📘 قراءة كتاب عبد الملك بن مروان والدولة الأموية أونلاين
أبو الوليد عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية القرشي (26 هـ - 86 هـ / 646 - 705م) الخليفة الخامس من خلفاء بني أمية والمؤسس الثاني للدولة الأموية. ولد في المدينة وتفقه فيها علوم الدين، وكان قبل توليه الخلافة ممن اشتهر بالعلم والفقه والعبادة، وكان أحد فقهاء المدينة الأربعة، قال الأعمش عن أبي الزناد: «كان فقهاء المدينة أربعة: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، وقبيصة بن ذؤيب، وعبد الملك بن مروان». استلم الحكم بعد أبيه مروان بن الحكم سنة 65 هـ الموافق 684م، وحكم دولة الخلافة الإسلامية واحدًا وعشرين عامًا.
تسلم عبد الملك بن مروان حكم الدولة الأموية في وقت كانت الفتن والاضطرابات والانقسامات تعصف بها. في الكوفة كان أنصار الحسين يشعرون بالتقصير والذنب بعد معركة كربلاء، وعندما عم الاضطراب أنحاء بلاد العالم الإسلامي بعد موت يزيد بن معاوية، خرجت من الكوفة ثورة التوابين في 5 ربيع الثاني 65 هـ وفي منطقة عين الوردة استطاع عبد الملك بن مروان القضاء على ثورتهم. ما إن أُخمدت ثورة التوابين حتى خرج المختار الثقفي بشعار يا لثارات الحسين، واصطدم مع الأمويين في أكثر من وقعة انتصر فيها، لكن مصعب بن الزبير كفى عبد الملك مواصلة قتاله واستطاع قتله وإخضاع الكوفة تحت سلطة ابن الزبير. كان الحجاز وبقية بلاد المسلمين إلا دمشق وجزء من الأردن تدين لعبد الله بن الزبير، وأدى زوال خطر المختار الثقفي إلى انحصار المنافسة على زعامة العالم الإسلامي بين عبد الملك بن مروان وعبد الله بن الزبير، فخرج عبد الملك إلى العراق، وانتصر على مصعب في معركة دير الجاثليق عام 72 هـ، ثم سارع بإرسال جيش إلى الحجاز بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي لمواجهة عبد الله بن الزبير، فحاصر الحجاج مكة، وانتهى الحصار بمقتل عبد الله بن الزبير ودخول مكة تحت سيادة بني أمية على الحجاز عام 73 هـ، وبهذا انتهت خلافة ابن الزبير وتوحد العالم الإسلامي تحت ولاية عبد الملك بن مروان وأصبح الخليفة الشرعي الوحيد للمسلمين.
بعد أن استشرى خطر الخوارج عيَّن عبد الملك المهلب بن أبي صفرة قائدًا لمحاربتهم، وبعد سلسلة طويلة من المعارك دامت ثلاث سنوات تمكن من التغلب على الخوارج الأزارقة عام 78 هـ. ثم أمر عبد الملك الحجاج بن يوسف ببدأ عمليات التصدي للخوارج الصفرية، وتمكن بعد عدة معارك من التغلب عليهم. ما إن استتب الأمر لابن مروان حتى قامت ثورة عبد الرحمن بن الأشعث عام 81 هـ واستمرت حتى عام 83 هـ، وانتهت بوقعة دير الجماجم التي تصدى لها الحجاج وانتهت الثورة بانتحار ابن الأشعث بعد هروبه من المعركة في سيجستان. لم يكن لعبد الملك نشاط كبير في الفتوحات الإسلامية: ففي جبهة المشرق الإسلامي ظلت فتوحات المسلمين على ما كانت قبل توليه الخلافة، أما على الجبهة البيزنطية، فقد عانى المسلمون من هجمات النصارى المردة، وبسببهم عقد عبد الملك مع الإمبراطور البيزنطي جستنيان الثاني معاهدة عام 79 هـ الموافق 689م لمدة عشر أعوام. في حين كانت الجبهة الأفريقية المحور الجدِّي لفتوحات عبد الملك بن مروان، إذ خاض المسلمون عدة معارك لتصفية القواعد البيزنطية على الساحل الشمالي لإفريقية، وإخضاع البربر لسلطة الدولة، واستطاع القائد حسان بن النعمان الغساني الاستيلاء على قرطاجنة البيزنطيين، والقضاء على جيش البربر بقيادة الكاهنة ديهيا.
