❞ كتاب جغرافية الأديان ❝  ⏤ دافيد سوفير

❞ كتاب جغرافية الأديان ❝ ⏤ دافيد سوفير

إن الأديان والعقائد هي من التنوع والتعدد والتباين بحيث يقدرها الدارسون والباحثون بحوالي أربعة آلاف ديانة تنشر حول العالم، وجغرافية الأديان تحظى باهتمام من قبل حقول معرفية عديدة مثل: الأنثروبولوجيا والفلسفة والتاريخ والاجتماع وأضيف إليها مؤخرا الجغرافيا. ومن المنظور الجغرافي يستمد الدين أهمية من كونه موجود ومنتشر في كافة بقاع الأرض ولا تخلو بقعة جغرافية منه، وأن العديد من الظواهر الدينية مرتبطة بالمكان كالحج، ولأن كثيرا من الصراعات الجيوسياسية المعاصرة ترتبط بالدين بشكل أو بآخر.

وعلى هذا نشأ ضمن علم الجغرافيا فرع يسمى (جغرافيا الأديان) وهو يهتم بالطريقة التي يتم بها التعبير عن الدين على الأرض وتأثيراته الاجتماعية والثقافية، ويعني بوجه خاص بوضع خرائط تبين انتشار الأديان وتوزيعاتها العالمية، كما يبحث عن تأثيرات الدين في القضايا الديموغرافية وفي الجغرافيا السياسية.

لا يلجأ الجغرافيون إلى تصنيف الأنظمة الدينية وفقا للتصنيف الشائع أديان سماوية في مقابل أخرى وضعية، أو وفقا لطبيعة العلاقة بين الإنسان والإله والتي تختلف بين الأديان، وإنما يعمدون إلى تصنيف آخر للديانات يضعها في فئتين كبيرتين؛ الأديان العالمية الأممية، والأديان العرقية المحدوة، وهنالك عدد محدود من الديانات لا تعتبر من هؤلاء ولا هؤلاء ويتم تصنيفها بوصفها ديانات جزئية:

أولا: الأديان ذات الصفة العالمية: وهي الأديان التي تتوفر فيها بعض الخصائص من قبيل: ايمان معتنقوها أنها صالحة للبشر كافة، امتلاكها بعض الميكانيزمات التي تجعلها قابلة للانتشار والتمدد الجغرافي، قدرتها على تحطيم القيود والمحاولات لإبقائها منحصرة في مجموعة أو فئة خاصة، تصدرها طليعة الأديان على الصعيد الإقليمي والعالمي، ووفقا لهذه الخصائص فإن المسيحية والإسلام والبوذية هي من الأديان العالمية، رغم أنها بدأت في نطاق عرقي محدد كرسالة المسيح التي كانت مختصة بقومه؛ وسرعان ما اتجهت نحو التمدد.

ويمكن تفسير هذا التمدد –ضمن أسباب عديدة- إلى يسر وسهولة اجراءات وعمليات انتقال الشخص إلى الدين الجديد إذا ما قورنت بالأديان العرقية؛ ففي البوذية ليست هناك أي رسميات للقبول والطرد، والشيء المهم الوحيد هو قبول الولاء والالتزام من غير إكراه، وكذلك الحال في الإسلام، فالشهادة هي بوابة الدخول إلى الإسلام وليس هناك بعدها أي طقوس أو مراسيم أخرى خاصة.

وبعض هذه الأديان تمتلك مؤسسات تبشيرية خاصة كالمسيحية، وقد تغذت مؤسسة التبشير المسيحي عبر تاريخها على فكرة رئيسة وهي أن الأنظمة الدينية الأخرى غير صحيحة وينبغي إزالتها واستئصالها.

