❞ كتاب الزواج من نساء أهل الكتاب أحكامه وآثاره ❝  ⏤ فؤاد عبد اللطيف السرطاوي

❞ كتاب الزواج من نساء أهل الكتاب أحكامه وآثاره ❝ ⏤ فؤاد عبد اللطيف السرطاوي

الذمة في اللغة: مأخوذة الذمام وهي الحرمة، أو ما يذم به الرجل على اضاعته من العهد، وتفسر الذمة بالعهد وبالأمان وبالضمان، قال أبو عبيد: الذمة الأمان في قوله عليه السلام "ويسعى بذمتهم أدناهم" وسمي المعاهد ذميا بنسبته الى الذمة([1]). ولا شك في أن المعنى الشرعي للذمة له علاقة وثيقة بالمعنى اللغوي، حيث ان إخلاف الوعد وعدم الضمان إنما هي من الأمور التي يذم بها الرجل.
أما الذمة في الاصطلاح: فقد عرفها بعض العلماء بانها وصف يصير به الانسان أهلا لما له ولما عليه، كما اذا عاهدنا الكفار وأعطيناهم الذمة ثبت لهم وعليهم حقوق المسلمين في الدنيا، وهذا هو العهد الذي جرى بين الله تعالى وعباده يوم الميثاق([2]). وقد تعرض الأستاذ مصطفى الزرقا الى معنى الذمة عند الفقهاء والأصوليين ونقد كثيرا من التعاريف الواردة في كتبهم وخلص الى تعريفها بقوله: هي محل اعتباري في الشخص تشغله الحقوق التي تتحقق عليه.


وجاء في دائرة المعارف الاسلامية أن الذمة هي العهد الذي يعطى للقوم الذين يدخلون في الاسلام عند فتح المسلمين لبلادهم ولا يسترقون ويؤمنون على حياتهم وحريتهم ثم على أموالهم، ومن ثم يسمون أهل الذمة أو الذمة أو الذميين شريطة أن يبذلوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة([4]).
وأما أهل الكتاب فهو اللفظ أو الوصف الذي ذكره القرآن وجاء في السنة النبوية الشريفة دالا على اليهود والنصارى تمييزا لهم عن عبدة الأوثان، وذلك لأن لهم كتبا منزلة هي التوراة والزبور والانجيل، وهم وإن كانوا يتناقلونها مبدلة عن أصولها إلا أن اعترافهم بها يجعل لهم مكانا ممتازا بالنسبة لعبدة الأوثان.
وقد أستنبط الفقهاء في هذا المقام مسألة جعلوها محل النظر والاجتهاد وهي: هل العبرة في حل طعام أهل الكتاب والتزوج منهم بمن كانوا يدينون بالكتاب (كالتوراة والانجيل) كيفما كان كتابهم وكانت أحوالهم وأنسابهم أم العبرة باتباع الكتاب قبل التحريف والتبديل وبأهله الأصليين كالاسرائيليين من اليهود؟
وتدلل أقوال الفقهاء التي سنذكرها على ما ذكرنا مع زيادة في بعض التفريعات التي سنشير اليها في موضعها ان شاء الله.

يقول ابن قدامه المقدسي: وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم هم أهل التوراة والانجيل، قال تعالى: "أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا". فأهل التوراة اليهود والسامرة وأهل الانجيل النصارى ومن وافقهم في أصل دينهم من الافرنج والأرمن وغيرهم([8]).
ويقيد صاحب المجموع أهل الكتاب باليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قبل التبديل فيقول: ومن دخل في دين اليهود والنصارى بعد التبديل لا يجوز للمسلم ان ينكح حرائرهم و لا أن يطأ أماءهم بملك اليمين لأنهم دخلوا في دين باطل فهم كمن ارتد من المسلمين ومن دخل منهم ولا يعلم انهم دخلوا قبل التبديل أو بعده كنصارى العرب وهم تنوخ وبنو تغلب وبهراء لم يحل نكاح حرائرهم ولا وطء إمائهم بملك اليمين لأن الأصل في الفروج الحظر فلا تستباح مع الشك([9]).


كما أشار الى هذا القيد صاحب البحر الزخار حيث قال: ومن أجاز نكاح الكتابية فإنما أراد إذا انتسبت إلى إسرائيل ولم تبدل ولم تفعل ما يخرم الذمة([10]).