كانت خلافة عبد الملك بن مروان مليئة بالصراعات والثورات والحروب التي أخذت جُلَّ وقته وجهده، وعلى الرغم من ذلك تذكر كتب التاريخ عددًا من إنجازاته أهمها: سك أول دينار ذهبي إسلامي خالص عام 77 هـ والاستغناء عن كافة الصور والرموز الملكية والمأثورات الدينية المسيحية التي يحتملها الدينار البيزنطي. وتعريب الدواوين من الفارسية إلى العربية، إذ يُعد أول من بدأ تعريب الدواوين في التاريخ الإسلامي. بالإضافة لقيامه بجهود كبيرة في العمارة والبناء: فقام ببناء الكعبة على بناء قريش، وبناء مسجد قبة الصخرة، بالإضافة لبناء مدينتي واسط في العراق وتونس في الشمال الإفريقي.
كان القضاء في عهد عبد الملك بن مروان استمرارًا لما كان عليه زمن من سبقوه من الخلفاء، حيث تخلى خلفاء بني أمية عن ممارسة القضاء، كما كان في العهدين النبوي والراشدي، وسعوا إلى الفصل بين السلطات، إلا في ثلاثة أشياء أبقاها الأمويون، هي: تعيين القضاة بطريقة مباشرة في عاصمة الخلافة دمشق، والإشراف على أعمال القضاة وأحكامهم ومتابعة شؤونهم الخاصة في التعيين والعزل، والإشراف على التزام القضاة بالسلوك القضائي، ثم ممارسة الخلفاء الأمويين لقضاء المظالم، وقضاء الحسبة. قام عبد الملك بإسهامات تنظيمية في النظام القضائي، فهو أول من أفرد للمظالم يومًا، وأوجب أن تقرأ عهود القضاء أي: أن تقرأ أوامر تعيينهم في المساجد الجامعة أولًا، ثم يتوجهون إلى دار الأمير ليتلى أمامه عهد توليهم القضاء. كان من أشهر قضاة عبد الملك أبو إدريس الخولاني، وكان له المظالم حتى أعفى نفسه، ثم ولى عامر الأشعري ثم عبد الله بن عامر اليحصبي ثم عبد الله بن قيس ثم سليمان المحاربي. مما ثبَّته عبد الملك في نظامه القضائي إقراره بقضاء من سبقه من القضاة والخلفاء وإن كان قد عاداهم، وقد روي أن أبان بن عثمان والي المدينة أرسل لعبد الملك قائلًا: «إن عبد الله بن الزبير قضى بين الناس بأقضية فما يرى أمير المؤمنين أمضيها أم أردها»، فكتب عبد الملك: «إنا والله ما عبنا على ابن الزبير أقضيته، ولكن عبنا عليه ماتناول في الأمر، فإذا أتاك كتابي هذا فأنفذ أقضيته، فإن ترداد الأقضية عندما يتعسر». قام عبد الملك بتحديد المهور وجعلها أربعمئة دينار حدًا أعلى، وكان يجلس في يوم محدد يتصفح فيه قصص المتظلمين.
تميز القضاء في عصر بني أمية عامةً وعهد عبد الملك بن مروان خاصةً بميزتين، الأولى: أن القاضي كان يحكم بما يوجه إليه اجتهاده، إذ لم تكن هناك المذاهب الأربعة التي تقيَّد بها القضاء فيما بعد، فكان القاضي يرجع إلى الكتاب والسنة للفصل في الخصومات، الثانية: أن القضاء تميز بتدوين الأحكام التي يصدرها القاضي، وهي ميزة لم تكن معروفة في عهد الخلفاء الراشدين، ولعل السبب في ذلك هو عودة المتخاصمين لاستئناف الحكم بإعادة النظر في القضية أو إنكار أحد الخصمين للحكم الصادر. كما تميز النظام القضائي والإداري في عهد عبد الملك بوجود المحتسب على رأس جهة إدارية رقابية نظامية، وهي استمرارية لما كان عليه الوضع في عصر صدر الإسلام. كان المحتسب يتولى مهمة مراقبة الأسواق، وكانت من واجباته في السوق مراقبة الأوزان والمكاييل والمقاييس نظرًا لتعددها في الأقاليم الإسلامية. اجتهد الخليفة عبد الملك في مسألة تطبيق الحدود، فيروى أنه أراد أن يقطع يد طهمان بن عمرو لأنه قطع يد لص، لكن تدخل أم طهمان لدى الخليفة لكي يعفو عنه دفعه للتراجع عن حكمه إكرمًا لأمه العجوز.
