❞ كتاب علمانية المدفع والإنجيل ❝ ⏤ محمد عمارة
إنَّ العداء الغربيّ للإسلام حقيقة لا يُمْكن إنكارها أو تجاهلها، وهم يعترفون أنَّ الإسلام هو الشيطان، وأنَّ المعركة ليست فقط بسبب البترول و (إسرائيل )، وإنما هي بَيْن الحداثة الغربية وبَيْن المسلمين الذين يحرصون على صَبْغ كل أمور حياتهم بالصبغة الدِّينية، ولقد جَعَل الغربُ الإسلامَ أخطر مِن النازية والشيوعية، متجاهلين أنَّ هذا الغرب يملأ بلاد الإسلام بجيوشه وقواعده العسكرية، وليس للمسلمين في الغرب عسكري مرور أو سفينة صَيْد، وإذا ما أراد المسلمون تحرير بلادهم والتماس عزتهم مِن دِينهم؛ جاء الغرب بالعلمانية التي تريد تحويل الإسلام إلى مجرد طقوس وتمتمات، ليفرضها عليهم بالمِدفع والإنجيل.
1- نشأة العلمانية
مصطلح (العلمانية ) هو الترجمة التي شاعت - بمصر والمَشرق العربيّ - للكلمة الإنجليزية (SECULARISM ) بمعنى الدنيويّ والعالميّ والواقعيّ - مِن الدنيا والعالَم والواقع -. ولأنَّ هذا هو معنَي المصطلح؛ فقد كان يُفترض ترجمته لغويًا بـِِ (العالمية ) أو (العالمانية )، لكن صُورته غَيْر القياسية - "العلمانية " - هي التي قُدِّر لها الشيوع والانتشار.
لقد ظَلَّت المسيحية منذ نشأتها - وعَبْر قرون طويلة مِن حياتها - دِينًا لا دولة، وشريعة محبة لا تُقدِّم للمجتمع مرجعية قانونية ولا نظامًا للحُكم، ورسالة مُكرَّسة لخلاص الروح، تَدَع ما لِقَيصر لِقَيصر وما لله لله، وظلَّت رسالة كَنَسِيّتها خاصة بمملكة السماء، لا شأن لها بسلطان الأرض، ولا بقوانين تنظيم الاجتماع البشري في السياسة والاجتماع والاقتصاد. وعَبْر هذه القرون، حَكَمَت العلاقة بَيْن الكنيسة والدولة - بَيْن الدِين والمجتمع - نظرية (السَيْفين ) أي: السيف الروحيّ، وهو السلطة الدينية للكنيسة، والسيف الزمنيّ، وهو السلطة المدنية للدولة.
لَمَّا تجاوزت الكنيسة حدود رسالة الروح ومملكة السماء، واغتَصبت السلطة الزمنية أيضًا، دَخَلَت المجتمعات الأوروبية مرحلة الجمود والانحطاط وعصورها المظلمة، وسادت في تلك الحقبة نظرية (السيف الواحد )، أي السلطة الجامعة بَيْن الدينيّ والمدنيّ، سواء تولاها الباباوات والأباطرة أو الملوك الذين يوليهم ويباركهم الباباوات، وعُرِف هذا النظام في التاريخ الأوربيّ بنظرية (الحق الإلهيّ للملوك - DIVINE RIGHT OF THE KINGS ). وبسبب ما سَبق، كانت (الثورة العلمانية ) التي فجَّرتها فلسفة التنوير الأوربيّ، والتي أقامت قطعيَّة معرفيَّة مع فلسفة الحكم الكهنوتيّ، وأَسّست النزعة العلمانية الحديثة على التراث الأوربيّ القديم، وعلى عقلانية التنوير الأوربيّ الحديث، وجعلت العقل والتجربة مَحَل الدِّين واللاهوت، وأعادت الكنيسة إلى حدودها الأولى وهي: خلاص الروح ومملكة السماء وجَعْل ما لِقَيصر لِقَيصر مِن دون الله، وجَعْل العقل والتجربة دون الدِين واللاهوت في تدبير شئون العمران الإنسانيّ. وهكذا نشأت العلمانية في سياق التنوير الوضعيّ الغربيّ؛ لتُمثل عزلًا للسماء عن الأرض، وتحريرًا للاجتماع البشريّ مِن ضوابط وحدود الشريعة الإلهية، وحصرًا لمرجعية تدبير العالَم في الإنسان؛ باعتباره (السيِّد ) في تدبير عالَمه ودنياه.
2- كأس العلمانية المسموم
كانت العلمانية الغربية التي عَزَلت السماء عن الأرض، وأَحلَّت العقل والفلسفة والمنطق مَحَلّ الله والكنيسة واللاهوت، بمثابة الكأس المسمومة التي تجرَّعتها المسيحية الغربية؛ فترنَّحت وأصابها الإعياء والعجز والتهميش، وبشهادة أحد الخبراء الألمان وعالِم الاجتماع والقِسّ (جوتفيرايد كونزلن ): "لقد مَثَّلت العلمانية تراجع السلطة المسيحية وضياع أهميتها الدينية، وأزالت السيادة الثقافية للمسيحية عن (أوروبا )، ثُم عجزت عن تحقيق سيادة دِينها العلماني على الإنسان الأوربيّ؛ ففقد الناس النجم الذي كانوا يهتدون به: وَعْد الخلاص المسيحي، ثُم وعد الخلاص العلماني ".
وكان الفراغ الروحي الذي سَقطت فيه الشعوب الأوربية حاضرًا، وخاصة بَعد إفلاس الحداثة ودِينها الطبيعي، وهذا كان ظاهرًا على أرض الواقع وبالحقائق والأرقام؛ فالذين يؤمنون في (أوروبّا ) بوجود إله - مجرد وجود إله - لا يتعدون 14% مِن الأوروبيين، والذين يواظبون على حضور القُدّاس بالكنيسة الكاثولويكية في (فرنسا ) أقل مِن 5% مِن السكان؛ أي أقل مِن نِصف عدد المسلمين في (فرنسا )، وفي ألمانيا توقف القدَّاس في 100 كنيسة مِن أصل 350 كنيسة بسبب قلة الزّوّار، الأمر الذي زاد مِن عدد الكنائس المعروضة للبيع، والتحوُّل إلى أغراض أخرى مثل المطاعم والملاهي وحتى المساجد. هذا الواقع البائس الذي صنعته العلمانية بالمسيحية الأوروبية، هو الذي جَعل بابا الفاتيكان (بنديكتوس السادس عشر ) يُعلِن عن مخاوفه الثلاثة وهي: انقراض الأوروبيين المسيحيين بسبب تحلل الأسرة وعدم الإنجاب، وحلول الهجرات المسلمة محل المسيحيين الأوروبيين المنقرضين، وأنْ تُصبح (أوروبا ) جزءًا مِن دار الإسلام في القرن الواحد والعشرين.
3- الحقد الصليبيّ على الإسلام
4- التحالف بَيْن المدفع العلماني وإنجيل المُنَصِّرين
5- لماذا الحرب على الإسلام؟
6- وفود العلمانية في رِكاب الغزوة الاستعمارية
7- الأصول الإسلامية لرفض العلمانية
8- المُتغرِّبون العلمانيون
محمد عمارة - هو مفكر إسلامي مصري، ومؤلف ومحقق وعضو مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، وعضو هيئة كبار علماء الأزهر، وعضو المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية بمصر، ورئيس تحرير مجلة الأزهر حتى 16 يونيو 2015.
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ ثورة 25 يناير وكسر حاجز الخوف ❝ ❞ الغزو الفكري وهم أم حقيقة؟ ❝ ❞ تحرير المرأة بين الغرب والاسلام ❝ ❞ شبهات حول القرآن الكريم ❝ ❞ الحضارات العالمية: تدافع أم صراع؟ ❝ ❞ تقرير علمي تعليقا على كتاب: مستعدين للمجاوبة لسمير مرقس الممنوع في مصر ❝ ❞ الإسلام والأقليات: الماضي، والحاضر، والمستقبل ❝ ❞ هذا هو الإسلام: الدين والحضارة، عوامل امتياز الإسلام - شهادة غربية ❝ ❞ في المسألة القبطية حقائق وأوهام ❝ الناشرين : ❞ دار الشروق للنشر والتوزيع: مصر - لبنان ❝ ❞ دار نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ الأزهر الشريف ❝ ❞ دار الشروق ❝ ❞ دار السلام للطباعة والنشر والتوزيع والترجمة ❝ ❞ دار الكتب والوثائق القومية ❝ ❞ دار الوفاء لدنيا الطباعة والنشر ❝ ❞ مكتبة الشروق الدولية ❝ ❞ دار الدعوة للطبع والنشر والتوزيع ❝ ❞ دار الامام البخاري ❝ ❞ مكتبة الإمام البخاري للنشر والتوزيع ❝ ❞ دار العلوم ❝ ❞ دار النهار للطباعة والنشر والتوزيع ❝ ❞ مركز الإعلام العربي ❝ ❞ مركز دراسات العالم الاسلامى ❝ ❞ دار الوحدة ❝ ❱
من كتب الرد على العلمانية كتب الردود والمناظرات - مكتبة كتب إسلامية.