📘 قراءة كتاب نظرية دعوى القضاء الكامل في القانون الاداري أونلاين
نظرية دعوى القضاء الكامل في القانون الاداري
عمليات بحث متعلقة بـ نظرية دعوى القضاء الكامل في القانون الاداري
القضاء الكامل والقضاء الناقص
دعوى القضاء الكامل في المنازعات الإدارية
دعوى التعويض في القضاء الإداري
دعوى التعويض في المنازعات الإدارية pdf
شروط رفع دعوى القضاء الكامل
دعوى التعويض في القضاء الإداري الجزائري
صيغة دعوى تعويض أمام القضاء الإداري
دعوى التعويض في القانون الجزائري
1- مفهوم دعوى القضاء الكامل La notion du recours de pleine juridiction:
لم تحقق دعوى الإلغاء - مع أهميتها - الحماية الكافية للأفراد من التصرفات القانونية غير المشروعة الصادرة عن الإدارة، وذلك لأن دعوى الإلغاء توجه ضد قرار إداري مشوب بعيب من عيوب المشروعية (عيب الاختصاص، عيب الشكل والإجراءات، عيب مخالفة القواعد القانونية أو الخطأ في تطبيقها أو تفسيرها، أو عيب الانحراف بالسلطة)، وكما هو معروف فسلطة القاضي تتوقف عند إلغاء القرار أو تصديقه، إضافةً إلى إمكانية الإدارة بتنفيذ القرار المطعون فيه. وريثما يصدر قرار قضائي بالإلغاء يكون قد لحق ضرر مادي بالأفراد من جراء هذا القرار غير الشرعي في الفترة الواقعة بين تنفيذ القرار من قبل الإدارة وصدور الحكم بإلغائه من قبل القضاء إضافة إلى آثار تنفيذ القرار من قبل الإدارة واستحالة تدارك آثار تنفيذه. وأخيراً قد يغلق باب الطعن بالإلغاء فما هو السبيل لجبر الضرر؟
إجابةً على هذه الأسئلة السابقة قرر القضاء الإداري أحقية المتضرر في اللجوء إلى دعوى القضاء الكامل والتي من خلالها يمكن أن تحقق الحماية الكافية للأفراد عن طريق تعويض المتضرر عن الأفعال المادية غير المشمولة بدعوى الإلغاء؛ وجبر الضرر عن الأعمال القانونية غير المشروعة الأخرى عن طريق حصول المتضررين على تعويض مادي، وخاصةً أن باب التعويض يبقى مفتوحاً يلجأ إليه المتضرر للمطالبة بالتعويض عما أصابه من ضرر. علماً أن مفهوم دعوى القضاء الكامل أشمل وأعم من دعوى الإلغاء لأنها تعطي القاضي الصلاحية بإلغاء القرار غير المشروع أو تعديله أو استبداله، إضافةً إلى الحكم بالتعويض الذي يناسب حجم الضرر الذي لحق بالأفراد من جراء القرارات والتصرفات غير القانونية المتخذة من قبل الإدارة.
يستنتج مما سبق أن دعوى الإلغاء هي دعوى ضد قرار إداري غير مشروع، في حين أن دعوى القضاء الكامل هي دعوى بين خصوم مادامت توجه ضد الإدارة التي اعتدت على حق شخصي للفرد، وهذا يعني أن هذه الدعوى الأخيرة تتميز بخصائص ذاتية، إذ إن القاضي الإداري يتمتع بسلطات كاملة في التحقق من شرعية المتصرف الإداري ومدى ملاءمته في الحقوق المتنازع عليها لأنها تتعلق بمنازعة على الحقوق بين الفرد المتضرر والإدارة، والدافع الرئيسي لهذه الدعوى هو تعويض المتضرر عما لحقه من أضرار نتيجة اعتداء الإدارة على حقوقه الشخصية. لكن على الرغم من أهمية هذه الدعوى لم يحطها المشرع بالرعاية التي منحها لدعوى الإلغاء. بيد أنه، ومهما يكن من أمر أو أهمية لضرورة هذه الدعوى، لا بد من تحقق شروط قبولها.
2- شروط قبول دعوى القضاء الكامل:
يمكن أن تتجلى هذه الشروط بالآتي:
أ- من حيث شخص المدعي: يجب أن يكون الشخص الذي يرفع الدعوى كامل الأهلية للتقاضي سواء كان شخصاً طبيعياً أم اعتبارياً، وأن يكون صاحب حق تم الاعتداء عليه من قبل الإدارة العامة.
