسناتي عند الحسان ذنوبا
ولأن عبن ما رأين لقد أنـ ـكرن مستنكراً وعبن معيبا

هذا الذم للشيب الذي يعلن الشاعر فيه استسلامه للدهر، وابتعاده عن ملذات الشباب، وخضوعه لمعايير المجتمع الذي يتوخى فيمن شاب رأسه الورع والوقار وعدم التصابي، نجده عند معظم كبار الشعراء القدامى مثل الأعشى وعمر ابن أبي ربيعة، وأبي نواس، وأبي تمام... بل إن منهم من خصه بمقطوعات خاصة كما هو الشأن مع ابن المعتز.
وإذا كان الشاعر في لحظة ضعفه ويأسه يستسلم للشيب، فيعدد عيوبه التي تنذر بزوال الشباب، واقتراب الموت، وتدعو إلى الوقار والورع، فإنه كان ينتفض في حالات عديدة ليقاوم الشيب، ويجعل منه مصدر قوة، فيعدد محاسنه التي تدل على اكتمال الشخصية، وقد عكس أبو نواس رفض الاستسلام واعتبار الشيب مدعاة للوقار، وتوديعاً للشباب بقوله:
يقولون في الشيب الوقار لأهله وشيبي بحمد الله غير وقار

أما أبو تمام فلا يرى في الشيب سوى علامة تدل على اكتمال العقل، وابتسامة مشرقة للرأي والأدب تطل من خلال بياض الشيب، يقول:
فأصغري أن شيباً لاح بي حدثا وأكبري أنني في المهد لم أشب
لا يؤرقك إيماض القتير به فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب

ويذهب البحتري بعيداً في تحسين الشيب حين يجعله اكتمالاً للشباب وجلاء له، وكأن بياض الرأس ليس إلا إزالة للسواد الذي كان يمنع الشباب من الظهور في أبهى صوره:
لا تريه عاراً فما هو بالشيـ ـب، ولكنه جلاء الشباب

وبهذا يغدو الشيب، رغم عيوبه الكثيرة مستحسناً. ولا يخرج هذا الأمر )تحسين القبيح( عن السنن الشعري، فقد جعل الفلاسفة المسلمون، وبعدهم حازم القرطاجني من مهمة الشعر تحسين القبيح، حيث يحصي حازم القرطاجني الجهات التي يسلكها الشعراء في تحسين القبيح، فالشيء:
- إما أن يحسن من جهة الدين وما تؤثره النفس من الثواب على فعل شيء أو اعتقاده و تخاف من العقوبة على تركه وإهماله، وإما أن يقبح من ضد ذلك.
- وإما أن يحسن من جهة العقل وما يجب أن يؤثره الإنسان من جهة ما هو عاقل ذو أنفة من الجهل والسفاهة، وإما أن يقبح من ضد ذلك.
- وإما أن يحسن من جهة المروءات والكرم وما تؤثره النفس من الذكر الجميل والثناء عليه، أو يقبح من ضد ذلك.


كتاب الشهاب في الشيب والشباب pdf تأليف السيد الشريف المرتضى ابى القاسم على ابن الشريف، ويشتمل على شعر أبي تمام في الشيب تسعة وثلاثون بيتًا، ومن شعر أبي عبادة البحتري مائة وأربعون بيتًا، ومن شعر السيد الرضي ثلاثمائة وأربعة عشر بيتًا، ومن شعر السيد المرتضى المصنف رضي الله عنهم ورحمهم أربعمائة وثلاثة وستون بيتًا، ومن شعر ابن الرومي ستة وأربعون بيتًا جملة ذلك كله ألف بيت وبيتان.
السيد الشريف المرتضى ابى القاسم على ابن الشريف - الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد الموسوي (355 هـ - 436 هـ / 966 - 1044 م) الملقب ذي المجدين علم الهدي، عالم إمامي من أهل القرن الرابع الهجري.

