❞ كتاب تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ❝  ⏤ محمد ناصر الدين الألباني

❞ كتاب تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام ❝ ⏤ محمد ناصر الدين الألباني

ليست هذه الصحائف حديثًا عن النظام الاقتصادي في الإسلام، فإن لذلك مجالًا أرحب، وحديثًا أوسع، يتناول بالتفصيل أحكام الإسلام ووصاياه الخاصة بالنشاط الإنساني، فيما يتعلق بالثروة وإنتاجها وتبادلها، وتوزيعها واستهلاكها، وما وُضِعَ لذلك من قواعد وحدود أقام بها القسط، وحقق التوازن بين حرية الفرد ومصلحة المجتمع، وبين دين الناس ودنياهم.

إن البحث في نظام الإسلام الاقتصادي بحث طويل الذيول، قُدِّرَ لي أن أعمل فيه منذ سنوات، أثناء بحثي في فريضة الزكاة الإسلامية، وقد أتممت بحث الزكاة بحمد الله، ولم أفرغ بعد من البحث الآخر، ولعل الله يعينني على إتمامه بمدد من عنده، وما توفيقي إلا بالله، أما حديثي هنا، فعن جزء خاص من هذا النظام، هو ما يتعلق بمشكلة الفقر وعلاجه، ورعاية حقوق الفقراء، وضمان حاجاتهم، وصيانة كرامتهم في المجتمع المسلم، وفي ظل الشريعة الإسلامية.

وقد عرفت الإنسانية الفقر والفقراء منذ أزمنة ضاربة في أغوار التاريخ، وحاولت الأديان والفلسفات منذ القدم أن تحل مشكلة الفقر، وتخفف من عذاب الفقراء.. حينًا عن طريق الوصايا والمواعظ والترغيب والترهيب، وتارة عن طريق التحليق النظري في عالم مثالي لا تفاضل فيه ولا طبقات، ولا فقر ولا حرمان.

وهو عالم يُرسَم على صفحات الكتب لا في واقع الناس، وأبرز مثل لذلك جمهوية أفلاطون، قبل بضعة قرون من ميلاد المسيح سسس، وطورًا عن طريق حركات متطرفة تريد معالجة الانحراف الواقع بانحراف أشد منه، كحركة «مزدك» في فارس بعد خمسة قرون من الميلاد، وقد دعا إلى شيوعية الأموال والنساء!

وفي عصرنا هذا احتلت مشكلة الفقر - والمشكلة الاقتصادية على وجه عام - مكانًا فسيحًا في عقول الناس وقلوبهم، واتَّخذها المخربون والهدَّامون أداة لإثارة الجماهير، والتأثير عليها، وكسبها إلى جانب مذاهبهم اللادينية الباطلة، بإيهامهم أنها في صف الضعفاء وفي خدمة الفقراء، وساعد على ذلك جهلُ المسلمين بنظام الإسلام، وتأثرهم بالدعايات المضللة التي مَسَخَتْ صورته، وشوَّهت جماله، مستغلة في ذلك الواقع الكئيب لحياة المسلمين، والأفهام الخاطئة لبعض علمائهم في عهود الانحطاط.

ولهذا وجب على كل من عنده علم من الإسلام أن يبين للمسلمين حقيقة ما بعث الله به محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - من الهدى والرحمة، وما شرع الله على يديه من أحكام تُعالج مشكلات الفرد والمجتمع علاجًا يقتلع الداء من الجذور، لا مجرد علاج سطحي بمسكنات وقتية، تخفف الألم ساعة من الزمن، ولا تستأصل جرثومة المرض.

وما عرضناه هنا من علاج الإسلام لمشكلة الفقر قد رددناه إلى أصوله ومصادره الإسلامية الخالصة من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة المجتهدين من فقهاء الإسلام، حتى لا يتهمنا امرؤ متحيز أو جامد بأننا نقدم للناس إسلامًا جديدًا ليس هو الإسلام الذي عرفه الصحابة، وفهمه أبو حنيفة ومالك وغيرهما من الأئمة، كما زعم ذلك بعض المستشرقين فيما يكتبه الدعاة إلى الإسلام اليوم.