ب- من حيث ميعاد الدعوى وإجراءاتها: كما سبق وأن تمت الإشارة إليه يحق للمتضرر من تصرفات الإدارة أن يرفع دعوى للمطالبة بحقه تتضمن شرحاً وافياً للحالة مرفقاً بالدعوى الأدلة التي تؤكد حقه، ويكون رفع الدعوى - مبدأً عاماً - من قبل محام مقبول أمام مجلس الدولة، ويجوز له قبل رفع الدعوى أن يتظلم أمام الإدارة مبيناً القواعد القانونية التي تمنحه الحق المطالب به وذلك قبل رفع الدعوى، علماً أن باب رفع دعوى القضاء الكامل لا يتحدد بمدة /60/ يوماً كما هو الحال بدعوى الإلغاء، بل يبقى حقه مفتوحاً مادام الحق لم يسقط أو يتقادم. في حين أن القضاء الإداري الفرنسي قد خرج عن هذه القاعدة بالمرسوم رقم /11/5/1965، إذ حدد رفع دعوى القضاء الكامل عندما توجه ضد قرار إداري صريح من قبل الإدارة برفض طلبه كما هو الحال بدعوى الإلغاء والمحددة بشهرين، أما بخصوص القرارات الإدارية الضمنية الناتجة من صمت الإدارة وعدم الاستجابة لطلبه؛ ففي هذه الحالة يبقى الحق برفع دعوى القضاء الكامل مفتوحاً ما دام الحق لم يسقط أو يتقادم.
ج- الحكم في دعوى القضاء الكامل: يتمتع القاضي الإداري - في مجال القضاء الكامل - بصلاحيات واسعة؛ إذ يحق له إلغاء القرار الإداري إذا كان مشوباً بعيب من عيوب المشروعية أو تعديله أو استبداله؛ والتعويض عن الأضرار التي لحقت به من جراء هذه التصرفات غير القانونية، وتكون حجية هذه الأحكام نسبية على خلاف حجية أحكام الإلغاء التي تكون مطلقة (حجة على الكافة وليس للكافة).
يستنتج مما سبق أن الهدف الرئيسي من دعوى القضاء الكامل هو المطالبة من قبل الشخص المتضرر بالتعويض عن التصرف الإداري الخاطئ الناتج من قرار إداري غير مشروع أو من عمل مادي منسوب إلى الإدارة سبب ضرراً له. لكن حسب التوجهات الجديدة والاجتهادات القضائية في الدول المتقدمة في هذا المجال؛ فقد أسست مسؤولية الإدارة عن الأعمال الإدارية حتى المشروعة إذا ألحقت ضرراً مباشراً وخاصاً وجسيماً بالأفراد، أي إنها حملت الإدارة المسؤولية من دون أي خطأ.
ثانياً- مسؤولية الإدارة التقصيرية La responsabilité extra-contractulle de l’adminstration:
مرَّ مبدأ مسؤولية الإدارة عن أعمالها التقصيرية غير التعاقدية بتطورات تاريخية متلاحقة، فقد كان في البداية مبدأ عدم المسؤولية عن أعمالها بصفة عامة، يبد أنه ونتيجة لتبدل المفاهيم أصبح مبدأ مسؤولية الإدارة مسلماً به فقهاً وقضاءً؛ لأن خضوع الإدارة للقوانين والتزامها بدفع التعويض للمتضررين من أعمالها لا يتنافى مطلقاً مع مبدأ سيادة الدولة.وهكذا أصبحت الدولة مسؤولة عن أعمالها الإدارية باستثناء أعمال السيادة والتي بقيت في منأى عن الرقابة القضائية.