نسبه ونشأته
هو: أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
أمه: فاطمة بنت الحسن بن أحمد بن الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان.
ولد في رجب سنة 355 هـ - 966م في بغداد. عاش في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجريين وهي فترة انكماش الدولة العباسية وضعفها ووهنها أيام سيطرة أمراء الإقليم على حكم أقاليمهم وتولي بني بويه شؤون السلطة في بغداد.

أساتذته ومشايخه
الشيخ المفيد العالم المتكلم المشهور، اشتهر بكثرة علمه. وهو محمد بن محمد بن عبد السلام العكبري البغدادي المكنى بأبي عبد الله وابن المعلم.
ابن نباتة: الشاعر المشهور وهو أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة السعدي.
المرزباني: وهو أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسى بن عبيد الله المعروف بالمرزباني. كان راوية للأخبار والآداب والشعر.
ابن جنيقا: وهو أبو القاسم بن عبد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق المعروف بابن جنيقا. كان قاضيا محدثا ثقة مأمونا حسن الخلق.
أبو عبد الله القمي: وهو الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه، أخو الشيخ الصدوق، كان جليل القدر عظيم الشأن في الحديث. وقد وثقه أصحاب التراجم، وأخباره مشهورة في كتبهم.
أبو علي الفارسي؛ الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمّد بن سليمان بن أبان الفارسيّ، المولود في "فسا" عام288هـ، والمتوفى في الشونيزي عام377هـ،.

تلامذته
الطوسي: وهو أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، الفقيه الأصولي والمحدث الشهير.
أبو يعلى الديلمي "سالار": وهو محمد بن حمزة أو ابن عبد العزيز الطبرستاني. وكان ينوب عن أستاذه المرتضى في التدريس، وهو فقيه متكلم.
أبو الصلاح الحلبي: وهو الشيخ تقي الدين بن النجم الحلبي خليفة المرتضى في البلاد الحلبية ومن كبار علماء الإمامية.
ابن البراج: وهو أبو القاسم القاضي السعيد عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج.
أبو الفتح الكراجكي: وهو الشيخ الإمام العلامة أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، عالم، فاضل، متكلم، فقيه، محدث، ثقة جليل القدر.
عماد الدين ذو الفقار الأخيضري: كان فقيها عالما متكلما ورعا.
الدوريستي: هو أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباسي الرازي الدوريستي. من أكابر علماء الإمامية اشتهر في جميع الفنون. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الشهاب في الشيب والشباب ❝ ❱
من كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
الشهاب في الشيب والشباب

كان الدفاع عن الشيب بالرغم من كل عيوبه من الموضوعات التي أحوجت الشاعر إلى أن يتجاوز المقدمات المخيلة لينفتح على الخطابة والجدل، وذلك في نطاق الحدود التي لا تخرج بالشعر عن قيمته المهيمنة أو التخييل.
وبرجوعنا إلى المدونة الشعرية التي خصها الشعراء القدامى للشيب، نجدها تشتمل ضمن منظومة حجاجية متكاملة ومنسجمة، حيث وفر لها الشعراء مختلف شروط وعناصر الخطاب الحجاجي من: ادعاء )أطروحة(، واعتراض )نقيص الأطروحة(، ورفع أوجه الاعتراض بتقديم الحجج المناسبة. وذلك ما سنوضحه في المحاور التالية:
1– الأطروحة والأطروحة النقيض (مدح/وذم المشيب): أسس الأطروحة التي واجهها الشاعر وهو يعبر عن معاناته مع الشيب في اعتبار هذا الأخير منذراً بزوال الشباب، وسبباً لذم النساء وكرههن، وتعذر نيل ودهن. هذه الأطروحة لا تصدر بالضرورة عن طرف آخر (النساء)، فقد يتبناها الشاعر نفسه في لحظة ضعفه ويأسه، لكنه بالمقابل يسعى إلى تكذيبها وتفنيدها في لحظات قوته واندفاعه، مما يعني أن الشاعر نفسه يشكل طرفين متناقضين. وللوقوف عند مضمون الأطروحة كما يصوغها الشاعر نقف عند هذين البيتين للبحتري:
أبعد المشيب المنتضى في الذوائب أحاول لطف الود عند الكواعب
وكان بياض الشيب شخصاً مذمما إلى كل بيضاء الحشا والترائب

