📘 قراءة كتاب فقه الحسد أونلاين
عريف الحسد :
قال ابن القيم في كتابه بدائع الفوائد : (أصل الحسد هو بغض نعمة الله على المحسود وتمني زوالها) أهـ.
عن الزبير رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (دب إليكم داء الأمم قبلكم, الحسد والبغضاء, هي الحالقة, حالقة الدين لا حالقة الشعر, والذي نفس محمد بيده لا تدخلوا الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا، أفلا أنبئكم بشيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم) صحيح الترمذي.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال النبي صلى الله عليه وسلم : (لا يجتمعان في النار مسلم قتل كافراً ثم سدد وقارب ولا يجتمعان في جوف مؤمن غبار في سبيل الله وفيح جهنم, ولا يجتمعان في قلب عبد الإيمان والحسد) صحيح الجامع.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (سيصيب أمتي داء الأمم، فقالوا : يا رسول الله ! وما داء الأمم ؟ قال : الأشر والبطر والتكاثر والتناجش في الدنيا والتباغض والتحاسد حتى يكون البغي) السلسلة الصحيحة. وقال النبي صلى الله عليه وسلم : (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).
■ ويذكر العلماء أن مراتب الحسد أربعة وهي :
• الأولى : تمني زوال النعمة عن المنعم عليه ولو لم تنتقل للحاسد.
• الثانية : تمني زوال النعمة عن المنعم عليه وحصوله عليها.
• الثالثة : تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه حتى لا يحصل التفاوت بينهما، فإذا لم يستطع حصوله عليها تمنى زوالها عن المنعم عليه.
• الرابعة : حسد الغبطة ويسمى حسداً مجازاً وهو تمني حصوله على مثل النعمة التي عند المنعم عليه من غير أن تزول عنه.
روى البخاري في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : "لا حَسَدَ إلا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللَّهُ الْقُرْآنَ فَهُوَ يَتْلُوهُ آنَاءَ اللَّيْلِ وَآنَاءَ النَّهَارِ فَسَمِعَهُ جَارٌ لَهُ فَقَالَ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمَلُ وَرَجلٌ آتَاهُ اللَّهُ مَالا فَهُوَ يُهْلِكُهُ فِي الْحَقِّ فَقَالَ رَجُلٌ لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ مَا أُوتِيَ فُلانٌ فَعَمِلْتُ مِثْلَ مَا يَعْمل"، وهذا ما يسمى بالغبطة, فهي تمني مثلها من غير حب زوالها عن المغبوط, وهو غير مذموم.
■ ومن أجمل ما قرأت في وصف الحسد, قول الجاحظ :
الحسد أبقاك الله داء ينهك الجسد علاجه عسير وصاحبه ضجر وهو باب غامض وما ظهر منه فلا يداوى وما بطن منه فمداويه في عناء ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم : (دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء) الحسد عقيدة الكفر وحليف الباطل وضد الحق منه تتولد العداوة وهو سبب كل قطيعة ومفرق كل جماعة وقاطع كل رحم بين الأقرباء ومحدث التفرق بين القرناء وملقح الشر بين الحلفاء" اهـ.
قلت : مصداق ذلك ما حصل لنبي الله يوسف عليه السلام, حيث قالوا : (إِذْ قَالُوا لَيُوسُفُ وَأَخُوهُ أَحَبُّ إِلَىٰ أَبِينَا مِنَّا وَنَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبَانَا لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ) (يوسف : 8) فحسدوه على تفضيل يعقوب عليه السلام ليوسف وحبه له, ولهذا قال يعقوب عليه السلام لابنه يوسف : (قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا ۖ إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلْإِنسَانِ عَدُوٌّ مُّبِينٌ) (يوسف : 5) ومع ذلك كان منهم ما كان من الكيد له, وإرادة قتله, ثم إلقاءه في غياهب الجب, حتى عانى أشد المعاناة وصار مملوكا لقوم كفار, وحصل له ما حصل, وكل ذلك ما آل إليه الحسد.
قيل للحسن البصري : أيحسِد المؤمن ؟ فقال : "ما أنساك إخوة يوسف لا أبا لك ؟! ولكن غمه في صدرك فإنه لا يضرك ما لم تعد به يداً ولساناً" وكم ضل أناس وأمم وصدوا عن الحق وارتضوا الكفر حسدا منهم وبغضا.
قال الله تعالى في حق اليهود : (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (البقرة : 109).