وعلى الرغم من عالمية هذه الأديان الثلاثة وانتشارها الواسع، إلا أن بعضها يواجه تحديات أهمها الانقسام الداخلي، وهو أشد وضوحا في الحالة المسيحية التي انقسمت إلى كنائس مستقلة وغالبا متخاصمة، وبعض هذه الانقسامات اصطبغ بالطابع العرقي كما هو الحال مع الكنيسة الحبشية التي عانت الانعزال الجغرافي والافتقار إلى الديناميكية والنشاط، أضف إلى ذلك أن المسيحية قد أكتسبت بعض الصفات العرقية وأنها أصبحت تعني لدى سكان مناطق من آسيا وأفريقيا ديانة الرجل الأبيض الغربي دون سواه.

ثانيا: الأديان ذات الصفة العرقية: وهي تتواجد في المجتمعات صغيرة الحجم متجانسة ثقافيا وغالبا ما يعيشون ضمن بلد معين، وتعدادها كبير نسبيا يقدر بمئات الديانات وعدد معتنقيها يزيد عن 150 مليونا من البشر، معظمهم يقطن مناطق مهملة جغرافيا غير أن بعضهم يقطن مناطق في العالم المتحضر كالولايات المتحدة التي تتواجد بها بعض الأديان العرقية مثل الهوبي والنافاجو، ويميزها عدم لجوء أتباعها إلى التبشير، ويضاف لذلك إيمان غالبها بالأرواح الطبيعية والاعتقاد بأن روحا ما تسير الكون والبشر وفق مشيئتها، كما يميزها أيضا عدم لجوئها إلى التبشير.

وتأثرت جغرافية الأديان بثمة عاملين كان لهما أبلغ الأثر في تقلص هذه الديانات، أولهما انتشار المدنية والتحضر الذي لا يلائم هذه الديانات التي تتلائم مع البيئات البدائية، وثانيهما التوسع الكبير الذي شهدته الديانتان العالميتان، الإسلام والمسيحية واجتذابهما أنصارا كثر بمضي الوقت. ولعل أكبر وأوسع الديانات العرقية هي الهندوسية التي يبدو أنها تحولت إلى دين عالمي بسبب انتشارها، غير أن محتواها لا يبتعد كثيرا عن محتوى الأنظمة الدينية المغلقة المرتبطة بمجتمع الهند والقائمة على قدسية بعض الأماكن بها، الأمر الذي يمنحها طابعا عرقيا ويبتعد بها عن الصفة العالمية.

وتصنف اليهودية أيضا باعتبارها دينا عرقيا لأن المؤسسة الدينية والممارسات الشعائرية بها وثيقة الارتباط بالمجتمع اليهودي، فاليهودية هي الدين الذي ساهم في الحفاظ على المجتمع اليهودي عبر الطقوس والممارسات الخاصة التي لا يشاركه فيها غيره، ويبدو تميز الشخصية اليهودية من خلال ملاحظة أن بينما يميز المسيحيون أنفسهم عن الوثنيين، ويميز المسلمون أنفسهم عن الكفار فإن اليهود يميزون أنفسهم عن سائر البشر، ويعتبرون الشخص غير اليهودي جوي goi ، وهي تسمية عرقية، يصبح معها اليهودي متميزا عن جميع الفئات العنصرية على وجه الأرض[3].

ثالثا: الأديان الهامشية: وهي عبارة عن أنظمة دينية تمزج ما بين بعض ممارسات ومصطلحات الأديان العالمية وبعض المعتقدات القبلية العرقية، ومعضلة هذه الأديان أنها لا تصبح دينا عالميا لأنها تعمد إلى خلق الفروق العرقية بين معتنقيها وبين الآخرين الذين هم من الأوروبيين البيض، ولكنها من جهة أخرى؛ تقطع مع الحدود العرقية القديمة، وعلى هذا يصنفها الجغرافيون بحسبانها عرقية جديدة، ومن أمثلتها دين الكارجو كالت في مالينيزيا، والكاواداي في اليابان، وبعض الأديان المتفرعة عن البوذية.