1- المسؤولية الإدارية القائمة على الخطأ La responsabilité administrative par la faute:
تقوم المسؤولية الإدارية حين تخطئ الإدارة - كما هو الحال في القانون المدني - وليس ثمة مسؤولية إلا إذا كانت ناتجة من خطأ، وبما أن الإدارة هي شخص اعتباري فلا يمكن أن تخطئ إلا من خلال الذين يدبون الروح فيها؛ ألا وهم العاملون فيها، لذا تمَّ التمييز بين نوعين من الخطأ: خطأ مرفقي وفي هذه الحالة تتحمل الإدارة التعويض المقضي به على المتضررين، وخطأ شخصي يتحمل العامل في حالته تبعة خطئه من ماله الخاص. وهكذا يتبين أن القضاء الإداري أنشأ نظرية خاصة للمسؤولية التقصيرية الإدارية، بيد أنه يمكن للقضاء الإداري - في الوقت نفسه - الاستناد إلى قواعد القانون المدني عندما يجد أن هذه القواعد تتناسب مع متطلبات المرفق العام.
ومن أجل أن يتم التعويض وترتيب المسؤولية لا بد من توافر الأركان التالية:
q وجود الخطأ المنسوب إلى الإدارة.
q أن يكون قد حصل ضررٌ للأفراد.
q أن تقوم علاقة سببية بين الفعل الخاطئ والضرر.
أ- وجود الخطأ المنسوب إلى الإدارة: لابد من الإشارة بدايةً إلى القيام هنا بمعالجة المسؤولية التقصيرية للإدارة؛ أي مسؤولية الإدارة عن أعمالها المخالفة للشرعية، وبذلك يُستبعد البحث في المسؤولية العقدية حيث يطالب المتعاقد الإدارة بالتعويض عليه استناداً إلى حقوقه المنصوص عليها بالعقد؛ علماً أن القضاء الكامل هو المختص للبت في منازعات العقود الإدارية. إذاً: فالمسؤولية التقصيرية للإدارة تقوم حين تخالف الإدارة - من خلال عمل مادي أو قرار إداري - القواعد القانونية التي يجب مراعاتها عند قيامها بمثل هذه التصرفات. وبما أن القضاء الإداري قد ابتدع نظرية المسؤولية الإدارية التقصيرية إذ إنها خصَّت الإدارة بقواعد قانونية متمِّيزة تلبي متطلبات المرفق العام؛ فقد كان عليه أن يميز بين نوعين من الخطأ (مرفقي وشخصي) حيث تتحقق مسؤولية الإدارة عن الخطأ المرفقي فقط، في حين يتحمل العامل في الدولة المخطئ المسؤولية الشخصية عن الخطأ الشخصي ونتيجة لدقة هذه المفاهيم كان لا بد من وجود معايير للتمييز بينهما، والحكمة من ذلك توفير الحماية الموضوعية الكافية للعاملين بالدولة وإبعادهم عن شبح الخوف والتردد عند القيام بأعمالهم الإدارية وكان من أهم هذه المعايير:
- معيار النزوات الشخصية:
يعد الخطأ شخصياً عندما يعبِّرُ العمل الإداري عن ضعف الموظف واتباعه لنزواته الشخصية، ويكون الخطأ مرفقياً عندما يصدر العمل غير مطبوع بطابع شخصي؛ بل يكون صادراً عن موظفٍ عرضة للخطأ والصواب.
- معيار الغاية:
يؤكد هذا المعيار على دراسة الغاية من التصرف، فإذا كانت تنشد متطلبات المرفق وصادرة بحسن نية يعدُّ الخطأ مرفقياً وتتحمل الإدارة نتيجة الخطأ من مالها الخاص. أما إذا كانت الغاية من العمل تحقيق نزوات شخصية لمتخذ القرار أو لغيره فإن هذا العمل لا علاقة له بالعمل المرفقي، ومن ثم يتحمل الموظف تبعة خطئه من ماله الخاص.
- معيار الانفصال عن الوظيفة:
يعد الخطأ مرفقياً إذا كان يتعلق بأعمال الوظيفة والتزاماتها، في حين أن الخطأ الشخصي يكون عندما يمكن الفصل بين العمل الإداري الخاطئ وواجبات الوظيفة، في هذه الحالة يتحملها الموظف المخطئ من ماله الخاص.
- معيار جسامة الخطأ:
يؤكد هذا المعيار أن الخطأ المرفقي يكون حاضراً إذا كان من الأخطاء العادية البسيطة، وهذا ينجم عن موظف عرضة للخطأ والصواب عند القيام بواجباته الوظيفية. أما إذا كان الخطأ جسيماً يتعدى مضمار الأخطاء العادية فيعد الخطأ شخصياً.