ومن هنا كان الشيب زاجراً للفتى عن التصابي، والكف عن العشق، ما دام العشق مع الشيب ذنباً لا يغتفر:
في الشيب زجر له، لو كان ينزجر وبـالغ مـنه، لولا أنـه حجـر
أبيض ما أسود من فوديه، وارتجعت جلية الصبح ما قد أغفل السحـر
وللفتى مهلة، في الحب، واسـعـة ما لم يمت في نواحي رأسه الشعر
قالت مشيب وعشق أنت بينهمـا وذاك في ذاك ذنب ليس يغتفر

ويرى ابن المعتز أن الشيب موت للهوى، وانتهاء لذات الشباب بحيث يكون من غطى رأسه الشيب أضحوكة، وعرضة للسخرية في المجالس إذا ما هو أقدم على التصابي:
مات الهوى مني، وضاع شبابي وقـضيت من لذاته آرابــي
وإذا أردت تصابياً في مجلس فالشيب يضحك لي مع الأصحاب

ويؤكد أبو تمام عيوب الشيب، فيقرنه بالموت. وكيف لا، وهو يصير ما كان من حسنات عند النساء إلى سيئات. ليؤكد أن الشيب حقه أن يعاب ويستنكر:
كل داء يرجى الدواء له إلا الفظيعين: ميتة ومشيبا
يا نسيب الثغام ذنبك أبقى حسناتي عند الحسان ذنوبا
ولأن عبن ما رأين لقد أنـ ـكرن مستنكراً وعبن معيبا

هذا الذم للشيب الذي يعلن الشاعر فيه استسلامه للدهر، وابتعاده عن ملذات الشباب، وخضوعه لمعايير المجتمع الذي يتوخى فيمن شاب رأسه الورع والوقار وعدم التصابي، نجده عند معظم كبار الشعراء القدامى مثل الأعشى وعمر ابن أبي ربيعة، وأبي نواس، وأبي تمام... بل إن منهم من خصه بمقطوعات خاصة كما هو الشأن مع ابن المعتز.
وإذا كان الشاعر في لحظة ضعفه ويأسه يستسلم للشيب، فيعدد عيوبه التي تنذر بزوال الشباب، واقتراب الموت، وتدعو إلى الوقار والورع، فإنه كان ينتفض في حالات عديدة ليقاوم الشيب، ويجعل منه مصدر قوة، فيعدد محاسنه التي تدل على اكتمال الشخصية، وقد عكس أبو نواس رفض الاستسلام واعتبار الشيب مدعاة للوقار، وتوديعاً للشباب بقوله:
يقولون في الشيب الوقار لأهله وشيبي بحمد الله غير وقار

أما أبو تمام فلا يرى في الشيب سوى علامة تدل على اكتمال العقل، وابتسامة مشرقة للرأي والأدب تطل من خلال بياض الشيب، يقول:
فأصغري أن شيباً لاح بي حدثا وأكبري أنني في المهد لم أشب
لا يؤرقك إيماض القتير به فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب

ويذهب البحتري بعيداً في تحسين الشيب حين يجعله اكتمالاً للشباب وجلاء له، وكأن بياض الرأس ليس إلا إزالة للسواد الذي كان يمنع الشباب من الظهور في أبهى صوره:
لا تريه عاراً فما هو بالشيـ ـب، ولكنه جلاء الشباب