اقرأ المزيد في إسلام أون لاين : دافيد سوفير - ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ جغرافية الأديان ❝ الناشرين : ❞ دار قتيبة ❝ ❱
من كتب الأديان فرق ومذاهب وأفكار وردود - مكتبة كتب إسلامية.

نبذة عن الكتاب:
جغرافية الأديان

1990م - 1445هـ
إن الأديان والعقائد هي من التنوع والتعدد والتباين بحيث يقدرها الدارسون والباحثون بحوالي أربعة آلاف ديانة تنشر حول العالم، وجغرافية الأديان تحظى باهتمام من قبل حقول معرفية عديدة مثل: الأنثروبولوجيا والفلسفة والتاريخ والاجتماع وأضيف إليها مؤخرا الجغرافيا. ومن المنظور الجغرافي يستمد الدين أهمية من كونه موجود ومنتشر في كافة بقاع الأرض ولا تخلو بقعة جغرافية منه، وأن العديد من الظواهر الدينية مرتبطة بالمكان كالحج، ولأن كثيرا من الصراعات الجيوسياسية المعاصرة ترتبط بالدين بشكل أو بآخر.

وعلى هذا نشأ ضمن علم الجغرافيا فرع يسمى (جغرافيا الأديان) وهو يهتم بالطريقة التي يتم بها التعبير عن الدين على الأرض وتأثيراته الاجتماعية والثقافية، ويعني بوجه خاص بوضع خرائط تبين انتشار الأديان وتوزيعاتها العالمية، كما يبحث عن تأثيرات الدين في القضايا الديموغرافية وفي الجغرافيا السياسية.

لا يلجأ الجغرافيون إلى تصنيف الأنظمة الدينية وفقا للتصنيف الشائع أديان سماوية في مقابل أخرى وضعية، أو وفقا لطبيعة العلاقة بين الإنسان والإله والتي تختلف بين الأديان، وإنما يعمدون إلى تصنيف آخر للديانات يضعها في فئتين كبيرتين؛ الأديان العالمية الأممية، والأديان العرقية المحدوة، وهنالك عدد محدود من الديانات لا تعتبر من هؤلاء ولا هؤلاء ويتم تصنيفها بوصفها ديانات جزئية:

أولا: الأديان ذات الصفة العالمية: وهي الأديان التي تتوفر فيها بعض الخصائص من قبيل: ايمان معتنقوها أنها صالحة للبشر كافة، امتلاكها بعض الميكانيزمات التي تجعلها قابلة للانتشار والتمدد الجغرافي، قدرتها على تحطيم القيود والمحاولات لإبقائها منحصرة في مجموعة أو فئة خاصة، تصدرها طليعة الأديان على الصعيد الإقليمي والعالمي، ووفقا لهذه الخصائص فإن المسيحية والإسلام والبوذية هي من الأديان العالمية، رغم أنها بدأت في نطاق عرقي محدد كرسالة المسيح التي كانت مختصة بقومه؛ وسرعان ما اتجهت نحو التمدد.

ويمكن تفسير هذا التمدد –ضمن أسباب عديدة- إلى يسر وسهولة اجراءات وعمليات انتقال الشخص إلى الدين الجديد إذا ما قورنت بالأديان العرقية؛ ففي البوذية ليست هناك أي رسميات للقبول والطرد، والشيء المهم الوحيد هو قبول الولاء والالتزام من غير إكراه، وكذلك الحال في الإسلام، فالشهادة هي بوابة الدخول إلى الإسلام وليس هناك بعدها أي طقوس أو مراسيم أخرى خاصة.

وبعض هذه الأديان تمتلك مؤسسات تبشيرية خاصة كالمسيحية، وقد تغذت مؤسسة التبشير المسيحي عبر تاريخها على فكرة رئيسة وهي أن الأنظمة الدينية الأخرى غير صحيحة وينبغي إزالتها واستئصالها.