يلاحظ من المعايير الأربعة أنها تكمل بعضها ولا يمكن الركون إلى معيار واحد، لذا ومن هذا المنطلق لم يتقيد القضاء الإداري بأي من هذه المعايير؛ بل على العكس كان يدرس كل حالة على حدة باحثاً عن الدوافع والأسباب التي أدت إلى وقوع الضرر وطبيعة المرفق، وماهية الظروف الزمانية والمكانية وحجم العمل الذي يقوم به الموظف، فجميع هذه المصطلحات كانت تعمل مقياساً دقيقاً في تحديد المسؤولية المرفقية أو الشخصية، بيد أنه كان يؤكد وجود خطأ شخصي كلما تبين له أن الموظف كان مدفوعاً بدافع شخصي للقيام بمثل هذا العمل، وكان الخطأ المرتكب من الموظف بالغ الجسامة. ولا بد من الإشارة أخيراً إلى أن الخطأ المرفقي يرتب على الإدارة التعويض ويطبق على هذه الحالة قواعد القانون العام، ويفصل في المنازعات القضاء الإداري. في حين أنه في حالة الخطأ الشخصي يتحمل الموظف تبعة خطئه الشخصي من ماله الخاص، وتطبق عليه قواعد القانون المدني، ويفض نزاعاته القضاء العادي.
ويكون الخطأ المرفقي حيث يكون المرفق منظماً تنظيماً سيئاً؛ أو حيث لا يقوم المرفق بما يجب عليه قانوناً القيام به؛ أو أن يتراخى بمعالجة المسألة أكثر مما يتوجب؛ وأن يكون قد حدث ضررٌ للغير عن الحالات الثلاث، هنا تقوم الإدارة بدفع التعويض من مالها الخاص جبراً للضرر الحاصل.
ب - ركن الضرر le dommage: إن وقوع الخطأ في العمل الإداري لا يعني على الإطلاق أحقية الغير بالتعويض، بل لابد من وقوع ضرر محدد على الأفراد من جرّاء هذه الأعمال الخاطئة حتى يحق لهم المطالبة بالتعويض. ولا بد من توافر بعض الشروط بالضرر لكي يمكن التعويض عنها:
Ÿ أن يكون الضرر مؤكداً ومحققاً: لأن العبرة في التعويض أن يكون تقديره بمقدار الضرر الواقع فعلياً، وهذا ينفي حالة افتراض الأمور المحتملة؛ لأن الأحكام تبنى على الواقع لا على أساس الفروض والاحتمالات.
Ÿ أن يكون الضرر خاصاً: أي أن يكون الضرر قد أصاب فرداً معيناً بالذات أو أفراداً محددين، وفي هذه الحالة، يتم تعويضهم استناداً إلى قاعدة «الغرم بالغنم»، وهذه القاعدة تستند إلى العدالة هو أنه لا يجوز أن يستفيد جميع الأفراد وأن تكون التضحية عدداً قليلاً ومحدداً من الأفراد. وبالمقابل في حال حصول ضرر عام أصاب عموم الأفراد أو أفراداً غير محددين، هنا لا يجوز تعويضهم من قبل الإدارة استناداً إلى قاعدة مساواة الجميع أمام التكاليف العامة. إضافةً إلى أنه يجب أن يكون الضرر الناتج من تصرفات الإدارة قد تجاوز في مداه الضرر العادي الذي يجب أن يتحمله الأفراد؛ لأن هذه التصرفات تكون على الدوام من أجل تحقيق المصلحة العامة.
Ÿ أن يكون الضرر ناشئاً من نشاط الإدارة الخاطئ: سواء كان ناجماً عن نشاط عمالها أم مرتبطاً بالأشياء التي تملكها الإدارة أو تعمل تحت إشرافها أو في حوزتها.
Ÿ أن يكون الضرر قد وقع على حق مشروع للفرد: هذا المبدأ يؤكد استبعاد ممارسات الأفراد غير القانونية التي قد يلحقها الضرر من جراء نشاط الإدارة، ويحصر التعويض في حالة كون العمل الإداري الخاطئ قد وقع على حقوق مشروعة للأفراد وأضرَّ فيها؛ لأن القانون يحمي هذا الحق أو المصلحة التي وقع عليها الضرر.
