لا تحاول
"أنا مجموعة من الانتصارات الصغيرة والهزائم الكبيرة, وأنا مندهش مثل أي أحد آخر أنني وصلت من هناك إلى هنا دون أن أرتكب جريمة قتل, أو أُقتل. دون أن ينتهي بي الأمر في بيت المجانين" نعم, أحب بوكوفسكي وأحب جنونه وصخبه, وصدقه بدرجة أكبر, إلا أن هذا الديوان الذي جمعت به 60 قصيدة لم يصلني منه الكثير (ربما هي مشكلة شبه دائمة مع الشعر المترجم لا أعلم), بعض القصائد كانت لطيفة وبها بعض الجنون, لا تخلو من عبارات ذكية وواقعية وروح إنسانية, البعض الآخر وربما السواد الأعظم منها كان أقل من المستوى بالنسبة لي, لكن أهم نصيحة خرجت بها منه هي "لاتحاول" ليس الكتابة فحسب, وإنما في أمور أخرى في حياتك أيضًا, وانتظر حتى تأتي الفرصة المناسبة.في المقابل سأعترف أن الغلاف كان جميلاً, والترجمة لم تكن سيئة, و مصافحة أولى جيدة مع "دار المعقدين", لذا بالتوفيق لهم في أعمال قادمة. حسناً، يجب عليّ أن أقول بأنني، وفي كثير من الأحيان، عندما تغادرني الرغبة في القراءة. أستدرك فجأة، كمن تذكر للتو شيئاً مهماً، وأقول: لا، فهناك يقبع في الكتب، بوكوفسكي. يستمد هذا الكتاب عنوانه من شاهدة قبر تشارلز الذي قرر أن تنتهي حياته بعبارة كتبت على تلك الشاهدة، تقول : "!" أو "!Don't try". والتي أطلقها تشارلز بينما يرد على سؤال أحدهم. "ماذا تفعل في حياتك؟ كيف تكتب، تبدع؟" لا تفعل أي شيء، قلت له. ! ربما تنعكس فوضوية بوكوفسكي وعشوائيته في قصائده بشكل واضح وكبير. فلطالما كانت المنضدة التي يجلس إليها قذرة وتحمل أشياء كثيرة مبعثرة ومريبة ومقرفة. حتى انه لا يقلّم أظافر قدميه النابتة فيهما كمخالب جرذ. لقد كان سكّيراً بإمتياز، معربدا، وسخاً. كان يُطرد من عمله غالباً، أو كان، في مرات عديدة، يقدم أستقالته بالسرعة التي تمر بها ذبابة بجانب غرفته خوفاً من أن تدوّخها رائحة تلك الغرفة. لكن هناك شيئاً آخر. لقد كان تشارلز صادقاً. لقد كان يتألم بحق. كان يُضرب، وبشكل مستمر، من قبل والده. قضى أغلب أوقاته جائعاً متشرداً، لا يجد ما يُدخله إلى جوفه. ولهذا تأتي قصائده محملة بالسخط والحزن والعبثية والسخرية والوحدة والقذارة. في واحدة من قصائدة التي كانت تتحدث في بعض أسطرها عن الحشرات، تخيلت وأنا أقرأها بأن قدح الشاي الذي في يدي مملوء بالعناكب، أيها السكّير، إنك تفسد كل شيء، حتى وأنت في القبر. لقد ذكّرني بعبارة تقول: "لا تحدثني عن المطر، بل إجعلني أتبلل". لقد جعلتني يا تشارلز أشمئز فعلاً. أخيراً، اللعنة على هذه الكتب، فبوكوفسكي يجعلك مثل التالكتب الفائر الذي يبحث له عن منفذ، المنفذ هنا هو الكتابة. ومن جهة اخرى، يزرع علي لطيف فيك، الرغبة في ان تترجم أي شيء تقع عليه عيناك.قبل ساعة كنت أستمع إلى قصائده، كانت بصوته هو. كنت اتخيل ان بوكوفسكي يملك صوتاً يهدر صارخاً، أو ممتعضاً. لكنه كان في الواقع ضعيفاً، شحيحاً. لقد كان يندلق من فم رجل عجوز يحتضر. . المزيد..