وكذلك في الآية الأخرى : (أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَىٰ مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ ۖ فَقَدْ آتَيْنَا آلَ إِبْرَاهِيمَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَآتَيْنَاهُم مُّلْكًا عَظِيمًا فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ بِهِ وَمِنْهُم مَّن صَدَّ عَنْهُ ۚ وَكَفَىٰ بِجَهَنَّمَ سَعِيرًا) (النساء : 54-55)، حتى إن من عظم الحسد أنزل الله سورة تعصم تاليها بإذن الله من الحسد.
قال الله تعالى : (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ مِن شَرِّ مَا خَلَقَ وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) (الفلق : 1-2-3-4-5) وقد ذكر طائفة من المفسرين أنها نزلت بسبب حسد اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم حتى سحروه، سحره لبيد بن الأعصم اليهودي.
■ بعض الأسباب التي تؤدي إلى الاتصاف بالحسد :
1- العداوة والبغضاء والحقد.
2- التعزز والترفع.
3- الكبر.
4- العُجب.
5- حب الرئاسة وطلب الجاه لنفسه.
6- ظهور الفضل والنعمة على المحسود.
7- حب الدنيا, والانشغال عن الآخرة.
8- خبث النفس وحبها للشر وشحها بالخير لعباد الله.
■ بعض آثار الحاسد وأضراره على الفرد والمجتمع :
1- حلق الدين (دبّ إليكم داء الأمم قبلكم البغضاء والحسد هي الحالقة حالقة الدين لا حالقة الشعر).
2- انتفاء الإيمان الكامل (لا يجتمع في جوف عبد غبار في سبيل الله وفيح جهنم ولا يجتمع في جوف عبد الإيمان والحسد).
3- رفع الخير وانتشار البغضاء في المجتمع (لا يزال الناس بخير ما لم يتحاسدوا).
4- إسخاط الله وجني الأوزار (الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب).
5- مقت الناس للحاسد وعداوتهم له (شر الناس من يبغض الناس ويبغضونه).
6- الحاسد يتكلم في المحسود بما لا يحل له من كذب وغيبة وإفشاء سر.
■ صفات الحسود :
1- يتمنى زوال نعمتك.
2- يتمنى لو أنه امتلك أفضل منك.
3- إذا امتلكت شيئا ترى في وجهه الكره, ولربما استهزأ منه وسخر, ولربما سخر من الشيء الرخيص, والسبب دنو نفسه أكثر من الذي قبله.
4- إذا سعدت لا ترى في وجهه سعادة لسعادتك, بل على العكس تراه صامتاً محتاراً, أو إذا كان عالماً بسعادتك فقد يكره ذلك, ومنهم من يظهر ذلك على وجهه.
5- يتربص بك الدوائر, فلا يسمع بزلة لك أو هفوة إلا وتراه يفرح بها, وربما عابك بها في وجهك, ومنهم من يطعن بها عليك في ظهرك.
6- عائن لا يذكر الله فيك ولا يبرك أو يبارك لك فيما رزقت أو امتلكت, وهي دائمة حتى مع الغير.
7- البعض منهم قد يتوهم لك أمرا ثم يحسدك عليه, وهذا من عجائب القوم.
■ وعلاج ذلك لمن رأى شيئاً في نفسه :
1- التوبة إلى الله.
2- التقوى والصبر.
3- سؤال الله بإلحاح بأن يقيه من هذه الخصلة.
4- إفشاء السلام, قال النبي صلى الله عليه وسلم : "ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم, افشوا السلام بينكم".
5- القناعة بما قسم الله.
6- تذكر عقاب الله.
7- إذا رأى في أخيه شيئاً طيباً فليبادر بالدعاء له بالبركة ـ على البركة ـ الله يبارك لك فيه ـ الله يعطيك خيره ويكفيك شره ـ وغير ذلك مما يخزي به الشيطان, ويعود نفسه على ذلك.
8- من وجد في نفسه شيئاً كأن يبغض حصول صديقه على أمر طيب, فليبادر وليدعو الله بأن يرزق صديقه أو أن يوفقه, ليخزي نفسه الأمارة بالسوء وليخزي الشيطان.
9- إذا وجد في نفسه شيئا من الحسد, يوبخ نفسه من فوره ويردد متهما نفسه : يا حسود، يا حسود، لا بارك الله فيك أو ما أشبه ذلك.
10- يعود نفسه الفرح لفرح غيره, والسرور لسرور غيره, والضيق لضيق غيره.
سنة النشر : 1994م / 1415هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 968.4 كيلوبايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'