❞ كتاب أسرار ترتيب القرآن  ❝  ⏤ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

❞ كتاب أسرار ترتيب القرآن ❝ ⏤ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي

أسرار ترتيب القرآن للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي (849-911هـ) كتاب لطيف، تناول فيه مؤلفه من علوم القرآن، ألا وهو ترتيب السور وتناسقها ومناسباتها، وإيضاح ما في ذلك من إعجاز وبيان ومقاصد.

أنموذج من الكتاب
قال الإمام السيوطي:

«سورة الشمس والليل والضحى
أقول:هذه الثلاثة حسنة التناسق جداً، لما في مطالعها من المناسبة، لما بين الشمس والليل والضحى من الملابسة، ومنها سورة الفجر، لكن فُصلت بسورة البلد لنكتة أهم، كما فصل بين الانفطار والانشقاق، وبين المسبحات؛ لأن مراعاة التناسب بالأسماء والفواتح وترتيب النزول، إنما يكون حيث لا يعارضها ما هو أقوى وآكد في المناسبة.

ثم إن سورة الشمس ظاهرة الاتصال بسورة البلد، فإنه سبحانه لما ختمها بذكر أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، أراد الفريقين في سورة الشمس على سبيل الفذلكة [أي مُجمَل ما فُصِّل وخلاصته]، فقوله [في الشمس]: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} هم أصحاب الميمنة في سورة البلد، وقوله: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [في الشمس] هم أصحاب المشأمة في سورة البلد، فكانت هذه السورة فذلكة تفصيل تلك السورة، ولهذا قال الإمام: المقصود من السورة: الترغيب في الطاعات، والتحذير من المعاصي.»

لقد تطرق الكاتب إلى كشف أسرار ترتيب سور القرآن وهل كان ذلك الترتيب من الرسول إذ أن جبريل عرض القرآن علىه قبل وفاته فهو ترتيب وقفي، أم أنه اجتهاد من صحابة محمد حينما جمعوا القرآن


ثم بدأ بالفاتحة وذكر أساب كثيرة في أن تكون فاتحة الكتاب فهي السبع المثاني ثم عرج إلى البقرة وذكر اتصالها بالفاتحة واسباب تعقبها بعد الفاتحة ومن خاطبت وما الأمثال الذي ضرب الله للناس في هذه السورة ثم
ذكر وجوه الشبه بين البقرة و آل عمران و كيف أن الله ضرب قصة آدم مثلاً في البقرة و قصة عيسى في آل عمران حتى يسهل فهمها في الأذهان.

فهكذا بدأ المؤلف إلى أن ينتهي مبيناً و كاشفاً سر ترتيب سور القرآن.

فهذا كتاب لطيف، تناول فيه مؤلفه من علوم القرآن، ألا وهو ترتيب السور وتناسقها ومناسباتها، وإيضاح ما في ذلك من إعجاز وبيان ومقاصد، وسوف يتجلى لنا من خلال عرض هذا الكتاب الدقائق التي فتح الله بها على مصنِّفه، وتلكم اللمحات الزكية التى أكثرها من نتاج فكره، وولاد نظره، وغير ذلك من فوائد، يجنيها القارئ.

وقد قلَّ اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته، وممن أكثر منه الإمام فخر الدين الرازي1 في تفسيره: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط.

وقال بعض الأئمة: من محاسن الكلام أن يرتبط بعضه ببعض؛ لئلا يكون منقطعًا.

وهذا النوع يهمله بعض المفسرين -أو كثير منهم- وفوائده غزيرة، قال القاضي أبو بكر بن العربي1: ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني، منتظمة المباني -علم عظيم، لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله عز وجل لنا فيه، فلما لم نجد له حَمَلة، ورأينا الخلف بأوصاف البطلة ختمنا عليه، وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه2.