وسيتبين للقارئ في هذه الصحائف: أن نظرة الإسلام إلى الفقر وعلاجه له ووسائله في علاجه، ورعايته لحقوق الفقراء، وكفالته لحاجاتهم المادية والأدبية تجعله مذهبًا متميزًا عن كل مذهب آخر يُرَوِّجُ له المروجون في بلادنا وغير بلادنا في هذا الزمن.

ويتبين له أن من الخطأ البين أن يُنْسَبَ الإسلام إلى أحد هذه المذاهب، أو يُنسب أحدها إليه، فيُقال مثلًا: إن الاشتراكية من الإسلام، أو الإسلام من الاشتراكية، أو يقال: إن الإسلام رأسمالي، أو أن الرأسمالية إسلامية!

إن للإسلام نظرة إلى الحياة، وإلى الإنسان، وإلى العمل، وإلى المال، وإلى الفرد، وإلى المجتمع، تخالف في مجموعها نظرة المذاهب الأخرى يمينية ويسارية: إنها نظرة متفردة مستقلة، لا شرقية ولا غربية، بل ربانية إنسانية: {يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ}[النور: 35].

فلندع للإسلام أصالته وشموله، وعمقه واتزانه، وسبقه وتفوقه، وليكن أكرم علينا من أن نخلطه بفلسفة أو فكرة أخرى، ولندعُ إليه وحده- بكل يقين وشجاعة - علاجًا لكل مشكلاتنا، وحلًّا لكل عقدنا، فهو وحده الدواء لكل داء، والمصباح في كل ظلمة، وما عداه من المبادئ والأنظمة التي يُرَوِّجُ لها الخادعون والمخدوعون: إن هي إلا أوهام مضللة، وأفكار متضاربة، وتجارب فاشلة، حسبنا منها أنها- جلّها أو كلها - من صنع اليهود الخبثاء، وعمل الكفار الماكرين: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۢ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡ‍َٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡ‍ٔٗا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ 39 أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ} [النور: 39، 40].

يوسف القرضاوي

وفي هذا الكتاب تخريخ للاحاديث الواردة في كتاب الشيخ القرضاوي
محمد ناصر الدين الألباني - الإمام والمتحدث أبو عبد الرحمن محمد بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني الأرنؤوطيّ المعروف باسم محمد ناصر الدين الألباني (1914 - 1999) باحث في شؤون الحديث ويعد من علماء الحديث ذوي الشهرة في العصر الحديث، له الكثير من الكتب والمصنفات في علم الحديث وغيره وأشهرها سلسلة الأحاديث الصحيحة، وسلسلة الأحاديث الضعيفة، وصحيح الجامع الصغير وزيادته، وضعيف الجامع الصغير وزيادته، وصفة صلاة النبي. ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ آداب الزفاف في السنة المطهرة ❝ ❞ سؤال وجواب حول فقه الواقع ❝ ❞ تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ❝ ❞ تلخيص أحكام الجنائز (ط. المعارف) ❝ ❞ قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام وقتله إياه على سياق رواية أبي أمامة ❝ ❞ تمام المنة في التعليق على فقه السنة ❝ ❞ صحيح السيرة النبوية ❝ ❞ صحيح ابن حبان (ت: شاكر) ❝ ❞ أحكام الجنائز وبدعها (ط. المكتب الإسلامي) ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار المعارف ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار الإسلام للنشر والتوزيع ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ❝ ❞ المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ❝ ❞ دار الراية للنشر والتوزيع ❝ ❞ مكتب الدعوة بالربوة ❝ ❞ دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ابن عفان ❝ ❞ مكتبة غراس للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ابن عباس ❝ ❞ دار الامام احمد ❝ ❞ المكتبة الاسلامي ❝ ❞ مكتبة الدليل ❝ ❞ مكتبة اسلامية ❝ ❞ دار باوزير ❝ ❱
من مؤلفات حول الحديث النبوي الشريف السنة النبوية الشريفة - مكتبة كتب إسلامية.