Ÿ يجب أن يكون الضرر الحاصل ممكن التقدير نقداً: وجد هذا الشرط للتدليل على وجود نوعين من الأضرار؛ المادية منها والتي يمكن التعويض عنها بسهولة؛ والأضرار المعنوية التي يصعب تقديرها وتحديدها، وخاصة الأضرار التي تتعلق بالكرامة والآلام النفسية. ولكن مهما يكن من أمر اعتمدت الدول المتمدنة التعويض عن الأضرار المعنوية لأنه الوسيلة الوحيدة لإعادة الاعتبار ومساعدة المتضررين على تجاوز محنتهم. وبالمقابل لازالت الدول السائرة بطريق النمو ومنها الدول العربية كمصر وسورية تشدد على عدم تعويض المتضرر معنوياً؛ إلا إذا نتجت اضطرابات مادية للشخص، وهذا الأمر ينجم عن الإصابة الجسمية كالتشويه الذي يؤدي إلى إجراء العمل الجراحي ونفقات العلاج، أما بخصوص التعويض المتعلق بالمشاعر والأحاسيس والكرامة والآلام النفسية فلا زال محط نظر؛ ولا يعوض عنه استناداً إلى قاعدة استحالة تحديده وتقديره.
ج- ركن العلاقة السببية: سبق أن تم تأكيد وجود خطأ منسوب إلى لإدارة، إضافة إلى وقوع ضرر على الأفراد أساساً لتعويض المتضررين من فعل الإدارة الخاطئ، لكن يجب الإشارة إلى الشرط الثالث والمهم وهو علاقة السببية بين الخطأ الإداري والضرر الذي نجم مباشرةً عنه، وهذا يعني أن النشاط الإداري الخاطئ قد أدى مباشرةً إلى إيقاع ضرر بالأفراد. وفي حال عدم وجود مثل هذا الشرط تعفى الإدارة من مسؤوليتها بالتعويض، ويكون ذلك من خلال إثبات أن الضرر لم يكن نتيجة خطأ من الإدارة؛ بل نتج من سبب أجنبي لا علاقة للإدارة به يتمثل بـ «القوة القاهرة»، أو فعل الغير، وفعل المضرور نفسه. أما في حال قيام خطأ مشترك بين الإدارة والسبب الأجنبي فيقوم القاضي بتحميل الإدارة دفع التعويض بما يناسب درجة خطئها.
ثالثاً- المسؤولية الإدارية من دون خطأ La responsabilité administrative sans faute:
1- مفهوم هذه النظرية وسماتها:
إن ازدياد نشاط الإدارة الحديثة أدى إلى ازدياد المخاطر التي يتعرض لها الأفراد، مما حدا بالقضاء الفرنسي إلى ابتداع نظرية تسمى المسؤولية الإدارية بلا خطأ من جانب الإدارة، وهذا يعني أنه يكفي أن يتوافر ركنان هما الضرر والصلة السببية من أجل تعويض المتضررين حتى لو كان نشاط الإدارة مشروعاً وينبغي تحقيق المصلحة العامة. لكن يشترط للتعويض على أساس هذه النظرية أن يكون الضرر قد أصاب فرداً بذاته أو أفراداً محددين، وأن يكون هذا الضرر على قدر من الجسامة [انظر على سبيل المثال: Ce 29 Juin 1962- Société Manufacture des Machines du Haut-Rhin, Rec.P432].
وتتميز هذه النظرية بالسمات التالية:
- يعد تطبيق هذه النظرية (المسؤولية الإدارية من دون خطأ) مسؤولية تكميلية أو استثنائية، لأن المبدأ العام هو المسؤولية الإدارية القائمة على الخطأ.
- يشترط لتطبيق هذه النظرية توافر ركنين هما: الضرر والصلة السببية بين النشاط المشروع والضرر الناتج من هذا النشاط بشرط أن يكون الضرر خاصاً وجسيماً، ولا تستطيع الإدارة أن تدفع بعدم مسؤوليتها عن التعويض الناتج من نشاطها من دون خطأ؛ إلا إذا أثبتت أن حصول الضرر كان ناجماً عن قوة قاهرة لا دخل للإدارة فيها، أو أن يكون من فعل المضرور نفسه.
- الحدث الطارئ أو الفجائي لا يشكل سنداً لإعفائها من التعويض، لأن مصدره يكمن في داخل النشاط أو الشيء أو الأدوات التي تستخدمها الإدارة وتجهل سبب وقوعه. في حين أن القوة القاهرة خارجة عن نشاط الإدارة وأدواتها.
