❞ كتاب إتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (نسخة مصورة) ❝  ⏤ أ.د.فهد بن عبدالرحمن الرومي

❞ كتاب إتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (نسخة مصورة) ❝ ⏤ أ.د.فهد بن عبدالرحمن الرومي

المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله جعل القرآن ربيع قلوبنا وبهجة نفوسنا ونور عقولنا وهادي علومنا ومدبر أمورنا ومرجع خلافنا وموئل شقاقنا وحكم ما بيننا ونظام دولتنا ومنهج أمتنا ومحار١ فكرنا وملجأ تائهنا وهادي ضالنا وشفاء لما في صدورنا.

الحمد لله أنزل الفرقان وخلق الإنسان علمه البيان ومنحه عقلا يميز به بين الحق والضلال على هدي القرآن.

الحمد لله أرسل إلينا أفضل رسله من صفوة خلقه ليبين لنا خير كتبه فأخرجنا من أحلك ظلمة إلى أوضح سبيل، ووضح لنا معالم دينه وبسط لنا شرعه فهدى إلى صراط مستقيم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده فكان خير قدوة ومنار الهدى.
ورضي الله عن صحبه الكرام وأرضاهم، ذادوا عن حياض الإسلام وباعوا المهج والأرواح في سبيله، كانوا جنود الإسلام حقا وجذوره الأولى فكانوا خير القرون.

وكيف لا يكونون خير القرون وفيهم رسوله وبينهم كتابه... وهم هم... ؟! إذا أشكل عليهم معنى أو غمض عليهم مرمى جاءوا إليه عليه الصلاة والسلام فوضحه لهم وبينه وجلا غموضه فحيوا بالقرآن حياة طيبة وتحركوا، وأبصروا به السبيل وأدركوا، وتهذبوا به وتخلقوا وعملوا به وتأدبوا، وصلوا به وأخبتوا وبه حاربوا وسالموا وبه قاموا ونهضوا وإن شئت فقل: ترقوا وتمدنوا وبلغوا ما بلغوا، فكانوا بحق جيلا قرآنيا فريدا.

وكيف لا يكونون كذلك وهم يستقون من نبع القرآن الصافي ومن معينه العذب... وكيف لا يكونون كذلك وهم إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل إدراكا منهم أنهم إنما يتلقون أوامر الله سبحانه وتعالى لهم بالعمل فور سماعه ومن ثم لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة؛ لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه١.

ذلكم الإحساس كان يفتح لهم آفاق القرآن ويفتح لهم أبواب العلم والمعرفة ومع هذا فقد كانوا، رضي الله عنهم، لا يجدون في بسيط الأرض على سعتها ومديد السماء على عرضها ملجأ إن هم قالوا في القرآن بغير علم، أو بما لا يعلمون.

على هذا المنهج الصافي والمورد العذب والنبع النقي كانت سيرة خير القرون... وقدوة المسلمين وعلى قدر صفائه ونقائه كان صفاء ونقاء قلوبهم وعلى قدر مضائه كان مضاء سيوفهم فحملوا الكلمة والسيف يحميها ووصلوا في سنوات معدودة ما حسبوه أقصى الأرض، ولو علموا أحدا خلف ما وصلوا لخاضوا البحر إليه أداء للأمانة، وعرفانا للحق.

سار هذا المنهج يشق له طريقا في مسار التاريخ محافظا على صفائه ونقائه تماما كما يجري النهر العذب على سطح الأرض يسقيها، فينبت الزرع ويروي العطش ومتعة للناظرين.

هذا المنهج كهذا النهر، شق له طريقا في أرض التاريخ ينبوعه القرآن الكريم ومصبه رضوان رب العالمين، من سلكه نجا وفاز فوزا عظيما، ومن حاد عنه هلك وخسر خسرانا مبينا.

وككل سبيل وكل طريق تحف به الدروب والطرق متقاطعة متخالفة كان هذا المنهج، فنشأت بجانبه مناهج أخرى وطرق شتى واتجاهات عدة، منها ما سلك هذا النهر، ومنها ما حاد عنه زاغ، ومنها ما وقف على شاطئه يلقي فيه بالأذى والحجارة يحسب نفسه تستطيع له سدا أو منعا. وما درى ذلك المسكين أنه يجني على نفسه، وأنه لن يبلغ شأوا ولن يقوم له أثر.

وما زالت هذه المناهج تزداد وتتنوع وتتسع وتضيق وتتجدد وتدرس، منها ما هو في دائرة المقبول، ومنها ما هو في دائرة المرفوض، ومنها ما يتردد بين الدائرتين يضرب هنا وهناك.

