📘 قراءة كتاب تأثير إبليس أونلاين
شارح الكتاب: أخضر
اقتباسات من كتاب تأثير إبليس
تأثير لوسيفر: تجربة سجن ستانفورد
تعد تجربة سجن ستانفورد أشهر هذه التجارب، والتي أُجريت في عام ١٩٧١ تحت إشراف دكتور فيليب زيمباردو، وقام بأداء دور الحراس والسجناء متطوعون من طلبة الجامعة ومن خارجها، وذلك في بناءٍ يحاكي السجن تمامًا. حيث قام فيليب زيمباردو بإنشاء سجن وهمي في الطابق السفلي من قسم علم النفس بجامعة ستانفورد، وقام بتقسيم المتطوعين عشوائيًّا إلى سجناء وحراس، وقام بوضع جدولٍ لمراقبتهم يستمر لمدة أسبوعين.
وكانت النتيجة صادمة؛ حيث تدهورت الأمور، وقام السجناء بتنظيم تمرد، وشعر الحراس بالخطر، فقاموا بعمليات تفتيش عنيفة للمحتجين، وسبّوهم بأبشع الألفاظ، وطبقوا عليهم نظام الحرمان من النوم وأشياء أخرى بشعة. وتحت هذه الضغوط، أخذ السجناء في الانهيار، وتدهورَ الوضع أكثر، حتى أن فيليب نفسه أحس بالخوف، وفكر في استدعاء الشرطة للسيطرة على الأمر، وقام بإنهاء التجربة بعد ستة أيام خوفًا من تطور الأوضاع للأسوأ.
استغرقت تجربة سجن ستانفورد العشرة فصول الأولى من كتاب تأثير لوسيفر لزيمباردو الذي يضم ١٦ فصلًا، حيث رصد التحولات التي مر بها المتطوعون على مدار الستة أيام التي استغرقتها التجربة قبل إنهائها، بدءً من تجريد المسجونين من إنسانيتهم ليتحولوا إلى مجرد مجموعة أرقام محشودة في مكان ما، بينما ارتدى الحراس زي الظباط، ومنحوا أنفسهم ألقابًا تدل على السلطة، ويرتدون أقنعة تخفي هوياتهم، حتى قيام حراس السجن بجعل السجناء ينظفون المراحيض بأيديهم دون أدوات، فضلًا عن الكثير من الأعمال المُذِلة الأخرى، ولقد نجم عن ذلك إجهاد عصبي شديد لهؤلاء الفتية الطبيعيين الذين جرى اختيارهم لأنهم يتمتعون بصحة بدنية ونفسية جيدة، ولقد أصيب خمسةٌ منهم بانهيار عصبي
وخلص فيليب زيمباردو في تحليله عبر هذه الاستعراضات المطولة للأحداث إلى أن:
أ- الخط الفارق بين الخير والشر ليس ثابتًا ولا واضحًا؛ بل هو متحرك ومرن، ويمكن عبوره بسهولة.
ب- إن الدوافع لارتكاب الشر يمكن تقسيمها إلى فئتين، الأولى: تتعلق بالسمات الشخصية والوراثية والبيئية التي نشأ عليها الشخص، ويسميها علماء النفس بالدوافع النزوعية dispositional، والفئة الأخرى: تتعلق بالموقف الذي يتعرض له الشخص، والأدوار التي يتحتم عليه أن يلعبها وفقًا للثقافة والسياسة والنظام الحاكم، ويسميها علماء النفس دوافع الموقف situational.
ج- دوافع الموقف تلعب الدور الأهم في التحول إلى الشر.
ويرى فيليب زيمباردو أن التحول إلى الشر يشبه الانزلاق على منحنى يمر بسبعة مراحل، يمكن إيجازها فيما يلي:
أولًا: القيام بالخطوة الأولى، وعادة ما تكون صغيرة وبسيطة بغفلة دون تدبر (الهروب من دفع تذكرة المترو، الغش في الامتحان، أو أي شيء بسيط آخر يرى مرتكبه أنه لن يحدث شيء إذا فعل ذلك).
ثانيًا: تجريد الآخرين من إنسانيتهم dehumanizations (تحويلهم إلى أرقام كما يحدث في السجون، أو حشدهم في غرفة ضيقة كالدجاج، والحديث عنهم بلفظة “هم”، ويلعب الإعلام دورًا كبيرًا في ذلك).
ثالثًا: تجريد الشخص من فرديته deindividualization (عادة ما يخفي مرتكب الشر شخصيته أمام الضحية، إما من خلال ارتداء قناع أو عَصب عينيها).
رابعًا: تشتيت المسؤولية الفردية (لا يمكن إلقاء المسؤولية على فرد بعينه وتوجيه الاتهام له).
خامسًا: الطاعة العمياء للسلطة.
سادسًا: الانصياع للعرف السائد (أن تكون جزءً من المجموعة، ولا تريد الخروج عن ما تقبله أو ترفضه).