وعلى الرغم من عالمية هذه الأديان الثلاثة وانتشارها الواسع، إلا أن بعضها يواجه تحديات أهمها الانقسام الداخلي، وهو أشد وضوحا في الحالة المسيحية التي انقسمت إلى كنائس مستقلة وغالبا متخاصمة، وبعض هذه الانقسامات اصطبغ بالطابع العرقي كما هو الحال مع الكنيسة الحبشية التي عانت الانعزال الجغرافي والافتقار إلى الديناميكية والنشاط، أضف إلى ذلك أن المسيحية قد أكتسبت بعض الصفات العرقية وأنها أصبحت تعني لدى سكان مناطق من آسيا وأفريقيا ديانة الرجل الأبيض الغربي دون سواه.

ثانيا: الأديان ذات الصفة العرقية: وهي تتواجد في المجتمعات صغيرة الحجم متجانسة ثقافيا وغالبا ما يعيشون ضمن بلد معين، وتعدادها كبير نسبيا يقدر بمئات الديانات وعدد معتنقيها يزيد عن 150 مليونا من البشر، معظمهم يقطن مناطق مهملة جغرافيا غير أن بعضهم يقطن مناطق في العالم المتحضر كالولايات المتحدة التي تتواجد بها بعض الأديان العرقية مثل الهوبي والنافاجو، ويميزها عدم لجوء أتباعها إلى التبشير، ويضاف لذلك إيمان غالبها بالأرواح الطبيعية والاعتقاد بأن روحا ما تسير الكون والبشر وفق مشيئتها، كما يميزها أيضا عدم لجوئها إلى التبشير.

وتأثرت جغرافية الأديان بثمة عاملين كان لهما أبلغ الأثر في تقلص هذه الديانات، أولهما انتشار المدنية والتحضر الذي لا يلائم هذه الديانات التي تتلائم مع البيئات البدائية، وثانيهما التوسع الكبير الذي شهدته الديانتان العالميتان، الإسلام والمسيحية واجتذابهما أنصارا كثر بمضي الوقت. ولعل أكبر وأوسع الديانات العرقية هي الهندوسية التي يبدو أنها تحولت إلى دين عالمي بسبب انتشارها، غير أن محتواها لا يبتعد كثيرا عن محتوى الأنظمة الدينية المغلقة المرتبطة بمجتمع الهند والقائمة على قدسية بعض الأماكن بها، الأمر الذي يمنحها طابعا عرقيا ويبتعد بها عن الصفة العالمية.

وتصنف اليهودية أيضا باعتبارها دينا عرقيا لأن المؤسسة الدينية والممارسات الشعائرية بها وثيقة الارتباط بالمجتمع اليهودي، فاليهودية هي الدين الذي ساهم في الحفاظ على المجتمع اليهودي عبر الطقوس والممارسات الخاصة التي لا يشاركه فيها غيره، ويبدو تميز الشخصية اليهودية من خلال ملاحظة أن بينما يميز المسيحيون أنفسهم عن الوثنيين، ويميز المسلمون أنفسهم عن الكفار فإن اليهود يميزون أنفسهم عن سائر البشر، ويعتبرون الشخص غير اليهودي جوي goi ، وهي تسمية عرقية، يصبح معها اليهودي متميزا عن جميع الفئات العنصرية على وجه الأرض[3].

ثالثا: الأديان الهامشية: وهي عبارة عن أنظمة دينية تمزج ما بين بعض ممارسات ومصطلحات الأديان العالمية وبعض المعتقدات القبلية العرقية، ومعضلة هذه الأديان أنها لا تصبح دينا عالميا لأنها تعمد إلى خلق الفروق العرقية بين معتنقيها وبين الآخرين الذين هم من الأوروبيين البيض، ولكنها من جهة أخرى؛ تقطع مع الحدود العرقية القديمة، وعلى هذا يصنفها الجغرافيون بحسبانها عرقية جديدة، ومن أمثلتها دين الكارجو كالت في مالينيزيا، والكاواداي في اليابان، وبعض الأديان المتفرعة عن البوذية.