ولعل بزوغ شمس القرن الرابع عشر الهجري نفث في روح هذه المناهج الحياة من جديد -بعد أن فترت حينا من الدهر- بما جاء به من وسائل وأدوات حديثة تعين على الاطلاع، وتساعد على الانتشار.

فأشرقت بشروقها شمس المناهج التفسيرية للقرآن الكريم بما فيها من حق، وبما فيها من باطل.

وغربت شمسه منذ بضع سنين وغلقت أبوابه بما فيها من مناهج قديمة وجديدة، لكن المؤلفات فيه نفذت منه إلى القرن الجديد وما زالت بين أيدينا نتلوها ونقرؤها ونطبعها وننشرها.

فكان حقا واجبا أن تقدم دراسة وافية للمناهج في هذا القرن يبين فيها الأصيل والدخيل والصحيح والسقيم والمقبول والمردود علَّنا نتدارك في قرننا الجديد مساوئ سابقة ونأخذ منه محاسنه فنكون بذلك قد خطونا خطوات جادة ونكون بذلك قد استفدنا ممن قبلنا ونفيد من بعدنا في تنقية التفسير ومناهجه مما أصابه من الشوائب عبر القرون الماضية منذ أن كان صافيا نقيا إلى يومنا هذا فنعود به كما كان، ويصلح آخر هذه الأمة بما صلح به أولها.


وإذا كان الأمر كذلك فقد اخترت لنفسي أن أكتب هذه الدراسة لاتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري وإن كنت أدرك من نفسي قصورها ومن الموضوع سعته، لكني أعلم أن كل نفس مكلفة بما تستطيع فما وجدت لي عذرا أن أتركه ولم أجد أحدا قد سده.

فاخترت "اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري" عنوانا لموضوع رسالتي لنيل درجة الدكتوراه؛ لأسباب عديدة سبقت الإشارة إليها ومجملها خمسة أمور:

أولها: أنا نعيش بعد القرن الرابع عشر الهجري مباشرة وما زالت الكتابة فيه بكرا، وما تزال الاتجاهات فيه واضحة المعالم بينة السبل، المستقيم منها والمنحرف.

ثانيها: أن في الإمكان توجيه الأذهان إلى الحق منها لسلوكه والتحذير من المنحرف وتقويم المعوج وتعديله، فما تزال الجادة فيه رطبة وما زالت الأغصان منه لينة.

ثالثها: ما اختص به هذا القرن من بين القرون السالفة كلها، من سهولة نشر المؤلفات وعرضها على الناس في وقت قصير مما كان له الأثر في كثرة المؤلفات وسرعة انتشارها بين الناس، فكانت دراسة هذه المناهج وعرضها أولى من غيرها نظرا للحاجة إلى ذلك.

رابعها: ما جد في هذا القرن من مناهج في التفسير، بعضها له جذور في القرون الماضية وبعضها جديد كل الجدة مما يوجب درسه ونقده وبيان ما له وما عليه.

خامسها: أن وسائل التفسير لم تكن فيه كما كانت من قبل بالكتابة والتدوين، بل جد فيها وسائل الإعلام الحديثة كالإذاعة والصحافة والرائي والندوات والمؤتمرات وغير ذلك، فكانت الحاجة ماسة لوضع المقاييس الصحيحة في أيدي الناس يزنون بها ما يسمعون، وينقدون بها ما يقرءون.

والأسباب غير ذلك كثيرة لا أظن أحدا يجهلها، ولعل فيما ذكرت منها الكفاية.
أ.د.فهد بن عبدالرحمن الرومي - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ طرق تدريس التجويد وأحكام تعلمه وتعليمه ❝ ❞ تطبيق الحدود الشرعية وأثره على الأمن في المملكة العربية السعودية ❝ ❞ وجوه التحدي والإعجاز في الأحرف المقطعة في أوائل السور ❝ ❞ دراسات في علوم القرآن الكريم نسخة مصورة ❝ ❞ خصائص القرآن الكريم ❝ ❞ نقل معاني القرآن الكريم إلى لغة أخرى: أترجمة أم تفسير؟ ❝ ❞ دراسات في علوم القرآن الكريم ❝ ❞ منهج المدرسة الأندلسية في التفسير صفاته وخصائصه (نسخة مصورة) ❝ ❞ إتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (نسخة مصورة) ❝ الناشرين : ❞ مكتبة التوبة ❝ ❞ مكتبة الحرمين بالرياض ❝ ❱
من كتب علوم القرآن كتب التفاسير وعلوم القرآن الكريم - مكتبة كتب إسلامية.