ثم إنك لا ترى علمًا هو أرسخ أصلًا، وأبسق فرعًا، وأحلى جنًى، وأعذب وِرْدًا، وأكرم نِتَاجًا، وأنور سراجًا، من علم البيان، الذى لولاه لم ترَ لسانًا يحوك3 الوَشْيَ، ويصوغ الحَلْيَ، ويلفظ الدر، وينفث السحر، ويقري4 الشهد، ويريك بدائع من الزهر، ويجنيك الحلو اليانع من الثمر، والذى لولا تَحَفِّيه5 بالعلوم، وعنايته بها، وتصويره إياها، لبقيت كامنة مستورة، ولما استبنت لها يد الدهر6 صورة، ولاستمر السرار7 بأهلَّتها، واستولى الخفاء على جملتها، إلى فوائد لا يدركها الإحصاء، ومحاسن لا يحصرها الاستقصاء8.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام9: المناسبة علم حسن؛ ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر10.

وقال برهان الدين إبراهيم البقاعي1: "وعلم المناسبات -الأهم من مناسبات القرآن وغيره- علم تعرف منه علل الترتيب، وموضوعه أجزاء الشيء المطلوب علم مناسبته من حيث الترتيب، وثمرته الاطلاع على الرتبة التي يستحقها الجزء بسبب ما له بما وراءه، وما أمامه من الارتباط والتعلق الذي هو كلحمة النسب، فعلم مناسبات القرآن علم تعرف منه علل ترتيب أجزائه، وهو سر البلاغة لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال، وتتوقف الإجادة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها، ويفيد ذلك معرفة المقصود من جميع جملها؛ فلذلك كان هذا العلم في غاية النفاسة، وكانت نسبته من علم التفسير نسبة علم البيان من النحو"2.

أما ترتيب السور: فقد اختلف العلماء في ترتيب السور:

- فالقول الأول: إنه توقيفي، تولاه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كما أخبر به جبريل عن أمر ربه، فكان القرآن على عهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مرتَّب السور، كما كان مرتب الآيات على هذا الترتيب الذي لدينا اليوم، وهو ترتيب مصحف عثمان الذي لم يتنازع أحد من الصحابة فيه مما يدل على عدم المخالفة والإجماع.

- والقول الثاني: إن ترتيب السور باجتهاد من الصحابة؛ بدليل اختلاف مصاحفهم في الترتيب؛ كمصحف ابن مسعود، ومصحف أُبي.

- والقول الثالث: إن بعض السور ترتيبه توقيفي، وبعضه باجتهاد من الصحابة؛ حيث ورد ما يدل على ترتيب بعض السور في عهد النبوة، فقد ورد ما يدل على ترتيب السبع الطوال والحواميم والمفصل في حياته عليه الصلاة والسلام.

وقد ناقش بعض العلماء1 هذه الآراء الثلاثة، وانتهى إلى ما يلي:

- أن الرأى الثاني الذي يرى أن ترتيب السور باجتهاد الصحابة لم يستند إلى دليل يُعتمد عليه.

فاجتهاد بعض الصحابة في ترتيب مصاحفهم الخاصة كان اختيارًا منهم قبل أن يجمع القرآن جمعًا مرتبًا، فلما جمع في عهد عثمان بترتيب الآيات والسور على حرف واحد، واجتمعت الأمة على ذلك تركوا مصاحفهم، ولو كان الترتيب اجتهاديًّا لتمسكوا بها.

وحديث ابن عباس رضى الله عنهما: "قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ... "2.

وهذا الحديث يدور إسناده في كل رواياته على "يزيد الفارسي" الذي يذكره البخاري في الضعفاء، وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور؛ كأن عثمان كان يثبتها برأيه، وينفيها برأيه؛ ولذا قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه بمسند الإمام أحمد: "إنه لا أصل له".

وغاية ما فيه أنه يدل على عدم الترتيب بين هاتين السورتين فقط3.


جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ عمل اليوم والليلة للسيوطي ❝ ❞ إتمام الدراية لقراء النقاية ❝ ❞ أسرار ترتيب القرآن ❝ ❞ عقود الزبرجد في إعراب الحديث النبوي عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد ت: القضاة ❝ ❞ الزيادات على الموضوعات ويسمى ذيل اللآلئ المصنوعة ❝ الناشرين : ❞ دار الكتب العلمية بلبنان ❝ ❞ دار الجيل للنشر والتوزيع ❝ ❱
من كتب علوم القرآن كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.


اقتباسات من كتاب أسرار ترتيب القرآن

نبذة عن الكتاب:
أسرار ترتيب القرآن

أسرار ترتيب القرآن للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي (849-911هـ) كتاب لطيف، تناول فيه مؤلفه من علوم القرآن، ألا وهو ترتيب السور وتناسقها ومناسباتها، وإيضاح ما في ذلك من إعجاز وبيان ومقاصد.