اقرأ المزيد في إسلام أون لاين :
.
المزيد..

تعليقات القرّاء:

إن الأديان والعقائد هي من التنوع والتعدد والتباين بحيث يقدرها الدارسون والباحثون بحوالي أربعة آلاف ديانة تنشر حول العالم، وجغرافية الأديان تحظى باهتمام من قبل حقول معرفية عديدة مثل: الأنثروبولوجيا والفلسفة والتاريخ والاجتماع وأضيف إليها مؤخرا الجغرافيا. ومن المنظور الجغرافي يستمد الدين أهمية من كونه موجود ومنتشر في كافة بقاع الأرض ولا تخلو بقعة جغرافية منه، وأن العديد من الظواهر الدينية مرتبطة بالمكان كالحج، ولأن كثيرا من الصراعات الجيوسياسية المعاصرة ترتبط بالدين بشكل أو بآخر. 

وعلى هذا نشأ ضمن علم الجغرافيا فرع يسمى (جغرافيا الأديان) وهو يهتم بالطريقة التي يتم بها التعبير عن الدين على الأرض وتأثيراته الاجتماعية والثقافية، ويعني بوجه خاص بوضع خرائط تبين انتشار الأديان وتوزيعاتها العالمية، كما يبحث عن تأثيرات الدين في القضايا الديموغرافية وفي الجغرافيا السياسية.

 لا يلجأ الجغرافيون إلى تصنيف الأنظمة الدينية وفقا للتصنيف الشائع أديان سماوية في مقابل أخرى وضعية، أو وفقا لطبيعة العلاقة بين الإنسان والإله والتي تختلف بين الأديان، وإنما يعمدون إلى تصنيف آخر للديانات يضعها في فئتين كبيرتين؛ الأديان العالمية الأممية، والأديان العرقية المحدوة، وهنالك عدد محدود من الديانات لا تعتبر من هؤلاء ولا هؤلاء ويتم تصنيفها بوصفها ديانات جزئية: 

أولا: الأديان ذات الصفة العالمية: وهي الأديان التي تتوفر فيها بعض الخصائص من قبيل: ايمان معتنقوها أنها صالحة للبشر كافة، امتلاكها بعض الميكانيزمات التي تجعلها قابلة للانتشار والتمدد الجغرافي، قدرتها على تحطيم القيود والمحاولات لإبقائها منحصرة في مجموعة أو فئة خاصة، تصدرها طليعة الأديان على الصعيد الإقليمي والعالمي، ووفقا لهذه الخصائص فإن المسيحية والإسلام والبوذية هي من الأديان العالمية، رغم أنها بدأت في نطاق عرقي محدد كرسالة المسيح التي كانت مختصة بقومه؛ وسرعان ما اتجهت نحو التمدد.

 ويمكن تفسير هذا التمدد –ضمن أسباب عديدة- إلى يسر وسهولة اجراءات وعمليات انتقال الشخص إلى الدين الجديد إذا ما قورنت بالأديان العرقية؛ ففي البوذية ليست هناك أي رسميات للقبول والطرد، والشيء المهم الوحيد هو قبول الولاء والالتزام من غير إكراه، وكذلك الحال في الإسلام، فالشهادة هي بوابة الدخول إلى الإسلام وليس هناك بعدها أي طقوس أو مراسيم أخرى خاصة.

 وبعض هذه الأديان تمتلك مؤسسات تبشيرية خاصة كالمسيحية، وقد تغذت مؤسسة التبشير المسيحي عبر تاريخها على فكرة رئيسة وهي أن الأنظمة الدينية الأخرى غير صحيحة وينبغي إزالتها واستئصالها.