وبهذا يغدو الشيب، رغم عيوبه الكثيرة مستحسناً. ولا يخرج هذا الأمر )تحسين القبيح( عن السنن الشعري، فقد جعل الفلاسفة المسلمون، وبعدهم حازم القرطاجني من مهمة الشعر تحسين القبيح، حيث يحصي حازم القرطاجني الجهات التي يسلكها الشعراء في تحسين القبيح، فالشيء:
- إما أن يحسن من جهة الدين وما تؤثره النفس من الثواب على فعل شيء أو اعتقاده و تخاف من العقوبة على تركه وإهماله، وإما أن يقبح من ضد ذلك.
- وإما أن يحسن من جهة العقل وما يجب أن يؤثره الإنسان من جهة ما هو عاقل ذو أنفة من الجهل والسفاهة، وإما أن يقبح من ضد ذلك.
- وإما أن يحسن من جهة المروءات والكرم وما تؤثره النفس من الذكر الجميل والثناء عليه، أو يقبح من ضد ذلك.


كتاب الشهاب في الشيب والشباب pdf تأليف السيد الشريف المرتضى ابى القاسم على ابن الشريف، ويشتمل على شعر أبي تمام في الشيب تسعة وثلاثون بيتًا، ومن شعر أبي عبادة البحتري مائة وأربعون بيتًا، ومن شعر السيد الرضي ثلاثمائة وأربعة عشر بيتًا، ومن شعر السيد المرتضى المصنف رضي الله عنهم ورحمهم أربعمائة وثلاثة وستون بيتًا، ومن شعر ابن الرومي ستة وأربعون بيتًا جملة ذلك كله ألف بيت وبيتان.

.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

الشهاب في الشيب والشباب من كتب إسلامية

كان الدفاع عن الشيب بالرغم من كل عيوبه من الموضوعات التي أحوجت الشاعر إلى أن يتجاوز المقدمات المخيلة لينفتح على الخطابة والجدل، وذلك في نطاق الحدود التي لا تخرج بالشعر عن قيمته المهيمنة أو التخييل.
وبرجوعنا إلى المدونة الشعرية التي خصها الشعراء القدامى للشيب، نجدها تشتمل ضمن منظومة حجاجية متكاملة ومنسجمة، حيث وفر لها الشعراء مختلف شروط وعناصر الخطاب الحجاجي من: ادعاء )أطروحة(، واعتراض )نقيص الأطروحة(، ورفع أوجه الاعتراض بتقديم الحجج المناسبة. وذلك ما سنوضحه في المحاور التالية:
1– الأطروحة والأطروحة النقيض (مدح/وذم المشيب): أسس الأطروحة التي واجهها الشاعر وهو يعبر عن معاناته مع الشيب في اعتبار هذا الأخير منذراً بزوال الشباب، وسبباً لذم النساء وكرههن، وتعذر نيل ودهن. هذه الأطروحة لا تصدر بالضرورة عن طرف آخر (النساء)، فقد يتبناها الشاعر نفسه في لحظة ضعفه ويأسه، لكنه بالمقابل يسعى إلى تكذيبها وتفنيدها في لحظات قوته واندفاعه، مما يعني أن الشاعر نفسه يشكل طرفين متناقضين. وللوقوف عند مضمون الأطروحة كما يصوغها الشاعر نقف عند هذين البيتين للبحتري: 
أبعد المشيب المنتضى في الذوائب     أحاول لطف الود عند الكواعب 
وكان بياض الشيب شخصاً مذمما     إلى كل بيضاء الحشا والترائب

ومن هنا كان الشيب زاجراً للفتى عن التصابي، والكف عن العشق، ما دام العشق مع الشيب ذنباً لا يغتفر:
في الشيب زجر له، لو كان ينزجر     وبـالغ مـنه، لولا أنـه حجـر
أبيض ما أسود من فوديه، وارتجعت     جلية الصبح ما قد أغفل السحـر
وللفتى مهلة، في الحب، واسـعـة     ما لم يمت في نواحي رأسه الشعر
قالت مشيب وعشق أنت بينهمـا     وذاك في ذاك ذنب ليس يغتفر

ويرى ابن المعتز أن الشيب موت للهوى، وانتهاء لذات الشباب بحيث يكون من غطى رأسه الشيب أضحوكة، وعرضة للسخرية في المجالس إذا ما هو أقدم على التصابي:
مات الهوى مني، وضاع شبابي     وقـضيت من لذاته آرابــي
وإذا أردت تصابياً في مجلس     فالشيب يضحك لي مع الأصحاب