اقتباسات من كتاب تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام

نبذة عن الكتاب:
تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام

1984م - 1446هـ
ليست هذه الصحائف حديثًا عن النظام الاقتصادي في الإسلام، فإن لذلك مجالًا أرحب، وحديثًا أوسع، يتناول بالتفصيل أحكام الإسلام ووصاياه الخاصة بالنشاط الإنساني، فيما يتعلق بالثروة وإنتاجها وتبادلها، وتوزيعها واستهلاكها، وما وُضِعَ لذلك من قواعد وحدود أقام بها القسط، وحقق التوازن بين حرية الفرد ومصلحة المجتمع، وبين دين الناس ودنياهم.

إن البحث في نظام الإسلام الاقتصادي بحث طويل الذيول، قُدِّرَ لي أن أعمل فيه منذ سنوات، أثناء بحثي في فريضة الزكاة الإسلامية، وقد أتممت بحث الزكاة بحمد الله، ولم أفرغ بعد من البحث الآخر، ولعل الله يعينني على إتمامه بمدد من عنده، وما توفيقي إلا بالله، أما حديثي هنا، فعن جزء خاص من هذا النظام، هو ما يتعلق بمشكلة الفقر وعلاجه، ورعاية حقوق الفقراء، وضمان حاجاتهم، وصيانة كرامتهم في المجتمع المسلم، وفي ظل الشريعة الإسلامية.

وقد عرفت الإنسانية الفقر والفقراء منذ أزمنة ضاربة في أغوار التاريخ، وحاولت الأديان والفلسفات منذ القدم أن تحل مشكلة الفقر، وتخفف من عذاب الفقراء.. حينًا عن طريق الوصايا والمواعظ والترغيب والترهيب، وتارة عن طريق التحليق النظري في عالم مثالي لا تفاضل فيه ولا طبقات، ولا فقر ولا حرمان.

وهو عالم يُرسَم على صفحات الكتب لا في واقع الناس، وأبرز مثل لذلك جمهوية أفلاطون، قبل بضعة قرون من ميلاد المسيح سسس، وطورًا عن طريق حركات متطرفة تريد معالجة الانحراف الواقع بانحراف أشد منه، كحركة «مزدك» في فارس بعد خمسة قرون من الميلاد، وقد دعا إلى شيوعية الأموال والنساء!

وفي عصرنا هذا احتلت مشكلة الفقر - والمشكلة الاقتصادية على وجه عام - مكانًا فسيحًا في عقول الناس وقلوبهم، واتَّخذها المخربون والهدَّامون أداة لإثارة الجماهير، والتأثير عليها، وكسبها إلى جانب مذاهبهم اللادينية الباطلة، بإيهامهم أنها في صف الضعفاء وفي خدمة الفقراء، وساعد على ذلك جهلُ المسلمين بنظام الإسلام، وتأثرهم بالدعايات المضللة التي مَسَخَتْ صورته، وشوَّهت جماله، مستغلة في ذلك الواقع الكئيب لحياة المسلمين، والأفهام الخاطئة لبعض علمائهم في عهود الانحطاط.

ولهذا وجب على كل من عنده علم من الإسلام أن يبين للمسلمين حقيقة ما بعث الله به محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - من الهدى والرحمة، وما شرع الله على يديه من أحكام تُعالج مشكلات الفرد والمجتمع علاجًا يقتلع الداء من الجذور، لا مجرد علاج سطحي بمسكنات وقتية، تخفف الألم ساعة من الزمن، ولا تستأصل جرثومة المرض.