اقتباسات من كتاب إتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (نسخة مصورة)

نبذة عن الكتاب:
إتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (نسخة مصورة)

المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله جعل القرآن ربيع قلوبنا وبهجة نفوسنا ونور عقولنا وهادي علومنا ومدبر أمورنا ومرجع خلافنا وموئل شقاقنا وحكم ما بيننا ونظام دولتنا ومنهج أمتنا ومحار١ فكرنا وملجأ تائهنا وهادي ضالنا وشفاء لما في صدورنا.

الحمد لله أنزل الفرقان وخلق الإنسان علمه البيان ومنحه عقلا يميز به بين الحق والضلال على هدي القرآن.

الحمد لله أرسل إلينا أفضل رسله من صفوة خلقه ليبين لنا خير كتبه فأخرجنا من أحلك ظلمة إلى أوضح سبيل، ووضح لنا معالم دينه وبسط لنا شرعه فهدى إلى صراط مستقيم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده فكان خير قدوة ومنار الهدى.
ورضي الله عن صحبه الكرام وأرضاهم، ذادوا عن حياض الإسلام وباعوا المهج والأرواح في سبيله، كانوا جنود الإسلام حقا وجذوره الأولى فكانوا خير القرون.

وكيف لا يكونون خير القرون وفيهم رسوله وبينهم كتابه... وهم هم... ؟! إذا أشكل عليهم معنى أو غمض عليهم مرمى جاءوا إليه عليه الصلاة والسلام فوضحه لهم وبينه وجلا غموضه فحيوا بالقرآن حياة طيبة وتحركوا، وأبصروا به السبيل وأدركوا، وتهذبوا به وتخلقوا وعملوا به وتأدبوا، وصلوا به وأخبتوا وبه حاربوا وسالموا وبه قاموا ونهضوا وإن شئت فقل: ترقوا وتمدنوا وبلغوا ما بلغوا، فكانوا بحق جيلا قرآنيا فريدا.

وكيف لا يكونون كذلك وهم يستقون من نبع القرآن الصافي ومن معينه العذب... وكيف لا يكونون كذلك وهم إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل إدراكا منهم أنهم إنما يتلقون أوامر الله سبحانه وتعالى لهم بالعمل فور سماعه ومن ثم لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة؛ لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه١.

ذلكم الإحساس كان يفتح لهم آفاق القرآن ويفتح لهم أبواب العلم والمعرفة ومع هذا فقد كانوا، رضي الله عنهم، لا يجدون في بسيط الأرض على سعتها ومديد السماء على عرضها ملجأ إن هم قالوا في القرآن بغير علم، أو بما لا يعلمون.

على هذا المنهج الصافي والمورد العذب والنبع النقي كانت سيرة خير القرون... وقدوة المسلمين وعلى قدر صفائه ونقائه كان صفاء ونقاء قلوبهم وعلى قدر مضائه كان مضاء سيوفهم فحملوا الكلمة والسيف يحميها ووصلوا في سنوات معدودة ما حسبوه أقصى الأرض، ولو علموا أحدا خلف ما وصلوا لخاضوا البحر إليه أداء للأمانة، وعرفانا للحق.

سار هذا المنهج يشق له طريقا في مسار التاريخ محافظا على صفائه ونقائه تماما كما يجري النهر العذب على سطح الأرض يسقيها، فينبت الزرع ويروي العطش ومتعة للناظرين.

هذا المنهج كهذا النهر، شق له طريقا في أرض التاريخ ينبوعه القرآن الكريم ومصبه رضوان رب العالمين، من سلكه نجا وفاز فوزا عظيما، ومن حاد عنه هلك وخسر خسرانا مبينا.

وككل سبيل وكل طريق تحف به الدروب والطرق متقاطعة متخالفة كان هذا المنهج، فنشأت بجانبه مناهج أخرى وطرق شتى واتجاهات عدة، منها ما سلك هذا النهر، ومنها ما حاد عنه زاغ، ومنها ما وقف على شاطئه يلقي فيه بالأذى والحجارة يحسب نفسه تستطيع له سدا أو منعا. وما درى ذلك المسكين أنه يجني على نفسه، وأنه لن يبلغ شأوا ولن يقوم له أثر.