بجانب جهاز القضاء اهتم عبد الملك بجهاز الشرطة، وعين على شرطته عبد الله بن هاني الأودي، ثم استبدله بيزيد بم كبشة السكسكي، ثم عزل الكثير من هذا المنصب، وكان آخر من تولى الشرطة في عهده: كعب بن حامد العنسي. لم تكن مهمة الشرطة الجناة واللصوص فحسب، بل مارست عملًا آخر وهو عملية تنظيم وضبط نزول جيوش الخلافة ورحيلها أثناء الحملات العسكرية.
الأقاليم
كانت الدولة الأموية مقسمة إلى عدة أقاليم، يرأس كل إقليم أمير يكون تعيينه وعزله من قبل الخليفة، ويملك الأمير صلاحيات واسعة في إدارة إقليمه، وهو الذي يعين العمال على الولايات والمدن التابعة لإقليمه، وهو المسؤول عن تنظيم الجند وتجهيز الحملات العسكرية، وكان له صلاحية الإشراف على سك النقود. كان بجانب الأمير موظف له أهمية كبيرة وهو صاحب الخراج، فالوالي يدير الشؤون السياسية والإدارية للولاية، وعامل الخراج يتولى إدارة الشؤون المالية. كان تقسيم الأقاليم في عهد عبد الملك بن مروان كالتالي:
بلاد الشام: وهي عاصمة الدولة، وقد قسمت إلى خمسة أجناد وهي: جند دمشق ومركزها دمشق، وجند حمص ومركزها حمص ومن مدنها تدمر، وجند قنسرين ومركزها قنسرين ومن مدنها حلب ومرعش، وجند فلسطين ومركزها اللد، وجند الأردن ومركزها طبرية ومن مدنها عكا. لم يكن عبد الملك يعين واليًا خاصًا على بلاد الشام، لأنها كانت تحت إشرافه المباشر، لكنه كان يعين ولاة على الأجناد، وكان جند دمشق تحت إدارة عبد الملك المباشرة.
الحجاز وأواسط الجزيرة العربية واليمن: يشمل هذا الإقليم عددا من الأجناد والأقاليم ومنها: الحجاز: ففي عام 73 هـ حدث تطور إداري مهم في هذا الإقليم، إذ جمع عبد الملك أعمال الحجاز واليمن للحجاج بن يوسف. كان عبد الملك ينتهج سياسة حكيمة مع أهل الحجاز، ويلبي ويحسن لهم، وقد استجاب لطلبهم في عزل الحجاج عن الحجاز، وذلك عام 75 هـ، حيث نقله إلى العراق وعين مكانه عمه يحيى بن الحكم على المدينة، ثم عين أبان بن عثمان بن عفان عام 76 هـ، وفي عام 82 هـ عزل الخليفة أبان عن ولاية المدينة، وقبل سنة 83 هـ ولى مكانه هشام بن إسماعيل المخزومي، فبقي في منصبه حتى توفي عبد الملك. مكة: بعد مقتل ابن الزبير ولى الخليفة ابنه مسلمة بن عبد الملك واليًا عليها، وفي نفس السنة جمع عبد الملك للحجاج أعمال الحجاز ومكة واليمن حتى عام 75 هـ، ثم ولى مكانه الحارث بن خالد المخزومي. أواسط الجزيرة العربية: وكانت أهم مناطقها اليمامة، والتي كانت منذ عام 65 هـ مقرًا لنجدة بن عامر الحنفي زعيم فرقة النجدات الخارجية، وبعد أن قضى عليه عبد الملك ولى على هذا الإقليم يزيد بن هبيرة المحاربي، ثم عزله وولى مكانه إبراهيم بن عربي، الذي بقي حتى وفاة عبد الملك. اليمن: في عهد عبد الملك أصبح لليمن وال واحد بعد أن كانت مقسمة إلى عدة عمال، ومن أشهر ولاة الخليفة على اليمن محمد بن يوسف الثقفي، وظل في ولاية اليمن إلى ما بعد وفاة ابن مروان.