ولم يكن المحدثون أقل تعمقا في هذا الأمر ولا أقل تشددا فيه من الفقهاء، فقد جاء في شرح السنة ما نصه: فأما اليهود والنصارى فمن كان منهم من نسل بني اسرائيل فأجمعوا على حل مناكحتهم وذبائحهم لقول الله عز وجل: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "([11]) فأما من دخل في دينهم من غيرهم من المشركين، نظر إن دخلوا فيه قبل النسخ وقبل التبديل يقرون بالجزية، وفي حل مناكحتهم وذبائحهم اختلاف فأصح الأقوال حلها، وإن دخلوا فيه بعد النسخ أو بعد التبديل فلا يقرون بالجزية ولا تحل مناكحتهم وذبائحهم، ومن شككنا في أمرهم أنهم دخلوا فيه بعد النسخ أو بعد التبديل أو قبله تؤخذ منهم الجزية ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم([12]).

ويظهر أن هذا التفصيل هو ما كانت عليه الفتيا عند العلماء من السلف الصالح، فقد ورد في فتاوي شيخ الاسلام أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري المتوفى سنة 926هـ، أنه سئل عن رجل أراد أن يتزوج امرأة نصرانية لم تعلم هي ولا أحد من أهل دينها أن آباءها دخلوا في دينها قبل النسخ والتبديل أو بعدهما، فهل يحل له ذلك أو لا؟ واذا قلتم بهذا فتزوجها ودخل بها فهل يلزمه الحد أو لا؟ فأجاب: بأنه لا يحل له أن يتزوجها والحالة هذه ما لم تكن اسرائيلية، فإن تزوجها ودخل بها عالما بالتحريم لزمه الحد والله أعلم([13]).

وقد اختلفت كلمة الفقهاء كذلك فيمن كان يؤمن بغير التوراة أو الانجيل، كالذين يؤمنون بزبور داود وصحف ابراهيم وشيت، فذهب الأحناف الى اعتبارهم أهل كتاب تحل نساؤهم كما أشار الى ذلك ابن الهمام وابن عابدين وغيرهم([14]).

يعتبر الزواج الشرعي الاكثر رواجا في بناء و تكثير النسل مع ما يلحقه من المودة و الرحمة و الطمأنينة والسكن في انفس الأزواج و بخاصة إذا كانت عوامل التوافق الروحية و المادية على درجة واحدة من المستوى وقد تختلف بعض الشيء في زواج المسلم من إمرأة من أهل الكتاب ( اليهودية و المسيحية ). فهل يمكن لهذا الزواج أن يحقق المقاصد الشرعية في ظل القوانين الوضعية و الأوضاع السياسية و الإجتماعية السائدة اليوم. هذا ما حاولت هذه الدراسة الإجابة عنه من خلال معالجة القضية من وجهة نظر شرعية تعتمد على النصوص و الوقائع المؤيدة او المعارضة.

المقدمة
جاءت التشريعات المتعلقة بالأسرة جزءا لا يتجزأ من النظام العام في الاسلام، وقد حظيت بعناية كبيرة نظرا لما تحققه من المصالح وتدرؤه من المفاسد، ومن هنا باستطاعتنا أن ندرك الأثر الكبير الذي يترتب على عقد النكاح، خاصة وأن الميل الفطري بين الذكر والأنثى ميل عميق في التكوين الحيوي لا بد له من طريق مأمون لتلبيته بصورة بعيدة عن الشذوذ والافراط، ليكون خطوة نحو مدارج الكمال وتحمل المسؤوليات، ومظهرا من مظاهر الرقي الانساني، والراحة النفسية.

ولا شك أن افضل انواع الزواج ما تلاقت فيه الرغبات وتعارفت فيه الأرواح من خلال اتحاد العقيدة والأهداف في تناسق تتلاقح فيه المودة والرحمة، فتطيب الحياة وتسعد الأسرة ويلتم شمل الأمة، وهذا هو منطق القوانين الاجتماعية عبر التاريخ في ايجاد التناغم والتوازن والتلاحم بين مختلف المجالات. وقد أدرك أعداء هذه الأمة قوة ورصانة هذه اللبنة فخططوا لهدم هذا الصرح وافساده من الداخل والخارج، مستفيدين من حالة الوهن والضعف التي يمر بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، فعملوا على افساد المرأة واحلال القوانين الوضعية مكان القوانين السماوية ونشروا ذلك بمختلف وسائل الاعلام المتاحة.