وما زالت هذه المناهج تزداد وتتنوع وتتسع وتضيق وتتجدد وتدرس، منها ما هو في دائرة المقبول، ومنها ما هو في دائرة المرفوض، ومنها ما يتردد بين الدائرتين يضرب هنا وهناك.

ولعل بزوغ شمس القرن الرابع عشر الهجري نفث في روح هذه المناهج الحياة من جديد -بعد أن فترت حينا من الدهر- بما جاء به من وسائل وأدوات حديثة تعين على الاطلاع، وتساعد على الانتشار.

فأشرقت بشروقها شمس المناهج التفسيرية للقرآن الكريم بما فيها من حق، وبما فيها من باطل.

وغربت شمسه منذ بضع سنين وغلقت أبوابه بما فيها من مناهج قديمة وجديدة، لكن المؤلفات فيه نفذت منه إلى القرن الجديد وما زالت بين أيدينا نتلوها ونقرؤها ونطبعها وننشرها.

فكان حقا واجبا أن تقدم دراسة وافية للمناهج في هذا القرن يبين فيها الأصيل والدخيل والصحيح والسقيم والمقبول والمردود علَّنا نتدارك في قرننا الجديد مساوئ سابقة ونأخذ منه محاسنه فنكون بذلك قد خطونا خطوات جادة ونكون بذلك قد استفدنا ممن قبلنا ونفيد من بعدنا في تنقية التفسير ومناهجه مما أصابه من الشوائب عبر القرون الماضية منذ أن كان صافيا نقيا إلى يومنا هذا فنعود به كما كان، ويصلح آخر هذه الأمة بما صلح به أولها.


وإذا كان الأمر كذلك فقد اخترت لنفسي أن أكتب هذه الدراسة لاتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري وإن كنت أدرك من نفسي قصورها ومن الموضوع سعته، لكني أعلم أن كل نفس مكلفة بما تستطيع فما وجدت لي عذرا أن أتركه ولم أجد أحدا قد سده.

فاخترت "اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري" عنوانا لموضوع رسالتي لنيل درجة الدكتوراه؛ لأسباب عديدة سبقت الإشارة إليها ومجملها خمسة أمور:

أولها: أنا نعيش بعد القرن الرابع عشر الهجري مباشرة وما زالت الكتابة فيه بكرا، وما تزال الاتجاهات فيه واضحة المعالم بينة السبل، المستقيم منها والمنحرف.

ثانيها: أن في الإمكان توجيه الأذهان إلى الحق منها لسلوكه والتحذير من المنحرف وتقويم المعوج وتعديله، فما تزال الجادة فيه رطبة وما زالت الأغصان منه لينة.

ثالثها: ما اختص به هذا القرن من بين القرون السالفة كلها، من سهولة نشر المؤلفات وعرضها على الناس في وقت قصير مما كان له الأثر في كثرة المؤلفات وسرعة انتشارها بين الناس، فكانت دراسة هذه المناهج وعرضها أولى من غيرها نظرا للحاجة إلى ذلك.

رابعها: ما جد في هذا القرن من مناهج في التفسير، بعضها له جذور في القرون الماضية وبعضها جديد كل الجدة مما يوجب درسه ونقده وبيان ما له وما عليه.

خامسها: أن وسائل التفسير لم تكن فيه كما كانت من قبل بالكتابة والتدوين، بل جد فيها وسائل الإعلام الحديثة كالإذاعة والصحافة والرائي والندوات والمؤتمرات وغير ذلك، فكانت الحاجة ماسة لوضع المقاييس الصحيحة في أيدي الناس يزنون بها ما يسمعون، وينقدون بها ما يقرءون.

والأسباب غير ذلك كثيرة لا أظن أحدا يجهلها، ولعل فيما ذكرت منها الكفاية. .
المزيد..

تعليقات القرّاء:

المقدمة:
بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله جعل القرآن ربيع قلوبنا وبهجة نفوسنا ونور عقولنا وهادي علومنا ومدبر أمورنا ومرجع خلافنا وموئل شقاقنا وحكم ما بيننا ونظام دولتنا ومنهج أمتنا ومحار١ فكرنا وملجأ تائهنا وهادي ضالنا وشفاء لما في صدورنا.

الحمد لله أنزل الفرقان وخلق الإنسان علمه البيان ومنحه عقلا يميز به بين الحق والضلال على هدي القرآن.