وما عرضناه هنا من علاج الإسلام لمشكلة الفقر قد رددناه إلى أصوله ومصادره الإسلامية الخالصة من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة المجتهدين من فقهاء الإسلام، حتى لا يتهمنا امرؤ متحيز أو جامد بأننا نقدم للناس إسلامًا جديدًا ليس هو الإسلام الذي عرفه الصحابة، وفهمه أبو حنيفة ومالك وغيرهما من الأئمة، كما زعم ذلك بعض المستشرقين فيما يكتبه الدعاة إلى الإسلام اليوم.

وسيتبين للقارئ في هذه الصحائف: أن نظرة الإسلام إلى الفقر وعلاجه له ووسائله في علاجه، ورعايته لحقوق الفقراء، وكفالته لحاجاتهم المادية والأدبية تجعله مذهبًا متميزًا عن كل مذهب آخر يُرَوِّجُ له المروجون في بلادنا وغير بلادنا في هذا الزمن.

ويتبين له أن من الخطأ البين أن يُنْسَبَ الإسلام إلى أحد هذه المذاهب، أو يُنسب أحدها إليه، فيُقال مثلًا: إن الاشتراكية من الإسلام، أو الإسلام من الاشتراكية، أو يقال: إن الإسلام رأسمالي، أو أن الرأسمالية إسلامية!

إن للإسلام نظرة إلى الحياة، وإلى الإنسان، وإلى العمل، وإلى المال، وإلى الفرد، وإلى المجتمع، تخالف في مجموعها نظرة المذاهب الأخرى يمينية ويسارية: إنها نظرة متفردة مستقلة، لا شرقية ولا غربية، بل ربانية إنسانية: {يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ}[النور: 35].

فلندع للإسلام أصالته وشموله، وعمقه واتزانه، وسبقه وتفوقه، وليكن أكرم علينا من أن نخلطه بفلسفة أو فكرة أخرى، ولندعُ إليه وحده- بكل يقين وشجاعة - علاجًا لكل مشكلاتنا، وحلًّا لكل عقدنا، فهو وحده الدواء لكل داء، والمصباح في كل ظلمة، وما عداه من المبادئ والأنظمة التي يُرَوِّجُ لها الخادعون والمخدوعون: إن هي إلا أوهام مضللة، وأفكار متضاربة، وتجارب فاشلة، حسبنا منها أنها- جلّها أو كلها - من صنع اليهود الخبثاء، وعمل الكفار الماكرين: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۢ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡ‍َٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡ‍ٔٗا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ 39 أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ} [النور: 39، 40].

يوسف القرضاوي

وفي هذا الكتاب تخريخ للاحاديث الواردة في كتاب الشيخ القرضاوي .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

مقدمة الكتاب

ليست هذه الصحائف حديثًا عن النظام الاقتصادي في الإسلام، فإن لذلك مجالًا أرحب، وحديثًا أوسع، يتناول بالتفصيل أحكام الإسلام ووصاياه الخاصة بالنشاط الإنساني، فيما يتعلق بالثروة وإنتاجها وتبادلها، وتوزيعها واستهلاكها، وما وُضِعَ لذلك من قواعد وحدود أقام بها القسط، وحقق التوازن بين حرية الفرد ومصلحة المجتمع، وبين دين الناس ودنياهم.

إن البحث في نظام الإسلام الاقتصادي بحث طويل الذيول، قُدِّرَ لي أن أعمل فيه منذ سنوات، أثناء بحثي في فريضة الزكاة الإسلامية، وقد أتممت بحث الزكاة بحمد الله، ولم أفرغ بعد من البحث الآخر، ولعل الله يعينني على إتمامه بمدد من عنده، وما توفيقي إلا بالله، أما حديثي هنا، فعن جزء خاص من هذا النظام، هو ما يتعلق بمشكلة الفقر وعلاجه، ورعاية حقوق الفقراء، وضمان حاجاتهم، وصيانة كرامتهم في المجتمع المسلم، وفي ظل الشريعة الإسلامية.