أنموذج من الكتاب
قال الإمام السيوطي:

«سورة الشمس والليل والضحى
أقول:هذه الثلاثة حسنة التناسق جداً، لما في مطالعها من المناسبة، لما بين الشمس والليل والضحى من الملابسة، ومنها سورة الفجر، لكن فُصلت بسورة البلد لنكتة أهم، كما فصل بين الانفطار والانشقاق، وبين المسبحات؛ لأن مراعاة التناسب بالأسماء والفواتح وترتيب النزول، إنما يكون حيث لا يعارضها ما هو أقوى وآكد في المناسبة.

ثم إن سورة الشمس ظاهرة الاتصال بسورة البلد، فإنه سبحانه لما ختمها بذكر أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، أراد الفريقين في سورة الشمس على سبيل الفذلكة [أي مُجمَل ما فُصِّل وخلاصته]، فقوله [في الشمس]: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} هم أصحاب الميمنة في سورة البلد، وقوله: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [في الشمس] هم أصحاب المشأمة في سورة البلد، فكانت هذه السورة فذلكة تفصيل تلك السورة، ولهذا قال الإمام: المقصود من السورة: الترغيب في الطاعات، والتحذير من المعاصي.»

لقد تطرق الكاتب إلى كشف أسرار ترتيب سور القرآن وهل كان ذلك الترتيب من الرسول إذ أن جبريل عرض القرآن علىه قبل وفاته فهو ترتيب وقفي، أم أنه اجتهاد من صحابة محمد حينما جمعوا القرآن


ثم بدأ بالفاتحة وذكر أساب كثيرة في أن تكون فاتحة الكتاب فهي السبع المثاني ثم عرج إلى البقرة وذكر اتصالها بالفاتحة واسباب تعقبها بعد الفاتحة ومن خاطبت وما الأمثال الذي ضرب الله للناس في هذه السورة ثم
ذكر وجوه الشبه بين البقرة و آل عمران و كيف أن الله ضرب قصة آدم مثلاً في البقرة و قصة عيسى في آل عمران حتى يسهل فهمها في الأذهان.

فهكذا بدأ المؤلف إلى أن ينتهي مبيناً و كاشفاً سر ترتيب سور القرآن.

فهذا كتاب لطيف، تناول فيه مؤلفه من علوم القرآن، ألا وهو ترتيب السور وتناسقها ومناسباتها، وإيضاح ما في ذلك من إعجاز وبيان ومقاصد، وسوف يتجلى لنا من خلال عرض هذا الكتاب الدقائق التي فتح الله بها على مصنِّفه، وتلكم اللمحات الزكية التى أكثرها من نتاج فكره، وولاد نظره، وغير ذلك من فوائد، يجنيها القارئ.

وقد قلَّ اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته، وممن أكثر منه الإمام فخر الدين الرازي1 في تفسيره: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط.

وقال بعض الأئمة: من محاسن الكلام أن يرتبط بعضه ببعض؛ لئلا يكون منقطعًا.

وهذا النوع يهمله بعض المفسرين -أو كثير منهم- وفوائده غزيرة، قال القاضي أبو بكر بن العربي1: ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني، منتظمة المباني -علم عظيم، لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله عز وجل لنا فيه، فلما لم نجد له حَمَلة، ورأينا الخلف بأوصاف البطلة ختمنا عليه، وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه2.

ثم إنك لا ترى علمًا هو أرسخ أصلًا، وأبسق فرعًا، وأحلى جنًى، وأعذب وِرْدًا، وأكرم نِتَاجًا، وأنور سراجًا، من علم البيان، الذى لولاه لم ترَ لسانًا يحوك3 الوَشْيَ، ويصوغ الحَلْيَ، ويلفظ الدر، وينفث السحر، ويقري4 الشهد، ويريك بدائع من الزهر، ويجنيك الحلو اليانع من الثمر، والذى لولا تَحَفِّيه5 بالعلوم، وعنايته بها، وتصويره إياها، لبقيت كامنة مستورة، ولما استبنت لها يد الدهر6 صورة، ولاستمر السرار7 بأهلَّتها، واستولى الخفاء على جملتها، إلى فوائد لا يدركها الإحصاء، ومحاسن لا يحصرها الاستقصاء8.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام9: المناسبة علم حسن؛ ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر10.