فواجهت الأسرة المسلمة من المشاكل ما يبدو لفئة من الناس أنها شديدة التعقيد، بينما تبدو لغيرهم أنها سهلة وبسيطة، وترك مثل هذه القضايا بلا حل يزيد من استفحالها، واعتبارها من المشاكل المزمنة، التي يدور فيها المجتمع في حلقة مفرغة. ومن أشد هذه المشاكل تعقيدا – في تصورنا – وأكثرها خطرا على مجتمعنا ما يمكن أن نسميه المرض الشائع أو الحالة المرضية المسيطرة والأسرة لقطاع كبير من الشباب المثقف، المتمثلة في الزواج من نساء أهل الكتاب، ومع انتشار هذه الظاهرة فقد وجدت من واجبي أن اتعرض لهذه القضية بالبحث والتفصيل موضحا الايجابيات والسلبيات المترتبة على ذلك في أيامنا الحاضرة.
فؤاد عبد اللطيف السرطاوي - فؤاد عبد اللطيف السرطاوي ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ البيئة والبعد الإسلامي ❝ ❞ الزواج من نساء أهل الكتاب أحكامه وآثاره ❝ الناشرين : ❞ دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ❝ ❱
من أحكام أهل الذمة الفقه الإسلامي - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
الزواج من نساء أهل الكتاب أحكامه وآثاره

الذمة في اللغة: مأخوذة الذمام وهي الحرمة، أو ما يذم به الرجل على اضاعته من العهد، وتفسر الذمة بالعهد وبالأمان وبالضمان، قال أبو عبيد: الذمة الأمان في قوله عليه السلام "ويسعى بذمتهم أدناهم" وسمي المعاهد ذميا بنسبته الى الذمة([1]). ولا شك في أن المعنى الشرعي للذمة له علاقة وثيقة بالمعنى اللغوي، حيث ان إخلاف الوعد وعدم الضمان إنما هي من الأمور التي يذم بها الرجل.
أما الذمة في الاصطلاح: فقد عرفها بعض العلماء بانها وصف يصير به الانسان أهلا لما له ولما عليه، كما اذا عاهدنا الكفار وأعطيناهم الذمة ثبت لهم وعليهم حقوق المسلمين في الدنيا، وهذا هو العهد الذي جرى بين الله تعالى وعباده يوم الميثاق([2]). وقد تعرض الأستاذ مصطفى الزرقا الى معنى الذمة عند الفقهاء والأصوليين ونقد كثيرا من التعاريف الواردة في كتبهم وخلص الى تعريفها بقوله: هي محل اعتباري في الشخص تشغله الحقوق التي تتحقق عليه.


وجاء في دائرة المعارف الاسلامية أن الذمة هي العهد الذي يعطى للقوم الذين يدخلون في الاسلام عند فتح المسلمين لبلادهم ولا يسترقون ويؤمنون على حياتهم وحريتهم ثم على أموالهم، ومن ثم يسمون أهل الذمة أو الذمة أو الذميين شريطة أن يبذلوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة([4]).
وأما أهل الكتاب فهو اللفظ أو الوصف الذي ذكره القرآن وجاء في السنة النبوية الشريفة دالا على اليهود والنصارى تمييزا لهم عن عبدة الأوثان، وذلك لأن لهم كتبا منزلة هي التوراة والزبور والانجيل، وهم وإن كانوا يتناقلونها مبدلة عن أصولها إلا أن اعترافهم بها يجعل لهم مكانا ممتازا بالنسبة لعبدة الأوثان.
وقد أستنبط الفقهاء في هذا المقام مسألة جعلوها محل النظر والاجتهاد وهي: هل العبرة في حل طعام أهل الكتاب والتزوج منهم بمن كانوا يدينون بالكتاب (كالتوراة والانجيل) كيفما كان كتابهم وكانت أحوالهم وأنسابهم أم العبرة باتباع الكتاب قبل التحريف والتبديل وبأهله الأصليين كالاسرائيليين من اليهود؟
وتدلل أقوال الفقهاء التي سنذكرها على ما ذكرنا مع زيادة في بعض التفريعات التي سنشير اليها في موضعها ان شاء الله.

