❞ 📚 أهم كتب في قصص ايطالية . ❝
الأهم والأكثر تحميلًا .. في كتب اكبر مكتبة لـ قصص ايطالية . . جميع الكتب المتعلقة بـ قصص ايطالية . .
الأدب الإيطالي يشمل الأدب الإيطالي روائع عديدة كُتبت منذ بدايات القرن الثالث عشر الميلادي. كما أنه عزّْز حركات ثقافية مهمة كان لها أثر دائم على آداب قومية أخرى. ولم تصبح اللغة الإيطالية لغة قومية عامة إلاّ بعد عام 1870م. ومع ذلك فإن إحدى خصائص الأدب الإيطالي أن له لغة موحدة خلال تاريخه الطويل. وقد حدث هذا التوحيد لأن ثلاثة كُتّاب إيطاليين كبارٍ في القرن الرابع عشر الميلادي هم دانتي اليجيري وبترارك وجيوفاني بوكاتشيو كتبوا بلغة مبنيّة على اللهجة التسكانية التي كان يتحدث بها أهل فلورنسا. ولقد قُلِّدت لغتهم وأعمالهم لبضعة قرون في الوقت الذي درج فيه الإيطاليون على استعمال لهجات منطوقة عديدة.
الأدب اللاتيني في العصور الوسطى المبكرة
A depiction of Boetius teaching his students (1385). Boetius, a 6th century Christian philosopher, helped keep alive the classic tradition in post-Roman Italy.
العصور الوسطى
عرفت إيطالية قبل الميلاد وبعده بسنوات ما يسمى بالأدب الروماني الذي استمر حتى زوال الامبراطورية الرومانية. تبعه أدب العصور الوسطى الخاص بالمجتمع الأوربي المسيحي الذي شمل دولاً أوربية أخرى مجاورة. ووقف الأديب الإيطالي إلى جانب نظرائه الفرنسي والألماني والإنكليزي يخاطب العالم المسيحي باللغة اللاتينية متناسياً المصالح القومية لكلّ دولة. وكان ينادي بوحدة الأدب مثلما كان ينادي بوحدة الثقافة والإيمان. وكانت لغة الشعر هي الأولى التي جمعت الأدباء في إيطالية وخارجها، وظل الشعر لغة المجتمع الأرستقراطي ذي المثل الخيالية حتى ظهور لغة العامة إلى جانب اللغة اللاتينية، عندئذ نشأت علاقة جديدة بين الأديب والقارئ، عندما بدأ الأديب يكتب بلغة العامة ويتحدث بلسان شعبه غير مبال بقارئه خارج الحدود الإيطالية. واكتسب الأدب صفة قومية وشعبية عندما بدأ الشاعر دانته ألگييري ينظم الشعر بلغة العامة. ووجد أنصار لغة العامة صعوبة في مواجهة علماء اللاهوت والصوفيين ورجال القانون والمؤرخين. ولم يكن من السهل التخلي عن اللغة اللاتينية وما يلازمها من أسس دينية وأخلاقية شكلت دعامة لمجتمع النبلاء وللثقافة الكهنوتية. ففي العصور السالفة كان التعليم العالي في إيطالية مقروناً بدراسة الحقوق والطب والبلاغة ولحقت الفلسفة بعلوم الطب. وأخّرت المكانة التي احتلتها اللغة اللاتينية رسمياً في الإدارات وفي لغة الوثائق منذ عام 960 ارتقاء لغة العامة إلى مصاف اللغة الأدبية حتى القرن الثالث عشر، عندما دافع القديس فرانتشيسكو داسيزي عن استخدام لغة العامة في كتابه «ترتيلة المخلوقات»، وهو من المؤلفات الإيطالية القديمة التي كتبت بنثر إيقاعي مقرون بسجع وقافية وفيه تسبيح من المخلوقات وسجود لخالق الكون.[1]
وشهد القرن الثالث عشر مدرسة شعرية حديثة استمدت اسمها «الأسلوب الجديد العذب» من عبارة لدانتي. وجمع مؤسس هذه المدرسة گويدو گوينيتزيلي حول الشاعرين دانته وگويدو كڤلكنتي مجموعة من الشعراء الشباب في توسكانة أمثال لاپو جاني وجاني ألفاني وتشينو دا پيستويا وتغنى هؤلاء الشعراء، الذين أرادوا أن تكون قصائدهم صفوة الشعر، بفداء الحبيبة. واعتمد شعراء آخرون أمثال فولگوره دا سان جيمينيانو وروستيكو دي فيليپو وتشكو أنجولييري الشعر الهزلي في مغالاتهم في الكلام وإسرافهم في وصف الواقع وبحثهم عن المثل العليا وسط الطبقة البرجوازية، وكان الشعر الهزلي استمراراً لشعر العصور الوسطى لذا وقف دانتي بين القديم والجديد منتهجاً الأسلوبين.
