📘 قراءة كتاب رحلة عبد الوهاب المسيري الفكرية أونلاين
عبد الوهاب محمد المسيري (أكتوبر 1938 - 3 يوليو 2008)، مفكر وعالم اجتماع مصري مسلم، وهو مؤلف موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية أحد أكبر الأعمال الموسوعية العربية في القرن العشرين. الذي استطاع من خلالها برأي البعض إعطاء نظرة جديدة موسوعية موضوعية علمية للظاهرة اليهودية بشكل خاص، وتجربة الحداثة الغربية بشكل عام، مستخدماً ما طوره أثناء حياته الأكاديمية من تطوير مفهوم النماذج التفسيرية، أما برأي البعض الآخر فقد كانت رؤيته في موسوعته متحيزة لليهود، ومتعاطفة إلى حد كبير مع مواقفهم تجاه غير اليهود، بل وصفها البعض بأنها تدافع عن اليهود.
ولد عبد الوهاب المسيري في مدينة دمنهور في مصر في تشرين أول عام 1938. تلقى تعليمه الأولي (الابتدائي والثانوي) في مقر نشأته. في عام 1955 التحق بقسم اللغة الإنجليزية كلية الآداب جامعة الإسكندرية وتخرج عام 1959 وعين معيداً فيها عند تخرجه. سافر إلى الولايات المتحدة عام 1963 حيث حصل على الماجستير في الأدب الإنجليزي المقارن من جامعة كولومبيا بمدينة نيويورك عام 1964، وعلى الدكتوراه من جامعة رتجرز بنيوجيرزي عام 1969.
عند عودته إلى مصر قام بالتدريس في جامعة عين شمس وفي عدة جامعات عربية من أهمها جامعة الملك سعود (1983 ـ 1988)، كما عمل أستاذا زائرا في أكاديمية ناصر العسكرية، والجامعة الإسلامية العالمية (ماليزيا)، وعضو مجلس الخبراء في مركزالأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية (1970 ـ 1975)، ومستشارا ثقافيا للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة في نيويورك (1975 ـ 1979). وهو عضو مجلس الأمناء في جامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية ببليسبرغ، بولاية فرجينيا في الولايات المتحدة الاميركية.
صدرت له عشرات الدراسات والمقالات عن إسرائيل والحركة الصهيونية ويعتبر واحدًا من أبرز المؤرخين العالميين المتخصصين في الحركة الصهيوينة.
نشاطه السياسي
انتمى المسيري الي اليسار المصري وتحديداً للحزب الشيوعي، وفي 2004 انضم المسيري لحزب الوسط الإسلامي ليصبح من أوائل المؤسسين وقبل وفاته شغل منصب المنسق العام لحركة كفاية، التي تأسست في نهاية 2004 للمطالبة بإصلاح ديمقراطي في مصر، ونظمت سلسلةً مظاهراتٍ احتجاجاً على إعادة انتخاب الرئيس المصري حسني مبارك لولاية خامسة في 2005، وقد تعرض للاعتقال من قبل السلطات المصرية أكثر من مرة
في يناير 2007 تولى منصب المنسقِ العام للحركة المصرية من أجل التغيير (كفاية) وهي الحركة التي عارضت في تلك الفترة حكم الرئيس محمد حسني مبارك وسعت لإسقاطه من الحكم بالطرق السلمية ومعارضة تولي ابنه جمال مبارك منصب رئيس الجمهورية من بعده.
السيرة الذاتية
ليسانس آداب- أدب إنجليزي- جامعة الإسكندرية (1959 م).
ماچستير في الأدب الإنجليزي والمقارن ـ جامعة كولومبيا ـ الولايات المتحدة الأمريكية (1964).
دكتوراه في الأدب الإنجليزي والأمريكي والمقارن ـ جامعة رتجرز بنيوجيرزيـ الولايات المتحدة الأمريكية (1969).
رئيس وحدة الفكر الصهيوني وعضو مجلس الخبراء بمركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام (1970 ـ 1975).
المستشار الثقافي للوفد الدائم لجامعة الدول العربية لدى هيئة الأمم المتحدة بنيويورك (1975 ـ 1979).