يقول ابن قدامه المقدسي: وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم هم أهل التوراة والانجيل، قال تعالى: "أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا". فأهل التوراة اليهود والسامرة وأهل الانجيل النصارى ومن وافقهم في أصل دينهم من الافرنج والأرمن وغيرهم([8]).
ويقيد صاحب المجموع أهل الكتاب باليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قبل التبديل فيقول: ومن دخل في دين اليهود والنصارى بعد التبديل لا يجوز للمسلم ان ينكح حرائرهم و لا أن يطأ أماءهم بملك اليمين لأنهم دخلوا في دين باطل فهم كمن ارتد من المسلمين ومن دخل منهم ولا يعلم انهم دخلوا قبل التبديل أو بعده كنصارى العرب وهم تنوخ وبنو تغلب وبهراء لم يحل نكاح حرائرهم ولا وطء إمائهم بملك اليمين لأن الأصل في الفروج الحظر فلا تستباح مع الشك([9]).


كما أشار الى هذا القيد صاحب البحر الزخار حيث قال: ومن أجاز نكاح الكتابية فإنما أراد إذا انتسبت إلى إسرائيل ولم تبدل ولم تفعل ما يخرم الذمة([10]).

ولم يكن المحدثون أقل تعمقا في هذا الأمر ولا أقل تشددا فيه من الفقهاء، فقد جاء في شرح السنة ما نصه: فأما اليهود والنصارى فمن كان منهم من نسل بني اسرائيل فأجمعوا على حل مناكحتهم وذبائحهم لقول الله عز وجل: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "([11]) فأما من دخل في دينهم من غيرهم من المشركين، نظر إن دخلوا فيه قبل النسخ وقبل التبديل يقرون بالجزية، وفي حل مناكحتهم وذبائحهم اختلاف فأصح الأقوال حلها، وإن دخلوا فيه بعد النسخ أو بعد التبديل فلا يقرون بالجزية ولا تحل مناكحتهم وذبائحهم، ومن شككنا في أمرهم أنهم دخلوا فيه بعد النسخ أو بعد التبديل أو قبله تؤخذ منهم الجزية ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم([12]).

ويظهر أن هذا التفصيل هو ما كانت عليه الفتيا عند العلماء من السلف الصالح، فقد ورد في فتاوي شيخ الاسلام أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري المتوفى سنة 926هـ، أنه سئل عن رجل أراد أن يتزوج امرأة نصرانية لم تعلم هي ولا أحد من أهل دينها أن آباءها دخلوا في دينها قبل النسخ والتبديل أو بعدهما، فهل يحل له ذلك أو لا؟ واذا قلتم بهذا فتزوجها ودخل بها فهل يلزمه الحد أو لا؟ فأجاب: بأنه لا يحل له أن يتزوجها والحالة هذه ما لم تكن اسرائيلية، فإن تزوجها ودخل بها عالما بالتحريم لزمه الحد والله أعلم([13]).

وقد اختلفت كلمة الفقهاء كذلك فيمن كان يؤمن بغير التوراة أو الانجيل، كالذين يؤمنون بزبور داود وصحف ابراهيم وشيت، فذهب الأحناف الى اعتبارهم أهل كتاب تحل نساؤهم كما أشار الى ذلك ابن الهمام وابن عابدين وغيرهم([14]).

يعتبر الزواج الشرعي الاكثر رواجا في بناء و تكثير النسل مع ما يلحقه من المودة و الرحمة و الطمأنينة والسكن في انفس الأزواج و بخاصة إذا كانت عوامل التوافق الروحية و المادية على درجة واحدة من المستوى وقد تختلف بعض الشيء في زواج المسلم من إمرأة من أهل الكتاب ( اليهودية و المسيحية ). فهل يمكن لهذا الزواج أن يحقق المقاصد الشرعية في ظل القوانين الوضعية و الأوضاع السياسية و الإجتماعية السائدة اليوم. هذا ما حاولت هذه الدراسة الإجابة عنه من خلال معالجة القضية من وجهة نظر شرعية تعتمد على النصوص و الوقائع المؤيدة او المعارضة.