ودعت حركة دينية في نهاية القرن الثالث عشر إلى تجديد الأسس الاجتماعية، وإحياء القيم الأخلاقية، متأثرة بالإصلاح الديني الذي نادت به الكنيسة. إلا أن هذه الحركة اتجهت نحو التحرر من النفوذ الكنسي وأدخلت في مبادئها موضوعات سياسية واجتماعية إلى جانب موضوعاتها الدينية التي تعود إلى الشعر القديم: نهاية العالم وعفة النفس وإغاثة الفقير ويقظة الضمير، وحتمية الموت، ومن أشهر روادها جاكوبوني دا تودي الذي عرف بتسابيحه وأشهرها «بكاء العذراء». ولم يكتسب الأدب الإيطالي في هذه الحقبة صبغة دينية فحسب بل أيضاً صبغة تعليمية هادفة، فكان الأدب وسيلة لنشر المبادئ والمذاهب التي تدعم حقيقة الإيمان؛ وساعد في ذلك وجود شريحة اجتماعية جديدة من القرّاء توّاقة إلى اكتساب المعرفة والعلم، كما ساهم عدد من الأدباء في شمالي إيطالية خاصةً في نشر هذه الحركة الأدبية التعليمية وكان أشهرهم برونيتو لاتيني وگويتوني داريتزو.
القرن الرابع عشر والخامس عشر
سجل القرن الرابع عشر ثلاثة أسماء كبار في الأدب الإيطالي: دانته وفرانتشيسكو بتراركا وجوفاني بوكاتشو. حاول بتراركا الارتقاء بالشعر إلى اللغة الأدبية المصفاة من شوائب لغة العامة والأسلوب الواقعي، واقترن شعره بالطبقة الأرستقراطية وبالبلاط، وكانت صقلية مهداً له في عهد فريدريك الثاني ثم أصبحت مدرسة صقلية الشعرية منهلاً للشعراء في جنوبي إيطالية وشماليها. ومن المؤكد أن الأدب لم يبلغ في القرن الرابع عشر المكانة التي كانت للرسم والنحت، والتي كان لها أثر يشبه أثر الشاشة الصغيرة في القرن العشرين؛ إذ بقي أدب البلاط قاصراً على شريحة من المثقفين حتى بداية عام 1470 عند طباعة النصوص الأولى لكبار الأدباء بلغة العامة: ديوان «الشعر الغنائي» لپتراركا (طبعة البندقية عام 1470) و«الديكاميرون» لبوكاتشو (طبعة البندقية 1471) و«الكوميديا (أو الملهاة) الإلهية» لدانتي (طبعات فولينيو ومانتوڤا والبندقية الثلاث 1472).
يضاف إلى ذلك أن النزعة الأدبية الإنسانية ساهمت في نشر لغة العامة مدافعة عن حرية الإنسان في التعبير. ومن أنصارها ليون باتيستا ألبرتي وليوناردو دافينشي الذي احتل المكانة الأولى في الفنون، إلا أنه ناظر بلغة الأدباء وآثر لنفسه التعبير التلقائي عند تدوين أفكاره حول لوحاته الفنية. ولمع في فلورنسة اسم أنجلو پوليتسيانو ولويجي پولچي وفي نابولي اسم ماسوتشو سالرنيتانو وياكوبو سناتزارو.
عصر پوليتيان
وأفاد أدباء فلورنس من عونه ومثلهن فأخذوا يزيدون في كل يوم ما يكتبونه باللغة الإيطالية، وأخرجوا على مهل اللغة التسكانية الأدبية التي أضحت نموذجاً ومثلاً تحتذيه شبه الجزيرة كلها. ويصفها ڤاركي المتحمس لوطنيته: » بأنها ليست أحلى واغنى لغات إيطاليا وأكثرها ثقافة فحسب، بل إنها تفوق في هذا كله جميع اللغات المعروفة في هذه الأيام(12)«.
وبنما كان لورندسو يحيي الأدب الإيطالي، كان في الوقت عينه يواصل في جد وحماسة مشروعا جده فيجمع كا ما يستطيع من الكتب الأدبية اليونانية والرومانية القديمة ليفيد منها العلماء في فلورنسا. من ذلك أنه بعث بوليتيان وجون لاسكارس إلى كثير من المدن في إيطاليا وخارجها لشراء المخطوطات القديمة، وقد جاء لاسكارس من دير واحد عند جبل آثوس بمائتي مخطوط، منها عشرون لم تكن معروفة حتى ذلك الوقت في أوربا الغربية. ويقول بوليتيان إن لورندسو كان يود لو سمح له بأن ينفق كل ثروته، بل ويرهن أثاث بيته ليبتاع الكتب. وكان يستأجر النساخين لينسخوا له ما لا يستطيع شراءه من المخطوطات، ويجيز في نظره ذلك لغيره من المولعين بجمع الكتب أمثال ماثياس كورڤينوس ملك المجر وفدريگو دوق أربينو أن يرسلوا نساخين من عندهم ليعيدوا نسخ ما في مكتبة آل ميديتشي من مخطوطات.. وقد ضمت هذه المجموعة بعد موت لورندسو إلى المجموعة الأخرى التي وضعها كوزيمو من قبل في دير سان ماركو، وكانت المجموعتان تضمان في عام 1495 تسعة وثلاثين والف مجلد منها ستون وأربعمائة باللغة اليونانية. وخطط ميكل أنجلو فيما بعد داراً فخمة لهذه الكتب، وأطلق عليها الخلف أسم لورندسو فسماها المكتبة اللورنتيانية. ولما أنشأ برناردو تشنيني مطبعة في فلورنسا (1471)، لم يسخر لورندسو من الفن الجديد، كما سخر منه صديقه بوليتيان أو فدريگو دوق أربينو، بل يبدو أن ما سوف يتمخض عنه نظام الحروف المتنقلة من إمكانيات، واستخدم العلماء لمقابلة النصوص المختلفة حتى تطبع الكتب القديمة بأعظم الدقة المستطاعة في ذلك الوقت. وشجع ذلك بارتولوميو دي لبري فطبع النسخة الأصلية من مؤلفات هومر (1488) برعاية العالم المدقق دمتريوس كالكونديلس، وكذلك أصدر جون لاسكارس النسخة الأصلية من مؤلفات يورپيدز (1494)، والمختارات الشعرية اليونانية، ومؤلفات لوتشيان، وطبع كرستوفورو لندينو أشعار هوراس (1482)، وڤرجيل، وپلني الأكبر، ودانتي، وكانت لغة هؤلاء الثلاثة وإشاراتهم تحتاج في هذا الوقت إلى شئ من الإيضاح. وفي وسعنا أن نستشف روح ذلك العصر إذا عرفنا أن فلورنسا كافأت كرتوفورو على أعماله العلمية بأن أهدت إليه بيتاً فخماً.
وهرع العلماء إلى فلورنس بعد أن أغراهم بذلك اشتهار آل ميديتشي وغيرهم من أهل فلورنس بما يغدقونه عليهم من الهبات، واتخذوا هذه المدينة عاصمة الثقافة الأدبية. وكان من هؤلاء العلماء ڤسپازيانو دا بستتشي الذي كان يعمل بائعاً للكتب وأميناً للمكتبات في فلورنسا، وإربينو، وروما، ثم ألف سلسلة بليغة محكمة في سير أعيان الرجال خلد فيها أسماء كتاب ذلك العصر وأنصار العلم فيه. وأراد لورندسو أن ينمي التراث الذهني للوع البشري وينقله إلى الأجيال القادمة فأعاد إلى الوجود الجامعة القديمة في بيزا والمجمع العلمي الأفلاطوني في فلورنس ووسع نطاقهما. ولم يكن مجمع فلورنس العلمي كلية رسمية بل كان هيئة من العلماء المولعين بفلسفة أفلاطون، يجتمعون في فترات غير منتظمة في قصر لورندسو بمدينة فلورنس أو في قصر فتشينو الريفي في كارِگي، ويطعمون معاً، ويقرءون بصوت عال محاورة من محاورات أفلاطون أو أجزاء منها، ثم يتناقشون فيما تحتويه من آراء فلسفية. وكان المجمع يحتفل باليوم السابع من نوفمبر، وهو الذي يزعمون أن أفلاطون ولد ومات فيه، احتفالا لا يكاد يقل روعة ومهابة عن الاحتفالات الدينية، فكانوا يتوجون بالأزهار تمثالا نصفياً يعتقدون أنه تمثال أفلاطون، ويوقدون أمامه مصباحاً كما توقد المصابيح أما صور الآلهة. وقد اتخذ كرستوفورو من هذه الاجتماعات أساساً للحديث الخيالي الذي سماه جدل الكملدولينين (1468) وذكر فيه كيف زار هو وأخوه دير الرهبان الكملدولينين، والتقى فيه بالشابين لورندسو وجوليانو ده مديتشي، وليون باتستا ألبرتي وستة آخرين من علية أهل فلورنس، وكيف كانوا يضطجعون على الكلأ قرب عين ماء جارية، ويوازنون بين حياة المدينة المسرعة القلقة، وسكنى الريف الصحي الجميل، وبين حياة النشاط وحياة التأمل والتفكير، وكيف كان ألبرتي يمتدح حياة التفكير الريفي، بينما كان لورندسو يقول إن العقل الناضج يؤدي أكمل وظيفته ويجد أعظم ما يرضيه في خدمة الدولة وفي تجارة العالم(13).وكان بين من يحضرون مناقشات المجمع العلمي الأفلاطوني بوليتيان، وپيكو دلا ميراندولا ومرسيليو فيتشينو وقد بلغ من إخلاص مرسيليو للمهمة التي ندبه لها كوزيمو أن خصص حياته كلها تقريباً لترجمة أفلاطون إلى اللغة اللاتينية، ولدراسة الأفلاطونية، وتعليمها، والكتابة عنها. وكان في شبابه وسيم الخلق إلى درجة جعلت عذارى فلورنس يشغفن به حباً. ولكن عنايته بهن كانت أقل من عنايته بكتبه، وقد ضل عن دينه وقتاً ما، وخيل إليه أن الأفلاطونية أسمى من الدين قدراً، وكان يلقب طلابه »بأحبائه في أفلاطون« بدل »أحبائه في المسيح«(14)، وكان يحرق الشموع أمام تمثال نصفي لهذا الفيلسوف، ويمجده كما يمجد القديسين(15)، ولم تكن المسيحية وهو في هذه النشوة تبدو له إلا أنها أحد الأديان الكثيرة التي تخفي كثيراً من عناصر الحق في طيات عقائدها المجازية وطقوسها الرمزية، وظل كذلك حتى ردته كتابات القديس أوغسطين، وشكر الله على شفائه من مرض خطير، إلى الإيمان بالدين المسيحي، وبلغ من شدة إيمانه أن أصبح قسيساً حين بلغ سن الأربعين، ولكنه ظل مع ذلك متحمساً للأفلاطونية، يقول إن سقراط وأفلاطون قد جاءا بعقيدة للتوحيد لا تقل نبلا عما جاء به أنبياء بني إسرائيل، وأنهما هما أيضاً ق نزل عليهما الوحي نزولا مصغراً، كما نزل في الواقع على جميع الناس الذين يخضعون لحكم العقل. وحذا لورندسو وبعض الكتاب الإنسانيين حذوه فسعوا إلى تفسير الدين المسيحي تفسيراً يقبله الفيلسوف دون أن يعملوا على استبدال دين جديد بهذا الدين. وظلت الكنيسة جيلاً من الزمان أو جيلين (1447-1534) تبتسم لهذه المخاطرة وتتسامح مع لقائمين بها حتى جاء سفنرولا وشنع بها وقال إنها خداع وتضليل. وكانت الشخصية الساحرة الجذابة التي لا يعلو عليها إلا لورندسو نفسه هي شخصية الكونت جيوفني بيكو دلا ميرندولا. وكان مولده في البلدة (القريبة من ميدونا) التي أذاع اسمه شهرتها، ثم تلقى العلم في بولونيا وباريس، وكان يستقبل بأعظم مظاهر التكريم في بلاط الملوك والأمراء في أوربا كلها تقريباً، حتى أقنعه لورندسو آخر الأمر أن يتخذ فلورنس موطناً له. وكان عقله الحريص على العلم المتحمس له ينتقل من فرع منه إلى فرع- من الشعر، إلى الفلسفة، إلى العمارة، إلى الموسيقى،-وقد وصل في كل فرع منها إلى درجة غير قليلة من البراعة. حتى قال عنه بوليتيان إن الطبيعة قد كملته فجمعت فيه كل مواهبها: »كان طويل القامة، متناسب الأعضاء، يشع وجهه بشيء من النورانية الإلهية«، نافذ النظرات، لا يمل الدرس، قوي الذاكرة إلى حد الإعجاز، غزير المعرفة في كل فرع من فروع العلم، فصيح اللسان يجيد عدة لغات، تعجب به النساء ويحبه الفلاسفة، لا يقل جمال خُلقه عن وسامة خَلْقه، بلغ الدرجة العليا في جميع الصفات الذهنية. وكان عقله مفتوحاً لجميع الفلسفات والأديان، لا يسعه ولا يوائمه أن يرفض أي نظام أو أي إنسان، ومع أنه نبذ التنجيم في السنين الأخيرة من حياته، فإنه رحب بالتصوف وبالسحر ولقيا منه من القبول ما لقيه أفلاطون والمسيح. ولم يظن بكلمة طيبة على الفلاسفة المدرسين، الذين رماهم معظم من عداه من الكتاب الإنسانيين بأنهم قوم همج ينطقون بالسخافات والأباطيل. وكان يجد في التفكير العربي واليهودي كثيراً مما يدعو إلى الإعجاب، وكان من بين أساتذته وأصدقائه المكرمين عدد كبير من اليهود(16). وكان من بين ما درسه أسرار القبلة اليهودية، واعترف في غير مماحكة، ولا تكلف بما يعزى إليها من قدم، وجهر بأنه وجد فيها أدلة تقطع بألوهية المسيح. وإذا كان من ألقابه الإقطاعية أنه »كونت كنكورديا« Count of Cpncordia فقد أخذ على عاتقه ذلك الواجب السامي واجب التوفيق بين ديانات الغرب العظمى -اليهودية، والمسيحية، والإسلام-ثم التوفيق بينها وبين أفلاطون، ثم بين أفلاطون وأرسطو. واكن كل من عرفه يتودد إليه ويتملقه، ولكنه ظل إلى آخر حياته القصيرة يحتفظ بتواضعه الساحر الفنان الذي لا تضارعه إلا ثقته القوية المخلصة بدقة علمه وبقوة العقل الإنساني.
ولما قدم إلى روما في الرابعة والعشرين من عمره (1486)، أذهل القساوسة. والعلماء بأن نشر مجموعة مكونة من تسعمائة قضية تشمل المنطق، وما بعد الطبيعة، واللاهوت، وعلم الأخلاق، والرياضيات، والطبيعة، والسحر، والقبلة، وتضم فوق ذلك البدعة الدينية السمحة القائلة بأنه ما دامت أعظم خطيئة ارتكبها الإنسان محدودة غير أبدية، فإنها لا يمكن أن تستحق العقاب الأبدي. وجهر بيكو باستعداده للدفاع عن أية قضية من هذه القضايا وعنها جميعاً في أية مناقشة عامة ضد أي إنسان، وعرض أن يقوم بأداء جميع نفقات السفر لمن يريد أن يتحداه أيا كان البلد الذي يأتي منه. وقد مهد لهذه المباراة الفلسفية المقترحة بإعداد رسالة ذائعة الصيت عرفت فيما بعد باسم: (في كرامة الإنسان De hominis dignitale) عبر فيها بحماسة الشباب عن آراء الكتاب الإنسانيين في النوع الإنساني وهي الآراء التي تناقض معظم ما يراه أهل العصور الوسطى. وقد كتب بيكو في ذلك يقول: »من الأقوال المألوفة في المدارس أن الإنسان عالم صغير نتبين فيه جسماً امتزجت فيه العناصر الأرضية، بالروح السماوية، والنفس النباتية بحواس الحيوانات الدنيا والعقل الإنساني، وعقل الملائكة، وصورة الإله«(17)، ثم قال على لسان الله نفسه تلك العبارة التي قالها لآدم وعدها دليلا من قبل الله على ما للإنسان من إمكانيات لا حد لها: »لقد خلقتك كائناً لست سماوياً ولا أرضياً... لكي تكون حراً في أن تشكل نفسك وتتغلب عليها ... في مقدورك أن تنحط فتكون حيواناً، أو أن تولد من جديد في صورة الله«. وأضاف بيكو إلى هذه عبارة تنم عن الروح العليا الممثلة في النهضة الفنية:
»تلك هي العطية الإلهية التي لا تعلو عليها خطيئة ما، تلك هي سعادة الإنسان العظمى ليس بعدها سعادة... وهي انه يستطيع أن يكون ما يريد أن يكون. أن الحيوانات لتحمل معها من أجسام امهاتها من اللحظة التي تولد فيها كل ما هو مقدر لها أن تكونه، والأرواح العليا (الملائكة) هي منذ البداية... ما سوف تكونه إلى أبد الدهر، لكن الله أبا الكون قد وهب الإنسان منذ مولده أصول كل الإمكانيات وكل نوع من أنواع الحياة(18).
ولم يجرؤ أحد على أن يقبل تحدي بيكو فيناقشه في قضاياه المتعددة الأنواع، ولكن البابا إنوسنت الثامن وسم ثلاثاً من هذه القضايا بالإلحاد، وإذا لم تكن هذه القضايا الثلاث إلا جزءاً صغيراً من مجموع قضاياه، فإن بيكو كان يسعه أن ينتظر من البابا الرأفة به، وفي الحق أن إنوسنت لم يقف من هذه المسألة موقف الإصرار والمعاندة، ولكن بيكو أصدر تصريحاً رجع فيه عن أقواله فيها وإن يكن رجوعاً تكتنفه الحيطة والحذر، وسافر إلى باريس حيث عرضت عليه جامعتها أن تحميه من البابا، فلما كان عام 1496 أبلغ البابا إسكندر السادس المعروف بظرفه ودماثة خلقه بيكو أنه قد نسي كل شيء، فعاد بيكو من فوره إلى فلورنس، وأصبح من أخلص أتباع سفنرولا، وتخلى عن سعيه وراء التبحر في العلوم عامة، وأحرق مجلداته الخمسة في الغزل. وخرج عن ماله لأداء بائنات الفتيات الفقيرات، وعاش هو نفسه كما يعيش الرهبان، وفكر يوماً ما في الانضمام إلى طائفة الرهبان الدمنيكيين، ولكنه مات قبل أن يكوّن رأيه في هذا الموضوع-وكان عند وفاته لا يزال شاباً في الحادية والثلاثين من عمره. ولم يمنح نفوذه بعد انقضاء حياته القصيرة، وكان هو الملهم لرتشلين Reuchlin أن يواصل في ألمانيا تلك الدراسات العبرية التي كان يشغف بها بيكو طوال حياته.