 وعلى الرغم من عالمية هذه الأديان الثلاثة وانتشارها الواسع، إلا أن بعضها يواجه تحديات أهمها الانقسام الداخلي، وهو أشد وضوحا في الحالة المسيحية التي انقسمت إلى كنائس مستقلة وغالبا متخاصمة، وبعض هذه الانقسامات اصطبغ بالطابع العرقي كما هو الحال مع الكنيسة الحبشية التي عانت الانعزال الجغرافي والافتقار إلى الديناميكية والنشاط، أضف إلى ذلك أن المسيحية قد أكتسبت بعض الصفات العرقية وأنها أصبحت تعني لدى سكان مناطق من آسيا وأفريقيا ديانة الرجل الأبيض الغربي دون سواه.

 ثانيا: الأديان ذات الصفة العرقية: وهي تتواجد في المجتمعات صغيرة الحجم متجانسة ثقافيا وغالبا ما يعيشون ضمن بلد معين، وتعدادها كبير نسبيا يقدر بمئات الديانات وعدد معتنقيها يزيد عن 150 مليونا من البشر، معظمهم يقطن مناطق مهملة جغرافيا غير أن بعضهم يقطن مناطق في العالم المتحضر كالولايات المتحدة التي تتواجد بها بعض الأديان العرقية مثل الهوبي والنافاجو، ويميزها عدم لجوء أتباعها إلى التبشير، ويضاف لذلك إيمان غالبها بالأرواح الطبيعية والاعتقاد بأن روحا ما تسير الكون والبشر وفق مشيئتها، كما يميزها أيضا عدم لجوئها إلى التبشير. 

وتأثرت جغرافية الأديان بثمة عاملين كان لهما أبلغ الأثر في تقلص هذه الديانات، أولهما انتشار المدنية والتحضر الذي لا يلائم هذه الديانات التي تتلائم مع البيئات البدائية، وثانيهما التوسع الكبير الذي شهدته الديانتان العالميتان، الإسلام والمسيحية واجتذابهما أنصارا كثر بمضي الوقت. ولعل أكبر وأوسع الديانات العرقية هي الهندوسية التي يبدو أنها تحولت إلى دين عالمي بسبب انتشارها، غير أن محتواها لا يبتعد كثيرا عن محتوى الأنظمة الدينية المغلقة المرتبطة بمجتمع الهند والقائمة على قدسية بعض الأماكن بها، الأمر الذي يمنحها طابعا عرقيا ويبتعد بها عن الصفة العالمية. 

وتصنف اليهودية أيضا باعتبارها دينا عرقيا لأن المؤسسة الدينية والممارسات الشعائرية بها وثيقة الارتباط بالمجتمع اليهودي، فاليهودية هي الدين الذي ساهم في الحفاظ على المجتمع اليهودي عبر الطقوس والممارسات الخاصة التي لا يشاركه فيها غيره، ويبدو تميز الشخصية اليهودية من خلال ملاحظة أن بينما يميز المسيحيون أنفسهم عن الوثنيين، ويميز المسلمون أنفسهم عن الكفار فإن اليهود يميزون أنفسهم عن سائر البشر، ويعتبرون الشخص غير اليهودي جوي goi ، وهي تسمية عرقية، يصبح معها اليهودي متميزا عن جميع الفئات العنصرية على وجه الأرض[3]. 

ثالثا: الأديان الهامشية: وهي عبارة عن أنظمة دينية تمزج ما بين بعض ممارسات ومصطلحات الأديان العالمية وبعض المعتقدات القبلية العرقية، ومعضلة هذه الأديان أنها لا تصبح دينا عالميا لأنها تعمد إلى خلق الفروق العرقية بين معتنقيها وبين الآخرين الذين هم من الأوروبيين البيض، ولكنها من جهة أخرى؛ تقطع مع الحدود العرقية القديمة، وعلى هذا يصنفها الجغرافيون بحسبانها عرقية جديدة، ومن أمثلتها دين الكارجو كالت في مالينيزيا، والكاواداي في اليابان، وبعض الأديان المتفرعة عن البوذية.