المقدمة
جاءت التشريعات المتعلقة بالأسرة جزءا لا يتجزأ من النظام العام في الاسلام، وقد حظيت بعناية كبيرة نظرا لما تحققه من المصالح وتدرؤه من المفاسد، ومن هنا باستطاعتنا أن ندرك الأثر الكبير الذي يترتب على عقد النكاح، خاصة وأن الميل الفطري بين الذكر والأنثى ميل عميق في التكوين الحيوي لا بد له من طريق مأمون لتلبيته بصورة بعيدة عن الشذوذ والافراط، ليكون خطوة نحو مدارج الكمال وتحمل المسؤوليات، ومظهرا من مظاهر الرقي الانساني، والراحة النفسية.

ولا شك أن افضل انواع الزواج ما تلاقت فيه الرغبات وتعارفت فيه الأرواح من خلال اتحاد العقيدة والأهداف في تناسق تتلاقح فيه المودة والرحمة، فتطيب الحياة وتسعد الأسرة ويلتم شمل الأمة، وهذا هو منطق القوانين الاجتماعية عبر التاريخ في ايجاد التناغم والتوازن والتلاحم بين مختلف المجالات. وقد أدرك أعداء هذه الأمة قوة ورصانة هذه اللبنة فخططوا لهدم هذا الصرح وافساده من الداخل والخارج، مستفيدين من حالة الوهن والضعف التي يمر بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، فعملوا على افساد المرأة واحلال القوانين الوضعية مكان القوانين السماوية ونشروا ذلك بمختلف وسائل الاعلام المتاحة.



فواجهت الأسرة المسلمة من المشاكل ما يبدو لفئة من الناس أنها شديدة التعقيد، بينما تبدو لغيرهم أنها سهلة وبسيطة، وترك مثل هذه القضايا بلا حل يزيد من استفحالها، واعتبارها من المشاكل المزمنة، التي يدور فيها المجتمع في حلقة مفرغة. ومن أشد هذه المشاكل تعقيدا – في تصورنا – وأكثرها خطرا على مجتمعنا ما يمكن أن نسميه المرض الشائع أو الحالة المرضية المسيطرة والأسرة لقطاع كبير من الشباب المثقف، المتمثلة في الزواج من نساء أهل الكتاب، ومع انتشار هذه الظاهرة فقد وجدت من واجبي أن اتعرض لهذه القضية بالبحث والتفصيل موضحا الايجابيات والسلبيات المترتبة على ذلك في أيامنا الحاضرة.

.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

الذمة في اللغة: مأخوذة الذمام وهي الحرمة، أو ما يذم به الرجل على اضاعته من العهد، وتفسر الذمة بالعهد وبالأمان وبالضمان، قال أبو عبيد: الذمة الأمان في قوله عليه السلام "ويسعى بذمتهم أدناهم" وسمي المعاهد ذميا بنسبته الى الذمة([1]). ولا شك في أن المعنى الشرعي للذمة له علاقة وثيقة بالمعنى اللغوي، حيث ان إخلاف الوعد وعدم الضمان إنما هي من الأمور التي يذم بها الرجل.
أما الذمة في الاصطلاح: فقد عرفها بعض العلماء بانها وصف يصير به الانسان أهلا لما له ولما عليه، كما اذا عاهدنا الكفار وأعطيناهم الذمة ثبت لهم وعليهم حقوق المسلمين في الدنيا، وهذا هو العهد الذي جرى بين الله تعالى وعباده يوم الميثاق([2]). وقد تعرض الأستاذ مصطفى الزرقا الى معنى الذمة عند الفقهاء والأصوليين ونقد كثيرا من التعاريف الواردة في كتبهم وخلص الى تعريفها بقوله: هي محل اعتباري في الشخص تشغله الحقوق التي تتحقق عليه.