سابعًا: اللامبالاة بما يرتكب من شرور ضد الآخرين، والتقاعس والسلبية.
ويحدث هذا التحول أو الانزلاق عند حدوث ظرف جديد أو غير مألوف بالنسبة إليك، حيث تتعطل أنماط الاستجابة المعتادة، وتفقد الارتباط بشخصيتك وقيمك العليا. وتساعدنا هذه الخطوات في فهم آليات التحول للشر وليس تبريره؛ حيث أنه لا شيء أهون من شجب فاعل الشر، ولا شيء أصعب من محاولة فهمه. وكما يقول دستويفسكي: إن الفهم لا يعني إيجاد المبرر.
ولقد بينت تجربتا سجن ستانفورد وملجرام، ومذابح الهوتو والتوتسي، ومحارق اليهود على أيدي النازيين، وأحداث سجن أبي غريب في العراق مدى السهولة التي يمكن أن تنزلق فيها الشخصيات الطبيعية العادية- مثلي ومثلك- نحو ارتكاب الجرائم المروعة والشرور بوجه عام.
وكان يمكن لأحداث سجن أبي غريب أن تمر دون أن يكشف عنها أحد، ودون توجيه أصابع الاتهام إلى النظام العسكري والسياسي في أمريكا، لولا شجاعة هذا العسكري البسيط “جو داربي”، والذي نجح في إيقاف هذه الانتهاكات التي رأيتموها عندما قدم الصور البشعة لأحداث السجن إلى أحد ضباط التحقيق.
وحتى في تجربة سجن ستانفورد، التي انزلق فيها دون أن يشعر د. فيليب زيمباردو، حيث كان على استعداد للاستمرار في التجربة حتى نهايتها دون مبالاة بما يحدث، نجحت فتاة واحدة من مساعدي عالم النفس الشهير في إيقافها، عندما صرخت فيه لتوقظه من غفلته: “أوقف هذه التجربة. إن ما تفعله بأولئك الفتية لأمر فظيع؛ إنهم ليسوا سجناء، وهؤلاء ليسوا حراسًا، إنهم فتية صغار، وأنت المسؤول عما يحدث”.
وفي اليوم التالي، قام زيمباردو بإنهاء التجربة، ومن الطريف أن هذه الفتاة الشجاعة أصبحت زوجة زيمبادرو في العام التالي.
وإذا كانت كل هذه الأبحاث التي قدمها فيليب زيمباردو في كتاب “تأثير لوسيفر” تثبت أن هناك إمكانية كبيرة لتحول الأشخاص العاديين إلى أشرار وإرهابيين، فلقد ظهر أيضًا أن الوقوف في وجه قوى الشر كان أيضًا على أيدي أفراد عاديين. فلقد توقفت هذه الممارسات الشريرة على أيدي أشخاص عاديين، أبطال لكن بدون الصفات الخارقة والقدرات الفائقة للبطولة التي يعشقها أطفالنا وشبابنا أيضًا.
و يختتم زيمباردو كتابه- في الفصل السادس عشر تحديدًا- بالدعوة إلى ترويج ونشر صورة البطل القادر على مواجهة الشر بين الناس، البطل الذي ينتمي إلى عامة الناس ومنهم، ليس مختلفًا، ولا يتمتع بأي قدرات استثنائية. ويجب أن تبرز المنظومة التعليمية هذه الصورة، والتي تشجع أبناءنا على إدراك أن أي فرد بينهم مهما اختلفت قدراته يمكن أن يكون البطل الشجاع الذي سيظهر في الوقت المناسب. نريد أن يدرك أبناؤنا أن أغلب الأبطال هم الأناس العاديون الذين نقابلهم كل يوم.
وإذا كانت للظروف هذه القدرة على قدح شرارة العدوانية في البعض منا، فإنها قد تلهم المخيلة البطولية لدى آخرين، الذين انغرست في نفوسهم الصورة الحقيقة للبطولة، التى جعلت من الإنسان بقدراته الأرضية بطلًا قادرًا على مقاومة كبير الشياطين والملائكة بقدراته العلوية “إبليس أو لوسيفر” حسب العهد القديم.
وفي ضوء كتاب تأثير لوسيفر الجميل، والذي أوصي بقراءته، أحب أن أشير إلى أن أشر الشرور هو التخاذل، فإذا صرخ أبوك أو أمك فيك يومًا: “احنا ما لنا ومال الكلام ده؟ السياسة ليها ناسها، واحنا يا بني مش حمل السجن، والسجون ليها ناسها، وأنت يا بني مش قدهم… هذه الأمور لا تخصنا”، عندها يجب أن تقول: “يا أمي، إن بلدي، بل والإنسانية جميعًا، تخصني أيضًا”. أنت أيضًا بطل!!
سنة النشر : 2007م / 1428هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 14.7 ميجا بايت .
عداد القراءة:
اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني و يمكنك تحميله من هنا:
شكرًا لمساهمتكم
شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف: