❞ كتاب تاريخ علماء الأندلس مجلد 1 ❝ ⏤ عبد الله بن محمد ابن الفرضي
الآنْدَلُس أو الآنْدُلُس، المعروفة أيضًا في الخطاب الشعبي الغربي خُصوصًا والعربي والإسلامي أحيانًا باسم «إسپانيا الإسلاميَّة» أو «أيبيريا الإسلاميَّة»، هي إقليمٌ وحضارةٌ إسلاميَّة قروسطيَّة قامت في أوروپَّا الغربيَّة وتحديدًا في شبه الجزيرة الأيبيريَّة، على الأراضي التي تُشكِّلُ اليوم إسپانيا والپرتغال، وفي ذُروة مجدها وقوَّتها خلال القرن الثامن الميلاديّ امتدَّت وُصولًا إلى سپتمانيا في جنوب فرنسا المُعاصرة. غير أنَّ التسمية عادةً ما يُقصد بها فقط الإشارة إلى الأراضي الأيبيريَّة التي فتحها المُسلمون وبقيت تحت ظل الخِلافة الإسلاميَّة والدُويلات والإمارات الكثيرة التي قامت في رُبوعها وانفصلت عن السُلطة المركزيَّة في دمشق ومن ثُمَّ بغداد، مُنذ سنة 711م حتَّى سنة 1492م حينما سقطت الأندلس بيد اللاتين الإفرنج وأُخرج منها المُسلمون، علمًا أنَّه طيلة هذه الفترة كانت حُدودها تتغيَّر، فتتقلَّص ثُمَّ تتوسَّع، ثُمَّ تعود فتتقلَّص، وهكذا، استنادًا إلى نتائج الحرب بين المُسلمين والإفرنج.
قُسِّمت الأندلس إلى خمس وحداتٍ إداريَّة بعد فتحها واستقرار الحُكم الإسلامي فيها، وتلك الوحدات تُقابلُ تقريبًا كُلًا من: منطقة أندلوسيا، والجُمهوريَّة الپرتغاليَّة، ومنطقة جليقية (غاليسيا)، ومنطقة أراگون المُعاصرة؛ ومنطقة قشتالة، ومملكة ليون، وكونتيَّة برشلونة، ومنطقة سپتمانيا التاريخيَّة. أمَّا من الناحية السياسيَّة، فقد كانت في بادئ الأمر تُشكِّلُ ولايةً من ولايات الدولة الأُمويَّة زمن الخليفة الوليد بن عبد الملك، وبعد انهيار الدولة الأُمويَّة وقيام الدولة العبَّاسيَّة، استقلَّ عبد الرحمٰن بن مُعاوية، وهو أحد أُمراء بني أُميَّة الناجين من سُيُوف العبَّاسيين، استقلَّ بالأندلس وأسس فيها إمارة قُرطُبة، فدامت 179 سنة، وقام بعدها عبد الرحمٰن الناصر لِدين الله بإعلان الخِلافة الأُمويَّة عوض الإمارة، لِأسبابٍ سياسيَّة خارجيَّة في الغالب، وقد تفككت الدولة الأخيرة في نهاية المطاف إلى عدَّة دُويلات وإمارات اشتهرت باسم «الطوائف». كانت الإمارات والدُول الأندلُسيَّة المُتعاقبة مرتعًا خصبًا للتحاور والتبادل الثقافي بين المُسلمين والمسيحيين واليهود من جهة، وبين العرب والبربر والقوط والإفرنج من جهةٍ أُخرى، وقد انصهرت هذه المُكونات الثقافيَّة في بوتقةٍ واحدة وخرج منها خليطٌ بشري وحضاري ميَّز الأندلس عن غيرها من الأقاليم الإسلاميَّة، وجعل لها طابعًا فريدًا خاصًا. كانت الشريعة الإسلاميَّة هي المصدر الأساسي للحكم والقضاء وحل المُنازعات، وترك المُسلمون أهل الكتاب من اليهود والنصارى يرجعون إلى شرائعهم الخاصَّة للتقاضي والتظلُّم، لقاء الجزية. شكَّلت الأندلس منارةً للعلم والازدهار في أوروپَّا القروسطيَّة، في حين كانت باقي القارَّة تقبع في الجهل والتخلُّف، وأصبحت مدينة قُرطُبة إحدى أكبر وأهم مُدن العالم، ومركزًا حضاريًا وثقافيًا بارزًا في أوروپَّا وحوض البحر المُتوسِّط والعالم الإسلامي، مُنافسةً بغداد عاصمة الدولة العبَّاسيَّة والقُسطنطينيَّة عاصمة الإمبراطوريَّة البيزنطيَّة. ساهم العُلماء الأندلُسيّون على اختلاف خلفيَّاتهم العرقيَّة والدينيَّة بتقدُّم مُختلف أنواع العُلوم في العالمين الإسلامي والمسيحي، ومن هؤلاء على سبيل المِثال: جابر بن أفلح في علم المُثلثات، وإبراهيم بن يحيى الزرقالي في علم الفلك، وأبو القاسم الزهراوي في الجراحة، وابن زُهر في الصيدلة، وغيرهم.