وقال برهان الدين إبراهيم البقاعي1: "وعلم المناسبات -الأهم من مناسبات القرآن وغيره- علم تعرف منه علل الترتيب، وموضوعه أجزاء الشيء المطلوب علم مناسبته من حيث الترتيب، وثمرته الاطلاع على الرتبة التي يستحقها الجزء بسبب ما له بما وراءه، وما أمامه من الارتباط والتعلق الذي هو كلحمة النسب، فعلم مناسبات القرآن علم تعرف منه علل ترتيب أجزائه، وهو سر البلاغة لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال، وتتوقف الإجادة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها، ويفيد ذلك معرفة المقصود من جميع جملها؛ فلذلك كان هذا العلم في غاية النفاسة، وكانت نسبته من علم التفسير نسبة علم البيان من النحو"2.

أما ترتيب السور: فقد اختلف العلماء في ترتيب السور:

- فالقول الأول: إنه توقيفي، تولاه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كما أخبر به جبريل عن أمر ربه، فكان القرآن على عهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مرتَّب السور، كما كان مرتب الآيات على هذا الترتيب الذي لدينا اليوم، وهو ترتيب مصحف عثمان الذي لم يتنازع أحد من الصحابة فيه مما يدل على عدم المخالفة والإجماع.

- والقول الثاني: إن ترتيب السور باجتهاد من الصحابة؛ بدليل اختلاف مصاحفهم في الترتيب؛ كمصحف ابن مسعود، ومصحف أُبي.

- والقول الثالث: إن بعض السور ترتيبه توقيفي، وبعضه باجتهاد من الصحابة؛ حيث ورد ما يدل على ترتيب بعض السور في عهد النبوة، فقد ورد ما يدل على ترتيب السبع الطوال والحواميم والمفصل في حياته عليه الصلاة والسلام.

وقد ناقش بعض العلماء1 هذه الآراء الثلاثة، وانتهى إلى ما يلي:

- أن الرأى الثاني الذي يرى أن ترتيب السور باجتهاد الصحابة لم يستند إلى دليل يُعتمد عليه.

فاجتهاد بعض الصحابة في ترتيب مصاحفهم الخاصة كان اختيارًا منهم قبل أن يجمع القرآن جمعًا مرتبًا، فلما جمع في عهد عثمان بترتيب الآيات والسور على حرف واحد، واجتمعت الأمة على ذلك تركوا مصاحفهم، ولو كان الترتيب اجتهاديًّا لتمسكوا بها.

وحديث ابن عباس رضى الله عنهما: "قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ... "2.

وهذا الحديث يدور إسناده في كل رواياته على "يزيد الفارسي" الذي يذكره البخاري في الضعفاء، وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور؛ كأن عثمان كان يثبتها برأيه، وينفيها برأيه؛ ولذا قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه بمسند الإمام أحمد: "إنه لا أصل له".

وغاية ما فيه أنه يدل على عدم الترتيب بين هاتين السورتين فقط3.



.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

أسرار ترتيب القرآن للإمام الحافظ جلال الدين السيوطي (849-911هـ) كتاب لطيف، تناول فيه مؤلفه من علوم القرآن، ألا وهو ترتيب السور وتناسقها ومناسباتها، وإيضاح ما في ذلك من إعجاز وبيان ومقاصد.

أنموذج من الكتاب
قال الإمام السيوطي:

«سورة الشمس والليل والضحى
أقول:هذه الثلاثة حسنة التناسق جداً، لما في مطالعها من المناسبة، لما بين الشمس والليل والضحى من الملابسة، ومنها سورة الفجر، لكن فُصلت بسورة البلد لنكتة أهم، كما فصل بين الانفطار والانشقاق، وبين المسبحات؛ لأن مراعاة التناسب بالأسماء والفواتح وترتيب النزول، إنما يكون حيث لا يعارضها ما هو أقوى وآكد في المناسبة.