وجاء في دائرة المعارف الاسلامية أن الذمة هي العهد الذي يعطى للقوم الذين يدخلون في الاسلام عند فتح المسلمين لبلادهم ولا يسترقون ويؤمنون على حياتهم وحريتهم ثم على أموالهم، ومن ثم يسمون أهل الذمة أو الذمة أو الذميين شريطة أن يبذلوا الجزية ويلتزموا أحكام الملة([4]).
وأما أهل الكتاب فهو اللفظ أو الوصف الذي ذكره القرآن وجاء في السنة النبوية الشريفة دالا على اليهود والنصارى تمييزا لهم عن عبدة الأوثان، وذلك لأن لهم كتبا منزلة هي التوراة والزبور والانجيل، وهم وإن كانوا يتناقلونها مبدلة عن أصولها إلا أن اعترافهم بها يجعل لهم مكانا ممتازا بالنسبة لعبدة الأوثان.
وقد أستنبط الفقهاء في هذا المقام مسألة جعلوها محل النظر والاجتهاد وهي: هل العبرة في حل طعام أهل الكتاب والتزوج منهم بمن كانوا يدينون بالكتاب (كالتوراة والانجيل) كيفما كان كتابهم وكانت أحوالهم وأنسابهم أم العبرة باتباع الكتاب قبل التحريف والتبديل وبأهله الأصليين كالاسرائيليين من اليهود؟
وتدلل أقوال الفقهاء التي سنذكرها على ما ذكرنا مع زيادة في بعض التفريعات التي سنشير اليها في موضعها ان شاء الله.

يقول ابن قدامه المقدسي: وأهل الكتاب الذين هذا حكمهم هم أهل التوراة والانجيل، قال تعالى: "أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا". فأهل التوراة اليهود والسامرة وأهل الانجيل النصارى ومن وافقهم في أصل دينهم من الافرنج والأرمن وغيرهم([8]).
ويقيد صاحب المجموع أهل الكتاب باليهود والنصارى ومن دخل في دينهم قبل التبديل فيقول: ومن دخل في دين اليهود والنصارى بعد التبديل لا يجوز للمسلم ان ينكح حرائرهم و لا أن يطأ أماءهم بملك اليمين لأنهم دخلوا في دين باطل فهم كمن ارتد من المسلمين ومن دخل منهم ولا يعلم انهم دخلوا قبل التبديل أو بعده كنصارى العرب وهم تنوخ وبنو تغلب وبهراء لم يحل نكاح حرائرهم ولا وطء إمائهم بملك اليمين لأن الأصل في الفروج الحظر فلا تستباح مع الشك([9]).


كما أشار الى هذا القيد صاحب البحر الزخار حيث قال: ومن أجاز نكاح الكتابية فإنما أراد إذا انتسبت إلى إسرائيل ولم تبدل ولم تفعل ما يخرم الذمة([10]).

ولم يكن المحدثون أقل تعمقا في هذا الأمر ولا أقل تشددا فيه من الفقهاء، فقد جاء في شرح السنة ما نصه: فأما اليهود والنصارى فمن كان منهم من نسل بني اسرائيل فأجمعوا على حل مناكحتهم وذبائحهم لقول الله عز وجل: " وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم "([11]) فأما من دخل في دينهم من غيرهم من المشركين، نظر إن دخلوا فيه قبل النسخ وقبل التبديل يقرون بالجزية، وفي حل مناكحتهم وذبائحهم اختلاف فأصح الأقوال حلها، وإن دخلوا فيه بعد النسخ أو بعد التبديل فلا يقرون بالجزية ولا تحل مناكحتهم وذبائحهم، ومن شككنا في أمرهم أنهم دخلوا فيه بعد النسخ أو بعد التبديل أو قبله تؤخذ منهم الجزية ولا تحل مناكحتهم ولا ذبائحهم([12]).

ويظهر أن هذا التفصيل هو ما كانت عليه الفتيا عند العلماء من السلف الصالح، فقد ورد في فتاوي شيخ الاسلام أبي يحيى زكريا بن محمد الأنصاري المتوفى سنة 926هـ، أنه سئل عن رجل أراد أن يتزوج امرأة نصرانية لم تعلم هي ولا أحد من أهل دينها أن آباءها دخلوا في دينها قبل النسخ والتبديل أو بعدهما، فهل يحل له ذلك أو لا؟ واذا قلتم بهذا فتزوجها ودخل بها فهل يلزمه الحد أو لا؟ فأجاب: بأنه لا يحل له أن يتزوجها والحالة هذه ما لم تكن اسرائيلية، فإن تزوجها ودخل بها عالما بالتحريم لزمه الحد والله أعلم([13]).

وقد اختلفت كلمة الفقهاء كذلك فيمن كان يؤمن بغير التوراة أو الانجيل، كالذين يؤمنون بزبور داود وصحف ابراهيم وشيت، فذهب الأحناف الى اعتبارهم أهل كتاب تحل نساؤهم كما أشار الى ذلك ابن الهمام وابن عابدين وغيرهم([14]).