ويؤكد أبو تمام عيوب الشيب، فيقرنه بالموت. وكيف لا، وهو يصير ما كان من حسنات عند النساء إلى سيئات. ليؤكد أن الشيب حقه أن يعاب ويستنكر:
كل داء يرجى الدواء له إلا     الفظيعين: ميتة ومشيبا
يا نسيب الثغام ذنبك أبقى     حسناتي عند الحسان ذنوبا
ولأن عبن ما رأين لقد أنـ     ـكرن مستنكراً وعبن معيبا

هذا الذم للشيب الذي يعلن الشاعر فيه استسلامه للدهر، وابتعاده عن ملذات الشباب، وخضوعه لمعايير المجتمع الذي يتوخى فيمن شاب رأسه الورع والوقار وعدم التصابي، نجده عند معظم كبار الشعراء القدامى مثل الأعشى وعمر ابن أبي ربيعة، وأبي نواس، وأبي تمام... بل إن منهم من خصه بمقطوعات خاصة كما هو الشأن مع ابن المعتز. 
وإذا كان الشاعر في لحظة ضعفه ويأسه يستسلم للشيب، فيعدد عيوبه التي تنذر بزوال الشباب، واقتراب الموت، وتدعو إلى الوقار والورع، فإنه كان ينتفض في حالات عديدة ليقاوم الشيب، ويجعل منه مصدر قوة، فيعدد محاسنه التي تدل على اكتمال الشخصية، وقد عكس أبو نواس رفض الاستسلام واعتبار الشيب مدعاة للوقار، وتوديعاً للشباب بقوله:
يقولون في الشيب الوقار لأهله     وشيبي بحمد الله غير وقار

أما أبو تمام فلا يرى في الشيب سوى علامة تدل على اكتمال العقل، وابتسامة مشرقة للرأي والأدب تطل من خلال بياض الشيب، يقول:
فأصغري أن شيباً لاح بي حدثا     وأكبري أنني في المهد لم أشب
لا يؤرقك إيماض القتير به     فإن ذاك ابتسام الرأي والأدب

ويذهب البحتري بعيداً في تحسين الشيب حين يجعله اكتمالاً للشباب وجلاء له، وكأن بياض الرأس ليس إلا إزالة للسواد الذي كان يمنع الشباب من الظهور في أبهى صوره:
لا تريه عاراً فما هو بالشيـ     ـب، ولكنه جلاء الشباب

وبهذا يغدو الشيب، رغم عيوبه الكثيرة مستحسناً. ولا يخرج هذا الأمر )تحسين القبيح( عن السنن الشعري، فقد جعل الفلاسفة المسلمون، وبعدهم حازم القرطاجني من مهمة الشعر تحسين القبيح، حيث يحصي حازم القرطاجني الجهات التي يسلكها الشعراء في تحسين القبيح، فالشيء: 
- إما أن يحسن من جهة الدين وما تؤثره النفس من الثواب على فعل شيء أو اعتقاده و تخاف من العقوبة على تركه وإهماله، وإما أن يقبح من ضد ذلك.
- وإما أن يحسن من جهة العقل وما يجب أن يؤثره الإنسان من جهة ما هو عاقل ذو أنفة من الجهل والسفاهة، وإما أن يقبح من ضد ذلك.
- وإما أن يحسن من جهة المروءات والكرم وما تؤثره النفس من الذكر الجميل والثناء عليه، أو يقبح من ضد ذلك.


كتاب الشهاب في الشيب والشباب pdf تأليف السيد الشريف المرتضى ابى القاسم على ابن الشريف، ويشتمل على شعر أبي تمام في الشيب تسعة وثلاثون بيتًا، ومن شعر أبي عبادة البحتري مائة وأربعون بيتًا، ومن شعر السيد الرضي ثلاثمائة وأربعة عشر بيتًا، ومن شعر السيد المرتضى المصنف رضي الله عنهم ورحمهم أربعمائة وثلاثة وستون بيتًا، ومن شعر ابن الرومي ستة وأربعون بيتًا جملة ذلك كله ألف بيت وبيتان.