اقرأ المزيد في إسلام أون لاين :
 

 تهتم الجغرافيا الثقافية بالميادين البشرية وبالإنسان ليس كفرد مستقل فحسب وإنما كمساهم وحامل للقضايا الثقافية. وهي تهتم بشكل خاص بنوعين من العلاقات: الأول: التفاعل الثقافي والبيئة الأرضية المعقدة. والثاني التفاعل المتبادل بين مختلف الثقافات. وتحاول الجغرافية الثقافية الدينية البحث والاستقصاء حول هذه العلاقات وهي تركز اهتمامها بالعنصر الديني في الثقافات. لا تستطيع الجغرافيا معالجة التجارب الدينية الشخصية التي يعتبرها البعض لب الدين وأساسه. فلقد عرف الدين بكونه نظاما من أنظمة الإيمان والعبادة، فهو عبارة عن مجموعة من المعتقدات المقدسة المؤكدة والمتواترة مع إيراد بعض التكاليف الواجب مراعاتها وبعض الممارسات الاجتماعية. وهكذا تستطيع الجغرافية دراسة الأنظمة الدينية المقررة وكذلك دراسة السلوك الديني المؤثر. 



سنة النشر : 1990م / 1410هـ .
حجم الكتاب عند التحميل : 8.1 ميجا بايت .
نوع الكتاب : pdf.
عداد القراءة: عدد قراءة جغرافية الأديان

اذا اعجبك الكتاب فضلاً اضغط على أعجبني
و يمكنك تحميله من هنا:

تحميل جغرافية الأديان
شكرًا لمساهمتكم

شكراً لمساهمتكم معنا في الإرتقاء بمستوى المكتبة ، يمكنكم االتبليغ عن اخطاء او سوء اختيار للكتب وتصنيفها ومحتواها ، أو كتاب يُمنع نشره ، او محمي بحقوق طبع ونشر ، فضلاً قم بالتبليغ عن الكتاب المُخالف:

برنامج تشغيل ملفات pdfقبل تحميل الكتاب ..
يجب ان يتوفر لديكم برنامج تشغيل وقراءة ملفات pdf
يمكن تحميلة من هنا 'http://get.adobe.com/reader/'

المؤلف:
دافيد سوفير - DAFID SOFIR

كتب دافيد سوفير ❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ جغرافية الأديان ❝ الناشرين : ❞ دار قتيبة ❝ ❱. المزيد..

كتب دافيد سوفير
الناشر:
دار قتيبة
كتب دار قتيبة ❰ ناشرين لمجموعة من المؤلفات أبرزها ❞ اليهود عبر التاريخ ❝ ❞ الشاطبي ومقاصد الشريعة ❝ ❞ النصوص الكاملة لمخطوطات البحر الميت ❝ ❞ التوراة ترجمة عربية عمرها اكثر من الف عام ❝ ❞ هل محمد صلى الله عليه و سلم عبقري مصلح ام نبي مرسل؟ ❝ ❞ جغرافية الأديان ❝ ❞ التلمود اليهود المقدس ❝ ❞ العقيدة النصرانية بين القرآن الأناجيل الجزء الأول ❝ ❞ الجانب المظلم في التاريخ المسيحي ❝ ❞ القدس من الإسراء إلى وعد الآخرة سبع آيات تختزل التاريخ فلسطين ومركزية الصراع الكوني ❝ ومن أبرز المؤلفين : ❞ أبو نصر الفارابي ❝ ❞ د. حسن الباش ❝ ❞ سهيل زكار ❝ ❞ أحمد ايبش ❝ ❞ سليمان ناجي ❝ ❞ زينب فواز ❝ ❞ د.محمد شيخاني ❝ ❞ دافيد سوفير ❝ ❞ حمادي العبيدي ❝ ❞ الدكتور حسن الباش ❝ ❞ هند المعدللي ❝ ❞ محمد شيخاني ❝ ❞ غيزا فيرمز ❝ ❞ هيلين إليبري ❝ ❞ جيمس جوستاف سبيث ❝ ❞ حمادي العبدي ❝ ❱.المزيد.. كتب دار قتيبة