عاشت الأندلس صراعاتٍ مريرةٍ مع الممالك المسيحيَّة الشماليَّة أغلب تاريخها، وبعد أن تفككت دولة الخِلافة فيها وقامت دُويلات مُلوك الطوائف، تشجَّعت الممالك المسيحيَّة على مُهاجمتها وغزو أراضيها، بِقيادة ألفونسو السادس ملك قشتالة، فانتفضت دولة المُرابطين بالمغرب الأقصى لِنُصرة الأندلس، وتمكَّنت من صد الهجمات الإفرنجيَّة والقضاء على استقلال جميع دُويلات الطوائف، فأصبحت الأندلس ولايةً من ولايات الدولة المُرابطيَّة، ووريثتها الدولة المُوحديَّة من بعدها. تمكَّنت الممالك المسيحيَّة الإفرنجيَّة في نهاية المطاف من التفوّق على جيرانها المُسلمين، فتمكَّن ألفونسو السادس من السيطرة على طُليطلة سنة 1085م، وسُرعان ما أخذت باقي المُدن الإسلاميَّة تتساقط بيد الإفرنج الواحدة تلو الأُخرى، وفي سنة 1236م سقطت قُرطُبة، وأصبحت إمارة غرناطة خاضعة لِسُلطان مملكة قشتالة وتدفعُ لها الجزية لقاء عدم التعرُّض لها. وفي سنة 1249م تمكَّن ألفونسو الثالث ملك الپرتغال من انتزاع منطقة الغرب من المُسلمين، الأمر الذي جعل من غرناطة الحصن الوحيد والأخير للمُسلمين في الأندلس. وفي يوم 2 ربيع الأوَّل 897هـ المُوافق فيه 2 كانون الثاني (يناير) 1492م، إستسلم أمير غرناطة أبو عبد الله مُحمَّد الثاني عشر إلى الإفرنج وسلَّم المدينة إلى الملكين الكاثوليكيين: إيزابيلَّا القشتاليَّة وفرناندو الثاني الأراگوني، مُنهيًا بذلك العصر الإسلامي في أيبيريا. وقد نزح المُسلمون واليهود من الأندلس بِأعدادٍ كبيرة، وتبعثروا في المغرب العربي ومصر والشَّام والآستانة عاصمة الدولة العُثمانيَّة. وكان العُثمانيون قد خططوا للهُجوم على الأندلس واستردادها، لكنَّ الخطة لم تُطبَّق لانشغال الأُسطول العُثماني بفتح قبرص ولِعدم التوصل إلى اتفاق مع الدولة السعديَّة المغربيَّة. تركت الحضارة الأندلسيَّة علامةً بارزةً في الثقافتين الإسپانيَّة والپرتغاليَّة، من حيثُ المطبخ، والعمارة، وتخطيط الحدائق، والملبس، خُصوصًا في الأجزاء الجنوبيَّة من تلك البلاد، كما استعارت اللُغتين الإسپانيَّة والپرتغاليَّة الكثير من التعابير والمُصطلحات العربيَّة والأمازيغيَّة وأصبحت تُشكِّلُ جُزءًا لا يتجزَّأ من قاموسها.
يعتبر كتاب « تاريخ علماء الأندلس »، للعلامة « أبي الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي، المعروف بابن الفرضي (المتوفى: 403هـ) »، من أهم وأول الكتب التي ألفت في علماء الأندلس ورواة العلم بها.
وفي كتابه هذا يجمع المصنف تاريخ علماء الفقه ورواة الحديث في الأندلسيين الذين عاشوا في الأندلس أو رحلوا عنها والذين استوطنوها وكانت لهم آثار بين الناس، وقد اتخذ ابن الفرضي في ترجمته للأعلام الواردة بكتابه منهجاً بسيطاً دون الدخول في تفاصيل تخرجه عن منهجه الذي التزم به، فقد بدأ بذكر اسم صاحب الترجمة ثم كنيته ونسبه ثم ميلاده وأساتذته الذين سمع منهم وموطنه ومحل نشاطه العلمي وولايته إذ ولى بعض البلاد أو رحلاته إن وجدت وولايته القضاء خاصة، ثم وفاته.
* قال إبن الفرضيِ: "هذا كتابٌ جَمَعناه: في فُقهاءِ الأندَلسِ وعُلمائهم ورُواتهم، وأهل العِنايةِ منهم؛ مُلخَّصاً: على حَرف المُعْجَم؛ قَصْدنا فيه قصْد الاختصار، وغَرَضُنا فيه ذِكْرُ أسماءِ الرجالِ وكُناهم وأنسابِهم، ومن كان يَغلِبُ عليه حِفْظُ الرَّأْي منهم؛ ومَن كان الحديثُ والرَّوايةُ امْلكَ به، وأغلَبَ عليه؛ ومن كانتْ له إلى المَشرق رِحْلَةٌ؛ وعن من رَوى، ومَن أجَلُّ مَن لَقَى؟ ومَن بَلَغ منهم مَبَلَغ الأخْذِ عنه؛ ومن كان يُشاوَرُ في الأحكام ويُستَفتى؛ ومَن وَلِي منهم خُطَّةَ القضاء؛ ومن المَولِد والوَفاةِ؛ ما أمْكَنني: على حسَبِ ما قَيَّدتُه." .
عبد الله بن محمد ابن الفرضي - ولد أبو الوليد عبد الله بن محمد بن يوسف بن نصر الأزدي[2] في قرطبة[3] في ذي القعدة عام 351 هـ،[4] درس ابن الفرضي على يدي علماء قرطبة، قبل أن يرحل إلى المشرق عام 382 هـ، حيث حج وأخذ عن علماء مكة ومصر والقيروان قبل أن يعود للأندلس.[2] عاد ابن الفرضي من المشرق، وهو على علم بالفقه والحديث وعلم الرجال والأدب،[2] كما كان حسن البلاغة والخط،[5] جمّاعًا للكتب
❰ له مجموعة من الإنجازات والمؤلفات أبرزها ❞ تاريخ علماء الأندلس مجلد 1 ❝ ❞ تاريخ علماء الأندلس مجلد 2 ❝ الناشرين : ❞ دار الغرب الإسلامي ❝ ❱
من كتب التاريخ الإسلامي - مكتبة كتب التاريخ.