❞ عرض تقديمي المسلمون وضرورة الوعي التاريخي ❝  ⏤ عبد القادر عبار

❞ عرض تقديمي المسلمون وضرورة الوعي التاريخي ❝ ⏤ عبد القادر عبار

تعتبر الصحوة الإسلامية المباركة مرشحة – حضارياً - قبل غيرها للقيام بدورين جدّ بالغين:
الأول: دور (المنقذ من الضلال) للبشرية المصفوعة بمادية الغرب الملحد، وجشع الصهيونية العالمية المدمّرة.
والثاني: دور (المنقذ من التخلف والتبعية) للمسلمين الذي تعصف بهم أطماع الشرق والغرب، وتتربص بهم القوى الغاضبة والحاقدة، وتخطط لتقليص دورهم في حركة التاريخ بإذابة فاعليتهم ونشر الأمية المثلثة في وعيهم، بدءاً بالأمية التاريخية فالدينية فالعقلية.

تعميق البناء الداخلي وبعث الوعي التاريخي
إلا أن هذين الدورين الجليلين والثقيلين – لكي يؤتيا نتائجهما المنشودة ويرتقيا إلى مستوى التأثير والفعالية – مشروطان ــ أساساً، بتحقيق عاملين هامين: أن يكون المسلمون، أبناء هذه الصحوة المباركة، على مستوى الرسالة التي يحملونها ويجاهدون من أجلها، وفي الوقت نفسه، أن يكونوا على مستوى العصر الذي فيه يعيشون، عصر الوعي والعلم والتقنية.

ولتحقيق العامل الأول نرى وجوب تعميق البناء الداخلي والشامل للفرد المسلم، وبعث الشخصية الإسلامية الفذة من بُعدها العقائدي السليم، وتكوينها الشرعي والعلمي الموسوعي، وفاعليتها المبدعة، وواقعيتها الإيجابية.

وأما عن العامل الثاني فنرى ضرورة بعث الوعي التاريخي والحضاري عموماً مع حذق أسباب النهوض، وأساليب التحدي الحضاري: فكراً وثقافة وتقنية، وفقه كل ما من شأنه أن يعين على توثيق ارتباط المسلم بالسنن الكونية والاجتماعية حتى يستعيد فاعليته وقدرته على التغيير والبناء، وتنتفي العشوائية من حركته، والانهزامية من مواقفه: (ذلك أن الإنسان المسلم عبر مسيرته التاريخية، ولا سيما في القرون الأخيرة قد فقد كثيراً من مقومات شخصيته، بفعل عوامل الاحتكاك الحضاري التي واجهته، وهو في حالة لا تؤهله للاستجابة الملائمة للتحدي الحضاري..

ثم إن المسلم في مراحل انزلاقه قد انفكّ ارتباطه بالسنن الكونية والاجتماعية، وسرعان ما وجد أشباه فلاسفة ومتصوفين يقدمون له التبريرات المطلوبة، لفك ارتباطه بالحركة الكونية وللسير عشوائياً على أرض التاريخ، فهو يتحرك دون وعي مسبق، يتحرك غريزياً..)(1) مما يوجب ضرورة بعث الوعي التاريخي، كما أشرت قبل قليل، مع تفهّم طبيعة الواقع الذاتي والموضوعي؛ من خلال التركيز الجاد علىالقراءة المتفهمة للأحداث، وتدبّر السنن المؤثرة والمسيرة لحركة التاريخ.. لدى شبابنا الإسلامي في إ طار الترشيد الثقافي وتعميق التربية وتأصيل التعليم.

فماذا نعني بالوعي التاريخي؟ ثم ما هي المبررات الذاتية والموضوعية التي تلحّ على اكتسابه والتعامل والتحرك من خلاله؟

معنى الوعي التاريخي..
الوعي التاريخي نعني به: ذلك التبصر الدائم والهادف بالتاريخ القريب والبعيد، الذاتي والموضوعي، الحاصل – أي: التبصر- من خلال التوغّل المركّز في قراءة صفحات التجارب البشرية الكثيرة والمتنوعة، وفحصها وتدبّر أبعادها وخلفياتها، واكتشاف المؤثرات والسنن التي ساهمت في بعثها وإيجادها؛ قصد التزوّد والاعتبار، ومحاولة تفهم الأسس السيكولوجية للكثير من الأحداث والصراعات والانفعالات والتأثيرات والحروب.. الحاصلة والمتولدة عبر الأيام في تاريخ البشرية الحافل والطويل.

