📘 قراءة كتاب أصول الفقه آيات وأحاديث الأحكام لابن باديس أونلاين
بسم الله الرحمن الرحيم
المدخل
زمن كالربيع حل وزالا ... ليت أيامه خلقن طوالا
حقا، لقد كان زمنا كالربيع في اشراقته، وفي خصوبته، وفي خيره، ودفقه وعطائه. ذلك هو زمن 1933 - 1935.
هو ثلاث سنوات في عمر تلمذتي بقسنطينة، وفي الجامع الأخضر لدى رائد الحركة الاصلاحية، وقائد النهضة العلمية، المنبعثة في الجزائر الأستاذ عبد الحميد بن باديس، طيب الله ثراه، وجازاه عن جهاده بما يجازى به عباده الصالحين، يوم لاينفع مال ولا بنون، الا من أتى الله بقلب سليم.
وقد سبقني الى هذا الزمن بسنتين أخي وصديقي المجاهد الأستاذ الفضيل الورتلاني الذي زار قسنطينة في مطلع السنة الدراسية الأخصرية 30 - 31 فاندهش لما فوجئ به من الدروس والنظام والنهضة، والحركة الدائبة، والحياة الجديدة، فشعر بالرضى وأحس بالاطمئنان، وعزم على الاسقرار والانتماء، وقرر أن يغادر حلقات الدروس التي تجمعنا واياه في البلد، على دروس العربية والبلاغة وشتى الفنون الأخرى من فقه وأحكام وقرآن.
وفجأة انفرط من عقدنا، وانضم عمليا الى حلقات دروس الجامع الأخضر وفروعه بكل ما يملك من قناعة وارادة واستعداد.
وحين استقر به المقام أخذ ينهل من مناهل العلم والعرفات، ويغوص لاستخراج اللآلى والمكتنهات، وعلى حين غرة، لمح الأستاذ ابن باديس منه مخايل الذكاء والنجابة وبعد النظر، فزاده عناية، وأولاه اههاما وقربه اليه، وشاركه في أعماله، لما وجد فيه من صفات الدعاة الأمناء: (الايمان، والشجاعة، والفصاحة، والقدرة عل الاقناع، والثقة بالنفس)، فاعتمده، ورشحه لحمل رسالة الدعوة الى الله، بعد ما براه كالسهم، وزوده بزاد العلم، وحصنه بقوة الفهم، ونفاذ البصيرة.
وعاد الينا معشر زملائه الطلبة بقوة جبارة تحارب السكون والانطواء، بحمل في داخله نفسا متأججة من الحماس، وقبسا وهاجا من نور الله، يفيض بهما علما وحكمة وأفكارا وبيانا، فيتناول بيننا آيات من القرآن الكريم، أمثال قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ}. وقوله صلى الله عليه وآله وسلم: (من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له طريقا إلى الجنة). ثم يفيض على الموضوع سيلا من المعاني ويفجر منه شلالا من الأسرار التي تنطوي عليها لآيات القرآنية والأحاديث النبوية، تلك الأسرار التي لم تتفتح لها أفهامنا، ونحن نتلو هذه الآيات مع كل القرآن الذي نحفظه، ونقرأ هذه الأحاديث من قبل.
فكان من أثر هذا اللقاء، وهذه الصيحة التي جهر بها بيننا، أن استجاب لها نحو عشرين طالبا، انفرطوا من العقد الذي كان يجمعنا، فانبعثوا لطلب العلم، وانضموا الى طلبة (الجامع الأخضر)، وما كانت مبادرتهم لاتخاذ هذا السبيل الا نتيجة لذلك المخاض الذي أحدثته فينا جميعا أسرار الآية القرآنية الآنفة الذكر، وجمع من الحكم البالغة التي كان يغدق بها علينا.