وقد عرفت الإنسانية الفقر والفقراء منذ أزمنة ضاربة في أغوار التاريخ، وحاولت الأديان والفلسفات منذ القدم أن تحل مشكلة الفقر، وتخفف من عذاب الفقراء.. حينًا عن طريق الوصايا والمواعظ والترغيب والترهيب، وتارة عن طريق التحليق النظري في عالم مثالي لا تفاضل فيه ولا طبقات، ولا فقر ولا حرمان.

وهو عالم يُرسَم على صفحات الكتب لا في واقع الناس، وأبرز مثل لذلك جمهوية أفلاطون، قبل بضعة قرون من ميلاد المسيح سسس، وطورًا عن طريق حركات متطرفة تريد معالجة الانحراف الواقع بانحراف أشد منه، كحركة «مزدك» في فارس بعد خمسة قرون من الميلاد، وقد دعا إلى شيوعية الأموال والنساء!

وفي عصرنا هذا احتلت مشكلة الفقر - والمشكلة الاقتصادية على وجه عام - مكانًا فسيحًا في عقول الناس وقلوبهم، واتَّخذها المخربون والهدَّامون أداة لإثارة الجماهير، والتأثير عليها، وكسبها إلى جانب مذاهبهم اللادينية الباطلة، بإيهامهم أنها في صف الضعفاء وفي خدمة الفقراء، وساعد على ذلك جهلُ المسلمين بنظام الإسلام، وتأثرهم بالدعايات المضللة التي مَسَخَتْ صورته، وشوَّهت جماله، مستغلة في ذلك الواقع الكئيب لحياة المسلمين، والأفهام الخاطئة لبعض علمائهم في عهود الانحطاط.

ولهذا وجب على كل من عنده علم من الإسلام أن يبين للمسلمين حقيقة ما بعث الله به محمدًا - صلى الله عليه وآله وسلم - من الهدى والرحمة، وما شرع الله على يديه من أحكام تُعالج مشكلات الفرد والمجتمع علاجًا يقتلع الداء من الجذور، لا مجرد علاج سطحي بمسكنات وقتية، تخفف الألم ساعة من الزمن، ولا تستأصل جرثومة المرض.

وما عرضناه هنا من علاج الإسلام لمشكلة الفقر قد رددناه إلى أصوله ومصادره الإسلامية الخالصة من الكتاب والسنة، وأقوال الأئمة المجتهدين من فقهاء الإسلام، حتى لا يتهمنا امرؤ متحيز أو جامد بأننا نقدم للناس إسلامًا جديدًا ليس هو الإسلام الذي عرفه الصحابة، وفهمه أبو حنيفة ومالك وغيرهما من الأئمة، كما زعم ذلك بعض المستشرقين فيما يكتبه الدعاة إلى الإسلام اليوم.

وسيتبين للقارئ في هذه الصحائف: أن نظرة الإسلام إلى الفقر وعلاجه له ووسائله في علاجه، ورعايته لحقوق الفقراء، وكفالته لحاجاتهم المادية والأدبية تجعله مذهبًا متميزًا عن كل مذهب آخر يُرَوِّجُ له المروجون في بلادنا وغير بلادنا في هذا الزمن.

ويتبين له أن من الخطأ البين أن يُنْسَبَ الإسلام إلى أحد هذه المذاهب، أو يُنسب أحدها إليه، فيُقال مثلًا: إن الاشتراكية من الإسلام، أو الإسلام من الاشتراكية، أو يقال: إن الإسلام رأسمالي، أو أن الرأسمالية إسلامية!

إن للإسلام نظرة إلى الحياة، وإلى الإنسان، وإلى العمل، وإلى المال، وإلى الفرد، وإلى المجتمع، تخالف في مجموعها نظرة المذاهب الأخرى يمينية ويسارية: إنها نظرة متفردة مستقلة، لا شرقية ولا غربية، بل ربانية إنسانية: {يَكَادُ زَيۡتُهَا يُضِيٓءُ وَلَوۡ لَمۡ تَمۡسَسۡهُ نَارٞۚ نُّورٌ عَلَىٰ نُورٖۚ يَهۡدِي ٱللَّهُ لِنُورِهِۦ مَن يَشَآءُ}[النور: 35].