أستاذ الأدب الإنجليزي والمقارن ـ جامعة عين شمس (1979 ـ 1983)، وجامعة الملك سعود (1983 ـ 1988)، وجامعة الكويت (1988 ـ 1989). وكان يعمل أستاذاً غير متفرغ بجامعة عين شمس (1988 ـ 2008). كما عمل أستاذاً زائراً بالجامعة الإسلامية العالمية (ماليزيا) في كوالا لامبور وبأكاديمية ناصر العسكرية.
المستشار الأكاديمي للمعهد العالمي للفكر الإسلامي بواشنطن (1992 ـ 2008).
عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية في ليسبرج في فيرچينيا بالولايات المتحدة الأمريكية (1993 ـ 2008).
عضو مجلس الأمناء لجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية -واشنطن- الولايات المتحدة الأمريكية (1997-2008).
مستشار تحرير عددٍ من الحَوْليات التي تصدر في مصر وماليزيا وإيران وأمريكا وإنجلترا وفرنسا.
من أقواله
"اللَّه هو الركيزة الأساسية لكل شيء، الركيزة الأساسية للتواصل بين الناس، لضمان أن الحقيقة حقيقة فإن نُسِي اللَّه ركيزة الكون كلها تنتهي".
"بغياب اللّه يتحول العالم إلى مادة طبيعية صمَّاء، خاضعة لقوانين الحركة والضَّرورة التي يمكن حصْرها ودراستها والتحكمُ فيها".من كتاب رحلتي الفكرية
"قطاع اللذة يَعِدُ الإنسان بالفردوس الأرضي الذي سيريحه تمامًا من عِبْء التاريخ والالتزام الخلقي والإحساس بالمسْئولية تجاه الآخرين".
"النسبية الإسلامية هي أن يؤمن الإنسان بأن هناك مطلقا واحدا هو كلام اللّه، وماعداه فاجتهادات إنسانية نسبية في علاقتها بالمطلق الذي يوجد خارجها". من كتاب رحلتي الفكرية
««إنّ الايمان لم يولد داخلي إلا من خلال رحلة طويلة وعميقة، إنه إيمان يستند إلى رحلة عقلية طويلة ولذا فإنه إيمان عقلي لم تدخل فيه عناصر روحية فهو يستند إلى عجز المقولات المادية عن تفسير الإنسان وإلى ضرورة اللجوء إلى مقولات فلسفية أكثر تركيبية»
««إن الطبيعة الوظيفية لإسرائيل تعني أن الاستعمار اصطنعها لتقوم بوظيفة معينة فهي مشروع استعماري لا علاقة له باليهودية»»
««اليهود ليسوا متآمرين بطبعهم»»
الجملتان من تقرير نشر بوكالة أنباء الشرق الأوسط بعد وفاة المسيري [1]
««كما أن أي إنسان ثوري لا يمكن إلا أن يؤمن بالعقل التوليدي القادر على تجاوز الواقع المادي القائم» (من كتاب رحلتي الفكرية)»
المثقف.. لابد أن يكون في الشارع" في أحد المقابلات الصحفية
"إن المطلوب هو حداثة جديدة تتبنى العلم والتكنولوجيا ولا تضرب بالقيم أو بالغائية الإنسانية عرض الحائط، حداثة تحيى العقل ولا تميت القلب، تنمى وجودنا المادى ولا تنكر الأبعاد الروحية لهذا الوجود، تعيش الحاضر دون أن تنكر التراث"
رؤاه
المجتمع التراحمي والمجتمع التعاقدي
من أبرز أطروحات المسيري الفكرية ما طرحه حول “المجتمع التراحمي” و“المجتمع التعاقدي” وإسقاطه لهذه الأطروحة على حياته ابتداءً من نشأته في مصر إلى انتقاله إلى أمريكا لإكمال الدراسة.
حيث يوضح أن المجتمع التراحمي باختصار هو المجتمع الذي تقوم علاقاته على التراحم والتعاطف بين أفراده، على النقيض من المجتمع التعاقدي الذي تقوم العلاقات فيه على أساس تعاقدي ومصلحي.
نستطيع أن نرى المجتمع التراحمي في المجتمعات التقليدية، حيث يذكر المسيري مثالاً على ذلك نظام مساعدة العريس “النقطة” في الأفراح المصرية، حيث يتم دس المال في يد العروس (للمساعدة) بحيث لا يراه أحد وفي إطار هذه العملية التبادلية يتم توزيع الثروة بين المجتمع فعطاء الأثرياء يكون عادة أكثر من عطاء الفقراء.
ويذكر مثالاً آخر وهو علاقته مع عامله المصري حينما كان يدرس بالسعودية، فقد كان عامله الذي ينظف منزله كل أسبوع يصر على أن يقول عند لحظة تقاضي الأجر “بلاش يا بيه، خليها عليّ هذه المرة” وهو في واقع الأمر -برأي المسيري- يقول “برغم أنني أعمل خادماً عندك وأدخل معك في علاقة تعاقدية فإننا من الناحية الإنسانية متساويان ولابد أن ندخل في علاقة تراحمة تتجاوز عمليات التبادل الاقتصادية (خدمات مقابل نقود). ولهذا فلا داعي لأن تدفع لي هذه المرة”. ولذا يقوم المسيري بإخباره -عمداً- عن عدم وجود نقود وتأجيل دفع الأجرة للأسبوع التالي، لإعطاء العامل فرصة أن يكون دائناً، لكي يتم تحقيق التساوي الإنساني التراحمي.
وحتى “فض غلاف الهدية” يمكن أن يوضح مفهوم “التراحم” و“التعاقد” ففي مصر كما يقول المسيري، حينما يحصل الإنسان على هدية، فإنه لا يفضّ غلافها، فهي قيمة إنسانية بذاتها ولا يهم محتواها، لكن في أمريكا أشاروا له بضرورة فض غلاف الهدية وإظهار الإعجاب بها مباشرة أمام المُهدي، وهذا في نظر المسيري يجعل الهدية تتحول من قيمة إنسانية بذاتها إلى ثمن محدد (كم) أي من إطار تراحمي إلى إطار تعاقدي، ففي المجتمع التعاقدي، ثمنها وكميتها وقدرها كلها عوامل مؤثرة في قيمة الهدية، عكس ما يحصل في المجتمع التراحمي حيث لا يوجد إلا القيمة الإنسانية للهدية كهدية. وليست كمحتوى وكمية وثمن.
الحلولية
الخيط الذي يمكن أن يجمع بين نظريات المسيري الفلسفية هي إيمانه بأن الإنسان ظاهرة مركبة ومعقدة لا يمكن أن تُرَد إلى مستوى الطبيعة/المادة الأدنى والبسيط، فالطبيعة/المادة يمكن أن نفهمها في شكل نظريات وقوانين رياضية (قوانين الفيزياء والكيمياء والعلوم المختلفة). أما الإنسان فلا يمكن أن يفهم في هذه المعادلات والقوانين المادية. لأنه نظام مركب ومعقد.
يذكر المسيري بداية ما يسميه ب”النزعة الجنينية” و”النزعة الربانية”. فالنزعة الجينينية هي نزعة لرفض كل الحدود وإزالة المسافة التي تفصل بين الثنائيات عموماً (الخالق والمخلوق، الطبيعة والإنسان) لكي تصبح شيئاً واحداً، ولكي يصبح الإنسان بعدها كائناً لا حدود له. ولكن حينما تتحقق هذه النزعة يدرك الإنسان أنه ما زال جزءً من كلٍ أكبر منه يحتويه ويشمله ويخضع لقوانينه، وهذه الرغبة في إزالة الحدود والتحكم الكامل هي رغبة في التخلص من تركيبة الذات الإنسانية ومن عبء الوعي الإنساني، أي بمعنى أسهل محاولة للهروب من الواقع ومن التحديات ومن الخير والشر والنجاح والفشل والنهوض والسقوط، هروب كُلي إلى عالم بسيط أحادي يلغي الثنائيات، ألا وهو عالم (الطبيعة/المادة) الأدنى من مستوى الإنسان.