العراق والمشرق: كان مركز الإقليم العراق: حيث وجه عبد الملك كل اهتمامه نحوه، واستطاع أن يقضي على ابن الزبير فيها سنة 72 هـ، وبايعه أهل الكوفة وولى عليهم أخوه بشر بن مروان، ثم فرق العمال على المدن فولى على البصرة خالد بن عبد الله بن خالد بن أسيد الذي فشل في قتال الخوارج في البحرين والعراق، فعزله عبد الملك وجمع العراق لبشر بن مروان، ثم مات سنة 74 هـ فأسند عبد الملك العراق إلى الحجاج الولايات التابعة للعراق في شرق الجزيرة العربية: فقد كانت الأجزاء الشرقية المطلة على بحر الخليج تابعة إداريًا إلى أمير العراق، ومن أهم أقاليمها البحرين الممتد على ساحل الخليج بين البصرة وعمان. خراسان والمشرق: بعد أن استرجع عبد الملك العراق بدأ بالتخطيط لاسترجاع خراسان، وفي عام 78 هـ ضم عبد الملك ولاية خرسان وسجستان وكل المشرق الإسلامي إلى ولاية العراق للحجاج بن يوسف، فولى الحجاج على خراسان المهلب بن أبي صفرة عام 79 هـ، وعين على سجستان عبيد الله بن أبي بكرة.
الجزيرة الفراتية وأرمينيا وأذربيجان: تقع الجزيرة الفراتية بين نهري دجلة والفرات، وتشمل ذاك الحين ديار ربيعة ومضر وديار بكر، بينما تقع أرمينيا وأذربيجان إلى الشرق والشمال الشرقي للجزيرة الفراتية، وكانت الموصل في عهد عبد الملك جزءًا من ولاية الجزيرة الفراتية، أدرك عبد الملك أهمية الجزيرة، فخطط لجعلها ثغرًا منيعًا لمواجهة الخزر والبيزنطيين، فشجع على استيطان العرب هناك وأقطعهم الأراضي، وأمر بنقل بعض القبائل القيسية إلى هناك، كما نقل بعض من قبائل الأزد وربيعة من البصرة إلى الموصل، وفصلها عن قنسرين وجعلها بجانب أرمينيا وأذربيجان إقليمًا إداريًا مستقبلًا، وعين على إدارتها محمد بن مروان عام 73 هـ، وأوكل إليه مهمة مقاتلة البيزنطيين والخزر. كانت ولايات الجزيرة وأرمينيا وأذربيجان والموصل غالبًا ما تجمع تحت إمرة أمير واحد.
مصر: كان والي عبد الملك على مصر أخاه عبد العزيز بن مروان، ولم تقتصر مسؤولية عبد العزيز الإدارية على مصر فقط، بل امتدت إلى أفريقيا أيضًا، وأصبح المسؤول عن إدارة أفريقيا، فكان يعين عليها الولاة ويعزلهم في بعض الأحيان، كما فعل عام 78 هـ عندما عزل حسان بن النعمان وولى مكانه موسى بن نصير.
أفريقيا: كانت أوضاع إفريقيا الإدارية والسياسية قبل تولي عبد الملك الخلافة مضطربة، نتيجة عدم استقرار الأحوال السياسية في الحجاز والعراق خاصة، فارتد عن الإسلام قسم من البربر، كما تمكن كسيلة ومن معه من البربر والروم من دخول القيروان فسيطر كسيلة على شمال إفريقيا. استطاع عبد الملك أن يبسط نفوذ الدولة الأموية على الشمال الإفريقي بعد أن تخلص من الصراعات الداخلية. من أشهر ولاة إفريقيا في عهد عبد الملك: حسان بن النعمان الغساني، وموسى بن نصير.
