❞ كتاب الإسلام الحنبلي ❝ ⏤ سعود المولى
لم تكن هناك عناية حقيقية في عالم الاستشراق بالحنبلية قبل هنري لاووست وتلميذه جورج مقدسي الذي تتحدث دراسته التي بين أيدينا عن الحنابلة باعتبارهم الممثلين الأقدم لعقيدة أهل السنة – وهي تعنى بمحاولة غولدتسيهر في تقييمه لموقع المذهب الحنبلي والعقائد (السلفية والحنبلية) عند أهل السنة.
فغولدتسيهر كان همه الحديث عن الأشعرية التي صارت التيار (الكلامى) الرئيس عند أهل السنة منذ القرن الخامس الهجري، أما زملاؤه فقد كانوا يعتبرون أن الأشعرية هي سبب رئيس في الانحطاط الذي نزل بالإسلام عامة والسني خاصة.
من جهة ثانية أسس هنري لاووست لاتجاه جديد في دراسة المدرسة الحنبلية، وفي توجهها العقدي والفقهي، فكتب عن ابن تيمية وترجم نصوصا له، كما قام بدراسة دور الحنابلة في التاريخ الاجتماعي والسياسي.
أما جورج مقدسي فقد جرؤ على ما لم يجرؤ عليه أستاذه لاووست، وقام بنشر نصوص حنبلية في الحديث وأصول الفقه، ومع أنه لم يتجاهل الأشعرية بل كتب عنها، لكنه ظل يعتبرها أنها تمزج التقليد السني بغيره، بخلاف الحنبلية الصافية، إن جورج مقدسي محق في أن الحنبلية تقع في أصل تكوين أهل السنة والجماعة. لذا كان عمله هذا مبدعا ولافتا وفيه أفكار كثيرة تستحق الاهتمام والنقاش.
الكتاب عبارة عن أربع محاضرات في أربعة فصول، ربما أرى أن الترتيب الأفضل لقرائته يبدأ من الفصل الأخير ( الأرثوذكسية الإسلامية) حيث تتجلي فيه الفكرة الأبرز التي يعالجها الكتاب والتي هي وليدة الأزمة الاستشراقية في تناول الدين، هل هناك في الدين الإسلامي اتجاها عاما يمثل الدين النقي أو الصورة الامثل للإسلام، ينطلق مقدسي في تفنيد الرؤية الاستشراقية السائدة في طرح الأشاعرة كممثل لهذا التيار، وهو يحلل ببراعة أسباب تصور المستشرقين الكبار لهذا التصور، وهو نوع من القياس على حالة المسيحية، ومن أبرز ما يستند عليه في تفنيده بيان أن الدولة - وخاصة السلاجقة- لم تتبنى الإسلام الأشعري بشكل سلطوي ويُظهِر أن الوهم الناشيء من اعتقاد المدارس النظامية كانت لفرض التوجه الأشعري جاء من عدم مراجعة نصوص الوقفية التي توضح أنها مدرسة لنشر الفقه الشافعي والعلوم الخادمة لا أكثر ..
يرى مقدسي أن العقيدة الحنبلية كانت هي التي تمثل الاتجاه العام الجامع لتيار (أهل السنة والجماعة) وأن قوتها تستند في الإجماع الحاصل عليها، لا في تبني الحكام لها، هذا الإجماع الحاصل من تأييد العامة لهذه العقيدة وتمسكهم بها.
لكنه في نظري وقع في فخين:
الأول: تنبه له مُقدّم الترجمة الاستاذ رضوان السيد، وهو وجود اتجاهين حنبليين داخل الحنابلة أنفسهم:
فاتجاه المحدثين ونصيره الأكبر ابن تيمية، مغاير لاتجاه آخر تجده عند ابن الجوزي وعند ابن عقيل نفسه، وإن كان مقدسي نفسه لاحظ التميز الحاصل عند ابن عقيل واعتبره نوع من الخطوة التطورية لم تخرجه من حنبليته ولعل تصور مقدسي يزداد عندي أكثر عندما أُنهي كتابه عن ابن عقيل.
فهنا نحن أمام نوع من التنازع الداخلي في تفسير المذهب الحنبلي نفسه وهو أمر له أهميته.
الفخ الثاني: الوقوع في الرؤية الذاتية للحنابلة، فهو وإن تنبه أن رؤية الأشاعرة للعقيدة السنية هي رؤية ذاتية، فقد اعتمد على رؤية الحنابلة للعقيدة السلفية (والإجماعات) واعتبرها رؤية مطلقة ولم ينتبه إلى أنها رؤية ذاتية أيضا، وكثير من الإجماعات المحكية هي إجماعات افتراضية تعتمد على أن (السلف فهموا هذا وهذا اعتقادهم) في حين أن هذا هو محل النزاع.
والعجيب أن مقدسي يضع اتجاه محمد بن عبد الوهاب في نفس مصاف ابن تيمية رغم أن هذا محل نظر شديد من وجهة نظري، واستنساخ الأول لبعض أعمال الثاني بيده لا ينهض دليلا على المطابقة بين الاتجاهين.
ثمة فخ ثالث : جعل العمل ناقصا من وجهة نظري، وهوعدم الانتباه للاتساع الأشعري وانه أيضا ينقسم لمتقدمين ومتأخرين والتعامل مع المذهب المتأخر أنه صورة مُهجنة من المعتزلة، وهذه التصورات في نظري ترجع كلها إلى مشكلة منهجية في التعامل مع المذاهب العقدية التراثية، حيث تعتمد على (القول) أو (المقولات) بدون الانتباه للأصول الكلية والمناهج الحاكمة ، والتي لو انتبهنا لها لوجدتنا الأشعرية حنبلية في أحد معاني المذهب الحنبلي والحنبليىة أشعرية في أحد معاني المذهب الأشعري!
الفصل الثالث من الكتاب لطيف يعتمد على رفض المفارقة بين التصوف والحنبلية التي تبناها المستشرقون والتي ربما يكونوا اعتمدوا فيه على موقف اتجاه ابن عبد الوهاب الرافض له، ولكنه أيضا لم يحرر مفهوم التصوف الذي يتسع ليشمل حركة الزهاد والتصوف الطرقي والتصوف العرفاني، وإن كان البعض يرى ألا فرق بين هذه الاتجاهات ولكن ثمة فروق مهمة من وجهة نظري.
سعود المولى - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الإسلام الحنبلي ❝ ❞ الإخوان والجيش ❝ ❞ الإخوان وسيد قطب ❝ الناشرين : ❞ الشبكة العربية للأبحاث والنشر ❝ ❞ دار المشرق - بيروت ❝ ❱
من الفكر والفلسفة - مكتبة المكتبة التجريبية.