الحمد لله أرسل إلينا أفضل رسله من صفوة خلقه ليبين لنا خير كتبه فأخرجنا من أحلك ظلمة إلى أوضح سبيل، ووضح لنا معالم دينه وبسط لنا شرعه فهدى إلى صراط مستقيم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده فكان خير قدوة ومنار الهدى.
ورضي الله عن صحبه الكرام وأرضاهم، ذادوا عن حياض الإسلام وباعوا المهج والأرواح في سبيله، كانوا جنود الإسلام حقا وجذوره الأولى فكانوا خير القرون.

وكيف لا يكونون خير القرون وفيهم رسوله وبينهم كتابه... وهم هم... ؟! إذا أشكل عليهم معنى أو غمض عليهم مرمى جاءوا إليه عليه الصلاة والسلام فوضحه لهم وبينه وجلا غموضه فحيوا بالقرآن حياة طيبة وتحركوا، وأبصروا به السبيل وأدركوا، وتهذبوا به وتخلقوا وعملوا به وتأدبوا، وصلوا به وأخبتوا وبه حاربوا وسالموا وبه قاموا ونهضوا وإن شئت فقل: ترقوا وتمدنوا وبلغوا ما بلغوا، فكانوا بحق جيلا قرآنيا فريدا.

وكيف لا يكونون كذلك وهم يستقون من نبع القرآن الصافي ومن معينه العذب... وكيف لا يكونون كذلك وهم إذا تعلموا عشر آيات لم يجاوزوها حتى يتعلموا ما فيها من العلم والعمل إدراكا منهم أنهم إنما يتلقون أوامر الله سبحانه وتعالى لهم بالعمل فور سماعه ومن ثم لم يكن أحدهم ليستكثر منه في الجلسة الواحدة؛ لأنه كان يحس أنه إنما يستكثر من واجبات وتكاليف يجعلها على عاتقه١.

ذلكم الإحساس كان يفتح لهم آفاق القرآن ويفتح لهم أبواب العلم والمعرفة ومع هذا فقد كانوا، رضي الله عنهم، لا يجدون في بسيط الأرض على سعتها ومديد السماء على عرضها ملجأ إن هم قالوا في القرآن بغير علم، أو بما لا يعلمون.

على هذا المنهج الصافي والمورد العذب والنبع النقي كانت سيرة خير القرون... وقدوة المسلمين وعلى قدر صفائه ونقائه كان صفاء ونقاء قلوبهم وعلى قدر مضائه كان مضاء سيوفهم فحملوا الكلمة والسيف يحميها ووصلوا في سنوات معدودة ما حسبوه أقصى الأرض، ولو علموا أحدا خلف ما وصلوا لخاضوا البحر إليه أداء للأمانة، وعرفانا للحق.

سار هذا المنهج يشق له طريقا في مسار التاريخ محافظا على صفائه ونقائه تماما كما يجري النهر العذب على سطح الأرض يسقيها، فينبت الزرع ويروي العطش ومتعة للناظرين.

هذا المنهج كهذا النهر، شق له طريقا في أرض التاريخ ينبوعه القرآن الكريم ومصبه رضوان رب العالمين، من سلكه نجا وفاز فوزا عظيما، ومن حاد عنه هلك وخسر خسرانا مبينا.

وككل سبيل وكل طريق تحف به الدروب والطرق متقاطعة متخالفة كان هذا المنهج، فنشأت بجانبه مناهج أخرى وطرق شتى واتجاهات عدة، منها ما سلك هذا النهر، ومنها ما حاد عنه زاغ، ومنها ما وقف على شاطئه يلقي فيه بالأذى والحجارة يحسب نفسه تستطيع له سدا أو منعا. وما درى ذلك المسكين أنه يجني على نفسه، وأنه لن يبلغ شأوا ولن يقوم له أثر.

وما زالت هذه المناهج تزداد وتتنوع وتتسع وتضيق وتتجدد وتدرس، منها ما هو في دائرة المقبول، ومنها ما هو في دائرة المرفوض، ومنها ما يتردد بين الدائرتين يضرب هنا وهناك.

ولعل بزوغ شمس القرن الرابع عشر الهجري نفث في روح هذه المناهج الحياة من جديد -بعد أن فترت حينا من الدهر- بما جاء به من وسائل وأدوات حديثة تعين على الاطلاع، وتساعد على الانتشار.

فأشرقت بشروقها شمس المناهج التفسيرية للقرآن الكريم بما فيها من حق، وبما فيها من باطل.

وغربت شمسه منذ بضع سنين وغلقت أبوابه بما فيها من مناهج قديمة وجديدة، لكن المؤلفات فيه نفذت منه إلى القرن الجديد وما زالت بين أيدينا نتلوها ونقرؤها ونطبعها وننشرها.

فكان حقا واجبا أن تقدم دراسة وافية للمناهج في هذا القرن يبين فيها الأصيل والدخيل والصحيح والسقيم والمقبول والمردود علَّنا نتدارك في قرننا الجديد مساوئ سابقة ونأخذ منه محاسنه فنكون بذلك قد خطونا خطوات جادة ونكون بذلك قد استفدنا ممن قبلنا ونفيد من بعدنا في تنقية التفسير ومناهجه مما أصابه من الشوائب عبر القرون الماضية منذ أن كان صافيا نقيا إلى يومنا هذا فنعود به كما كان، ويصلح آخر هذه الأمة بما صلح به أولها.


وإذا كان الأمر كذلك فقد اخترت لنفسي أن أكتب هذه الدراسة لاتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري وإن كنت أدرك من نفسي قصورها ومن الموضوع سعته، لكني أعلم أن كل نفس مكلفة بما تستطيع فما وجدت لي عذرا أن أتركه ولم أجد أحدا قد سده.

فاخترت "اتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر الهجري" عنوانا لموضوع رسالتي لنيل درجة الدكتوراه؛ لأسباب عديدة سبقت الإشارة إليها ومجملها خمسة أمور:

أولها: أنا نعيش بعد القرن الرابع عشر الهجري مباشرة وما زالت الكتابة فيه بكرا، وما تزال الاتجاهات فيه واضحة المعالم بينة السبل، المستقيم منها والمنحرف.

ثانيها: أن في الإمكان توجيه الأذهان إلى الحق منها لسلوكه والتحذير من المنحرف وتقويم المعوج وتعديله، فما تزال الجادة فيه رطبة وما زالت الأغصان منه لينة.

ثالثها: ما اختص به هذا القرن من بين القرون السالفة كلها، من سهولة نشر المؤلفات وعرضها على الناس في وقت قصير مما كان له الأثر في كثرة المؤلفات وسرعة انتشارها بين الناس، فكانت دراسة هذه المناهج وعرضها أولى من غيرها نظرا للحاجة إلى ذلك.

رابعها: ما جد في هذا القرن من مناهج في التفسير، بعضها له جذور في القرون الماضية وبعضها جديد كل الجدة مما يوجب درسه ونقده وبيان ما له وما عليه.

خامسها: أن وسائل التفسير لم تكن فيه كما كانت من قبل بالكتابة والتدوين، بل جد فيها وسائل الإعلام الحديثة كالإذاعة والصحافة والرائي والندوات والمؤتمرات وغير ذلك، فكانت الحاجة ماسة لوضع المقاييس الصحيحة في أيدي الناس يزنون بها ما يسمعون، وينقدون بها ما يقرءون.

والأسباب غير ذلك كثيرة لا أظن أحدا يجهلها، ولعل فيما ذكرت منها الكفاية.



حجم الكتاب عند التحميل : 15.7 ميجا بايت .
نوع الكتاب : rar.
عداد القراءة: عدد قراءة إتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (نسخة مصورة)

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل إتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (نسخة مصورة)
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات rarقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات rar
يمكن تحميلة من هنا 'http://www.rarlab.com/download.htm'

المؤلف:
أ.د.فهد بن عبدالرحمن الرومي - Prof. Dr. Fahd bin Abdul Rahman Al Roumi

كتب أ.د.فهد بن عبدالرحمن الرومي ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ طرق تدريس التجويد وأحكام تعلمه وتعليمه ❝ ❞ تطبيق الحدود الشرعية وأثره على الأمن في المملكة العربية السعودية ❝ ❞ وجوه التحدي والإعجاز في الأحرف المقطعة في أوائل السور ❝ ❞ دراسات في علوم القرآن الكريم نسخة مصورة ❝ ❞ خصائص القرآن الكريم ❝ ❞ نقل معاني القرآن الكريم إلى لغة أخرى: أترجمة أم تفسير؟ ❝ ❞ دراسات في علوم القرآن الكريم ❝ ❞ منهج المدرسة الأندلسية في التفسير صفاته وخصائصه (نسخة مصورة) ❝ ❞ إتجاهات التفسير في القرن الرابع عشر (نسخة مصورة) ❝ الناشرين : ❞ مكتبة التوبة ❝ ❞ مكتبة الحرمين بالرياض ❝ ❱. المزيد..

كتب أ.د.فهد بن عبدالرحمن الرومي