- تتحمل الدولة عبء التعويض الناجم عن مسؤوليتها من دون خطأ؛ لأنه لا يجد سببه في خطأ يمكن الرجوع على مرتكبه. وأخيراً لا بد من الإشارة إلى أن هذه النظرية تبناها المشرع الفرنسي مؤيداً ما ذهب إليه القضاء الإداري الفرنسي، ولكن بالمقابل لم يثبتها معظم القضاء الإداري العربي؛ إذ إن القضاء الإداري المصري رفض تبني هذه النظرية؛ معتبراً أن الحالات التي يتم التعويض عنها والقائمة على مسؤولية الدولة من دون خطأ إنما تكون ناتجة من وجود نص تشريعي يمنح هذا الحق، وهي حالات استثنائية لا يجوز القياس عليها. وعلى الرغم من ذلك يبقى الفصل في مثل هذه النزاعات من اختصاص القضاء الإداري إلاَّ ما استثني بنص خاص [انظر على سبيل المثال حكم المحكمة الإدارية العليا المصرية بتاريخ 21/5/1960- مجموعة السنة الخامسة ص 946]، وسار على نهجه القضاء الإداري في القطر العربي السوري. ويتضح هذا في موقف المحكمة الإدارية العليا في قرارها رقم 15 لعام 1971 المتعلق بطلب إلغاء قرار منع عرض شريط سينمائي والتعويض عنه. في حين أن القضاء اللبناني قد سار على نهج القضاء الإداري الفرنسي واعتمد نظرية مسؤولية الدولة بلا خطأ حسب الضوابط والشروط التي اعتمدها القضاء الفرنسي [انظر على سبيل المثال قرار مجلس الشورى اللبناني رقم 596 تاريخ 20/5/1997، مجلة القضاء الإداري في لبنان، العدد 12 ص 501].
2- الأساس الذي تقوم عليه مسؤولية الإدارة من دون خطأ:
انقسم الفقه حول الأساس القانوني لمسؤولية الدولة من دون خطأ، فقد ذهب فريق منهم إلى أن الأساس القانوني يرتكز على أساس فكرة المخاطر، لأن الأفراد يتعرضون للمخاطر من جراء النشاطات التي تمارسها الإدارة. لذا يجب أن تتحمل تبعة نشاطها من خلال تعويض الأفراد المتضررين في شخصهم أو في مالهم عن جميع الأضرار التي لحقت بهم وذلك استناداً إلى مبدأ الغرم بالغنم.
وهناك فريق من الفقهاء اعتمد مبدأ مساواة الجميع أمام الأعباء العامة أساساً لمسؤولية الإدارة من دون خطأ، ومغزى هذه الفكرة هو أنه عندما يتضرر فرد أو أفراد محددون من عمل الإدارة المشروع يجب تعويضهم عن الضرر الذي لحق بهم شريطة أن يكون هذا الضرر ليس من الأضرار العادية بل يجب أن يكون جسيماً. ومبرر هذا التعويض هو توزيع الأعباء العامة على جميع المواطنين، لأنه لا يجوز أن يتحمل بعضهم تبعة هذا النشاط؛ بل لا بد أن يتحمله الجميع بالتساوي استناداً إلى مبدأ مساواة الجميع أمام الأعباء العامة. بيد أن الرأي الثالث لبعض الفقهاء كان قد أيد الفكرتين السابقتين أساساً قانونياً.
3- حالات المسؤولية من دون خطأ:
لقد تعددت هذه الحالات ضمن قرارات مجلس الدولة الفرنسي:
أ- الأضرار الناجمة عن الأشياء الخطرة: تهدف هذه الفكرة إلى تعويض الأفراد المحددين والمتضررين من الأدوات أو الأشياء الخطرة المستخدمة من قبل الإدارة من دون حاجة إلزام الفرد المتضرر إثبات وجود خطأ من جانب الإدارة.
ب- الأضرار التي تصيب أموال الأفراد من جراء الأشغال العامة: قضى مجلس الدولة الفرنسي بمسؤولية الدولة من دون خطأ من جراء الأشغال العامة التي تستهدف المصلحة العامة، وأقرَّ التعويض لمن تضرَّر بشرط أن يكون الضرر الناجم عن هذه الأشغال محققاً وجسيماً يتخطى الأضرار العادية ومستمراً مدة طويلة من الزمن.