ثم إن سورة الشمس ظاهرة الاتصال بسورة البلد، فإنه سبحانه لما ختمها بذكر أصحاب الميمنة، وأصحاب المشأمة، أراد الفريقين في سورة الشمس على سبيل الفذلكة [أي مُجمَل ما فُصِّل وخلاصته]، فقوله [في الشمس]: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا} هم أصحاب الميمنة في سورة البلد، وقوله: {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا} [في الشمس] هم أصحاب المشأمة في سورة البلد، فكانت هذه السورة فذلكة تفصيل تلك السورة، ولهذا قال الإمام: المقصود من السورة: الترغيب في الطاعات، والتحذير من المعاصي.»

لقد تطرق الكاتب إلى كشف أسرار ترتيب سور القرآن وهل كان ذلك الترتيب من الرسول إذ أن جبريل عرض القرآن علىه قبل وفاته فهو ترتيب وقفي، أم أنه اجتهاد من صحابة محمد حينما جمعوا القرآن


ثم بدأ بالفاتحة وذكر أساب كثيرة في أن تكون فاتحة الكتاب فهي السبع المثاني ثم عرج إلى البقرة وذكر اتصالها بالفاتحة واسباب تعقبها بعد الفاتحة ومن خاطبت وما الأمثال الذي ضرب الله للناس في هذه السورة ثم
ذكر وجوه الشبه بين البقرة و آل عمران و كيف أن الله ضرب قصة آدم مثلاً في البقرة و قصة عيسى في آل عمران حتى يسهل فهمها في الأذهان.

فهكذا بدأ المؤلف إلى أن ينتهي مبيناً و كاشفاً سر ترتيب سور القرآن.

فهذا كتاب لطيف، تناول فيه مؤلفه من علوم القرآن، ألا وهو ترتيب السور وتناسقها ومناسباتها، وإيضاح ما في ذلك من إعجاز وبيان ومقاصد، وسوف يتجلى لنا من خلال عرض هذا الكتاب الدقائق التي فتح الله بها على مصنِّفه، وتلكم اللمحات الزكية التى أكثرها من نتاج فكره، وولاد نظره، وغير ذلك من فوائد، يجنيها القارئ.

وقد قلَّ اعتناء المفسرين بهذا النوع لدقته، وممن أكثر منه الإمام فخر الدين الرازي1 في تفسيره: أكثر لطائف القرآن مودعة في الترتيبات والروابط.

وقال بعض الأئمة: من محاسن الكلام أن يرتبط بعضه ببعض؛ لئلا يكون منقطعًا.

وهذا النوع يهمله بعض المفسرين -أو كثير منهم- وفوائده غزيرة، قال القاضي أبو بكر بن العربي1: ارتباط آي القرآن بعضها ببعض حتى تكون كالكلمة الواحدة، متسقة المعاني، منتظمة المباني -علم عظيم، لم يتعرض له إلا عالم واحد عمل فيه سورة البقرة، ثم فتح الله عز وجل لنا فيه، فلما لم نجد له حَمَلة، ورأينا الخلف بأوصاف البطلة ختمنا عليه، وجعلناه بيننا وبين الله ورددناه إليه2.

ثم إنك لا ترى علمًا هو أرسخ أصلًا، وأبسق فرعًا، وأحلى جنًى، وأعذب وِرْدًا، وأكرم نِتَاجًا، وأنور سراجًا، من علم البيان، الذى لولاه لم ترَ لسانًا يحوك3 الوَشْيَ، ويصوغ الحَلْيَ، ويلفظ الدر، وينفث السحر، ويقري4 الشهد، ويريك بدائع من الزهر، ويجنيك الحلو اليانع من الثمر، والذى لولا تَحَفِّيه5 بالعلوم، وعنايته بها، وتصويره إياها، لبقيت كامنة مستورة، ولما استبنت لها يد الدهر6 صورة، ولاستمر السرار7 بأهلَّتها، واستولى الخفاء على جملتها، إلى فوائد لا يدركها الإحصاء، ومحاسن لا يحصرها الاستقصاء8.

وقال الشيخ عز الدين بن عبد السلام9: المناسبة علم حسن؛ ولكن يشترط في حسن ارتباط الكلام أن يقع في أمر متحد مرتبط أوله بآخره، فإن وقع على أسباب مختلفة لم يشترط فيه ارتباط أحدهما بالآخر10.