فلندع للإسلام أصالته وشموله، وعمقه واتزانه، وسبقه وتفوقه، وليكن أكرم علينا من أن نخلطه بفلسفة أو فكرة أخرى، ولندعُ إليه وحده- بكل يقين وشجاعة - علاجًا لكل مشكلاتنا، وحلًّا لكل عقدنا، فهو وحده الدواء لكل داء، والمصباح في كل ظلمة، وما عداه من المبادئ والأنظمة التي يُرَوِّجُ لها الخادعون والمخدوعون: إن هي إلا أوهام مضللة، وأفكار متضاربة، وتجارب فاشلة، حسبنا منها أنها- جلّها أو كلها - من صنع اليهود الخبثاء، وعمل الكفار الماكرين: {وَٱلَّذِينَ كَفَرُوٓاْ أَعۡمَٰلُهُمۡ كَسَرَابِۢ بِقِيعَةٖ يَحۡسَبُهُ ٱلظَّمۡ‍َٔانُ مَآءً حَتَّىٰٓ إِذَا جَآءَهُۥ لَمۡ يَجِدۡهُ شَيۡ‍ٔٗا وَوَجَدَ ٱللَّهَ عِندَهُۥ فَوَفَّىٰهُ حِسَابَهُۥۗ وَٱللَّهُ سَرِيعُ ٱلۡحِسَابِ 39 أَوۡ كَظُلُمَٰتٖ فِي بَحۡرٖ لُّجِّيّٖ يَغۡشَىٰهُ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ مَوۡجٞ مِّن فَوۡقِهِۦ سَحَابٞۚ ظُلُمَٰتُۢ بَعۡضُهَا فَوۡقَ بَعۡضٍ إِذَآ أَخۡرَجَ يَدَهُۥ لَمۡ يَكَدۡ يَرَىٰهَاۗ وَمَن لَّمۡ يَجۡعَلِ ٱللَّهُ لَهُۥ نُورٗا فَمَا لَهُۥ مِن نُّورٍ} [النور: 39، 40].

يوسف القرضاوي



سنة النشر : 1984م / 1404هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 1.3 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل تخريج أحاديث مشكلة الفقر وكيف عالجها الإسلام
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
محمد ناصر الدين الألباني - Mohammed Nasser Al Din Al Albani

كتب محمد ناصر الدين الألباني الإمام والمتحدث أبو عبد الرحمن محمد بن الحاج نوح بن نجاتي بن آدم الأشقودري الألباني الأرنؤوطيّ المعروف باسم محمد ناصر الدين الألباني (1914 - 1999) باحث في شؤون الحديث ويعد من علماء الحديث ذوي الشهرة في العصر الحديث، له الكثير من الكتب والمصنفات في علم الحديث وغيره وأشهرها سلسلة الأحاديث الصحيحة، وسلسلة الأحاديث الضعيفة، وصحيح الجامع الصغير وزيادته، وضعيف الجامع الصغير وزيادته، وصفة صلاة النبي.❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ آداب الزفاف في السنة المطهرة ❝ ❞ سؤال وجواب حول فقه الواقع ❝ ❞ تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ❝ ❞ تلخيص أحكام الجنائز (ط. المعارف) ❝ ❞ قصة المسيح الدجال ونزول عيسى عليه السلام وقتله إياه على سياق رواية أبي أمامة ❝ ❞ تمام المنة في التعليق على فقه السنة ❝ ❞ صحيح السيرة النبوية ❝ ❞ صحيح ابن حبان (ت: شاكر) ❝ ❞ أحكام الجنائز وبدعها (ط. المكتب الإسلامي) ❝ الناشرين : ❞ جميع الحقوق محفوظة للمؤلف ❝ ❞ دار المعارف ❝ ❞ موقع دار الإسلام ❝ ❞ دار الإسلام للنشر والتوزيع ❝ ❞ المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❝ ❞ مكتبة المعارف للنشر والتوزيع ❝ ❞ المكتبة الإسلامية للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ❝ ❞ دار الراية للنشر والتوزيع ❝ ❞ مكتب الدعوة بالربوة ❝ ❞ دار ابن خزيمة للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ابن عفان ❝ ❞ مكتبة غراس للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار ابن عباس ❝ ❞ دار الامام احمد ❝ ❞ المكتبة الاسلامي ❝ ❞ مكتبة الدليل ❝ ❞ مكتبة اسلامية ❝ ❞ دار باوزير ❝ ❱. المزيد..