هذا العالم الذي تصب فيه النزعة الجنينية (وتهدف للوصول إليه) هو عالم سائل بسيط أملس يشبه الرحم حيث كان الجنين يعيش بلا حدود أو قيود، لا يفصله فاصل مادي أو معنوي عن رحم أمه ولا توجد مسافة أو حيز يفصلان بينهما. مع أنه لا يملك حرية مستقلة ولا إرادة في عالمه البسيط الضيق هذا. وفي مقابل هذه النزعة الجنينية نجد النزعة الربانية وهي نزعة نحو تجاوز عالم الطبيعة/المادة، نزعة نحو إقامة الثنائيات وفصل المسافات بين (الخالق والمخلق، الإنسان والطبيعة، …) مما يعني أن الإنسان حين ينفصل عن الكل وعن الطبيعة وعن الخالق يصبح كائناً حراً مسئولاً يقبل الحدود وعبء الوعي وتأكيد الهوية الإنسانية، يعيش داخل الزمان مثل الكائنات الطبيعية ولكنه يدرك أنه مختلف عنها، فهو مستخلف من الله تعالى. فالفرق بين النزعة الجنينية والنزعة الربانية هو الفرق بين المادي والإنساني، وجاذبية النزعة الجنينية عالية مقارنة بجاذبية الربانية، فالأولى تعمل مع قانون الجاذبية والثانية تعمل ضده.
هذه النزعة الجنينية تعبر عن نفسها من خلال مبدأ “الحلول” الذي يقول بأن العالم كلّ واحد متماسك ولا يعرف الثغرات ولا الثنائيات، خاضع لقوانين واحدة كامنة فيه. وعلى هذا فكل مافي الكون (إله، إنسان، طبيعة) مكون من جوهر واحد (سنتعرض لهذا الجوهر بعد قليل).
فالمبدأ الواحد (الجوهر) المنظم للكون كامن فيه، وليس منفصل عنه. وبناءً على هذا الأساس، وبما أن الكون مكون من جوهر واحد، فهذا المذهب ينكر الحيّز الإنساني المستقل عن الطبيعة وعن الخالق، فكلهم أساساً كتلة واحدة وجوهر واحد ولا يوجد بينهما أي مسافات أو ثنائيات، وفي إطار هذا المبدأ سيتم رد كل الظواهر مهما بلغ تنوعها إلى مبدأ واحد كامن (الجوهر). ومن هنا تحصل تسوية الإنسان بالكائنات الطبيعية.
وبعد ذلك يتعرض المسيري إلى صيغتين من الحلولية لتعريف الجوهر، مختلفتين ظاهرياً، وهما في واقع الأمر صفة واحدة:
في المنظومات الحلولية الروحية يسمى المبدأ الواحد -أو الجوهر- ب “الإله”، ولكنه ليس الإله الذي نعتقده، فهو إله يحلّ في مخلوقاته ويذوب فيها، بحيث لا يصبح له وجود مستقل ومنفصل بذاته، فلا يبقى من الإله إلا اسمه، فهو ممتزج بالطبيعة لا يمكنه الحديث إلا من خلالها ويمكنها الحديث باسمه، ولهذا يمكن الحديث بلغة روحية عن عالم المادة ولغة مادية عن عالم الروح بدون أية مشكلات، فهو عالم واحد وجوهر واحد.
وهذا الأمر هو إنجاز اسبينوزا وهيجيل في هذا المجال، حيث أن التجربة الجسدية التي يمارسها الشخص (كالجنس مثلاً) يمكن بأن توصف في ظل هذا المفهوم بأنها تجربة روحية، بدون أية اختلافات بينهما لأنهما في عالم واحدي ذو جوهر واحد. فكل الأشياء تسري فيها روح القداسة بنفس الدرجة : الإله، الشجرة، الطفل، الشر،…. الخ. ومن ثم تتساوى الأمور تماماً وتسود الواحدية الروحية التي لا تعرف الثنائيات.
في المنظومات الحلولية المادية يتم الاستغناء عن “الإله” ويسمى المبدأ الواحد البديل ب”قوانين الطبيعة” أو “القوانين العلمية” أو “القوانين المادية” أو “الأوامر الكونية” أو “قانون الحركة” أو “حركة التاريخ” أو “الحتمية التاريخية” أو…. الخ هذه التسميات المطلقة. ويحل الخطاب المادي الصرف محل الخطاب الروحي، وتصفّى أي ثنائية ولو اسمية وتسود الواحدية المادية، فكل الأشياء في نهاية الأمر وفي نهاية التحليل الأخير مادية (متساوية). وقوانين الطبيعة/المادة (التي نستخدمها في العلوم الطبيعية والتجريبية) يمكن أن تفسِّر كل الظواهر ونطبقها حتى على الإنسان. فالكل جوهر واحد أساساً.
ويبدو أن الإنسان يعيش في عالم الحواس (عالم النزعة الجنينية المادية) ويجد صعوبة بالغة في الانطلاق نحو التجاوز الرباني (الانتقال إلى النزعة الربانية) ومن هنا يمكننا أن نفهم وجود الأضرحة والأولياء والسحر و… الخ، التي تعبر عن نزوع الإنسان الحلولي الجنيني، والرغبة في إدراك النزعة الربانية من خلال الحواس والمادة.
وفي العموم أي فلسفة مادية تجعل الطبيعة مكتفية بذاتها، أو تجعل الإنسان مكتفياً بذاته ولا يستمد معياريته من الخارج لا تحده قيود ولا سدود، هي فلسفة حلولية.
العلمانية الشاملة
يذكر المسيري أنه لم يتناول في دراساته الحلولية الروحية (أو وحدة الوجود الروحية) بالتفصيل، ولا تلك السمات التي تميزها عن الحلولية المادية، فالأخيرة هي التي تهمه بحسبانها تعني سيادة القانون الطبيعي/ المادي على كل من الإنسان والطبيعة. وفي هذا السياق يذكر المسيري تمييزاً له بين الحلولية الصلبة والحلولية السائلة، فالحلولية الصلبة هي الحلولية المادية في مراحلها الأولى حين يتم تصفية الإنسان باسم الطبيعة (أي مساواته بالطبيعة وإلغاء حقيقة تركيبه المعقد)، ويكون مركز العالم هو الطبيعة/المادة. (وهذه هي مرحلة الحداثة).
ولكن تصبح أشياء عديدة موضع الحلول وليس الطبيعة/المادة فحسب، فتتعدد المراكز، ويغيب بعدها اليقين، لتسيطر النسبية تماماً إذ لا توجد مرجعية منفصلة. فكل شيء سيصبح نسبي ومفكك لا مركز له، ويتحول العالم إلى كيان شامل واحد تتساوى فيه الأطراف بالمركز والقمة بالقاع والذكر بالأنثى ووو…، ويأخذ شكلاً مسطحاً تقف فيه جميع الكائنات الإنسانية والطبيعية على نفس السطح وتلغى فيه كل الثنائيات، فالخالق كالمخلوق، والطبيعة كالخالق، والطبيعة كالإنسان، وهكذا. وبهذا التسطيح ينفصل (الدال) عن (المدلول) فتصبح كلمة مثل “إنسان” إما بدون دلالة (معنى)، أو متعددة الدلالات، وهذا هو التفكيك الكامل.
وهذا هو أيضاً الانتقال من عالم التحديث والحداثة و(الامبريالية) والحلولية المادية الصلبة إلى عصر ما بعد الحداثة والحلولية المادية السائلة.
وهذا هو ذاته ما يسميه المسيري ب (العلمانية الشاملة) التي تتميز عن العلمانية الجزئية بأن العلمانية الجزئية تترك مجالاً للقانون الإنساني (الأخلاقي والديني) ومن ثم تسمح بقدر من الثنائية والانفصال بينهما. (العلمانية الجزئية هي التي تعني فصل الدين عن الدولة). ولكنها تلزم الصمت حيال المفاهيم المطلقة والحياة الخاصة والمرجعية النهائية للقرارات السياسية والاقتصادية، وتترك حيزاً واسعاً للقيم الأخلاقية والدينية ما دامت لا تتدخل في عالم السياسية بالمعنى الفني.