وقال برهان الدين إبراهيم البقاعي1: "وعلم المناسبات -الأهم من مناسبات القرآن وغيره- علم تعرف منه علل الترتيب، وموضوعه أجزاء الشيء المطلوب علم مناسبته من حيث الترتيب، وثمرته الاطلاع على الرتبة التي يستحقها الجزء بسبب ما له بما وراءه، وما أمامه من الارتباط والتعلق الذي هو كلحمة النسب، فعلم مناسبات القرآن علم تعرف منه علل ترتيب أجزائه، وهو سر البلاغة لأدائه إلى تحقيق مطابقة المعاني لما اقتضاه من الحال، وتتوقف الإجادة فيه على معرفة مقصود السورة المطلوب ذلك فيها، ويفيد ذلك معرفة المقصود من جميع جملها؛ فلذلك كان هذا العلم في غاية النفاسة، وكانت نسبته من علم التفسير نسبة علم البيان من النحو"2.

أما ترتيب السور: فقد اختلف العلماء في ترتيب السور:

- فالقول الأول: إنه توقيفي، تولاه النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- كما أخبر به جبريل عن أمر ربه، فكان القرآن على عهد النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- مرتَّب السور، كما كان مرتب الآيات على هذا الترتيب الذي لدينا اليوم، وهو ترتيب مصحف عثمان الذي لم يتنازع أحد من الصحابة فيه مما يدل على عدم المخالفة والإجماع.

- والقول الثاني: إن ترتيب السور باجتهاد من الصحابة؛ بدليل اختلاف مصاحفهم في الترتيب؛ كمصحف ابن مسعود، ومصحف أُبي.

- والقول الثالث: إن بعض السور ترتيبه توقيفي، وبعضه باجتهاد من الصحابة؛ حيث ورد ما يدل على ترتيب بعض السور في عهد النبوة، فقد ورد ما يدل على ترتيب السبع الطوال والحواميم والمفصل في حياته عليه الصلاة والسلام.

وقد ناقش بعض العلماء1 هذه الآراء الثلاثة، وانتهى إلى ما يلي:

- أن الرأى الثاني الذي يرى أن ترتيب السور باجتهاد الصحابة لم يستند إلى دليل يُعتمد عليه.

فاجتهاد بعض الصحابة في ترتيب مصاحفهم الخاصة كان اختيارًا منهم قبل أن يجمع القرآن جمعًا مرتبًا، فلما جمع في عهد عثمان بترتيب الآيات والسور على حرف واحد، واجتمعت الأمة على ذلك تركوا مصاحفهم، ولو كان الترتيب اجتهاديًّا لتمسكوا بها.

وحديث ابن عباس رضى الله عنهما: "قلت لعثمان: ما حملكم على أن عمدتم الأنفال وهي من المثاني، وإلى براءة وهي من المئين، فقرنتم بينها ... "2.

وهذا الحديث يدور إسناده في كل رواياته على "يزيد الفارسي" الذي يذكره البخاري في الضعفاء، وفيه تشكيك في إثبات البسملة في أوائل السور؛ كأن عثمان كان يثبتها برأيه، وينفيها برأيه؛ ولذا قال الشيخ أحمد شاكر في تعليقه عليه بمسند الإمام أحمد: "إنه لا أصل له".

وغاية ما فيه أنه يدل على عدم الترتيب بين هاتين السورتين فقط3.



حجم الكتاب عند التحميل : 3.4 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة أسرار ترتيب القرآن

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل أسرار ترتيب القرآن
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي - GLAL ALDIN ABD ALRHMN BN ABI BKR ALSIOTI

كتب جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ عمل اليوم والليلة للسيوطي ❝ ❞ إتمام الدراية لقراء النقاية ❝ ❞ أسرار ترتيب القرآن ❝ ❞ عقود الزبرجد في إعراب الحديث النبوي عقود الزبرجد على مسند الإمام أحمد ت: القضاة ❝ ❞ الزيادات على الموضوعات ويسمى ذيل اللآلئ المصنوعة ❝ الناشرين : ❞ دار الكتب العلمية بلبنان ❝ ❞ دار الجيل للنشر والتوزيع ❝ ❱. المزيد..

كتب جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السيوطي