ج- مسؤولية الدولة عن إصابات العمل: وتتضمن هذه الفكرة تبني مجلس الدولة الفرنسي مبدأ تعويض العمال الإدارة العامة - من دائمين ومؤقتين وعرضيين - عن الأضرار التي تلحق بهم من جراء حوادث العمل لكونها تعود إلى أسباب مجهولة وتعدُّ نوعاً من مخاطر المهنة تكون الدولة فيها مسؤولة تجاه العامل المصاب لكونه يسهم في تسيير المرفق العام؛ ومن دون أن يكون ملزماً بإثبات أي خطأ من جانب الإدارة. واعتنق المشرع الفرنسي المبدأ نفسه؛ إذ إنه أصدر عدة قوانين في هذا الخصوص.
لابد من الإشارة إلى أن مجلس الدولة الفرنسي قد أقرَّ التعويض للأشخاص المتطوعين من تلقاء أنفسهم في معاونه الإدارة من دون طلب منها إذا أصابهم ضررٌ على أساس مسؤولية الإدارة من دون خطأ إذا كانت هناك ضرورة مستعجلة لتدخلهم.
د- امتناع الإدارة عن تنفيذ الأحكام القضائية: إذا حصل أحد الأفراد على حكم قضائي قطعي وأراد تنفيذه؛ لكن المحكوم عليه امتنع عن التنفيذ، في هذه الحالة يحق للمحكوم له أن يطلب من سلطات التنفيذ معاونته على تنفيذ الحكم جبراً، ففي حال امتناع الإدارة عن ذلك يعدّ خطأً يرتب مسؤوليتها، لكن في بعض الأحيان تمتنع الإدارة بمعاونة المحكوم له عن تنفيذ الحكم القضائي بسبب أن التنفيذ سيخل بالأمن والنظام العام. في هذه الحالة يعدُّ امتناع الإدارة مشروعاً تبرره الضرورة والحرص على أمن المجتمع. وعلى الرغم من ذلك قضى مجلس الدولة الفرنسي بمسؤولية الدولة من دون خطأ، ورتب عليها التعويض عن الأضرار التي لحقت بالفرد من جراء هذا الامتناع استناداً إلى مبدأ مساواة الأفراد أمام التكاليف العامة.
هـ- امتناع الإدارة المشروع عن تنفيذ اللوائح: في حال امتناع الإدارة المشروع عن تنفيذ اللوائح بسبب دواعي المصلحة العامة؛ قضى مجلس الدولة الفرنسي بالتعويض عن الأضرار التي أصابت الأفراد إذا كانت هذه الأضرار جسيمة وغير عادية استناداً إلى مساواة الأفراد أمام التكاليف العامة.
و- الأضرار الناجمة عن القرارات الإدارية المشروعة: قضى مجلس الدولة الفرنسي بأحقية الفرد المتضرر من جراء إصدار قرارات مشروعة من قبل الإدارة في التعويض عن الأضرار التي لحقت به على الرغم من شرعية القرار، وذلك استناداً إلى مساواة الجميع أمام الأعباء العامة؛ كحالة فصل الموظفين تحقيقاً للمصلحة العامة، في هذه الحالة يحق للموظف المفصول المطالبة بالتعويض عن الأضرار التي لحقته من جراء القرار على الرغم من شرعيته وذلك استناداً إلى قواعد العدالة.
يستنتج مما سبق أن القضاء الإداري ابتدع نظرية المسؤولية الإدارية التقصيرية وطبقها على جميع المنازعات المتعلقة بأعمال الإدارة غير التعاقدية، وذلك لعدم رغبته في التقيُّد بقواعد المسؤولية المدنية على إطلاقها؛ بل استنبط القواعد التي تنسجم مع متطلبات المرفق العام وإيجاد نقطة التوازن بين المصالح العامة والمصالح الخاصة، ولم يستبعد إمكانية اللجوء إلى القواعد المدنية في حال توافقها مع ضرورات المصلحة العامة. لابد من الإشارة إلى أن أعمال السيادة بقيت بعيدة عن الرقابة القضائية لكن الاجتهاد القضائي ضيِّق كثيراً الأعمال التي تدخل ضمن نطاق أعمال السيادة.
سنة النشر : 2017م / 1438هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 1.5 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'