كان عبد الملك بن مروان عاقلا لبيبًا، وعالمًا أديبًا، وكان خطيبًا معدودًا في بني أمية، وكان من عادة عبد الملك أن يحمل خيزرانة في يده وكان يقول: «لو ألقيت الخيزرانة من يدي لذهب نصف كلامي». كان عبد الملك بن مروان من أكثر الناس علمًا وأبرعهم أدبًا، يطارح جلساءه حديث الشعر ويجول معهم في نقد الأبيات والمقطعات الشعرية. قام عبد الملك برد الشاعر الأخطل إلى البلاط الأموي وجعله شاعر بني أمية، فأدى عمله هذا إلى اتساع فن النقائض أو الهجاء القبلي بين الشعراء عامة، والأخطل والفرزدق وجرير خاصة. فن النقائض فن قديم وُجد منذ العصر الجاهلي وترعرع حتى وصل إلى عهد بني أمية، وقد توافرت في هذا العهد الأسباب السياسية الاجتماعية والعقلية لرعاية هذا الفن، وجذبت إليه الشعراء. وكان عهد عبد الملك بن مروان يمثل الحاضنة الشرعية لهذا الفن، ومما يذكر أن أحد أهداف تعيين عبد الملك لأخوه بشر ليكون والي العراق، إذكاء نار العداوة والخصومة بين الشعراء. من أمثلة خطابة عبد الملك أنه قام مرةً في مكة فقال: «أيها الناس: إني واللّه ما أنا بالخليفة المستضعف، ولا بالخليفة المداهن، ولا بالخليفة المأفون. فمن قال لنا برأسه كذا، قلنا له بسيفنا كذا». وبعد مقتل مصعب بن الزبير دخل عبد الملك بن مروان الكوفة ثم خطب في أهلها فقال: «أيها الناس: إن الحرب صعبة مرَّة، وإن السلم أمن ومسرَّة. ولقد زبنتنا الحرب وزبنّاها، فعرفناها وألفناها، فنحن بنوها وهي أمّنا. أيها الناس: ألا فاستقيموا على سبل الهدى ودعوا الأهواء المردية، وتجنّبوا فراق جماعات المسلمين، ولا تكلّفونا أعمال المهاجرين والأنصار، وأنتم لا تعملون أعمالهم. ولا أظنّكم تزدادون بعد الموعظة إلا شرَّا، ولن نزداد بعد الإعذار إليكم والحجَّة عليكم إلاّ عقوبة. فمن شاء أن يعود بعد لمثلها فليعد». أوصى عبد الملك أميرًا سيّره بجيش إلى أرض الروم فقال له: «أنت تاجر اللّه لعباده، فكن كالمضارب الكيّس الذي إن وجد ربحا اتّجر، وإلاّ تحفّظ برأس المال. ولا تطلب الغنيمة حتى تحرز السلامة. وكن من احتيالك على عدوّك أشدّ حذرا من احتيال عدوّك عليك». وخطب يومًا خطبة فيها زهد فقال: «أيها الناس: اعملوا للّه رغبة ورهبة، فإنكم نبات نعمته وحصيد نقمته. ولا تغرس لكم الآمال إلاّ ما تجتنيه الآجال، وأقلّوا الرغبة في ما يورث العطب، فكل ما تزرعه العاجلة تقلعه الآجلة. واحذروا الجديدين فإنهما يكرّان عليكم، إن عقبى من بقي لحوق بمن مضى، وعلى أثر من سلف يمضي من خلف، فتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى». ويروى أنه لما اشتد على عبد الملك مرضه وقاربته الوفاة قال: أصعدوني على شرف، فأصعدوه إلى موضع عال، فجعل يتنسم الهواء ثم قال: «يا دنيا ما أطيبك، وإن طويلك لقصير، وإن كثيرك لحقير، وإن كنَّا منك لفي غرور».