قيمة الوعي التاريخي..
وقيمة الوعي التاريخي بهذا المفهوم ترجع أساساً إلى كون علم التاريخ ومعرفته تجربة وعبرة، أو كما يعبر عنه علامتنا ابن خلدون: (فن التاريخ: فنّ عزيز المذهب، جمّ الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا..)(2) ذلك أن التاريخ في حقيقته: (خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال )

ثم في كونه أيضاً: (تجربة عطاء في شتى مجالات المعرفة والحركة الإنسانية.. وأنه حصيلة سنن تحكم الطبيعة والإنسان والعالم)(4)، ومن هنا نرى القرآن الكريم يولي المسألة التاريخية أهمية كبرى.

القرآن الكريم والدعوة إلى التبصر والتاريخ
كثيراً ما يؤكد القرآن العظيم، وهو الكتاب الحق والخالد، على ضرورة الوعي التاريخي، ويدعو المسلمين إلى التبصر الجاد والمستمر بأحوال الأولين والتمعن في سيرهم للاعتبار والاتعاظ بما جرى لهم حتى لا تتكرر الأخطاء، وحتى يتجنبوا مزالق التيه والضلال التي وقع فيها من سبقهم من الأمم، ومن ثم لينقذوا أنفسهم والبشرية من حولهم بما أنهم شهداء عليها، من سوء العذاب وخسران المصير.

كما أوضح لهم أكثر من مرة أن السنن المسيّرة لحركة التاريخ لا تقتصر على شعب دون شعب ولا على إقليم دون آخر حتى يأخذوا حذرهم.

فالمسائل التاريخية –إذن- المتعلقة بالشعوب السابقة وبمصير الأمم وأحوالها وعلاقاتها الحضارية ثم أسباب سقوطها، وانهيار الحضارات السالفة متوافرة ومطروحة في القرآن الكريم بشكل بارز:

(... إن آياته البينات ترحل بالمؤمنين عبر كل تلاوة في مجرى الزمن، وتحكي لهم عن وقائع التاريخ المزدحمة وأحداثه المتلاحقة ومعطياته المتمخضة عن القيم والعبر والدلالات.. ومعظم سور القرآن تضرب على الوتر نفسه فلا تكاد تخلو من واقعة تاريخية أو حدث ماض أو دعوة لاستلهام المغزى من هذه التجربة أو تلك، إن الامتداد الذهبي والوجداني إلى الماضي يشكل مساحة واسعة في كتاب الله..)(5).

وهذا لا يعني أن القرآن كتاب تاريخ، أو مدوّنة تاريخية ذلك أن كلمة التاريخ لم تذكر لا في القرآن ولا في السنة –كما يؤكد العلامة علال الفاسي- وإنْ قصّ علينا القرآن قصصاً للأولين، لا لنعتبرها تاريخاً بأوقاتها وظروفها ولكن لنتعظ بما فيها من عبرة لأولي الألباب.

قال تعالى: { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّنْ لكم وأرسلنا السماءَ عليهم مدراراً وجعلنا الأنهارَ تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرينَ }(الأنعام6).

وقال عز وجل أيضاً: { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشدُّ منهم بطشاً فنقّبوا في البلاد هل من محيص * إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد }(ق 36-37).

وقال سبحانه في موضع آخر: { قد خلتْ من قبلكم سننٌ فسيروا في الآرض فانظروا كيف كانَ عاقبةُ المكذّبين * هذا بيانٌ للناس وهدى وموعظةٌ للمتقين }(آل عمران 137-138).

وقد عرض القرآنُ الكريم المرتكزات الأساسية لهذه السنن وطلب النظر والتبصر والسير في الأرض وتحقيق العبرة والاعتبار بأحوال الأمم السابقة وسبب انقراضها وتداعيها لتكون الأمة التي تحمل الرسالة الخاتمة على بينة من أمرها وبصيرة بموضع أقدامها ومعرفة بأعدائها..(6).

وهكذا فإن الدارس للسور القرآنية مكيها ومدنيّها يلاحظ في جلاء عدداً هائلاً من الآيات المتمحورة حول القصص، والحافلة بالعروض التاريخية المتنوعة، والهادفة أساساً إلى: (إثارة الفكر البشري ودفعه إلى التساؤل الدائم والدائب عن الحق، وتقديم خلاصات التجارب البشرية عبراً يسير على هديها أولو الألباب، وإزاحة ستار الغفلة والنسيان في نفس الإنسان وصقل ذاكرته وقدرته على المقاومة لكي تظل في مقدمة قواه الفعالة التي هو بأمس الحاجة إلى تفجير طاقاتها دوماً)(7).

وقد دعانا القرآن الكريم أكثر من مرة عند سرده للواقعة التاريخية إلى: (تأمّلها واعتماد مدلولاتها في أفعالنا الراهنة ونزوعنا المستقبلي)(8).

الرسول صلى الله عليه وسلم والتاريخ..
وقد نحا الرسول صلى الله عليه وسلم المنحى القرآني في الدعوة إلى الاعتبار بالأولين وأخْذ الموعظة من تجاربهم، وذلك عند توظيفه للحدث الماضي ضمن قصص حية، مرغّبة ومرهّبة، آمرة وناهية، حتى لقد اشتملت الأحاديث النبوية الشريفة علىأربع وأربعين قصة تاريخية تضم قصصاً عن الرسل والأنبياء وغيرهم، مثل: قصة (أصحاب الأخدود) و(الثلاثة المبتلون) و(أصحاب الغار) وهذا لا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مؤرخاً أو مدوّناً للتاريخ بإيراده هذا العدد الهائل من القصص التاريخي، وإنما أراد أن يضع للمسلمين الإطار الذي عليهم أن يملؤوه بما يكتشفونه من أحداث وما يصنعونه من عمليات.
عبد القادر عبار - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ المسلمون وضرورة الوعي التاريخي ❝ ❞ عسى أن أكون شهيد الغد ❝ ❞ هكذا غنّى طفل فلسطيني " أيام الحصار " ❝ ❞ في همّنا المعاصر : أفكار وخواطر ❝ ❞ تراجم شهداء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث .. ج1 ❝ ❱
من كتب إسلامية متنوعة - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

تعتبر الصحوة الإسلامية المباركة مرشحة – حضارياً - قبل غيرها للقيام بدورين جدّ بالغين:
الأول: دور (المنقذ من الضلال) للبشرية المصفوعة بمادية الغرب الملحد، وجشع الصهيونية العالمية المدمّرة.
والثاني: دور (المنقذ من التخلف والتبعية) للمسلمين الذي تعصف بهم أطماع الشرق والغرب، وتتربص بهم القوى الغاضبة والحاقدة، وتخطط لتقليص دورهم في حركة التاريخ بإذابة فاعليتهم ونشر الأمية المثلثة في وعيهم، بدءاً بالأمية التاريخية فالدينية فالعقلية.

تعميق البناء الداخلي وبعث الوعي التاريخي
إلا أن هذين الدورين الجليلين والثقيلين – لكي يؤتيا نتائجهما المنشودة ويرتقيا إلى مستوى التأثير والفعالية – مشروطان ــ أساساً، بتحقيق عاملين هامين: أن يكون المسلمون، أبناء هذه الصحوة المباركة، على مستوى الرسالة التي يحملونها ويجاهدون من أجلها، وفي الوقت نفسه، أن يكونوا على مستوى العصر الذي فيه يعيشون، عصر الوعي والعلم والتقنية.

ولتحقيق العامل الأول نرى وجوب تعميق البناء الداخلي والشامل للفرد المسلم، وبعث الشخصية الإسلامية الفذة من بُعدها العقائدي السليم، وتكوينها الشرعي والعلمي الموسوعي، وفاعليتها المبدعة، وواقعيتها الإيجابية.

وأما عن العامل الثاني فنرى ضرورة بعث الوعي التاريخي والحضاري عموماً مع حذق أسباب النهوض، وأساليب التحدي الحضاري: فكراً وثقافة وتقنية، وفقه كل ما من شأنه أن يعين على توثيق ارتباط المسلم بالسنن الكونية والاجتماعية حتى يستعيد فاعليته وقدرته على التغيير والبناء، وتنتفي العشوائية من حركته، والانهزامية من مواقفه: (ذلك أن الإنسان المسلم عبر مسيرته التاريخية، ولا سيما في القرون الأخيرة قد فقد كثيراً من مقومات شخصيته، بفعل عوامل الاحتكاك الحضاري التي واجهته، وهو في حالة لا تؤهله للاستجابة الملائمة للتحدي الحضاري..

ثم إن المسلم في مراحل انزلاقه قد انفكّ ارتباطه بالسنن الكونية والاجتماعية، وسرعان ما وجد أشباه فلاسفة ومتصوفين يقدمون له التبريرات المطلوبة، لفك ارتباطه بالحركة الكونية وللسير عشوائياً على أرض التاريخ، فهو يتحرك دون وعي مسبق، يتحرك غريزياً..)(1) مما يوجب ضرورة بعث الوعي التاريخي، كما أشرت قبل قليل، مع تفهّم طبيعة الواقع الذاتي والموضوعي؛ من خلال التركيز الجاد علىالقراءة المتفهمة للأحداث، وتدبّر السنن المؤثرة والمسيرة لحركة التاريخ.. لدى شبابنا الإسلامي في إ طار الترشيد الثقافي وتعميق التربية وتأصيل التعليم.

فماذا نعني بالوعي التاريخي؟ ثم ما هي المبررات الذاتية والموضوعية التي تلحّ على اكتسابه والتعامل والتحرك من خلاله؟

معنى الوعي التاريخي..
الوعي التاريخي نعني به: ذلك التبصر الدائم والهادف بالتاريخ القريب والبعيد، الذاتي والموضوعي، الحاصل – أي: التبصر- من خلال التوغّل المركّز في قراءة صفحات التجارب البشرية الكثيرة والمتنوعة، وفحصها وتدبّر أبعادها وخلفياتها، واكتشاف المؤثرات والسنن التي ساهمت في بعثها وإيجادها؛ قصد التزوّد والاعتبار، ومحاولة تفهم الأسس السيكولوجية للكثير من الأحداث والصراعات والانفعالات والتأثيرات والحروب.. الحاصلة والمتولدة عبر الأيام في تاريخ البشرية الحافل والطويل.

قيمة الوعي التاريخي..
وقيمة الوعي التاريخي بهذا المفهوم ترجع أساساً إلى كون علم التاريخ ومعرفته تجربة وعبرة، أو كما يعبر عنه علامتنا ابن خلدون: (فن التاريخ: فنّ عزيز المذهب، جمّ الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا..)(2) ذلك أن التاريخ في حقيقته: (خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال )

ثم في كونه أيضاً: (تجربة عطاء في شتى مجالات المعرفة والحركة الإنسانية.. وأنه حصيلة سنن تحكم الطبيعة والإنسان والعالم)(4)، ومن هنا نرى القرآن الكريم يولي المسألة التاريخية أهمية كبرى.

القرآن الكريم والدعوة إلى التبصر والتاريخ
كثيراً ما يؤكد القرآن العظيم، وهو الكتاب الحق والخالد، على ضرورة الوعي التاريخي، ويدعو المسلمين إلى التبصر الجاد والمستمر بأحوال الأولين والتمعن في سيرهم للاعتبار والاتعاظ بما جرى لهم حتى لا تتكرر الأخطاء، وحتى يتجنبوا مزالق التيه والضلال التي وقع فيها من سبقهم من الأمم، ومن ثم لينقذوا أنفسهم والبشرية من حولهم بما أنهم شهداء عليها، من سوء العذاب وخسران المصير.

كما أوضح لهم أكثر من مرة أن السنن المسيّرة لحركة التاريخ لا تقتصر على شعب دون شعب ولا على إقليم دون آخر حتى يأخذوا حذرهم.

فالمسائل التاريخية –إذن- المتعلقة بالشعوب السابقة وبمصير الأمم وأحوالها وعلاقاتها الحضارية ثم أسباب سقوطها، وانهيار الحضارات السالفة متوافرة ومطروحة في القرآن الكريم بشكل بارز:

(... إن آياته البينات ترحل بالمؤمنين عبر كل تلاوة في مجرى الزمن، وتحكي لهم عن وقائع التاريخ المزدحمة وأحداثه المتلاحقة ومعطياته المتمخضة عن القيم والعبر والدلالات.. ومعظم سور القرآن تضرب على الوتر نفسه فلا تكاد تخلو من واقعة تاريخية أو حدث ماض أو دعوة لاستلهام المغزى من هذه التجربة أو تلك، إن الامتداد الذهبي والوجداني إلى الماضي يشكل مساحة واسعة في كتاب الله..)(5).

وهذا لا يعني أن القرآن كتاب تاريخ، أو مدوّنة تاريخية ذلك أن كلمة التاريخ لم تذكر لا في القرآن ولا في السنة –كما يؤكد العلامة علال الفاسي- وإنْ قصّ علينا القرآن قصصاً للأولين، لا لنعتبرها تاريخاً بأوقاتها وظروفها ولكن لنتعظ بما فيها من عبرة لأولي الألباب.

قال تعالى: { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّنْ لكم وأرسلنا السماءَ عليهم مدراراً وجعلنا الأنهارَ تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرينَ }(الأنعام6).

وقال عز وجل أيضاً: { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشدُّ منهم بطشاً فنقّبوا في البلاد هل من محيص * إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد }(ق 36-37).

وقال سبحانه في موضع آخر: { قد خلتْ من قبلكم سننٌ فسيروا في الآرض فانظروا كيف كانَ عاقبةُ المكذّبين * هذا بيانٌ للناس وهدى وموعظةٌ للمتقين }(آل عمران 137-138).

وقد عرض القرآنُ الكريم المرتكزات الأساسية لهذه السنن وطلب النظر والتبصر والسير في الأرض وتحقيق العبرة والاعتبار بأحوال الأمم السابقة وسبب انقراضها وتداعيها لتكون الأمة التي تحمل الرسالة الخاتمة على بينة من أمرها وبصيرة بموضع أقدامها ومعرفة بأعدائها..(6).

وهكذا فإن الدارس للسور القرآنية مكيها ومدنيّها يلاحظ في جلاء عدداً هائلاً من الآيات المتمحورة حول القصص، والحافلة بالعروض التاريخية المتنوعة، والهادفة أساساً إلى: (إثارة الفكر البشري ودفعه إلى التساؤل الدائم والدائب عن الحق، وتقديم خلاصات التجارب البشرية عبراً يسير على هديها أولو الألباب، وإزاحة ستار الغفلة والنسيان في نفس الإنسان وصقل ذاكرته وقدرته على المقاومة لكي تظل في مقدمة قواه الفعالة التي هو بأمس الحاجة إلى تفجير طاقاتها دوماً)(7).

وقد دعانا القرآن الكريم أكثر من مرة عند سرده للواقعة التاريخية إلى: (تأمّلها واعتماد مدلولاتها في أفعالنا الراهنة ونزوعنا المستقبلي)(8).

الرسول صلى الله عليه وسلم والتاريخ..
وقد نحا الرسول صلى الله عليه وسلم المنحى القرآني في الدعوة إلى الاعتبار بالأولين وأخْذ الموعظة من تجاربهم، وذلك عند توظيفه للحدث الماضي ضمن قصص حية، مرغّبة ومرهّبة، آمرة وناهية، حتى لقد اشتملت الأحاديث النبوية الشريفة علىأربع وأربعين قصة تاريخية تضم قصصاً عن الرسل والأنبياء وغيرهم، مثل: قصة (أصحاب الأخدود) و(الثلاثة المبتلون) و(أصحاب الغار) وهذا لا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مؤرخاً أو مدوّناً للتاريخ بإيراده هذا العدد الهائل من القصص التاريخي، وإنما أراد أن يضع للمسلمين الإطار الذي عليهم أن يملؤوه بما يكتشفونه من أحداث وما يصنعونه من عمليات.

.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

تعتبر الصحوة الإسلامية المباركة مرشحة – حضارياً - قبل غيرها للقيام بدورين جدّ بالغين:
الأول: دور (المنقذ من الضلال) للبشرية المصفوعة بمادية الغرب الملحد، وجشع الصهيونية العالمية المدمّرة.
والثاني: دور (المنقذ من التخلف والتبعية) للمسلمين الذي تعصف بهم أطماع الشرق والغرب، وتتربص بهم القوى الغاضبة والحاقدة، وتخطط لتقليص دورهم في حركة التاريخ بإذابة فاعليتهم ونشر الأمية المثلثة في وعيهم، بدءاً بالأمية التاريخية فالدينية فالعقلية.

تعميق البناء الداخلي وبعث الوعي التاريخي
إلا أن هذين الدورين الجليلين والثقيلين – لكي يؤتيا نتائجهما المنشودة ويرتقيا إلى مستوى التأثير والفعالية – مشروطان ــ أساساً، بتحقيق عاملين هامين: أن يكون المسلمون، أبناء هذه الصحوة المباركة، على مستوى الرسالة التي يحملونها ويجاهدون من أجلها، وفي الوقت نفسه، أن يكونوا على مستوى العصر الذي فيه يعيشون، عصر الوعي والعلم والتقنية.

ولتحقيق العامل الأول نرى وجوب تعميق البناء الداخلي والشامل للفرد المسلم، وبعث الشخصية الإسلامية الفذة من بُعدها العقائدي السليم، وتكوينها الشرعي والعلمي الموسوعي، وفاعليتها المبدعة، وواقعيتها الإيجابية.

وأما عن العامل الثاني فنرى ضرورة بعث الوعي التاريخي والحضاري عموماً مع حذق أسباب النهوض، وأساليب التحدي الحضاري: فكراً وثقافة وتقنية، وفقه كل ما من شأنه أن يعين على توثيق ارتباط المسلم بالسنن الكونية والاجتماعية حتى يستعيد فاعليته وقدرته على التغيير والبناء، وتنتفي العشوائية من حركته، والانهزامية من مواقفه: (ذلك أن الإنسان المسلم عبر مسيرته التاريخية، ولا سيما في القرون الأخيرة قد فقد كثيراً من مقومات شخصيته، بفعل عوامل الاحتكاك الحضاري التي واجهته، وهو في حالة لا تؤهله للاستجابة الملائمة للتحدي الحضاري.. 

ثم إن المسلم في مراحل انزلاقه قد انفكّ ارتباطه بالسنن الكونية والاجتماعية، وسرعان ما وجد أشباه فلاسفة ومتصوفين يقدمون له التبريرات المطلوبة، لفك ارتباطه بالحركة الكونية وللسير عشوائياً على أرض التاريخ، فهو يتحرك دون وعي مسبق، يتحرك غريزياً..)(1) مما يوجب ضرورة بعث الوعي التاريخي، كما أشرت قبل قليل، مع تفهّم طبيعة الواقع الذاتي والموضوعي؛ من خلال التركيز الجاد علىالقراءة المتفهمة للأحداث، وتدبّر السنن المؤثرة والمسيرة لحركة التاريخ.. لدى شبابنا الإسلامي في إ طار الترشيد الثقافي وتعميق التربية وتأصيل التعليم.

فماذا نعني بالوعي التاريخي؟ ثم ما هي المبررات الذاتية والموضوعية التي تلحّ على اكتسابه والتعامل والتحرك من خلاله؟

معنى الوعي التاريخي..
الوعي التاريخي نعني به: ذلك التبصر الدائم والهادف بالتاريخ القريب والبعيد، الذاتي والموضوعي، الحاصل – أي: التبصر- من خلال التوغّل المركّز في قراءة صفحات التجارب البشرية الكثيرة والمتنوعة، وفحصها وتدبّر أبعادها وخلفياتها، واكتشاف المؤثرات والسنن التي ساهمت في بعثها وإيجادها؛ قصد التزوّد والاعتبار، ومحاولة تفهم الأسس السيكولوجية للكثير من الأحداث والصراعات والانفعالات والتأثيرات والحروب.. الحاصلة والمتولدة عبر الأيام في تاريخ البشرية الحافل والطويل.

قيمة الوعي التاريخي..
وقيمة الوعي التاريخي بهذا المفهوم ترجع أساساً إلى كون علم التاريخ ومعرفته تجربة وعبرة، أو كما يعبر عنه علامتنا ابن خلدون: (فن التاريخ: فنّ عزيز المذهب، جمّ الفوائد، شريف الغاية، إذ هو يوقفنا على أحوال الماضين من الأمم في أخلاقهم، والأنبياء في سيرهم، والملوك في دولهم وسياستهم، حتى تتم فائدة الاقتداء في ذلك لمن يرومه في أحوال الدين والدنيا..)(2) ذلك أن التاريخ في حقيقته: (خبر عن الاجتماع الإنساني الذي هو عمران العالم وما يعرض لطبيعة ذلك العمران من الأحوال ) 

ثم في كونه أيضاً: (تجربة عطاء في شتى مجالات المعرفة والحركة الإنسانية.. وأنه حصيلة سنن تحكم الطبيعة والإنسان والعالم)(4)، ومن هنا نرى القرآن الكريم يولي المسألة التاريخية أهمية كبرى.

القرآن الكريم والدعوة إلى التبصر والتاريخ
كثيراً ما يؤكد القرآن العظيم، وهو الكتاب الحق والخالد، على ضرورة الوعي التاريخي، ويدعو المسلمين إلى التبصر الجاد والمستمر بأحوال الأولين والتمعن في سيرهم للاعتبار والاتعاظ بما جرى لهم حتى لا تتكرر الأخطاء، وحتى يتجنبوا مزالق التيه والضلال التي وقع فيها من سبقهم من الأمم، ومن ثم لينقذوا أنفسهم والبشرية من حولهم بما أنهم شهداء عليها، من سوء العذاب وخسران المصير.

كما أوضح لهم أكثر من مرة أن السنن المسيّرة لحركة التاريخ لا تقتصر على شعب دون شعب ولا على إقليم دون آخر حتى يأخذوا حذرهم.

فالمسائل التاريخية –إذن- المتعلقة بالشعوب السابقة وبمصير الأمم وأحوالها وعلاقاتها الحضارية ثم أسباب سقوطها، وانهيار الحضارات السالفة متوافرة ومطروحة في القرآن الكريم بشكل بارز:

(... إن آياته البينات ترحل بالمؤمنين عبر كل تلاوة في مجرى الزمن، وتحكي لهم عن وقائع التاريخ المزدحمة وأحداثه المتلاحقة ومعطياته المتمخضة عن القيم والعبر والدلالات.. ومعظم سور القرآن تضرب على الوتر نفسه فلا تكاد تخلو من واقعة تاريخية أو حدث ماض أو دعوة لاستلهام المغزى من هذه التجربة أو تلك، إن الامتداد الذهبي والوجداني إلى الماضي يشكل مساحة واسعة في كتاب الله..)(5).

وهذا لا يعني أن القرآن كتاب تاريخ، أو مدوّنة تاريخية ذلك أن كلمة التاريخ لم تذكر لا في القرآن ولا في السنة –كما يؤكد العلامة علال الفاسي- وإنْ قصّ علينا القرآن قصصاً للأولين، لا لنعتبرها تاريخاً بأوقاتها وظروفها ولكن لنتعظ بما فيها من عبرة لأولي الألباب.

قال تعالى: { ألم يروا كم أهلكنا من قبلهم من قرن مكّنّاهم في الأرض ما لم نمكّنْ لكم وأرسلنا السماءَ عليهم مدراراً وجعلنا الأنهارَ تجري من تحتهم فأهلكناهم بذنوبهم وأنشأنا من بعدهم قرناً آخرينَ }(الأنعام6).

وقال عز وجل أيضاً: { وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشدُّ منهم بطشاً فنقّبوا في البلاد هل من محيص * إنّ في ذلك لذكرى لمن كان له قلبٌ أو ألقى السمعَ وهو شهيد }(ق 36-37).

وقال سبحانه في موضع آخر: { قد خلتْ من قبلكم سننٌ فسيروا في الآرض فانظروا كيف كانَ عاقبةُ المكذّبين * هذا بيانٌ للناس وهدى وموعظةٌ للمتقين }(آل عمران 137-138).

وقد عرض القرآنُ الكريم المرتكزات الأساسية لهذه السنن وطلب النظر والتبصر والسير في الأرض وتحقيق العبرة والاعتبار بأحوال الأمم السابقة وسبب انقراضها وتداعيها لتكون الأمة التي تحمل الرسالة الخاتمة على بينة من أمرها وبصيرة بموضع أقدامها ومعرفة بأعدائها..(6).

وهكذا فإن الدارس للسور القرآنية مكيها ومدنيّها يلاحظ في جلاء عدداً هائلاً من الآيات المتمحورة حول القصص، والحافلة بالعروض التاريخية المتنوعة، والهادفة أساساً إلى: (إثارة الفكر البشري ودفعه إلى التساؤل الدائم والدائب عن الحق، وتقديم خلاصات التجارب البشرية عبراً يسير على هديها أولو الألباب، وإزاحة ستار الغفلة والنسيان في نفس الإنسان وصقل ذاكرته وقدرته على المقاومة لكي تظل في مقدمة قواه الفعالة التي هو بأمس الحاجة إلى تفجير طاقاتها دوماً)(7).

وقد دعانا القرآن الكريم أكثر من مرة عند سرده للواقعة التاريخية إلى: (تأمّلها واعتماد مدلولاتها في أفعالنا الراهنة ونزوعنا المستقبلي)(8).

الرسول صلى الله عليه وسلم والتاريخ..
وقد نحا الرسول صلى الله عليه وسلم المنحى القرآني في الدعوة إلى الاعتبار بالأولين وأخْذ الموعظة من تجاربهم، وذلك عند توظيفه للحدث الماضي ضمن قصص حية، مرغّبة ومرهّبة، آمرة وناهية، حتى لقد اشتملت الأحاديث النبوية الشريفة علىأربع وأربعين قصة تاريخية تضم قصصاً عن الرسل والأنبياء وغيرهم، مثل: قصة (أصحاب الأخدود) و(الثلاثة المبتلون) و(أصحاب الغار) وهذا لا يعني أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان مؤرخاً أو مدوّناً للتاريخ بإيراده هذا العدد الهائل من القصص التاريخي، وإنما أراد أن يضع للمسلمين الإطار الذي عليهم أن يملؤوه بما يكتشفونه من أحداث وما يصنعونه من عمليات.

المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

عدد المسلمين في العالم 2019

كم عدد المسلمين في العالم 2019

الإسلام

معنى الإسلام

المسلمون في الغرب

ما هو الإسلام

معنى كلمة مسلم في القرآن

عدد المسلمين في العالم 2020



حجم الكتاب عند التحميل : 168 كيلوبايت .
نوع الكتاب : ppt.
عداد القراءة: عدد قراءة المسلمون وضرورة الوعي التاريخي

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل المسلمون وضرورة الوعي التاريخي
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pptقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات ppt
يمكن تحميلة من هنا 'http://www.microsoftstore.com/store/msmea/ar_EG/pdp/Office-365-Personal/productID.299498600'

المؤلف:
عبد القادر عبار - Abdul Qadir Abbar

كتب عبد القادر عبار ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ المسلمون وضرورة الوعي التاريخي ❝ ❞ عسى أن أكون شهيد الغد ❝ ❞ هكذا غنّى طفل فلسطيني " أيام الحصار " ❝ ❞ في همّنا المعاصر : أفكار وخواطر ❝ ❞ تراجم شهداء الدعوة الإسلامية في العصر الحديث .. ج1 ❝ ❱. المزيد..

كتب عبد القادر عبار