كتب محمد ناصر الدين الألباني
الناشر:
المكتب الإسلامي للطباعة والنشر
كتب  المكتب الإسلامي للطباعة والنشر ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ التاريخ الإسلامي الجزء الأول: قبل البعثة ❝ ❞ السيرة النبوية دروس وعبر ❝ ❞ هكذا علمتني الحياة ❝ ❞ سلسلة التاريخ الإسلامى الخلفاء الراشدون ❝ ❞ عنترة تحقيق ودراسة ❝ ❞ تلخيص صفة صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ❝ ❞ لمحات في علوم القرآن واتجاهات التفسير ❝ ❞ حقيقة الصيام ❝ ❞ أحكام الخلع في الإسلام ❝ ❞ بلاد العراق محمود شاكر ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ محمد ابن قيم الجوزية ❝ ❞ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ❝ ❞ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ❝ ❞ علي الطنطاوي ❝ ❞ محمد ناصر الدين الألباني ❝ ❞ شمس الدين الذهبي ❝ ❞ جلال الدين السيوطي ❝ ❞ محمود شاكر ❝ ❞ محمود مهدي الاستانبولي ❝ ❞ أنور الجندي ❝ ❞ أبو عبد الله محمد بن إسماعيل البخاري ❝ ❞ أحمد بن علي بن ثابت ❝ ❞ مصطفى السباعي ❝ ❞ مجموعة من المؤلفين ❝ ❞ ابن حجر العسقلاني ❝ ❞ يوسف القرضاوي ❝ ❞ محمود شاكر شاكر الحرستاني أبو أسامة ❝ ❞ صالح أحمد الشامي ❝ ❞ محمد بن عبد الرحمن السخاوي شمس الدين ❝ ❞ ابن رجب الحنبلي ❝ ❞ محمد علي قطب ❝ ❞ موريس بوكاي ❝ ❞ محمد بن إسماعيل الأمير الصنعاني ❝ ❞ بكر بن عبدالله أبو زيد ❝ ❞ الطبراني ❝ ❞ عماد الدين خليل ❝ ❞ محمد رشيد رضا ❝ ❞ عنترة بن شداد ❝ ❞ محمد عزة دروزة ❝ ❞ أبو عبد الله محمد بن الطيب الفاسي السيوطي ❝ ❞ الحافظ المِزِّي ❝ ❞ محمود شاكر أبو فهر ❝ ❞ محمد جمال الدين القاسمي ❝ ❞ سعيد الأفغاني ❝ ❞ علي علي منصور ❝ ❞ أحمد بن حنبل عبد الله بن أحمد بن حنبل ❝ ❞ شهاب الدين القسطلاني ❝ ❞ عبد الله بن مسلم بن قتيبة الديالكتبي أبو محمد ❝ ❞ بدر الدين الزركشي ❝ ❞ أبو حيان الأندلسي ❝ ❞ تقي الدين الهلالي ❝ ❞ محمد الزرقاني ❝ ❞ محمود محمد شاكر ❝ ❞ محمد بن لطفي الصباغ ❝ ❞ أحمد بن محمد بن عبد الرحمن بن قدامة المقدسي ❝ ❞ برهان الإسلام الزرنوجي ❝ ❞ أحمد العلاونة ❝ ❞ محمد ناصر الدين الألباني ❝ ❞ محمد بن أحمد بن سالم السفاريني الحنبلي ❝ ❞ سليمان بن الأشعث الأزدي السجستاني أبو داود ❝ ❞ ابن خزيمة ❝ ❞ ابن ضويان ❝ ❞ مرعي بن يوسف الكرمي ❝ ❞ إسماعيل بن إسحاق القاضي ❝ ❞ ابن أبي العز ❝ ❞ د.