❞ كتاب بين جدران أربعة ❝ ⏤ دجو كوستولاني
يُعد الشعر أرقى الفنون، وربما يُحسد الشعراء على امتلاكهم ناصية اللغة والإحساس، كونهم يستطيعون التعبير عما في دواخلهم أنفسهم، وعما في داخل غيرهم متى أحسوا بهم. ويكون الشعر جميلًا حين يصبح مؤثرًا في نفس قارئه، متماسًا مع روحه ووجدانه.
ويستطيع الشاعر، الذي يمتلك موهبة حقيقية، أن يجذب إليه القلوب والأرواح، ويتجلى هذا حين يمتلك قدرة التعبير عنها بكل صدق وجمال، وكلما اقترب الشعر من الأرواح، ومن التعبير عنها تأثرت به وأحبته وظل أثره فيها طويلًا.
وربما يظل أثر بيت شعري واحد، أو حتى شطر منه، في النفس أكثر وأطول مما تظل أي مقولات أخرى.
ورغم أن بعضهم، لحاجة في نفس يعقوب، يحاول أن يُزيح الشعر من على عرشه، مدّعيًا أن هناك فنونا أخرى قد حلت محله، وأنها نالت من الاهتمام والانتشار ما لم يعد يناله الشعر الآن، إلا أن الشعر سيظل هو المرفأ الذي تلجأ إليه النفس الإنسانية حين تريد أن تستريح من عناء الحياة، حين تريد أن تأخذ هدنة مما هي فيه، حين تريد حائط مبكى تسند رأسها إليه لتتخلص من كل أحزانها وهمومها.
***
هنا تطالع عزيزي القاريء مجموعة من القصائد للشاعر المجري دجو كوستولاني.
وإذا كان الشاعر قد أبدع حين كتب هذه القصائد، فإن المترجم لم يقل عنه إبداعًا حين نقلها إلى العربية في سلاسة ورِقّة حتى تكاد تعتقد أن معظم هذه القصائد قد كُتب بالعربية، لا بغيرها وقد ترجم.
هنا يكتب الشاعر عن أشياء كثيرة، ويلتقط لحظاتٍ إنسانيةً، معبرًا عنها وناقلًا إحساسه بها إلى القاريء. هنا يكتب عن ضوء السراج:
"كطفل تعجبت بالفعل، ها هو السراج،
ونظرت بعينين محملقتين هناك في الأسفل،
وقد نثر إناؤه البرونزي القديم في غرفتنا
ذهبا ورديا، لطيفًا"
واصفًا مواساة الحرف المعتم له وهو يصارع الوقت. يكتب عن الغابة، عن الصمت، محولًا اللحظة الشعرية التي التقطها إلى مشهد بشخوصٍ تتحرك أمام عيني القاريء.
وها هو الشاعر يتحدث إلى الأرض:
"أرضي الأم، كل شيء لي،
أنتِ ولدتيني ذات يوم!
وكلمتك العاصفة تحذير حزين:
أنت تنفض غباري".
في قصائده هنا تتنوع الأفكار التي يتخذها الشاعر أساسًا لبناء قصائده، مثلما تتنوع صوره التي يستخدمها، محاولًا رسم صورة حقيقية لحدث شعري مُتخيَّل.
في قصيدته "قتلة" يحاول الشاعر تصوير هؤلاء القتلة، جاعلًا القاريء ينفر منهم ومن صورتهم هذه:
"يقفون بجباه كئيبة، في مجموعة،
مثل حيوانات برية نبيلة ممسك بها،
يتصارعون مع الواقع مزمجرين،
يتلعثم في أفواههم ألم شديد".
ويتجلى جمال التصوير الشعري في قصيدته "الصيف"، إذ يصف انتظاره للصيف قائلًا:
"الصيف عشقي، أحترق لأجله،
أتعطش لقبلته القاتلة،
أضحي بغابات لناره الجامحة،
رغم أن شفتي أيضا قد تذبلان في ذلك.
أنتظره في غرفتي في الشتاء متكورا،
محبطا حالما حول النار،
رائيا في الخيال اللهب،
الذي سيحرق الشتاء إلى لا شيء".
هنا أيضًا نقرأ قصائد تصور لنا تحولات النفس البشرية وانتقالها بين حالات شتى: من الحزن إلى الفرحة، من البهجة إلى الكآبة، وما شابه ذلك من مشاعر إنسانية.
هنا أيضًا يكتب الشاعر عن الموت، الإشكالية الكبرى في حياة الإنسان، واللغز الذي لم يستطع أحد حتى الآن أن يتوصل إلى حل له:
" يا رفاقي، انظروا إلى هنا!
هكذا نرحل جميعا إلى لا شيء.
هذا هو الجرح الذي لا دواء له،
هذا هو الطريق الذي لطالما خفنا منه مرتعدين،
لهذا نزين حياتنا التي تطير سريعا،
حتى يبيدها هذا الفشل في النهاية".
هنا أيضًا يكتب الشاعر عن ذاته محولًا الذاتي إلى عام، جاعلًا من قصيدته وعاءً لنقل أفكاره ومشاعره إلى الآخرين.
وحتى لا أعطلك كثيرًا، عزيزي القاريء، عن مطالعة هذه القصائد، أكتفي بهذه الإشارة البسيطة إلى ما في هذه القصائد من أفكار وتصوير شعري ولمسات إنسانية، تاركًا إياك وحيدًا معها، تتأملها وتتعاطى معها في هدوء، دون أن أصادر على كيفية تلقّيك لها، وبالطبع رأيك فيها.
القاهرة في 21 يونيو 2020.
عاطف عبدالمجيد
دجو كوستولاني -
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ خبز وملح ❝ ❞ شكاية طفل صغير ❝ ❞ بين جدران أربعة ❝ ❞ باتشرتا ❝ الناشرين : ❞ الدار المصرية للطباعة والترجمة والنشر ❝ ❞ سنابل للكتاب ❝ ❱
من الشعر Poetry كتب تعلم اللغة الإنجليزية - مكتبة كتب تعلم اللغات.