حجم الكتاب عند التحميل : 2.3 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة الشهاب في الشيب والشباب

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الشهاب في الشيب والشباب
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
السيد الشريف المرتضى ابى القاسم على ابن الشريف - Sharif Al Murtada Abi Al Qasim Ali Ibn Al Sharif

كتب السيد الشريف المرتضى ابى القاسم على ابن الشريف الشريف المرتضى أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد الموسوي (355 هـ - 436 هـ / 966 - 1044 م) الملقب ذي المجدين علم الهدي، عالم إمامي من أهل القرن الرابع الهجري. نسبه ونشأته هو: أبو القاسم علي بن الحسين بن موسى بن محمد بن موسى بن إبراهيم بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. أمه: فاطمة بنت الحسن بن أحمد بن الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن قريش بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. ولد في رجب سنة 355 هـ - 966م في بغداد. عاش في أواخر القرن الرابع وأوائل القرن الخامس الهجريين وهي فترة انكماش الدولة العباسية وضعفها ووهنها أيام سيطرة أمراء الإقليم على حكم أقاليمهم وتولي بني بويه شؤون السلطة في بغداد. أساتذته ومشايخه الشيخ المفيد العالم المتكلم المشهور، اشتهر بكثرة علمه. وهو محمد بن محمد بن عبد السلام العكبري البغدادي المكنى بأبي عبد الله وابن المعلم. ابن نباتة: الشاعر المشهور وهو أبو نصر عبد العزيز بن عمر بن محمد بن أحمد بن نباتة السعدي. المرزباني: وهو أبو عبد الله محمد بن عمران بن موسى بن عبيد الله المعروف بالمرزباني. كان راوية للأخبار والآداب والشعر. ابن جنيقا: وهو أبو القاسم بن عبد الله بن عثمان بن يحيى الدقاق المعروف بابن جنيقا. كان قاضيا محدثا ثقة مأمونا حسن الخلق. أبو عبد الله القمي: وهو الحسين بن علي بن الحسين بن بابويه، أخو الشيخ الصدوق، كان جليل القدر عظيم الشأن في الحديث. وقد وثقه أصحاب التراجم، وأخباره مشهورة في كتبهم. أبو علي الفارسي؛ الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن محمّد بن سليمان بن أبان الفارسيّ، المولود في "فسا" عام288هـ، والمتوفى في الشونيزي عام377هـ،. تلامذته الطوسي: وهو أبو جعفر محمد بن الحسن بن علي الطوسي، الفقيه الأصولي والمحدث الشهير. أبو يعلى الديلمي "سالار": وهو محمد بن حمزة أو ابن عبد العزيز الطبرستاني. وكان ينوب عن أستاذه المرتضى في التدريس، وهو فقيه متكلم. أبو الصلاح الحلبي: وهو الشيخ تقي الدين بن النجم الحلبي خليفة المرتضى في البلاد الحلبية ومن كبار علماء الإمامية. ابن البراج: وهو أبو القاسم القاضي السعيد عبد العزيز بن نحرير بن عبد العزيز بن البراج. أبو الفتح الكراجكي: وهو الشيخ الإمام العلامة أبو الفتح محمد بن علي بن عثمان الكراجكي، عالم، فاضل، متكلم، فقيه، محدث، ثقة جليل القدر. عماد الدين ذو الفقار الأخيضري: كان فقيها عالما متكلما ورعا. الدوريستي: هو أبو عبد الله جعفر بن محمد بن أحمد بن العباسي الرازي الدوريستي. من أكابر علماء الإمامية اشتهر في جميع الفنون.❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الشهاب في الشيب والشباب ❝ ❱. المزيد..

كتب السيد الشريف المرتضى ابى القاسم على ابن الشريف