محمد أديب صالح ❝ ❞ محمود شاكر شاكر الحرستاني أبو أسامة محمد يحيى صالح التشامبي ❝ ❞ عبد الله التل ❝ ❞ عثمان بن سعيد الدارمي أبو سعيد ❝ ❞ محمد مصطفى الأعظمي ❝ ❞ أسامة بن منقذ ❝ ❞ أحمد بن محمد القسطلاني ❝ ❞ إسماعيل الكيلاني ❝ ❞ همام بن منبه ❝ ❞ علي حسن الحلبي الأَثريُّ ❝ ❞ علي بن الحسن بن هبة الله ابن عساكر ❝ ❞ سعد الدين بن محمد الكبي ❝ ❞ سليمان بن عبد الله بن عبد الوهاب ❝ ❞ محمد بن أحمد السفاريني ❝ ❞ محمد الصباغ ❝ ❞ أبوالبقاء عبدالله بن الحسين العكبري ❝ ❞ العز بن عبد السلام عثمان بن عبد الرحمن تقي الدين ابن الصلاح أبو عمرو ❝ ❞ محمد ناصر الدين الألباني زهير الشاويش ❝ ❞ عبد الرحمن بن يحيى بن علي بن محمد المعلمي العتمي اليماني ❝ ❞ محمد جمال الدين القاسمي محمد ناصر الدين الألباني ❝ ❞ عبد الله بن محمد بن إبراهيم أبي شيبة العبسي أبو بكر ❝ ❞ عبد السلام علوش ❝ ❞ د. عبدالكريم الأشتر ❝ ❞ الحسين بن مسعود بن محمد بن الفراء البغوي أبو محمد ❝ ❞ أبو جعفر الطحاوي الحنفي ❝ ❞ إسماعيل بن يحيى المزني ❝ ❞ عبد الله بن محمد الشنشوري ❝ ❞ عمر بن بدر الموصلي أبو حفص ❝ ❞ ناصر الدين ابن المنيّر ❝ ❞ أحمد بن حمدان الحراني الحنبلي ❝ ❞ العز عبد العزيز بن عبد السلام السلمي ❝ ❞ إبراهيم بن محمد بن ضويان ❝ ❞ عبد الله بن سليمان المنيع ❝ ❞ عبد القادر بن أحمد بدران ❝ ❞ علي بن محمد التغلبي الآمدي سيف الدين أبو الحسن ❝ ❞ محمد بن أحمد السفاريني الحنبلي ❝ ❞ عمر بن حسن بن دحية أبو الخطاب ❝ ❞ ابن دراج القسطلي ❝ ❞ أحمد بن محمد المنقور التميمي النجدي ❝ ❞ محمد حسني الزين ❝ ❞ حسن عبد الحميد صالح ❝ ❞ أ.د. عمر يوسف عبدالغني حمدان ❝ ❞ محمود مهدي الاستانبولي ❝ ❞ خليل سليمان ❝ ❞ محمد بن أحمد سيد أحمد ❝ ❞ بولس حنا مسعد ❝ ❞ علي سلطان محمد القاري ❝ ❞ عبد السلام بن محمد بن عمر علوش ❝ ❞ احمد فريد احمد ❝ ❞ عثمان بن عبد القادر الصافي ❝ ❱.المزيد.. كتب المكتب الإسلامي للطباعة والنشر