وفي نهاية السنة الدراسية القسنطينية 32 - 33 لم نستقبل الفضيل الورتلاني وحده، ولكننا استقبلنا أفواجا من (الذين رجعوا الينا) بألسنة لاهجة، وعقول نيرة، وأفكار مشعة، وشباب أدرك مفهوم النضج الحقيقي الذي يتوقون اليه، ولاحظنا التغيير المفاجئ، الذي عاد به زملاؤنا من خلال سنة دراسية واحدة.
فهنا لا مناص من أن تستجيب للدعوة مجموعة أخرى من الطلبة الذين كنت أنا من بينهم.
وبهؤلاء وأمثالهم في كل جهات القطر انبثت الحركة الاصلاحية، وانبعثت النهضة العلمية، وازداد انتشارها بسرعة البرق، حتى غزت أوكار الطرقية التي انتشرت في أنحاء البلاد، وجذبت أبناءهم وأبناء مشائخ الزوايا، وأبناء الفقهاء انصاق الطرقيين، وحركت نفوسا جامدة منهم، وأحيت جذورا ميتة، أخذت تلح على الخروج من التقوقع والانكماش الى السطح، ومن حياة الركود والسكون الى حياة النضال والكفاح، ومن الخمول والجمود الى الحركة والنشاط.
{قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ؟ قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ}. قرآن كريم.
كيف نشأت فكرة الكتاب؟
وحين عدت الى مذكراتي، مذكرات الصبا، ومذكرات ثلاث سنوات كانت ضمن كراسات التلمذة بقسنطينة وهي مذكرات النضج والبلوغ، ومذكرات ربيع العمر الذي يذكرني به هذا الكراس الضخم ذو الغلاف المزين الذي يحمل اسم متجر (كلوب) بقسنطينه سارع فرانسا.
قلت عدت الى هذه المذكرات لأراجعها واستخلص سمينها من غثها، وصوابها من خطئها، فعثرت من بينها على غرر كنت محتفظا بها طيلة خمسين سنة خلت لم تعبث بها يد الضياع؛ فقررت أن أبرزها الى النور؛ وأضعها بين يدي الجمهور - من شبابنا المثقفين.
وجدت كتبا ثلاثة أو أربعة، ومختلفات أخرى:
الكتاب الأول: هو: أصول الفقه من آيات وأحاديث الأحكام.
الكتاب الثاني هو: العقائد الإسلامية من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية.
الكتاب الثالث هو: التربية بالقرآن والسنة.
الكتاب الرابع هو: مقتطفات من ديوان الحماسة والامالي لأبي علي القالي.
وهذه الكتب الأربعة هي عبارة عن إملاآت كان يمليها الأستاذ عبد الحميد ابن باديس على طلبته يربيهم بها، وينمي معارفهم وأفهامهم ومداركهم بمدلولاتها ومقاصدها.
فكتاب (أصول الفقه) هذا كان يلقى درسا وإملاء على طلبة السنة الثالثة، وقد تلقيته كاملا بحيث لم يفتني منه شيء، وهو ما أوليته عنايتي، فكتبته وأخرجته وعلقت عليه وشرحت ما ألهمني الله إلى شرحه، وبذلت قصارى الجهد في تصحيح مادته وأحاديثه.
وأذكر هنا ملاحظة قد طرأت عقب الانتهاء من تدريس (أصول الفقه) فقد عزم الأستاذ على تعويض المادة بفن (مصطلح الحديث)، ورغبنا نحن معشر طلبة القسم تعويضها باحدى قصائد المعلقات السبع، فكتبنا رسالة باسم طلبة القسم في اليوم الذي تقرر فيه الشروع في (مصطلح الحديث) - نبدي فيها رغبتنا، فأخذت الرسالة، وطرقت باب مقصورته مستأذنا بالدخول، فأذن لي، ودخلت، فوجدته مضطجعا على حشية يعد درسه ويحضره.
سنة النشر : 1985م / 1405هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 16.0MB .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:
قبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'