وكان بوليتيان يعجب ببيكو إعجابا نبيلا كريماً، ويصحح شعره بعد أن يقدم لذلك أجمل اعتذار. على أن نجمه لم يلمع بالقوة والسرعة اللتين لمع بهما نجم بيكو، وإن كان أكثر منه نفاذاً إلى بواطن الأمور، وأعظم منه ثقافة وتهذيباً. واتخذ أنجيلس باسوس كما كان يسمى نفسه أول الأمر-أو أنجيلو أمبروجيني كما كان يسميه بعضهم-اتخذ اسمه الذي اشتهر به اكثر من غيره من الأسماء من مونتي بولدسيانو في مؤخرة مدينة فلورنسا. ودرس اللاتينية بعد أن قدم إلى فلورنس على كرستوفورو لندينو كما درس اللغة اليونانية على أندرونكوس سالونيكا ، والأفلاطونية على فتشينو، وفلسفة أرسطو على أرگيروپولوس. وبدأ وهو في السادسة عسرة من عمره يترجم هومروس إلى لغة يونانية قوية مليئة بالمصطلحات اللغوية إلى حد بدت معه وكأنها من أعمال العهد الفضي للشعر الروماني إن لم تكن من عهده الذهبي. ولما أتم ترجمة الكتابين الأولين بعث بالترجمة إلى لورندسو، فشجعه هذا الأمير- أمير أنصار الأدب والفن، اليقظ لكل ما يجده من جودة وامتياز-على الاستمرار في عمله، وأقامه في بيته واتخذه معلماً خاصاً لأبنه بيرو، وأمده بكل ما يحتاجه. ولما تحرر بوليتيان بفضل هذا العون من كل عوز أحذ ينشر النصوص القديمة ومن بينها قوانين جسفتيان وأظهر فيها من غزارة العلم واصالة الحكم ما أكسبه ثناء العالم الأدبي كله. ولما نشر لندينو أشعار هوراس قدم لها بوليتيان بقصيدة تضارع في لغتها اللاتينية، وتركيب جملها، وأوزانها الشعرية المعقدة قصائد هوراس نفسه. وكان يستمع إلى محاضراته في الأدب القديم آل ميديتشي، وبيكو دلا مير ندولا، وطلبة من الأجانب- روتشلن، وجروسين وغيرهما- بعد أن ترددت فيما وراء الألب أصداء شهرته في العالم، والشعر، والخطابة بلغات ثلاثة. وكان من عادته في كثير من الأحيان أن يبدأ محاضرته بقصيدة لاتينية طويلة يقرضها لتلك المناسبة خاصة، وكان من هذه القصائد قصيدة جزلة جميلة النغم سداسية الأوتاد تروي تاريخ الشعر من هوميروس إلى بوكاتشيو. وكشفت هذه القصيدة هي وغيرها من القصائد التي نشرها بوليتيان بعنوان السلفيات عن اسلوب لاتيني سهل، سلس، فياض، قوي الخيال إلى حد جعل الكتاب الإنسانيين ينادون به أميراً عليهم على الرغم من صغر سنه، وسرهم أن اللغة النبيلة التي كانوا يأملون إعادتها قد علمها بوليتيان تعليما بعث فيها الحياة من جديد. وقد جعل بوليتيان من نفسه كاتباً لاتينياً من طراز الكتاب اللاتين الأقدمين، غير أنه مع ذلك أصدر في يسر وخصب إنتاج طائفة متتابعة من القصائد باللغة الإيطالية لا نجد لها نظيرا في كل ما كتب بين بترارك وأريستو، فلما أن فاز جوليانو أخو لورندسو في مثاقفة أقيمت عام 1475 وصف بوليتيان هذه المثاقفة في قصيدة مثمنة الأوتاد، رخيمة النغم، رشيقة العبارة، ثم امتدح في قصيدته سيمونتا الحسناء جمال حبيبة جوليانو الأرستقراطي بشعر بليغ عذب جعل شعر الغزل الإيطالي من ذلك الوقت ينمو نمواً جديداً في رقة اللفظ وقوة الشعور. ويصف بوليتيان على لسان جوليانو خروجه إلى الصيد والتقائه بسيمونتا وغيرها من الفتيات يرقصن في الحقل فيقول:
وجدت الحورية الحسناء التي ألهبت قلبي بنار الحب
ذات مزاج لطيف، نقي، فطين تقف وقفة رشيقة،
يشع منها الحب والأدب، والقداسة، والحكمة، والظرف،
وجهها القدسي حلو رقيق.
تفيض منه البهجة وتتمثل في عينيها السماويتين جنات الخلد؛
وكل ما نتمناه نحن الخلائق الفانين المساكين من نعيم؛
وقد أرسلت من رأسها الملكي وجبينها الوضاء
غدائر ذهبية تساقط مسترسلة في بهجة وحبور؛
وأخذت الحسناء تسير بين المغنيين،
وقد انتظمت خطاها ونسقت على وقع الأنغام الشجية
وأرسلت إلىَّ من عينيها خلسة،
وهما لا تكادان ترتفعان عن بساط الحقل،
شعاعاً قدسياً مختلساً
وكأن شعرها قد دبت فيه الغيرة مني،
فسد طريق هذا الشعاع الوضاء وحجبه عن ناظري
ولكنها، وهي التي ولد..
مناقشات واقتراحات حول صفحة قصص ايطالية .: