❞ كتاب الصيام من البداية حتى الإسلام ❝  ⏤ علي الخطيب

❞ كتاب الصيام من البداية حتى الإسلام ❝ ⏤ علي الخطيب

الصَّوْمُ في الإسلام نوع من العبادات الهامة، وأصل الصَّوْمُ (ص و مـ)، يقال: صام صَوْمًا وصِيامًا أيضًا، في اللغة: مطلق الإمساك، أو الكف عن الشيء، ومنه قول الله تعالى حكاية عن مريم: ﴿فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا..﴾ أي: إمساكاً عن الكلام. والصوم في الشرع الإسلامي عبادة بمعنى: «الإمساك عن المفطرات على وجه مخصوص، وشروط مخصوصة من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، بنية».

ولا يقتصر على صوم شهر رمضان، بل يشمل جميع أنواع الصوم، وهو إما فرض عين وهو صوم شهر رمضان من كل عام، وما عداه إما واجب مثل: صوم القضاء أو النذر أو الكفارة. وإما تطوع ويشمل: المسنون المؤكد، والمندوب (المستحب) والنفل المطلق، ومن الصوم أيضا ما يشرع تركه وهو الصوم المنهي عنه كصيام يوم الشك، ويحرم صوم يوم عيدي الفطر والأضحى.

والصوم في الإسلام هو عبادة يتفق المسلمون على اتباع نهج النبي في تحديد ماهيتها وأساسياتها، فهو بمعنى: «الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بنية»، كما أن صوم شهر رمضان من كل عام: فرض بإجماع المسلمين، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفضائله متعددة، ويشرع قيام لياليه، وخصوصاً العشر الأواخر منه، وفيه ليلة القدر، وتتعلق به زكاة الفطر، وهو عند المسلمين موعد للفرحة، والبر والصلة، وعوائد الخير. وفرض الصوم على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، بأدلة منها قول الله تعالى: ﴿ْكُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَُ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..﴾

وحديث: «بني الإسلام على خمس..» وذكر منها: صوم رمضان، وحديث الأعرابي السائل عن شرائع الدين، قال: هل علي غيره؟ أي: صوم رمضان، قال في الحديث: «لا، إلا أن تطوع شيئا». وصوم شهر رمضان من كل عام: فرض على كل مسلم مكلف مطيق للصوم غير مترخص بسبب المرض أو السفر، ولا يصح الصوم إلا من مسلم عاقل مع خلو المرأة من الحيض والنفاس.

وللصوم أحكام مفصلة في علم فروع الفقه، ومنها وجوب الصوم، وأركانه، وشروطه، ومبطلاته، ومستحباته، ومكروهاته، وأحكام الفطر، والأعذار الشرعية المبيحة للفطر، ومواقيت الصوم، لدخول الشهر وخروجه، ووقت الإمساك، والتسحر، والإفطار، والقضاء والأداء وغير ذلك.

وللصوم فوائد حسية ومعنوية إذ أن فية تهذيب السلوك النفسي وتقويم اعوجاج النفس، وتغيير النمط الذي اعتاد الشخص عليه في حياته اليومية، وفي هذا تعليم لمعنى الطاعة والامتثال في عبادة الله، وتخليص النفس من قيود الهوى وتزكيتها وتهذيبها، وتعليم النفس معنى الصبر بالامتناع عن المفطرات، حتى يشعر الإنسان بحال الجائع والبائس الفقير، لتحصيل العطف والمودة والتراحم بين المجتمع. وفي الحديث: «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ». بمعنى: أنه وقاية من النار، كما أن من فوائد الصوم في الإسلام أنه يعين على تهذيب النفس وكسر الشهوة لمن خاف على نفسه العزوبة، ويدل على هذا حديث: "عن إبراهيم عن علقمة قال بينا أنا أمشي مع عبد الله رضى الله تعالى عنه، فقال: كنا مع النبي ﷺ فقال: «من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»". فالزواج مستحب لمن يقدر عليه، ومن لم يقدر عليه فعليه بالصوم فإنه يكون له كالوجاء في كسر الشهوة، ولا وسيلة لذلك غير الصوم.

قال أبو جعفر الطبري: وأما تأويل قوله: ﴿لعلكم تتقون﴾ فإنه يعني به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه، يقول: فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين، لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.

قال فخر الدين الرازي: في تفسير قوله تعالى: ﴿لعلكم تتقون﴾: أنه سبحانه بين بهذا الكلام أن الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى، فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذات الدنيا ورياستها، وذلك؛ لأن الصوم يكسر شهوة البطن والفرج، وإنما يسعى الناس لهذين، كما قيل في المثل السائر: المرء يسعى لغاريه بطنه وفرجه، فمن أكثر الصوم هان عليه أمر هذين وخفت عليه مؤنتهما، فكان ذلك رادعا له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهونا عليه أمر الرياسة في الدنيا، وذلك جامع لأسباب التقوى فيكون معنى الآية فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم في كتابي، وأعلمت أن هذا الكتاب هدى لهم، ولما اختص الصوم بهذه الخاصية حسن منه تعالى أن يقول عند إيجابها: ﴿لعلكم تتقون﴾ منها بذلك على وجه وجوبه؛ لأن ما يمنع النفس عن المعاصي لا بد وأن يكون واجبا.

وذكر في معنى «لعل»: المعنى ينبغي لكم بالصوم أن يقوى وجاؤكم في التقوى وهذا معنى «لعل» في سياق الآية، والمعنى: ﴿لعلكم تتقون﴾ الله بصومكم وترككم للشهوات، فإن الشيء كلما كانت الرغبة فيه أكثر كان الاتقاء عنه أشق، والرغبة في المطعوم والمنكوح أشد من الرغبة في سائر الأشياء، فإذا سهل عليكم اتقاء الله بترك المطعوم والمنكوح؛ كان اتقاء الله بترك سائر الأشياء أسهل وأخف. ورابعها: المراد ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ إهمالها وترك المحافظة عليها بسبب عظم درجاتها وأصالتها. وخامسها: لعلكم تنتظمون بسبب هذه العبادة في زمرة المتقين؛ لأن الصوم شعارهم.

قال ابن كثير في تفسيره: «لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة. وفيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في الصحيحين: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»».

في هذا الكتاب تتعرف أكثر عن الفوائد الفقهية والإنسانية المكنونة داخل التشريع الإسلامي للصوم..
علي الخطيب - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الصيام من البداية حتى الإسلام ❝ الناشرين : ❞ المكتبة العصرية ❝ ❱
من المكتبة الرمضانية وكتب الصيام الفقه الإسلامي - مكتبة كتب إسلامية.


اقتباسات من كتاب الصيام من البداية حتى الإسلام

نبذة عن الكتاب:
الصيام من البداية حتى الإسلام

1980م - 1446هـ
الصَّوْمُ في الإسلام نوع من العبادات الهامة، وأصل الصَّوْمُ (ص و مـ)، يقال: صام صَوْمًا وصِيامًا أيضًا، في اللغة: مطلق الإمساك، أو الكف عن الشيء، ومنه قول الله تعالى حكاية عن مريم: ﴿فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا..﴾ أي: إمساكاً عن الكلام. والصوم في الشرع الإسلامي عبادة بمعنى: «الإمساك عن المفطرات على وجه مخصوص، وشروط مخصوصة من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، بنية».

ولا يقتصر على صوم شهر رمضان، بل يشمل جميع أنواع الصوم، وهو إما فرض عين وهو صوم شهر رمضان من كل عام، وما عداه إما واجب مثل: صوم القضاء أو النذر أو الكفارة. وإما تطوع ويشمل: المسنون المؤكد، والمندوب (المستحب) والنفل المطلق، ومن الصوم أيضا ما يشرع تركه وهو الصوم المنهي عنه كصيام يوم الشك، ويحرم صوم يوم عيدي الفطر والأضحى.

والصوم في الإسلام هو عبادة يتفق المسلمون على اتباع نهج النبي في تحديد ماهيتها وأساسياتها، فهو بمعنى: «الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بنية»، كما أن صوم شهر رمضان من كل عام: فرض بإجماع المسلمين، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفضائله متعددة، ويشرع قيام لياليه، وخصوصاً العشر الأواخر منه، وفيه ليلة القدر، وتتعلق به زكاة الفطر، وهو عند المسلمين موعد للفرحة، والبر والصلة، وعوائد الخير. وفرض الصوم على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، بأدلة منها قول الله تعالى: ﴿ْكُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَُ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..﴾

وحديث: «بني الإسلام على خمس..» وذكر منها: صوم رمضان، وحديث الأعرابي السائل عن شرائع الدين، قال: هل علي غيره؟ أي: صوم رمضان، قال في الحديث: «لا، إلا أن تطوع شيئا». وصوم شهر رمضان من كل عام: فرض على كل مسلم مكلف مطيق للصوم غير مترخص بسبب المرض أو السفر، ولا يصح الصوم إلا من مسلم عاقل مع خلو المرأة من الحيض والنفاس.

وللصوم أحكام مفصلة في علم فروع الفقه، ومنها وجوب الصوم، وأركانه، وشروطه، ومبطلاته، ومستحباته، ومكروهاته، وأحكام الفطر، والأعذار الشرعية المبيحة للفطر، ومواقيت الصوم، لدخول الشهر وخروجه، ووقت الإمساك، والتسحر، والإفطار، والقضاء والأداء وغير ذلك.

وللصوم فوائد حسية ومعنوية إذ أن فية تهذيب السلوك النفسي وتقويم اعوجاج النفس، وتغيير النمط الذي اعتاد الشخص عليه في حياته اليومية، وفي هذا تعليم لمعنى الطاعة والامتثال في عبادة الله، وتخليص النفس من قيود الهوى وتزكيتها وتهذيبها، وتعليم النفس معنى الصبر بالامتناع عن المفطرات، حتى يشعر الإنسان بحال الجائع والبائس الفقير، لتحصيل العطف والمودة والتراحم بين المجتمع. وفي الحديث: «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ». بمعنى: أنه وقاية من النار، كما أن من فوائد الصوم في الإسلام أنه يعين على تهذيب النفس وكسر الشهوة لمن خاف على نفسه العزوبة، ويدل على هذا حديث: "عن إبراهيم عن علقمة قال بينا أنا أمشي مع عبد الله رضى الله تعالى عنه، فقال: كنا مع النبي ﷺ فقال: «من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»". فالزواج مستحب لمن يقدر عليه، ومن لم يقدر عليه فعليه بالصوم فإنه يكون له كالوجاء في كسر الشهوة، ولا وسيلة لذلك غير الصوم.

قال أبو جعفر الطبري: وأما تأويل قوله: ﴿لعلكم تتقون﴾ فإنه يعني به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه، يقول: فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين، لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.

قال فخر الدين الرازي: في تفسير قوله تعالى: ﴿لعلكم تتقون﴾: أنه سبحانه بين بهذا الكلام أن الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى، فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذات الدنيا ورياستها، وذلك؛ لأن الصوم يكسر شهوة البطن والفرج، وإنما يسعى الناس لهذين، كما قيل في المثل السائر: المرء يسعى لغاريه بطنه وفرجه، فمن أكثر الصوم هان عليه أمر هذين وخفت عليه مؤنتهما، فكان ذلك رادعا له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهونا عليه أمر الرياسة في الدنيا، وذلك جامع لأسباب التقوى فيكون معنى الآية فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم في كتابي، وأعلمت أن هذا الكتاب هدى لهم، ولما اختص الصوم بهذه الخاصية حسن منه تعالى أن يقول عند إيجابها: ﴿لعلكم تتقون﴾ منها بذلك على وجه وجوبه؛ لأن ما يمنع النفس عن المعاصي لا بد وأن يكون واجبا.

وذكر في معنى «لعل»: المعنى ينبغي لكم بالصوم أن يقوى وجاؤكم في التقوى وهذا معنى «لعل» في سياق الآية، والمعنى: ﴿لعلكم تتقون﴾ الله بصومكم وترككم للشهوات، فإن الشيء كلما كانت الرغبة فيه أكثر كان الاتقاء عنه أشق، والرغبة في المطعوم والمنكوح أشد من الرغبة في سائر الأشياء، فإذا سهل عليكم اتقاء الله بترك المطعوم والمنكوح؛ كان اتقاء الله بترك سائر الأشياء أسهل وأخف. ورابعها: المراد ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ إهمالها وترك المحافظة عليها بسبب عظم درجاتها وأصالتها. وخامسها: لعلكم تنتظمون بسبب هذه العبادة في زمرة المتقين؛ لأن الصوم شعارهم.

قال ابن كثير في تفسيره: «لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة. وفيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في الصحيحين: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»».

في هذا الكتاب تتعرف أكثر عن الفوائد الفقهية والإنسانية المكنونة داخل التشريع الإسلامي للصوم..

.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

الصَّوْمُ في الإسلام نوع من العبادات الهامة، وأصل الصَّوْمُ (ص و مـ)، يقال: صام صَوْمًا وصِيامًا أيضًا، في اللغة: مطلق الإمساك، أو الكف عن الشيء، ومنه قول الله تعالى حكاية عن مريم: ﴿فَقُولِيٓ إِنِّي نَذَرۡتُ لِلرَّحۡمَٰنِ صَوۡمٗا..﴾ أي: إمساكاً عن الكلام. والصوم في الشرع الإسلامي عبادة بمعنى: «الإمساك عن المفطرات على وجه مخصوص، وشروط مخصوصة من طلوع الفجر الثاني، إلى غروب الشمس، بنية». 

ولا يقتصر على صوم شهر رمضان، بل يشمل جميع أنواع الصوم، وهو إما فرض عين وهو صوم شهر رمضان من كل عام، وما عداه إما واجب مثل: صوم القضاء أو النذر أو الكفارة. وإما تطوع ويشمل: المسنون المؤكد، والمندوب (المستحب) والنفل المطلق، ومن الصوم أيضا ما يشرع تركه وهو الصوم المنهي عنه كصيام يوم الشك، ويحرم صوم يوم عيدي الفطر والأضحى.

والصوم في الإسلام هو عبادة يتفق المسلمون على اتباع نهج النبي في تحديد ماهيتها وأساسياتها، فهو بمعنى: «الإمساك عن المفطرات من طلوع الفجر الثاني إلى غروب الشمس بنية»، كما أن صوم شهر رمضان من كل عام: فرض بإجماع المسلمين، وهو أحد أركان الإسلام الخمسة، وفضائله متعددة، ويشرع قيام لياليه، وخصوصاً العشر الأواخر منه، وفيه ليلة القدر، وتتعلق به زكاة الفطر، وهو عند المسلمين موعد للفرحة، والبر والصلة، وعوائد الخير. وفرض الصوم على المسلمين في السنة الثانية للهجرة، بأدلة منها قول الله تعالى: ﴿ْكُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامَُ﴾، وقوله تعالى: ﴿فَمَن شَهِدَ مِنكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ..﴾

 وحديث: «بني الإسلام على خمس..» وذكر منها: صوم رمضان، وحديث الأعرابي السائل عن شرائع الدين، قال: هل علي غيره؟ أي: صوم رمضان، قال في الحديث: «لا، إلا أن تطوع شيئا». وصوم شهر رمضان من كل عام: فرض على كل مسلم مكلف مطيق للصوم غير مترخص بسبب المرض أو السفر، ولا يصح الصوم إلا من مسلم عاقل مع خلو المرأة من الحيض والنفاس.

 وللصوم أحكام مفصلة في علم فروع الفقه، ومنها وجوب الصوم، وأركانه، وشروطه، ومبطلاته، ومستحباته، ومكروهاته، وأحكام الفطر، والأعذار الشرعية المبيحة للفطر، ومواقيت الصوم، لدخول الشهر وخروجه، ووقت الإمساك، والتسحر، والإفطار، والقضاء والأداء وغير ذلك.

وللصوم فوائد حسية ومعنوية إذ أن فية تهذيب السلوك النفسي وتقويم اعوجاج النفس، وتغيير النمط الذي اعتاد الشخص عليه في حياته اليومية، وفي هذا تعليم لمعنى الطاعة والامتثال في عبادة الله، وتخليص النفس من قيود الهوى وتزكيتها وتهذيبها، وتعليم النفس معنى الصبر بالامتناع عن المفطرات، حتى يشعر الإنسان بحال الجائع والبائس الفقير، لتحصيل العطف والمودة والتراحم بين المجتمع. وفي الحديث: «وَالصِّيَامُ جُنَّةٌ». بمعنى: أنه وقاية من النار، كما أن من فوائد الصوم في الإسلام أنه يعين على تهذيب النفس وكسر الشهوة لمن خاف على نفسه العزوبة، ويدل على هذا حديث: "عن إبراهيم عن علقمة قال بينا أنا أمشي مع عبد الله رضى الله تعالى عنه، فقال: كنا مع النبي ﷺ فقال: «من استطاع الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»". فالزواج مستحب لمن يقدر عليه، ومن لم يقدر عليه فعليه بالصوم فإنه يكون له كالوجاء في كسر الشهوة، ولا وسيلة لذلك غير الصوم.

قال أبو جعفر الطبري: وأما تأويل قوله: ﴿لعلكم تتقون﴾ فإنه يعني به: لتتقوا أكل الطعام وشرب الشراب وجماع النساء فيه، يقول: فرضت عليكم الصوم والكف عما تكونون بترك الكف عنه مفطرين، لتتقوا ما يفطركم في وقت صومكم. وبمثل الذي قلنا في ذلك قال جماعة من أهل التأويل.

قال فخر الدين الرازي: في تفسير قوله تعالى: ﴿لعلكم تتقون﴾: أنه سبحانه بين بهذا الكلام أن الصوم يورث التقوى لما فيه من انكسار الشهوة وانقماع الهوى، فإنه يردع عن الأشر والبطر والفواحش، ويهون لذات الدنيا ورياستها، وذلك؛ لأن الصوم يكسر شهوة البطن والفرج، وإنما يسعى الناس لهذين، كما قيل في المثل السائر: المرء يسعى لغاريه بطنه وفرجه، فمن أكثر الصوم هان عليه أمر هذين وخفت عليه مؤنتهما، فكان ذلك رادعا له عن ارتكاب المحارم والفواحش، ومهونا عليه أمر الرياسة في الدنيا، وذلك جامع لأسباب التقوى فيكون معنى الآية فرضت عليكم الصيام لتكونوا به من المتقين الذين أثنيت عليهم في كتابي، وأعلمت أن هذا الكتاب هدى لهم، ولما اختص الصوم بهذه الخاصية حسن منه تعالى أن يقول عند إيجابها: ﴿لعلكم تتقون﴾ منها بذلك على وجه وجوبه؛ لأن ما يمنع النفس عن المعاصي لا بد وأن يكون واجبا.

وذكر في معنى «لعل»: المعنى ينبغي لكم بالصوم أن يقوى وجاؤكم في التقوى وهذا معنى «لعل» في سياق الآية، والمعنى: ﴿لعلكم تتقون﴾ الله بصومكم وترككم للشهوات، فإن الشيء كلما كانت الرغبة فيه أكثر كان الاتقاء عنه أشق، والرغبة في المطعوم والمنكوح أشد من الرغبة في سائر الأشياء، فإذا سهل عليكم اتقاء الله بترك المطعوم والمنكوح؛ كان اتقاء الله بترك سائر الأشياء أسهل وأخف. ورابعها: المراد ﴿كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون﴾ إهمالها وترك المحافظة عليها بسبب عظم درجاتها وأصالتها. وخامسها: لعلكم تنتظمون بسبب هذه العبادة في زمرة المتقين؛ لأن الصوم شعارهم.

قال ابن كثير في تفسيره: «لما فيه من زكاة النفس وطهارتها وتنقيتها من الأخلاط الرديئة والأخلاق الرذيلة. وفيه تزكية للبدن وتضييق لمسالك الشيطان؛ ولهذا ثبت في الصحيحين: «يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وجاء»».

في هذا الكتاب تتعرف أكثر عن الفوائد الفقهية والإنسانية المكنونة داخل التشريع الإسلامي للصوم..

 أول ما شرع الصوم بعد الهجرة في يوم عاشوراء، (لما قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، وجد اليهود يصومون يوم عاشوراء، فسألهم: لم تصومونه؟ قالوا: هذا يوم نجى الله فيه موسى من فرعون، فصامه شكراً لله، فنحن نصومه، فقال صلى الله عليه وسلم: نحن أحق بموسى منكم -أي: لأنكم غيرتم وبدلتم ما جاءكم به موسى، ونحن لا نغير ولا نبدل- فصامه وأمر الناس بصيامه) ، وفي بعض الروايات: (أنه صلى الله عليه وسلم لما نوى صيامه بعث إلى مياه أهل المدينة منادياً: من كان ممسكاً فليبق على صيامه، ومن أكل أو شرب فليمسك بقية يومه) ، وكان ذلك في السنة الأولى، ثم في السنة الثانية فرض رمضان، ونسخ فرضية يوم عاشوراء، وأصبح على النافلة والندب والاستحباب.
ولا يعني سؤال النبي صلى الله عليه وسلم اليهود عن صوم يوم عاشوراء أنه صامه تبعاً لهم، لا، فصوم يوم عاشوراء كان معلوماً عند العرب قبل الإسلام، كانوا يصومونه ويجددون فيه كسوة الكعبة، فكان معلوماً لديهم، ولكن سؤال النبي صلى الله عليه وسلم لليهود -وهم أهل كتاب- ليعلم ما هو السبب عندهم، فذكروا له نجاة موسى من فرعون، فبين لهم أنه أحق بموسى منهم فصامه.
ويمكن أن يقال من جانب آخر: كان النبي صلى الله عليه وسلم أول ما جاء المدينة مهاجراً يحب أن يوافق اليهود من باب المسايرة، وليبين أنه أتى بما جاء به الأنبياء قبله، فكان يصلي ستة عشر شهراً من أول مقدمه المدينة مستقبلاً لصخرة بيت المقدس، حتى أن اليهود استدلوا بذلك على أنه تابع لهم، وكانوا يحتجون بصلاته صلى الله عليه وسلم إلى قبلتهم، ويقولون: يصلي إلى قبلتنا ويعيب ديننا!! فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يقلب وجهه في السماء يتطلع إلى تغيير هذا الحال، ويحب أن يوجه في صلاته إلى الكعبة، فجاء قوله سبحانه: {قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا} [البقرة:144] ، وتم بذلك استقلالية الإسلام بكامله في معناه وفي شكله عما يتعلق باليهود.
أيضاً لما رآهم النبي صلى الله عليه وسلم يصومون يوم عاشوراء صام، ولكن لم يكن صيامه متابعة لهم حاشا وكلا، بل كان يُصام قبل ذلك، ويقولون: إن يوم عاشوراء رست فيه سفينة نوح على الجودي، وهو اليوم الذي أخمدت نار النمرود التي رمى فيها الخليل إبراهيم عليه السلام، وهو اليوم الذي نجى الله فيه موسى من فرعون، وهو اليوم الذي أخرج الله فيه ذا النون من بطن الحوت، ويذكرون في التاريخ أحداثاً عديدة، والله تعالى أعلم، والذي يهمنا ما جاء ثابتاً، وهو سبب صوم اليهود إياه؛ لأنه يوم نجى الله فيه موسى من فرعون.



سنة النشر : 1980م / 1400هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 4.5 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة الصيام من البداية حتى الإسلام

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الصيام من البداية حتى الإسلام
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
علي الخطيب - ALI ALKHTIB

كتب علي الخطيب ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ الصيام من البداية حتى الإسلام ❝ الناشرين : ❞ المكتبة العصرية ❝ ❱. المزيد..

كتب علي الخطيب
الناشر:
المكتبة العصرية
كتب المكتبة العصرية تأسـسـت المكتبة العصــريـة فـي صيــدا عام 1892 م على يد المرحـــــوم عبد الرحمن الأنصاري. ويتم فيها بيع الكتب والقرطاسية، وكانت المكتبة الوحيدة فـي جنوب لبنان وقسم من جبل لبنان، ثم تطوّرت وبدأت بنشر الكتاب عام 1905 م. وبعد وفاته عام 1928م تابع المسيرة ولده المرحوم شريف عبد الرحمن الأنصاري. وبعد الحرب العالمية الثانية وسّعت المكتبة العصرية أعمالها ولعبت دوراً ريادياً فـي نشر الفكر الإسلامي والعربي فاهتمت بطباعة ونشر وتوزيع الكتب لكبار المؤلفين والمحققين العرب، بالإضافة إلى إحياء كتب التراث فـي الأدب والفلسفة والتاريخ واللغة والدين والشعر. ثم فـي عام 1961م أسس المرحوم شريف عبد الرحمن الأنصاري الدار النموذجية للطباعة والنشر التي اعتنت بنشر الكتب المدرسية والجامعية بالإضافة إلى كتب الأطفال. وبعد وفاته عام 1986م إستمر أبناؤه من بعد فـي تطوير وتوسيع وتحديث هذه المؤسسة تحت إسم: "شركة أبناء شريف الأنصاري للطباعة والنشر والتوزيع"، وهي تضم: "المكتبـــة العصرية للطباعة والنشر"، "الدار النموذجيـــة للطباعــة والنشر"، "المطبعة العصرية" وبالاضافة إلى الفروع الثلاث للمكتبة العصرية لبيع الكتب والقرطاسية والأدوات المكتبية. ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ فصل الخطاب في سيرة ابن الخطاب: أمير المؤمنين عمر بن الخطاب، شخصيته وعصره ❝ ❞ فقه اللغة وأسرار العربية ❝ ❞ التحفة السنية بشرح المقدمة الاجرومية ❝ ❞ النحو جامع الدروس العربية ❝ ❞ شرح مقامات الحريري ❝ ❞ الموسوعة الكونية الكبرى ❝ ❞ وحي القلم مجلد 1 ❝ ❞ عمدة الفقة في المذهب الحنبلي ❝ ❞ مقالات الإسلاميين واختلاف المصلين/ جـ1 (ت: عبد الحميد) ❝ ❞ دروس التصريف ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ محمد متولي الشعراوي ❝ ❞ علي محمد الصلابي ❝ ❞ أبو العباس أحمد بن عبد الحليم بن عبد السلام بن تيمية الحراني ❝ ❞ أبو الفرج عبد الرحمن بن الجوزي ❝ ❞ عباس محمود العقاد ❝ ❞ مصطفى صادق الرافعي ❝ ❞ جلال الدين السيوطي ❝ ❞ ابن حجر العسقلاني ❝ ❞ أبو بكر جابر الجزائري ❝ ❞ الثعالبي-ابو منصور عبدالملك ❝ ❞ عبد الحليم محمود ❝ ❞ أحمد ابراهيم الهاشمي ❝ ❞ أبو حيان التوحيدي ❝ ❞ ماهر أحمد الصوفي ❝ ❞ محمد محيي الدين عبد الحميد ❝ ❞ مصطفي الغلاييني ❝ ❞ محمد علي الصابوني ❝ ❞ محمد عزة دروزة ❝ ❞ عبد الله بن قدامة المقدسي ❝ ❞ ابن هشام الأنصاري ❝ ❞ محمد بن القاسم الأنباري ❝ ❞ أحمد عبد الغفور عطار ❝ ❞ أنستاس ماري الكرملي ❝ ❞ عمرو الشرقاوى ❝ ❞ إلياس أنطون إلياس إدوار أ. إلياس ❝ ❞ عبدالغني المقدسي ❝ ❞ عبد الباسط بن خليل بن شاهين الظاهري الحنفي زين الدين ❝ ❞ عبد الواحد المراكشي ❝ ❞ أحمد بن عبد المؤمن الشريشي ❝ ❞ إسماعيل بن الأفضل علي الأيوبي ❝ ❞ د.غالب بن علي عواجي ❝ ❞ شارل جنيبير ❝ ❞ يوسف رزق الله غنيمة ❝ ❞ ابو الحسن الاشعري ❝ ❞ عبد الله بن عباس ❝ ❞ عبد الله محمد الشامي ❝ ❞ علاء الدين ابن اللحام البعلي ❝ ❞ السيد محمد علوي المالكي ❝ ❞ القاسم بن محمد بن يوسف البرزالي ❝ ❞ مونتجمري وات ❝ ❞ جورج بوليتزر ❝ ❞ علم الدين البرزالي ❝ ❞ أبو بكر بن محمد بن حجة الحموي ❝ ❞ حيان بن خلف ابن حيان الأندلس أبو مراون ❝ ❞ محمد بن إبراهيم بن أبي بكر الجزري القرشي أبو عبد الله ❝ ❞ عبد الملك بن حبيب السلمي الأندلسي ❝ ❞ خليل ابن أيبك الصفدي ❝ ❞ عبد الملك بن محمد بن إسماعيل الثعالبي ❝ ❞ إبراهيم الدسوقي عبد الرحمن ❝ ❞ ميسرة الهادي ❝ ❞ إسماعيل بن غنيم الجوهري ❝ ❞ سالم شمس الدين ❝ ❞ ابن تيمية أبو بكر عبد الرازق ❝ ❞ علي الخطيب ❝ ❞ عبد الرزاق علي إبراهيم موسى ❝ ❞ طاهر بن أحمد بن بابشاذ ❝ ❞ صارم الدين بن محمد بن أيدمر العلائي ❝ ❞ عبد الوهاب بن السلار أمين الدين أبو محمد ❝ ❞ عبدالملك الثعالبي ❝ ❱.المزيد.. كتب المكتبة العصرية