❞ كتاب التناسب في سورة البقرة .. ❝ ⏤ طارق مصطفى محمد حميدة
القرآن الكريم يستحوذ على السمع ويؤثر في النفوس سلباً أو إيجاباً، وذلك حسب طبيعتها فاجرةً أو تقيةً ((ونفس وما سواها، فألهمها فجورها وتقواها، قد أفلح من زكاها، وقد خاب من دساها))، فإن كانت فاجرةً فهي تنفر من القرآن وتشمئز منه، وإن كانت تقيةً فهي خاشعةٌ ووجلةٌ لذكر الله.
فإن قيل: ما سر توجهك للحديث عن تأثير القرآن في النفوس واستحواذه على السمع قبل غيره من وجوه الإعجاز؟
فأقول: لتدرك الحكمة في الخطاب الإلهي الذي يبدأ بذكر السمع قبل غيره من الحواس فقال - تعالى -: ((إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولا))، وقال: ((وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون)) [ النحل: 78 ].
فلتكن أيها العاقل ممن قال الله - تعالى - فيهم: ((ربنا إننا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا بربكم فآمنا)) [ آل عمران: 193 ]، ((ولا تكونوا كالذين قالوا سمعنا وهم لا يسمعون)).
ولا كالذي ((يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها)) [ الجاثية: 8 ] فأقبل ولا تخف، و ((كثير قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين، يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام ويخرجهم من الظلمات إلى النور بإذنه ويهديهم إلى صراط مستقيم)) [المائدة: 15 - 16].
فدعنا نتأمل هذا البناء الإلهي المعجز تأملاً صادقاً، وننظر فيه بإمعانٍ, فلا توغل في الدخول إليه دفعةً واحدة، بل خطوةً إثر خطوةٍ, لتعقل ما تقف عليه وما تشاهده من أمور تثير إعجابك وتملك عليك سمعك وبصرك، تدبر في حدود سور هذا الكتاب العظيم، على الإطار العام فيها، ارتباط السورة بما قبلها وما بعدها، فهذا أحد أمور الإعجاز للقرآن الكريم.
إذ أن القرآن نزل منجماً في أجزاءٍ, طويلةٍ, و أخرى قصيرةٍ, خلال ثلاثٍ, وعشرين سنةً، إلا أن هذه الأجزاء رتبت ترتيباً لا مثيل له على الإطلاق في أي كتابٍ, من كتب الأدب أو العلوم التي هي من تصنيف البشر.
فسور القرآن الكريم لم ترتب حسب موضوعاتها، ولا حسب زمن نزولها، إنما للقرآن طريقته المستقلة المخالفة لما هو مألوفٌ عند البشر في الكتب والمصنفات.
طارق مصطفى محمد حميدة - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ التناسب في سورة البقرة .. ❝ ❱
من التفاسير القرآنية كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.