يعتبر الزواج الشرعي الاكثر رواجا في بناء و تكثير النسل مع ما يلحقه من المودة و الرحمة و الطمأنينة والسكن في انفس الأزواج و بخاصة إذا كانت عوامل التوافق الروحية و المادية على درجة واحدة من المستوى وقد تختلف بعض الشيء في زواج المسلم من إمرأة من أهل الكتاب ( اليهودية و المسيحية ). فهل يمكن لهذا الزواج أن يحقق المقاصد الشرعية في ظل القوانين الوضعية و الأوضاع السياسية و الإجتماعية السائدة اليوم. هذا ما حاولت هذه الدراسة الإجابة عنه من خلال معالجة القضية من وجهة نظر شرعية تعتمد على النصوص و الوقائع المؤيدة او المعارضة.

المقدمة
جاءت التشريعات المتعلقة بالأسرة جزءا لا يتجزأ من النظام العام في الاسلام، وقد حظيت بعناية كبيرة نظرا لما تحققه من المصالح وتدرؤه من المفاسد، ومن هنا باستطاعتنا أن ندرك الأثر الكبير الذي يترتب على عقد النكاح، خاصة وأن الميل الفطري بين الذكر والأنثى ميل عميق في التكوين الحيوي لا بد له من طريق مأمون لتلبيته بصورة بعيدة عن الشذوذ والافراط، ليكون خطوة نحو مدارج الكمال وتحمل المسؤوليات، ومظهرا من مظاهر الرقي الانساني، والراحة النفسية.

ولا شك أن افضل انواع الزواج ما تلاقت فيه الرغبات وتعارفت فيه الأرواح من خلال اتحاد العقيدة والأهداف في تناسق تتلاقح فيه المودة والرحمة، فتطيب الحياة وتسعد الأسرة ويلتم شمل الأمة، وهذا هو منطق القوانين الاجتماعية عبر التاريخ في ايجاد التناغم والتوازن والتلاحم بين مختلف المجالات. وقد أدرك أعداء هذه الأمة قوة ورصانة هذه اللبنة فخططوا لهدم هذا الصرح وافساده من الداخل والخارج، مستفيدين من حالة الوهن والضعف التي يمر بها المسلمون في مشارق الأرض ومغاربها، فعملوا على افساد المرأة واحلال القوانين الوضعية مكان القوانين السماوية ونشروا ذلك بمختلف وسائل الاعلام المتاحة.

 

فواجهت الأسرة المسلمة من المشاكل ما يبدو لفئة من الناس أنها شديدة التعقيد، بينما تبدو لغيرهم أنها سهلة وبسيطة، وترك مثل هذه القضايا بلا حل يزيد من استفحالها، واعتبارها من المشاكل المزمنة، التي يدور فيها المجتمع في حلقة مفرغة. ومن أشد هذه المشاكل تعقيدا – في تصورنا – وأكثرها خطرا على مجتمعنا ما يمكن أن نسميه المرض الشائع أو الحالة المرضية المسيطرة والأسرة لقطاع كبير من الشباب المثقف، المتمثلة في الزواج من نساء أهل الكتاب، ومع انتشار هذه الظاهرة فقد وجدت من واجبي أن اتعرض لهذه القضية بالبحث والتفصيل موضحا الايجابيات والسلبيات المترتبة على ذلك في أيامنا الحاضرة.

الزواج من نساء أهل الكتاب أحكامه وآثاره من كتب إسلامية



حجم الكتاب عند التحميل : 251.2 كيلوبايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة الزواج من نساء أهل الكتاب أحكامه وآثاره

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل الزواج من نساء أهل الكتاب أحكامه وآثاره
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
فؤاد عبد اللطيف السرطاوي - Fouad Abdul Latif Sartawi

كتب فؤاد عبد اللطيف السرطاوي فؤاد عبد اللطيف السرطاوي❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ البيئة والبعد الإسلامي ❝ ❞ الزواج من نساء أهل الكتاب أحكامه وآثاره ❝ الناشرين : ❞ دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة ❝ ❱. المزيد..

كتب فؤاد عبد اللطيف السرطاوي