وقد تم التوصل لهذا التعريف للعلمانية الجزئية في القرن التاسع عشر بحسبان الدولة كياناً ضعيفاً هزيلاً لا تتبعه أجهزة أمنية وتربوية قوية، ولم يكن هناك إعلام قوي يصل لكل مواطن في منزله. يعني أن الحياة الخاصة ظلت بمنأى عن العلمنة وظلت تحكمها القيم الأخلاقية والدينية. ومن هنا فالمسيري لا يرى غضاضة في تقبل العلمانية الجزئية بمعنى (فصل الدين عن السياسة والاقتصاد). إذ لا يمكن تقبل مشايخ أو قساوسة أو أساتذة أدب يناقشون طرق تحسين التصدير ونوع السلاح الذي يستخدم، فهذه الأمور يجب أن تترك للفنيين. لكن المرجعية النهائية (الاستراتيجية والمعرفية والأخلاقية) للدولة هي أمور لا يمكن أن تترك للفنيين. ومن هنا يمكن الحديث عن العلمانية الشاملة ومنشأها.
فقد حدثت تطورات ضخمة غيرت الصورة تماماً، إذ تغوّلت (تمددت) الدولة وحولت نفسها ومصلحتها إلى مرجعية نهائية تلغي كل المرجعيات الأخرى، وهي دولة قوية ذراعها طويلة تصل لكل المواطنين من خلال المؤسسات الإعلامية والتربوية. ولم تعد الحياة الخاصة بمنأى عن هذا (كما كان في السابق) فاتسعت رقعة الحياة العامة على حساب الحياة الخاصة. علاوة على هذا، فقد حصلت تحولات “بنيوية” كبرى، كالتصنيع والهجرة إلى المدينة، في ظاهرها لا علاقة لها بالعلمنة، لكنها قامت في الواقع بتغيير رؤية الإنسان وإشاعة النسبية والحيادية والانفصال عن القيمة، لكل هذا لم يعد للتعريف القديم الجزئي للعلمانية أي علاقة بالواقع الجديد.
دراسات عن أعمال المؤلف
ندوة عن الكتابات الفكرية: (أي التي لا تتناول موضوع الصهيونية) في لندن (12 يناير 1998).
مجلة الجديد (عمان، ملف خاص، شتاء عام 1998 ـ العدد العشرين).
ندوة في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية جامعة القاهرة عن موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية (29 ـ 31 مارس 2000).
في عالم عبد الوهاب المسيرى كتاب حواري، قام بتحريره د. أحمد عبد الحليم عطية (أستاذ الفلسفة بجامعة القاهرة) حول أعمال المؤلف، اشترك فيه عدة مفكرين من بينهم: محمد حسنين هيكل ـ محمود أمين العالم ـ محمد سيد أحمد ـ جلال أمين (يناير 2004).
رسالة ماجستير بعنوان: موقف عبد الوهاب المسيري من العلمانية - دراسة تحليلية نقدية- للباحث فيصل الشهراني، من جامعة أم القرى في السعودية
رسالة ماجستير بعنوان: موقف عبد الوهاب المسيري من الصهيونية - دراسة تحليلية نقدية- للباحث خالد صالح الشمري، من جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في السعودية
رسالة دكتورراة بعنوان: رسم الخريطة المعرفية للحداثة وما بعد الحداثة: دراسة مقارنة لأعمال زيجمونت باومان وعبد الوهاب المسيري. للباحث حجاج علي، جامعة القاهرة، 2008.
رسالة ماجستير بعنوان: مفهوم الصهيونية عند عبد الوهاب المسيري، دراسة نقدية - موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية نموذجا، للباحث عبد اللطيف زكي أبوهاشم - جامعة الأزهر - غزة - فلسطين 2013
رسالة ماجستير بعنوان؛ بناء منهاجية جديدة لتحليل الظاهرة السياسية عبر العطاء الفكري للمسيري، للباحث عمرو نور الدين - قسم العلوم السياسية - جامعة حلوان - القاهرة 2012
يعد الدكتور عبد الوهاب المسيري واحداً من قلائل يسعون بدأب للبحث في جذور الشخصية العربية، وتأسيس هوية تنبع من خصوصيتها وتراثها، وهو يمثل نموذجاً فريداً للمفكر الذي يؤمن بمسؤوليته تجاه مشروعه ومجتمعه ووطنه، وبضرورة التفاعل الحيوي في هذا المنحنى التاريخي المضطرب الذي يعتري العالم.
حجم الكتاب عند التحميل : 5.7 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'