كانت بادرة عبد الملك بن مروان بتعريب الدواوين النواة التي ساعدت على التوسع في حركة الترجمة في العصر العباسي، حتى وإن كانت حركة النقل والترجمة في العصر الأموي قائمة على نطاق ضيق، وكانت تعتمد على بعض الأفراد من الخاصة أو بعض الأطباء من الأعاجم. كان لعبد الملك بن مروان دور كبير في تعميم الإعجام في المصاحف، فعندما كُتبت المصاحف في عهد عثمان بن عفان كُتبت خالية من النقط والشكل، حتى تحتمل قراءتُها الأحرف السبعة التي نزل بها القرآن، وعندما أرسلها إلى الأمصار رضي بها الجميع، واستمروا على ذلك أكثر من أربعين سنة. خلال هذه الفترة توسعت الفتوح، ودخلت أمم كثيرة لا تتكلم العربية في الإسلام، فتفشت العجمة بين الناس وكثر اللحن. وكان أول من التفت إلى نقط المصحف الشريف أبو الأسود الدؤلي وقال لكاتبه حين بدأ بإعراب القرآن: إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وإن ضممتُ فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة نقطتين، وقيل إنه جعل للفتح نقطة فوق الحرف، وللضم نقطة إلى جانبه، وللكسر نقطة أسفله، وللتنوين نقطتين. أما نقط الإعجام، فهو ما يدل على ذات الحرف، ويميز المتشابه منه لمنع العجمة، وقد دعت الحاجة إليه عندما كثر الداخلون في الإسلام من الأعاجم، وكثر التصحيف في لغة العرب. اختلفت الآراء في أول من أخذ بهذا النقط، وأرجحها في ذلك ما ذهب إلى أن أول من قام به هما: نصر بن عاصم ويحيى بن يعمر، وذلك عندما أمر الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان الحجاج بن يوسف الثقفي والي العراق أن يضع علاجًا لمشكلة تفشي العجمة، وكثرة التصحيف، فاختار كلا من نصر بن عاصم، ويحيى بن يَعْمَر لهذه المهمة، وبعد البحث والتروي، قررا إحياء نقط الإعجام، وقررا الأخذ بالإهمال والإعجام، مثلا الدال والذال، تهمل الأولى وتعجم الثانية بنقطة واحدة فوقية، وكذلك الراء والزاي، والصاد والضاد، والطاء والظاء، والعين والغين، أما السين والشين، فأهملت الأولى وأعجمت الثانية بثلاث نقط فوقية لأنها ثلاث أسنان، أما الباء والتاء والثاء والنون والياء، فأعجمت كلها، والجيم والحاء والخاء، أعجمت الجيم والخاء، وأهملت الحاء، أما الفاء والقاف، فإن القياس أن تهمل الأولى وتعجم الثانية، إلا أن المشارقة نقطوا الفاء بواحدة فوقية، والقاف باثنتين فوقيتين أيضًا، أما المغاربة فذهبوا إلى نقط الفاء بواحدة تحتية، والقاف بواحدة فوقية. وكتب هذا النوع من النقط بلون مداد المصحف، حتى لا يشتبه بنقط الإعراب، واستمر الوضع على ذلك حتى نهاية الدولة الأموية وقيام الدولة العباسية، حيث قام الخليل بن أحمد الفراهيدي بالإبقاء على الإعجام وتقنين التشكيل، فوضع ثماني علامات: الفتحة، والضمة، والكسرة، والسكون، والشدة، والمدة، والصلة، والهمزة.
كتاب تاريخى يتناول سيرة عبد الملك بن مروان وحياته، يبحث فى شخصية بارزة من التاريخ الإسلامى متخذا من شخصية بن مروان مدخلا لتناول حقبة الدولة الأموية فى تاريخ دول المسلمين.
عبد الملك بن مروان والدولة الأموية
عبد الملك بن مروان pdf
عبد الملك بن مروان عند الشيعة
أهم أعمال عبد الملك بن مروان
كتب عن عبد الملك بن مروان pdf
كتاب عبد الملك بن مروان والدولة الأموية
وفاة عبد الملك بن مروان
عبد الملك بن مروان doc
عبدالملك بن مروان البداية والنهايه
سنة النشر : 1969م / 1389هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 6.1 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'